الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "المنهل"

الأمير سعود، ولي عهد المملكة العربية السعودية

Share

الأمير سعود أكبر أولاد الملك " عبد العزيز" الاحياء ، فقد ولد له قبله ابنه البكر " تركى " ثم "خالد " ولكن السنون اخترمتهما وهما فى ريعان الشباب ، فاصبح " سعود " أكبر أولاده الموجودين ، وكان مولده فى ليلة الثالث من شوال ١٣١٩ (١٥ يناير ١٩٠٥)  وهي الليلة السابقة لليلة التى غزا فيها أبوه الرياض واحتلها من " عجلان " عامل الرشيد عليها . وأظن أن من سماه " سعودًا " كان موفقا جد التوفيق ، قوى الفراسة بعيد النظر ، فهو قد كان

" سعودا " على آل سعود ، ومن يوم أن أضيف اسم هذا الوافد الكريم إلى " قائمة " اسمائهم لم تسفل لهم راية ، ولم تسقط لهم كلمة ، بل كانوا هم الأعلين اذ كانوا ينتقلون من نصر الى نصر ، ومن توفيق وتسديد إلى توفيق وتسديد حتى بلغوا من التاريخ الحديث أوجه الرفيع ، وصار لهم فى مجال السياسة الدولية مقام محترم مرموق .

وكل ابناء الصقر الغلاب ينمون نموا حسنا كأبيهم الفارغ المهيب ، فيرون فى أجسامهم أكبر من السن التى هم فيها ، وكذلك يرون من الناحية العقلية والخلقية ، وهم ينمازون عن غيرهم بالسموق ، والحيوية ، والقوة ، والطيبة ، والكرم وسمو النفس الى ما هناك من الخلائق والصفات يبدو بها آل سعود وكأنهم "نسيج خاص "بل هم " نسيج خاص" لا ينسج عن منوالهم الأ آل سعود ، وآل عبد العزيز على الخصوص .

وقد أبدي الامير وهو فى سن الطفولة عن النباغة والفطنة ما مهد له أن يطوى زمن الدراسة طيا ، ويزوى فى سنة ان يضع سنوات من الابعاد ما لا يقطعه غيره الا فى سنوات وسنوات وقد حفظ القرآن وبعض الحديث وهو ما يزال فى سن مبكرة ، الا ان نشاطه الذهنى وعبقريته البكر وذكاءه المتضرم قد أتاحت له أن يدخر من العلوم والمعارف الشئ الكثير حتى إذا واجه الحياة وما فيها كان له فى " بنك " الحياة رصيد ضخم غير محدود . وإذ وجد ابوه فى ابنه هذا النشاط القوى الطافح فى الاحساس وفى الذهن ، والجسم ، والقول ، والرأي عزم على استثماره فى صالح الدولة التى أخذ فى انشائها ، واستعان بابنه الميمون المجدود فى مشروعاته الكبيرة ، وإذا ابنه عند حسن ظنه به . عونه على البناء والتأسيس ، مستشاره فى الهام من الأمور قائد جنده فى ميادين الحرب ، سفيره عند الامم والحكومات ومما يدل على هذا النضج المبكر سفارته الى قطر سنة ١٣٣٢ ه وتسلم التأثر سلمان بن محمد الفار اللاجئ الى أحمد بن ثاني - أمير قطر - وذلك عقب  حرب العجمان .

وعمر " سعود " فى هذه السفارة ثلاث عشرة سنة ؛ فاذا اقام وهو في هذه السن بهذه السفارة فذلك دليل على انه يدرك الامور السياسية ادراكا حسنا بالرغم ألا هذه السفارة لم تكن من السفارات ذوات الشأن الخطير الا ان لها شأنا بالنسبة لظروفها وهي على كل حال تدل على تهيؤ هذا الامير العظيم للاضطلاع بأضخم الأعمال وأكبر " المسئوليات " .

وقد دلل سعود على انه " قائد " حربى من الطراز الممتاز ، فقد كان مع أبيه فى تربة بعد وقعتها المشهورة ، ورجع أبوه الى نجدو وكل اليه تأديب قبائل عتيبة الموالية للحسين ، فاطاع أمر أبيه وذهب اليها يغزوها فى عقر دارها . وفى اواخر رمضان سنة ١٣٣٨ هاجم " الخراص " أحد زعماء هذه القبائل ، وكانت بينهما معارك كادت ترجح فيها كفة الخراص لولا مهارة سعود التى أدارت دفة المعركة من جديد فكانت فى صالحه .

وقد دهش الخراص ورجاله الأبطال الاشداء لهذا الفتى العربى الذي أعاد الى أذهانهم ذكر الابطال المغاوير من فتية العرب القدامى ؛ وقفل راجعا بعد أن غنم فى إحدى هذه المعارك غنائم كبيرة . ودهش أهل الرياض كما دهش أبوه من عمل ابنه العظيم .

أصحيح أنه أدب القبائل العاصية المتمردة وأنجز الامر فى أيام معدودات ؟ ! بلى ، فهذا الدليل ، الغنائم ، الاسلحة ، الاموال ، الأسرى

ثم خرج صقر الجزيرة الغلاب نفسه بجيش لجب الى الشمال - حائل - ونزل " بريدة " وقسمه قسمين : ولى على أحدهما أخاه ( محمدا ) وعلى الاخر " سعودا " وسيرهما لقتال شمر ، ثم استدعى أخاه وبقى ابنه " القائد العام " وأبلى فى حربه بلاء حسنا ، وانتصر انتصارا مبينا .

