الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 4الرجوع إلى "المنهل"

الادب للفن ؟، او، الادب للحياة ؟

Share

الادب للفن أو الادب للحياة . . . موضوع طرقه الادباء مرارا وتكرارا واوسعوه بحثا وتحليلا . . ثم اثير أخيرا في مصر . . وكعادة الادباء فانهم انقسموا حول هذا الموضوع ، فريق يقول بان الادب للفن ، وفريق يقول بان الادب للحياة والجملتان على قصرهما تؤديان معاني واسعة . . فاننا اذا قصرنا الادب على الفن والفن وحده فمعنى ذلك تحويل طاقة الادباء وجهودهم وانتاجهم الى الناحية الفنية وحدها كالجمال والروعة والوصف الفتان والتصوير المبدع وما الى ذلك مما لا يهدف الى تزجية الحياة الواقعية فى شكولها الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية والسياسية الى الامام بطريق مباشر ، اما إذا جعلنا مهمة الادب منصرفة الى الحياة فمعناه اننا نسخر آلة الادب واجهزته جمعا ، لمطالب الحياة ونجعلها وهي موضوعه الاول والوحيد نقدا وتوجيها واصلاحا وتنمية وتنظيما . . ومعنى هذا فيما اراه ان نجعل من جمال اسلوب الادب واستهوائه للقراء والمعجبين . . والمطالبين مطية ذلولا . نتوصل بها الى اصلاح اخطائنا فى حياتنا الواقعية الاجتماعية ، واصلاح اخطائنا فى

حياتنا الاقتصادية والعمرانية والسياسة فيكون ادبا اجتماعيا اقتصاديا عمرانيا سياسيا ليس غير نخلصه من صفة البرج العاجى الذى يقف من مطالب الحياة واوضاعها موقفا سلبيا . . يكتفى عن ذلك برسم ألواح الفن الزاهية من فوق ، بريشته الساحرة لتعليقها فى ذياكم البرج العاجي البديع ، ويكتفى عن الخوض فى معمعة الشئون المادية والفكرية ذوات الصلة بالمجتمع بالتغريد لهذا المجتمع فى وكره الذهبى الشفاف ، يرسل من هناك الحانه المشجعة المطربة على قيثارة الفن للفن . .

وقد انتقلت عدوى البحث فى هذين الموضوعين الى بعض من يزاولون مهنة الكتابة عندنا ولكنها سرعان ما خفت صوتها ، ولم تجد الجو الملائم للاثارة والثورة والهيجان ، فتحركت الفكرة فى موضعها ، ودارت فى موضعها ، ثم نامت ولم تتسع دوامتها فى الصحافة ولافي الكتابة ولا بين الادباء لانها فكرة ولدت تقليدية ، لفكرة قتلت بحثا واشبعت درسا مرارا وتكرارا ، ثم انها لم يصل الاجماع فيها الى رأى مقطوع به ذى دعائم قوية لا يمكن زلزلتها أو هلهلتها . .

وانا ارى اذا صح لى ، أو صح لامثالى ان يدلوا دلوهم فى مثل هذه البحوث التى أراها اشبه شئ بالبحوث الافلاطونية أو السفسطية ، اقول : انني ارى غير ما يرى حضرات سادتنا الادباء اولئك الذين اعتادوا الانقسام طبعى له متأصل فى كيانه الانقسام فى كل شىء ، لان هذا الانقسام طبيعى له متاصل فى كيانه

وهو من اسباب عدم استتابه . . ويتخلص ما اراه في هذا البحث الشائك أو الغير الشائق فى أن الادب هو الحياة بمباهجها ومسراتها وهو الحياة بآلامها ومتاعبها ، وهو الحياة بمطالبها ورغباتها ، وهو الحياة بجواذبها وسوالبها ، وهو الحياة بجميع ما تحتويه الحياة من ماديات وروحيات . . هذا هو الادب وهذا هو موضوعه العام الشامل وبذلك يبدو ان موضوع الادب عام وشامل ، عام لما يسمونه الفن ، وشامل لما يسمونه الحياة ، فان الفن جزء من الحياة وجزء صغير بالنسبة لهيكل الحياة الضخم ، والآداب التى يقصدون بها معالجة شئون المجتمع ودراستها ومزاولة اصلاحها جزء آخر من الحياة ، فالادب ذو جناحين رفافين وعين نضاختين واحدى النضاختين تجرى لتروى الفن والذوق الانسانى العام ببسط أفواف الجمال في شكوله وانواعه بين يديها بريشته الساحرة الخالدة ، واحدى العينين النضاختين الاخرى تنشد

ارواء الحياة الناضبة الظامئة بسلسبيل الاصلاح والتوجيه والتقويم والهداية والارشاد . .

وعلى من يخالون انه ضرورى عليه بين لونى الادب . . وانه (( أى الادب )) اما ان يكون للفن وحده . . وبذلك يحق ان يدعى ادبا ولا يحق له الولوج الى ميادين الحياة الواقعية مطلقا . . وعلى من يخامرون انه ضرورى عليه وحتم عليه ان يتجه الى الحياة الواقعية وحدها والا فلا يصح ان يطلق عليه انه ادب بمعنى الكلمة . .

على هؤلاء وهؤلاء ان تتسع آفاق نظراتهم الى الادب الرحيب . . وان تستوعب هذه النظرات جناحى الادب معا . . فانه بهما يطير وبهما يكون ادبا . .

وعليهم اذن أن يصححوا نظرياتهم وان يفهموا بحق ان الادب الحق هو ما يشمل ادب الفن القيم وادب الحياة الواقعية ترنما وشدوا وتسجيلا ، واصلاحا وتنظيما ، وتوجيها وتقويما

اشترك في نشرتنا البريدية