الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 8الرجوع إلى "الفكر"

الأساس الكمي في إيقاع الشعر العربي

Share

انه لا فرق بين مفهوم الايقاع الشعرى والايقاع الموسيقى عند العرب . واعتبار الأساس الكمي فيهما - وعلى حد سواء - حقيقة تفرض نفسها فرضا رغم ما يبدو للعيان من وجود تفاوت يظهر اثره واضحا بين الدورات الايقاعية فى الشعر فى ما لها من القيم الكمية ، كالذى نلاحظه بالبصر فى الرمل بين ( فعلاتن ) و ( فاعلاتن ) و ( فعلن ) و ( فاعلن ) .

ومعلوم أن من يتدبر تلك الدورات بالبصر يجد بينها تفاوتا واضحا اذا اعتبرنا الفارق الزمني بين المقطع المقصور ( ف ) والمقطع الممدود ( فا ) والذي هو بينهما بنسبة التضعيف . فلا تتساوى للبصر بتاتا :

( فعلاتن ) = ( فاعلاتن ) = ( فعلن ) = ( فاعلن )  - u -        - u u        - - u -        - - u u 2 1 2      2 1 1       2 2 1 2      2 2 1 1  ______    ______    ______    ______    5             4              7               6

ولكن شيئا جذرى الأهمية يفوت العروضيين وهو أن العرب المستنبطين للايقاع لم يستنبطوه ليكون مرئيا بالبصر ولكن ليكون مسموعا بالأذن . وإن هذه الدورات ، وإن كانت تبدو متفاوتة للعيان ، هى متساوية عند من يتحسسها بالأذن . ويكفى لتحقيق ذلك تطبيق مبدأى الاهتضام والاسكات (1) وإذذاك تصبح الدورات متساوية مع بعضها فى كمياتها :

( فعلاتن ) = ( فاعلاتن ) = ( فعلااّس ) = ( فاعلااّس )  2211     5، 51 ،220    2211      5، 51 ،220  _____    ________   ______    ________  6               6                6              6

وذلك بتغيير النسبة عند الضرورة من الزحاف بين المقصور والممدود . واذذاك يتفق الايقاع فى الحقيقة وفي المفهوم بين الشعر والموسيقى عند العرب . والاهتضام والاسكات مبدأن مشتركان بين الشعر والموسيقى . والعلاقة بين هذين عريقة معترف بها من قديم ومنذ اتحادهما على خدمة فن الغناء منذ أقدم العصور .

تلك الخصائص الكمية للحركة الايقاعية كما نلمسها فى الشعر العربى القديم وفي الموسيقى العربية الكلاسيكية كما نجدها فى الموشحات . وهي حقائق ثابتة لم أستفدها من الكتب العروضية أو النظريات الموسيقية ؛ ولكنى استقيتها من الفن الذي تولدت عنه ونبعت منه وتألقت فيه ؛ وهو بين ايدينا . فليرجع الباحث إليه وليترك ما عداه فانه يوجد فى البحر من الأسماك ما يوجد بشباك الصيادين .

وأنتهز هذه الفرصة للرد على كمال أبو ديب الذى ألف في هذا الموضوع كتابا ضخما (1) أثار فيه قضية الكمية الايقاعية بما لا يمكن لمثلي أن يسكت على مثله .

إن الدكتور لما بحث فى هذه القضية انتهت به أبحاثه الى النتيجة الآتية : وهي أن التأليف الايقاعى فى الشعر العربى لا يقوم على أى أساس كمي بحيث لا يكون التعادل الكمي بين الدورات شرطا مطلوبا . وهو ما لا يمكن أن اتفق وإياه فيه إطلاقا ، لأنه يتعارض تماما وما كنت قررته منذ قليل .

