للثورة فى الادب مفهومان رئيسيان :
أحدهما ثورة الادب على الأدب حينما يرى حاملو لوائها عقم الالوان الادبية السائدة وسوء اتجاهها ، أو ركودها وقصورها فى التعبير عن اهتمامات العصر ، واستهلاك طاقتها اما فى الزينة الشكلية والجرى وراء الخيالات البعيدة عن الواقع ، واما فى مواكبة القوى المسيطرة المعادية للتحرر والتقدم .
والمفهوم الآخر للثورة فى الادب هو التعبير عن الثورة السياسية سواء فى التمهيد لها واثارتها ، أو فى تعزيزها ومتابعة خطواتها فى تحقيق ما قامت له من اهداف قومية واجتماعية واضاءة طريقها وتعميقها فى النفوس .
ولننظر بعد فى المفهوم الاول ، لنرى هل نشأ ادب ثورى على مقتضاه فى حياة العرب الثورية التحريرية التى كان فجرها يوم 23 يوليو سنة 1952 والتي لا تزال فى نموها المطرد ؟
أو نسأل بشكل آخر : هل لابست هذه الثورة أسباب فنية تدعو الى ان يثور أدب جديد على الادب السائد ، أو ان ما حدث انما هو تطور اقتضته طبيعة الاحداث والتحولات فى الحياة العربية الجديدة ؟
لكى ندرك ذلك ، أو لكى نسلط عليه ضوءا كاشفا نستطيع ان نتبين على هداه حقيقة الامر ، يحسن ان نعود قليلا الى اوائل النهضة الادبية العربية فى العصر الحديث .
كان الادب غارقا فى الحلى وأثواب الزينة وكان هم الادباء وقصاراهم أن يحاكوا القدماء لا فى تعبيراتهم وتراكيبهم اللغوية فحسب ، بل كذلك فى معانيهم وخواطرهم . وكانت أثقال الزينة والتقليد تعوق الادباء عن الحركة فى الحياة الواقعة والتعبير عنها بجد وصدق .
وثارت على ذلك الاتجاه الاتباعي ( الكلاسيكى ) مدرسة أخرى هى ما سميت بمدرسة الابتداع ( الرومانسية ) تأثرا بالاصل فى ادب الغرب . وكان مبعث هذه الثورة الرومانسية شعور الفرد بالتمييز مع شعوره بالضياع والغربة
ازاء مجتمع غارق فى الظلام مغلوب على أمره ، لا يرى الاديب فيه متنفسا الا فى الخيالات واجترار الآلام الفردية ، فيدفعه اليأس منه الى أجواء بعيدة عنه ، لم يستطع ان يتلاءم معه فاغترب عنه .
ولكن فريقا آخر ثار ثورة أخرى ، تأثرت هى ايضا بالاتجاهات الغربية ، ولكن فى الشكل دون المضمون . احس هذا الفريق بعوامل الضياع فى البيئة كما احس بها فى نفسه ، فلم يفصل بين آلامه وجروح المجتمع ، ورأى فى الوقت نفسه الوانا من الآداب الاجنبية ترتبط بيئاتها وتلتصق بانسانها العادى فتصور وتعبر على الواقع الملموس ويأتى تعبيرها نابضا بما فى صميم الحياة من انتفاض أو ثورة على الركود .
هذا الفريق هو فريق الواقعية الادبية ، وهو ما سمى فى النصف الاول من القرن العشرين بالمدرسة الحديثة ، ويتلخص مذهب هذه المدرسة فى استعارة الشكل الادبى الغربى لمضمون عربى قومى ، وكان الشكل هو البناء القصصى بأنواعه . . . القصة القصيرة والرواية والمسرحية . والمضمون يتركز عند ابراز الشخصية العربية وتصوير البيئة العربية ، والتعبير عن الانسان العربى بمشكلاته وتطلعاته ، ولم يظفر الشعر بنصيب كبير من هذا الاتجاه فى الشكل ولا فى المضمون .
كانت الواقعية اذن فى نهضتنا الادبية الاولى اوائل هذا القرن هى الثورة الادبية المغيرة التى ثارت على الكلاسيكية متمثلة فى العكوف على القديم واستهلاك الطاقة فى محاكاة أساليبه وزخرف تراكيبه ، وعلى الرومانسية متمثلة فى سوء اختيار ما يترجم الى العربية وفى ما يحاكى نماذجها الغربية المتقهقرة أمام زحف الواقعية فى مواطنها ، وكانت تلك الثورة أساس التغيرات التى استمرت واتصلت بوقتنا الحاضر ، وان كانت قد تعرضت فى سيرها الطويل لموجات من المد والجزر ، كان ابرزها عودة الرومانسية الى الظهور أو الاستشراء ، فانها لم تختف تماما فى الفترة التى أعقبت الانتكاسات الوطنية وطغيان المستبدين من أنصار الغزاة المحتلين ، مما جعل بعض الادباء يستأنفون الهرب من الواقع الموئس الى الخيالات البعيدة ، وبعضهم وجد فى التاريخ ملاذا اما للاستيحاء المطلق أو محاولة الربط بالحاضر والايماء اليه .
