الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "المنهل"

الأستاذ انستاس مارى الكرملى

Share

توفى فى صبيحة اليوم الثامن من كانون الثانى ( يناير ) ١٩٤٧ الأب انستاس مارى الكرملى العالم اللغوى المشهور وأحد احفياء مجمع فؤاد الأول الملكى للغة العربية فى القاهرة بعد مرض عضال لازمه فترة من الزمن . والأب انستاس علم من اعلام اللغة العربية وفارس من فرسانها الثقات . خدم اللغة والأدب والتاريخ اكثر من نصف قرن سواء فى مجلته " لغة العرب " التى اصدرها قبل الحرب العالمية الأولى ، أم فى مؤلفاته الكثيرة التى ترينا ثقافته العظيمة واحاطته الواسعة ونظره الصائب . أو فى مجمع فؤاد الأول بالقاهرة اذ كان فيه مثال العبقرية العراقية بين علماء الشرق والغرب .

ولد الأب انستاس فى بغداد فى ٥ آب ١٨٦٦ م من أب لبنانى ومن أم عراقية مسيحية . وكان أبوه ميخائيل عواد مترجما لدى عائلة آل بونابرت الفرنسية وكانت وظيفة والده هذه المسببة لرحلات انستاس الى فرنسا وبلجيكا وفلسطين وبعد أتم دراسته الابتدائية فى بغداد رحل الى بيروت لاتمام دراسته فى المدرسة " الاكليركية " وعلى يد اساتذتها درس اللاتينية واليونانية ونبغ فيهما نبوغا كنبوغه فى العربية ، ثم رحل الى بلجيكا حيث انخرط فى سلك الدراسات الرهبانية وانجز دراسته فى الدير " الكرملى " بفرنسا . وكان طول حياته حافظا راويا . . وبعد ان عاد الى بغداد تفرغ للبحث والتنقيب فذاعت آثاره وحملتها اكثر المجلات المشهورة فى الشرق كالمقتطف والهلال والمشرق وغيرها وفى عام ١٩١١ اصدر فى بغداد مجلته " لغة العرب " فكانت بحق موسوعة لغوية ودائرة معارف ادبية علمية فى آن واحد وقد انتخب عضوا فى مجمع المشرقيات سنة ١٩١١ . وعضوا فى المجمع العلمى العربي بدمشق . وعضوا فى المجمع الملكى المصرى للغة العربية . والذى يثير الاعجاب من الفقيد شغفه العجيب بالبحث وصبره العظيم على التنقيب والتنقير

ورسالته العلمية الى ادباء هذا الجيل هي ان يكتبوا بلغة فصيحة سليمة فانفق نصف قرن من عمره - كما قدمنا - فى خدمة هذه اللغة ، يتعقب شواردها وينفى دخيلها ، ويرد حوشها وسوقيها ، إلى الصحة والاستقامة ، وينشر من كتبها ما غطى عليه الزمن وعفت عليه الاقدار ، ويشيد بمآثرها التى اغفلتها التواريخ ، وينتقى الوسائل التى تكفل لها مماشاة روح العصر دون كلل تدفعه اليه الشيخوخة ، ودون تبرم تحمله عليه قلة الجزاء . . ان مثل هذا الفقيد حقيق بالاكبار وقمين بالاعجاب ، وحرى بالشباب المنقطع الي دراسة لغة قومه أن يتعلموا منه روح الجلد والمثابرة وان يعتزوا بآثاره اعتزازهم بأثر اي لغوى من اساطين علماء لغتنا الخالدة

لقد كان من نعم الاقدار ان ينشأ انستاس واديب اسحق واليازجيان واحمد فارس والشدياق فى عصر كادت تسود فيه العجمة ، وكادت اللغة العربية السائدة ان تكون مرقعة يدخل فيها من الفارسية والتركية الشيء الكثير ، فكان اتجاههم المحمود هذا عاصما للغتنا من هذا الاتجاه الخطر . ولكن علوم العربية متصلة بالأدب او ان الأدب متصل بهذه العلوم فكان الأدب السائد صورة من اللغة السائدة التى ازالتها جهود انستاس وامثاله .

وكان لسعة اطلاعه على ما ينشر فى الصحف والمجلات يتعقب كل كاتب وشاعر مهما قل شأنه باسلوب عنيف ليقوم الاعوجاج ويصلح الخطأ . وكان يقيم الف دليل ودليل على أن اللغة العربية هي ام اللغات وانها اللغة العالمية الوحيدة التى تعبر عن خواطر النفس وشعور القلب .

ولقد اثبت ببراهين ساطعة لا تقبل الشك - فى محاضرة القاهرة ضمن محاضرات الموسم النقـ فى العربى ببغداد فى العام المنصرم - اثبت فيها ان العرب هم أول من استكشف امريكا وعرفوها قبل غيرهم من الاقوام .

ولأنستاس مقدرة عظيمة لا يستطيع ان يمتلكها الامن كان ذا طاقة كطاقته فى رد كل لفظ الى أصله اللاتينية . ولعل طاقته ادت به الى استكشاف طريقة تيسير الكتابة باللغة العربية تلك الطريقة التى سبق بها معالى

الدكتور عبد العزيز فهمى باشاو التى أثارت مجمع فؤاد الاول وكافة الادباء فى الاقطار العربية ، وحملتهم على التفكير فيها .

ومن تآليفه المطبوعة " الفوز بالمراد فى تاريخ بغداد " و " خلاصة تاريخ بغداد " اما مؤلفاته الخطية فمنها : " جمهرة اللغات " وكتاب " الجو ع " وكتاب " الاديان " وكتاب " حشو اللوزينج " وكتاب " متفرقات عربية " . عاش عيشة الرجل المنقطع عن العالم وشئونه وزهدت نفسه فى الدنيا ورخص المادة فخدم اللغة العربية خدمة جليلة ومات ميتة الرجل الذى ادى مهمته حيث خدم امته ولغته .

اشترك في نشرتنا البريدية