ويذهب الدكتور الى تعليل حكمه بقوله : " إن تحديد القيمة الكمية للمكونات الصوتية الصغيرة على درجة كبيرة من الصعوبة . ولا يبدو أن هناك أى مبرر لاعتبار (u) أى المقطع القصير مساويا لنصف قيمة ( - ) أى

المقطع الطويل . واعتماد هذه الفكرة أساسا للتصور الكمي ثم القول إن ( u ) يمكن أن يحل محل ( - ) أى انه يساويه عمليا من حيث الدور الايقاعى حين نجد أن الوحدة (- - u -  ) مثلا تعادل إيقاعيا الوحدة ( - u - u ( يخلو من شرط أولى للدقة العلمية ، هو الانتظام فى تطبيق المفاهيم الأولية . وتأكيد الفرق بين قيمة ) u ( وقيمة ) - ( مرة ثم إهمال هذا الفرق مرة أخرى رغم ما يقود إليه ذلك من فقدان كمى كبير أحيانا كما هى الحال في تعادل (- - u -  ) و ( u u u - ) حيث تفقد قيمة مقطع طويل كامل لا يصلح أساسا علميا لنظرية سليمة فى إيقاع الشعر العربى (1) . ثم يضيف : " التصور السليم الذى تدعمه المعطيات الشعرية هو أن نلغي دور الكم فى الايقاع الشعرى العربى "

والمفهوم من قول هذا الباحث انه لا يقبل بأن تكون هناك نسبة فى العربية بين المقصور والممدود هى نسبة التضعيف وان يكون الأول نصف الثاني والثاني ضعف الأول . ومعقول أن رفض هذا المبدأ فى إيقاع الشعر العربى مما يبطل النظرية الكمية وينسفها نسفا . وهو ما يريد الباحث تحقيقه و يحتج فى ذلك بقوله ، بعبارة اخرى : كيف نسلم بهذا ونحن نجد فى الشعر وحدات يتساوى بينها المقصور والممدود وذلك كالذى فى ( فاعلن ) و( فعلن ) مثلا . لأننا إذا قبلنا بتساوى الصورتين كما هو موجود في الشعر فانه لا يكون هناك فرق بين ( فا ) بالمد فى الصورة الأولى وبين ( ف ) بالقصر فى الصورة الثانية . فتكون :

( - =  ( - u   (  - u u )

أى :

( 2 + + 12 )= ( 1+1+2 ) ________    _______        5              4

باعتبار نسبة التضعيف . وهو ما ينفى دور الكم بصفة واضحة .

ويبدو هذا القول لأول وهلة صوابا . وما هو فى الحقيقة الا تغرير ومغالطة . لأن الباحث عندما أشار إلى المعطيات الشعرية لم يذكر ان كانت هذه المعطيات مسموعة أو مرئية . لأنه ما ذنب الشعر إذا دونه كتبة الآثار بنفس الكتابة

التى دونوا بها النثر والتي إن استطاعت أن تجسم الخصائص الصوتية وبعض المميزات الحركية فانها عاجزة أتم العجز عن تجسيم الدقائق الايقاعية . هذا الصواب . لأن من يتدبر تينك الصورتين بالبصر والفكر وفي صيغتهما الصرفية يلاحظ أنهما متفاوتتان لا تتساويان ومن تحسسهما بالأذن وما أوتى من الحس الايقاعى وهما فى صيغتهما الشعرية أحس أنهما متساويتان لا تتفاوتان .

وهذا الاعتراض من قبلى لا يحل المشكل ولا يزيد على انه يطرحه من جديد ولكن في اتجاه سليم . ومهما قصر الدكتور عنه ومهما أخطأ فلن ننكر له خصلة ؛ وهي الثورة على التناقض الظاهر أثره واضحا فى علم العروض .