وهذا ولا شك عندنا دليل على ان " سعودا " كفء قدير للقيادة وألمعى فى الخطط الحربية لأنه استطاع - وهو فى العشرين من عمره - أن يصارع أبطال الصحراء من شمر ويصرعهم ويقرعهم بعبقريته وهم بعد رجال بلوا الحرب وجربوها اكثر منه ، بل يرى قواد نجد الحربيون أن سعودا إذا استطاع أن يصل بكفاءته الحربية وعبقريته فى القيادة ومهارته فى إيجاد الخطط وانفاذها الى ان يكون ندا لعمه " محمد " الذي ثبتت شجاعته وبطولته ومهارته فى القيادة ثبوت اليقين فذلك دليل على أنه من القواد الابطال الشجعان المعدودين و ندبه أبوه لحرب عبد الله بن متعب الرشيد أمير حائل والجوف ، فسار اليه وادب فى طريقه العصاة وغنم ما للشمريين من جمال وخيول ، ونزل

بالقرب من حائل ، وحارب خصمه حرب أعصاب قبل الاشتباك معه فى معارك حامية ، واذا سعود - القائد المجدود - يفاجا ذات صباح بتسليم ابن متعب نفسه له بدون قيد ولا شرط ومعه حاشيته وكبار رجاله فرجع بهم الى الرياض منصورًا .

وبلغت دهشة الرياض مبلغا عظيما ، أما ابوه فكان مطمئنا الى كفاءة ابنه والى توفيقه .

وما زال يساعد أباه فى حروبه وغزواته وتعبئة الجيوش حتى كان آخر حروبه الحرب اليمنية السعودية التى انتهت بالصفاء والمودة بين البلدين الشقيقين . وتدل هذه الحوادث على عبقرية ناجحة فى فن السياسة . وفن القيادة وفن إدارة المعارك معا فهو من أعظم قواد العرب واصبرهم على الشدة واعرفهم بالهجوم والدفاع أو الكر والفر فى ميدان الحروب ، وهو من اشدهم فهما للحرب الخاطفة أو الوئيدة ، حتى إن مهارته - مضافا اليها التوفيق والتسديد- ضمنت له النصر والتأييد بتوفيق الله فى كل الميادين .

وسافر الامير الجليل فى ١٣٥٣-١٣٥٤ الى مصر وحظى بمقابلة جلالة الملك فؤاد ، وأعجب الامير بجلالته وامتدح اخلاقه وفعاله ، وعزا نهضة مصر الحديثة الى جلالته ، كما قابل الزعيم الكبير سعد زغلول باشا وقدر كل منهما الظآخر أحسن تقدير ، ثم رحل الى إيطاليا واستقبل فيها استقبالا فخما ، والقى أمامه الدوتشي خطبة رائعة أبدى فيها إعجابه بالأمير المهذب الجليل وبوالده العظيم ، ثم مضى الى سويسرا وبلجيكا ، وهو لندا ، وفرنسا ، وبريطانيا ، واستقبل فى كل منها استقبالا يليق بسموه وأهديت اليه أرفع الاوسمة فلديه : من بريطانيا : الوشاح الأكبر من وسام الامبراطورية البريطانية . ومن ايطاليا : الوشاح الأكبر من وسام تاج إيطاليا . ومن هولندا : الوشاح الاكبر من وسام أورانج ناسو . ومن بلجيكا : الوشاح الأكبر من وسام ليوبولد الأول . ومن فرنسا : غراند اوفسيه وسام جوقة الشرف .

ومن شرق الاردن : الوشاح الاكبر من وسام الاستقلال . وآخر رحلة لسموه هي رحلته الى مصر هذا العام لحضور مؤتمر انشاص بالقاهرة الذي دعا اليه جلالة " الفاروق " ليجتمع فيه ملوك العرب ورؤساؤهم ليتشاوروا فيما بينهم ما يجب أن يفعلوه .

وموجز القول : ان لسعود شخصية جد عظيمة يشترك فى الاعجاب بها كل الناس على السواء لا فرق بين عالمهم وجاهلهم ، ولا بين عربهم وعجمهم ، وبين المسلم وغير المسلم ، لأنها شخصية تلتقي فيها مكارم الصفات ومحاسن الشيم وطيبات الخلائق الانسانية .

وكما كان الامير الجليل " سعود " ممتازا فى بنيانه ووثاقة تركيبه وسموقه وارتفاع ذراه فانه لممتاز فى صفاته ومزاياه ، فما من صفة كريمة فاضلة الا وهي فى " سعود " جهيرة بارزة ، فالكرم - على سبيل المثال - من خلائق العربى الاصيلة ، ولكنه عند سعود - بعد أبيه - كرم يضرب به المثل ، وكذلك فى العطف على الرعية ، والبر بالفقراء ، والطيبة ، والوداعة ، والنبل ، وعون الضعيف ، واجارة المستجير ، كما بلغ سموه فى حسن الذوق ، ولطف المعاملة ، واطيب الحديث ، ولين العريكة المبلغ الذي لا يدانى فيه .

وطالما أقال العثرة ، وجبر الكسر ، والواقع أن سمو الامير رحمة من رحمات الله تنزلت على عباده ، فقل ان يمضى يوم من غير ان تمتد اياديه على الناس بالخير العميم ، والنعمة الموفورة ، بل أنعمه على أمته تترى ليل نهار ، وبيته مفتوح للضيوف والقصاد .

وإذا كان " سعود " أكفأ آل سعود وأكبر ابناء الصقر الغلاب فقد بويع فى سنة ١٣٥٢ ه بولاية العهد فى كل اقاليم المملكة العربية السعودية ومدنها وقراها بيعة عامة من كل أحد . حفظ الله الملك الغلاب ، وحفظ " سعودا " أمل المستقبل المرقوب .

اشترك في نشرتنا البريدية