هناك من ينتقصون التعليم الفردى ويخافون وهم مخطئون فيما يزعمونه من نقائص ، وواهمون فيما يرونه فيه من شر واغلب الظن انها صيحات الفزع والخوف وخيال لاظل له من الحقيقة . ويقيني ان مبعث ذلك هو القلق الذي يساور الانسان . عند انتقاله من حال الفه مدة طويلة الى حال جديد غير مالوف لديه او يخيل اليه انه جديد ، وهي اشبه بصيحات الجنين عند الميلاد . ويقينى ان الباعث على هذا الفزع لا يرجع الى اسبابه بدليل التخبط فى المطاعن على ان هناك عنصرا ذاتيا هو الذي يدفع بعض المربين الى الخوف ، وهو مافطروا عليه من ميل الى المحافظة على المألوف ، ورغبتهم الشخصية فى ان يقفوا من التلاميذ موقف المنار الذي يهديهم سبل الرشاد وما يحدثه فى نفوسهم هذا الموقف من نشوة وسرور ولما فى هذا النظام من تعطيل اشباع غريزة حب السيطره والسيادة التى تملا نفوس اولئك المربين ، لانه يدفع بهم الى الخلف ، ويبقيهم في مركز ثانوى بالنسبة الى الطفل
ما بال الآباء يعارضون فى هذا التغيير ؟ لا تعليل لذلك الا الرغبة فى ان تسير الامور كما الفوها هم ، ولما فى التجديد من احتمال الفشل ، ولما فيه من مشقة وجهد ، ولعل اوجه ما يجبهوننا به من الاعتراضات هو ما سنذكره وستري كيف ننهض له لنقيم الدليل تلو الدليل عليه لندمغه فينهار ويذوب كما يذوب الجليد تحت حرارة الشمس
اولا فى التعليم الفردى رجوع الي قديم لم يفد ، ! وما هو العيب فى ذلك ؟ ومن ذا الذي قال : ان القديم شر كله وما ضرنا لو وجدنا فى القديم خيرا فاخذنا به وهل من جديد خلا من القديم واثاره ؟ وان كان القديم لم يجد فان النقص لايرجع الى طبيعته ، وإنما يرجع الى ذات القائمين به . واما الآن ، والقائمون بامر التعليم بالطرق الفردية من خيرة المربين ذوى الخبرة بعلم نفس الاطفال في ثقافة عالية ، فلا محل - والحال ما شرح - للخوف او الفزع .
ثانيا ان في ترك الاطفال يختارون لانفسهم العلوم التى يرغبون فيها مع قلة خبرتهم وعدم قدرتهم على الحكم بفائدتها فى مستقبل ايامهم ، ضررا بليغا وضياعا للوقت فنقول : اننا نضع عددا وفيرا من العلوم ويراقب ميولهم نحوها فما مالوا اليه عملنا على اشباع هذا الميل ، وهذا اضمن للنجاح في مستقبل الحياة لأن . الرغبة في العمل تضمن النجاح فيه ، كما يكفل لنا هذا عدم توليد روح العناد في التحصيل الذي ينشأ عند عدم الرغبة ، ويؤدى الى الفشل في الحياة
ثالثا هذه الطرق تجعل التلميذ كثير الاعتماد على الكتب ، وهي مما يصعب عليه فهمها ! ! اما عن الشطر الاول فنقول : اننا لانكتفي بالكتب ، بل نستصحبهم الى الخلوات ؛ حيث يكسبون الخبرة لانفسهم ؛ وان استعنا بالكتب فلأن ما يكسبه التلميذ فهما يكون فيها اثبت وادوم مما يلقن لهم : واما بخصوص الشطر الثاني فنقول اننا نضع بين ايديهم كتبا يسهل رجوعهم اليها واستفادتهم منها كما يمكن وضع شرح لما صعب منها ان تعذر نقلها إلى عبارة اسهل مع المحافظة على روحها
رابعا - في هذه الطرق فصل للمواد بعضها عن بعض ورد على ذلك بأن العلوم ليست منفصلة بطبيعتها وطالب التاريخ لا يستغني عن الحساب في اساسة ولكنه يستغنى عن التفاصيل التى لا يحتاج اليها فى مستقبل حياته وما فائدته مثلا من حساب المثلثات على انه اذا وجد نفسه فى حاجة إلى تعلم مادة اخرى يستعين بها على فهم المادة الاولى فعندئذ فقط يستطيع السير فيها بنجاح لان هناك رغبة تحفزها إلى التعليم ؛ ودافع عملى يسيره وهو اضمن للنجاح كما ان المشروعات التى تقوم به التلاميذ على رغبتهم تطوح بهم فى مناح متعددة من العلم فبينما هو يسعى فى تحقيق مشروع واحد يجد نفسه قد استفاد علوما كثيرة بطريق غير مباشر
خامسا - ان فى ترك الحرية واطلاق الفردية للطفل ما يجعل منهم رجالا يفهمون الخضوع لرئيس اوقانون كما يجعل منها أشخاصا انانيين لا يفكرون إلا في مصلحتهم الشخصية فنقول ان الحرية فى التعليم تخلق منهم رجالا شجعانا يخضعون للحق والقانون العادل ولا يثورون إلا في وجه كل ما خرج عن دائرة العقل والعدل ولا يقيمون على ضيم او يسكتون عن باطل ويقولون فى صراحة تامة للمخطئ انك اخطأت وللظالم انك ظلمت ولا يعينونه على طغيانه اما التعاون فموفور فى هذه الطرق اذ أن للطفل ان يعمل مع اصدقائه وعليه ان يعادل الجماعة كما هو مكفول بتطبيق نظام الحكم الذاتى .
سادسا انها تربية رخوة وهذا وهم باطل فما يرونه لعبا ان هو الا الجد بعينه ولكن على صورة يجعل العمل محببا الى النفوس وفي هذا اللعب يبذل التلميذ من الجهد ما يفوق اضعافا مضاعفة ما يبذله هو فى موقفه السلبى يصب عليه المدرس المعلومات صبا .
سابعا انها تكلف كثيرا - والواقع غير ذلك فان المدرس الواحد يمكنه الاشراف على اربعين تلميذا ولو سلمنا جدلا بكثرة النفقات فما الدافع الذي يحملنا على ان يضن بالاموال فى سبيل نشأة أبنائنا خير نشأة وكل ما تسعى له في الحياة اسعاد هؤلاء الابناء وليست سعادتهم في كثرة ما نترك لهم ولكن في حسن تربيتهم .
ثامنا كيف نعودهم السير وفق ميولهم حتى اذا ما خرجو الى الحياة العامة . ووجدها لا تسير وفق اهوائهم انقلبوا بائسين متمردين وبخيبتهم بان نعودهم هذا من اجل تدريبهم على تحمل المسؤلية وكسب الخبرة بانفسهم وبذا يكسبون قدرة التغلب على حل المشاكل والتصرف فيها تصرفا حسنا .
واليك خلاصة موجزة لطريقتين جعلنا اغراضهما الاولى العناية بالفرد واعداده للمجتمع