فلما كانت الثورة الاخيرة - سواء بعد انفجارها فى 23 يولية أو فى حالة كونها جنينا قبل ذلك - اتسعت رقعة الواقع وانحسرت موجة الهرب والخشية منه .
وهذا يسلمنا الى المفهوم الثانى للادب الثورى وهو كما سبق التعبير عن الثورة السياسية وما يلابسها من أهداف قومية واجتماعية واضاءة طريقها وتعميقها فى النفوس .
لما كانت الثورة جنينا لم يتخل الادب عن رعاية الجنين بل غذاه بوسائل مختلفة ، منها أعمال تشريحية مثل قصص نجيب محفوظ التى تنتهى بالثلاثية المشهورة ، ومنها نقد صريح فى بناء أدبى مثل الذى كتبه يوسف السباعى فى قصة " أرض النفاق " ومسرحية " وراء الستار " وقصص قصيرة كثيرة ، وصور فيه بصفة خاصة مهازل الاحزاب السياسية والانتخابات والصحافة . وفعل عبد الرحمن الشرقاوى مثل ذلك فى رواية " الارض " ولجأ على أحمد باكثير الى الرمز فى مسرحية " مسمار جحا " اذ شبه بها المسمار ما كان يتذرع به الاستعمار فى البقاء .
وشارك الشعر بكثير من القصائد ، وتجد التزام الشعر بالاهداف القومية فى العراق أقوى واغزر .
وفي أعقاب انفجار الثورة انطلق الادب من عقاله ، وشارك فى الثورة على الاوضاع القديمة وظفر بأعمال كبيرة بتصوير الجو الذى نبتت فيه الثورة وبيان حتميتها عن طريق التجسيد الادبى .
من تلك الاعمال رواية " أنا الشعب " لفريد أبو حديد ، ورواية " الشارع الجديد " لعبد الحميد جودة السحار ، ورواية " رد قلبي " ليوسف السباعى ، ورواية " شئ فى صدرى " لاحسان عبد القدوس ، ومسرحية " الصفقة " لتوفيق الحكيم ، " والمزيفون " لمحمود تيمور .
والواقع أن الكتاب القصصيين عنوا بتصوير ما كان قبل الثورة من آثار الاستعمار فى فساد الحكم واستغلال النفوذ وسوء التوزيع أكثر مما اهتموا لما بعدها من انجازات قومية واجتماعية ومن تأثير هذه الانجازات فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية وصراعاتها وتطوراتها .
ومن القصص التى تناولت احداث ما بعد الثورة او ما بعد انفجارها - فالثورة متجددة ولا تزال قائمة - عدد من الروايات ليوسف السباعى عنى فيها بتاريخ مراحلها ، منها " نادية " و " جفت الدموع " و " ليل له آخر " ، ورواية نجيب محفوظ " السمان والخريف " ورواية " لا شىء يهم " لاحسان عبد القدوس ، ورواية " أصابعنا التى تحترق " للدكتور سهيل ادريس .
ولعل مشاركة الشعر فى هذا المجال أكبر وخاصة شعر الاغانى ، فقد دخلت الاغنية المعركة بشكل ناضج فى كثير مما قيل ، فحققت ارتقاء مستوى الاغاني الى جانب الوفاء بالاهداف القومية .
وظفرت الثورة من أجل فلسطين وابنائها المشردين بحظ كبير من اهتمام الشعراء في مختلف البلاد العربية ، سواء منهم من كان من فلسطين أو من سائر الوطن العربى .
كما ظفرت بور سعيد باهتمام كبير من جانب الشعراء .
وتستطيع القول بان محصول الشعر الثورى فيما تلا انفجار الثورة وجهد الشعراء فى هذا الميدان أوفر من المحصول القصصى . أما النقد فانه مع الاسف متخلف عن ركب الشعر والقصة لم يستطع أن ينشط بجد واخلاص لملاحقته وتتبعه . ومما يلحظ فى هذا الصدد ان اتجاه معظم النقاد فى الصحف الى الكتابة عن العروض المسرحية أكثر من عنايتهم يتناول الكتابة والعمل الادبى المقروء على وجه عام . احتتى لقد غدا الكتاب بالنسبة للمسرح شيئا مهملا يولد ولا يحتفى به من جانب النقد ، وان كان يشق طريقه الى القراء دون أن يعوقه اهمال النقاد .
منها تقدم نتبين ان معنى ثورية الادب فى هذه المرحلة الثورية من الحياة العربية يتحقق بالنسبة للمفهوم الثانى للادب الثورى وهو التعبير عن الثورة والمشاركة فى تغيير الاوضاع السياسية والاجتماعية ، يتحقق فى هذا بشكل واضح يرجى ان يتسع ويكون أكثر وفاء بالاهداف والتطلعات أكثر مما فعل حتى الآن .