ولكنى أسأل الدكتور : لماذا آثر أن يبدأ بحثه ب ( مستفعلن ) وزحافها ( متفعلن ) بحذف السين :

( مستفعلن ) = ( متفعلن )  - - u -         u - u - 2122            2121   _____          _____    7                  6

ولم يبدأ ( متفاعلن ) وزحافها ( متفاعلن ) بتحريك التاء فى الأولى وتسكينها فى الثانية . ولو فعل لكانت النتيجة على عكس ما يريد . لان

( متفاعلن ) = ( متفاعلن )   u - u u -     - - u - _______    ______      7             7

ولاتضح له أن نسبة التضعيف بين المقصور والممدود فى الشعر العربى حقيقة لا جدال فيها وان أساس الكمية فى إيقاع الشعر العربي واقع ملموس حتى بالبصر لا يختلف اثنان فيه .

فلكأني بهذا الباحث حين اعتبر ( مستفعلن ) وتجاهل ( متفاعلن ) انما كان احرص على أن يغلق باب البحث في الكميات منه على أن يفتحه شأنه فى ذلك كشأن قوتولد فايل عندما قال : " ولذلك نتجه الى النبر   (1) " حتى إذا اعتذرا بما اعتذرا به استراحا من قضية الكميات التى تدعم الأحكام فيها بالأزقام وتشاغلا بقضية النبر التى هى إحدى البدع المستوردة من الغرب والتي ليست هى بشئ سوى أنها مجال واسع للاعتباط - أقولها صريحة - وللتمويه .

لأنه إذا صحت المعادلة بين ( متفاعلن ) فى صيغتها الأصلية وبين ( متفاعلن ) حينما يعتريها الزحاف فان معلقة عنترة برمتها تكون كلاما خاضعا في تأليفه إلى إيقاع قائم على أساس الكمية بالمعنى المتعارف فى الموسيقى والرقص ومتألفا من نحو من خمسمائة دورة متساوية كلها مع بعضها في القيمة الزمنية الجملية وتشتمل كل واحدة منها على سبع وحدات زمنية تستغرق كل واحدة منها من الوقت مدة مساوية لقيمة الزمن الأول .

تلك قصيدة من الكامل ومثلها معلقة لبيد . وهناك ألوف أمثالهما ، فيه وفي الوافر الذى نلاحظ فيه نفس الظاهرة :

( مفاعلتن ) = ( مفاعلتن )  uu-u -        u - - -   21121       2221    _______    _____     7              7

وفي غيرهما كالبسيط والمديد والمنسرح والخبب حيث يتعادل ( فعلن ) بكسر العين و ( فعلن ) بتسكينها :

( فعلن ) = ( فعلن )  uu -         - -  211         22  ____       ___    4           4

فهناك نسبه غير قليلة من الايقاعات الشعرية عند العرب تحتم علينا اعتبار الاساس الكمي فيها وتفرض علينا مواصلة الطلب فى هذا الاتجاه . والعاقل لا يبدأ البحث من حيث بدأ كمال أبوديب ولا يبدأ إلا من حيث بدأت ، فان النتائج الاوليه لا تلبث أن تفضى به الى المسلك القويم . فاذا تأكد لديه أن اساس الكمية الزمنيه حقيقة ثابتة مع بعض الايقاعات لم يستبعد أن يكون البعض الاخر قائما على نفس الأساس سيما واللغة المستعملة فى هذه وتلك واحدة ، غير أن فى الأمر سرا لم يتوصل الفكر بعد الى كشفه .

إذا تأكد لديه أن تفاوتا كميا زمنيا بنسبة التضعيف هو ثابت بين المقصور والممدود مع بعض الايقاعات لم يستبعد أن يكون التفاوت بينهما مبدأ مطردا فى جميع الايقاعات لكن بنسب مختلفة منها نسبة التضعيف التى لانت للبحث من عهد اليونان :

u u = -

ومنها نسب اخرى منعت جانبها عنها واستعصت على الفكر في شماس عنيد . وذلك هو ما يطالب الباحث بكشفه ؛ وهو ما حققه كتابي " نظرية ايقاع الشعر العربى " ويطمح هذا البحث (1) الى تعزيزه وزيادة تركيزه .

اشترك في نشرتنا البريدية