وكان تأثير الثورة فى الادب من ناحيتين : الاولى انطلاقه وحريته فى تناول ما كان محظورا قبلها مما يمس المصالح الاقطاعية والاستغلالية والاستعمارية ، والناحية الثانية هى ان الادب وجد مجالا واسعا فى التغيرات الاجتماعية والاقتصادية ، فخاض فيه وان كانت التطورات والانجازات تسبقه وهو لا يزال يقف حيالها مشدوها او يسير خلفها مبهور الانفاس . وهذه الحقيقة سجلتها اللجنة الثقافية بمجلس الامة فى الجمهورية العربية المتحدة ، اذ قالت فى تقرير لها :
" وتلاحظ اللجنة انه على الرغم من الجهود الكبيرة التى بذلت خلال الاثنى عشر عاما الماضية ، فان التحول الفكرى الذى ينبغى ان يصاحب التحول الاشتراكى ويسبقه ويبشر به ، فى حاجة الى مزيد من الجهد ، حتى يسير التحول الفكرى - جنبا الى جنب مع التحول المادى فى مرحلة الانطلاق القادمة " .
على أنه ينبغى الا نسقط من الاعتبار ان الادب يحتاج الى فترة يعايش فيها الاحداث حتى تنضج وتختمر فى وجدان الادباء وتفكيرهم . وهناك الى جانب هذا عوائق من مخلفات الماضى مصيرها الزوال المحتوم .
فاذا عدنا إلى المفهوم الاول للادب الثورى ، وهو ثورة الادب على الادب والى التساؤل عن طبيعة التغيرات الفنية الملحوظة : هل هي ثورية او تطورية ، فاننا اذا نظرنا الى معنى الثورة المقررة وهو ازالة اوضاع غير مرضى عنها
واحلال اوضاع وقيم أخرى محلها ، فاننا نجد صفة التطور أليق بما فى المجال الادبى من تغيرات فنية لعل ابرزها شكل الشعر فان ما يأخذ به أصحاب الشعر الجديد وما يقول به مناصروهم المعتدلون لا يعدو تطوير الاوزان العربية نفسها لمقتضيات في التعبير الشعرى عن الحياة المتجددة .
وفيما دون ذلك نرى الاتجاه الواقعى هو ، مع التطور الذى يتمثل فى الاقتراب من المجتمع والارتباط به أكثر من ذى قبل والتخلص من هيبة الاوضاع الادبية الآتية من الخارج والهجوم عليها بجرأة تهدف الى التحرر مما لا يلائم البيئة العربية وموروثها والرجوع إلى أصول هذه البيئة فى تراثها وفنونها الشعبية والاتجاه الى دراستها واستيحائها .
ويتمثل التطور الادبى - من الناحية الفنية - كذلك فى محاربة فلول الثورة الادبية الاولى التى لم يقض عليها تماما فى الماضى ، وخاصه الجمود التقليدى الذي يرمى الى اتخاذ الادب مجرد حلية شكلية ومتعة عقلية شعورية ، وقد استطاع الكفاح الجديد ان يحصر هذا الاتجاه فى مجالات ضيقة لا فعالية لها فى الاتجاه العام .
وانني اذ أقول ذلك لا أغفل عن محاولات لا تتجه الى الاهداف التحررية البنائية بل تحيد عنها الى التسكع فى دروب ملتوية ، وتحاول ان تستنبت فى الارض العربية ما لا ينبت فيها من الوان ادبية غريبة كان يمكن ان تروج قبل ذلك أيام العرب من التبعة القومية . أما الآن وقد وضع الاديب العربى قدميه على أرضه الصلبة فانه فى مكانه يشارك فى صنع الحياة الجديدة على هدى الاشتراكية العربية التى تستنبط مثالياتها من صميم البيئة واحتياجاتها .
ان المجتمع العربى الذى يعمل الآن جادا فى سبيل التقدم الاجتماعى والتحرر السياسى والتكتل القومى لا ينبغى ان يشعر فيه الاديب بالغربة عنه وعدم الانتماء اليه وليس فيه الآن مجال للاهواء أو التمزقات الفردية التى يعلو صراخها فى بلاد اخرى وفى ظروف مختلفة عن ظروفنا .
المجتمع العربى يجتاز الآن مرحلة تحررية وبنائية تختلط فيها المفاهيم وتلابسها رسوبيات من الماضى المتخلف وتحاول ان تعوقها عناصر ترى صالحها الخاص فى استمرار العفن ، أو تحاول ان تلبس للحال الجديدة لبوسها لتحصل على المكاسب نفسها ان لم تضف اليها جديدا من الحرام .
واننا نرى ان أهم ما يجب ان تتذرع به ثورتنا هو الفنون التى تجسد التجربة وتبث فيها الدلالات ، واهم هذه الفنون وأبلغها تأثيرا هو الادب ، ومفهوم ان الادب لبس مقصورا على ما يقرأ بل هو يشمل التمثيليات فى المسرح والاذاعة والتليفزيون والسينما ، وكذلك الاغاني والاناشيد ، واذا
كانت الوسائل الاخيرة كالمسرح والاذاعة الخ . . تعمل فى نطاق واسع فان القراءة تعمل فى قطاع أعمق وان كان أقل سعة ، وهى التى تخرج القادة المفكرين .
يقول ميثاق الجمهورية العربية المتحدة فى بيان الدور الثورى للادب والثقافة :
" ان العمل الديموقراطى سوف يتيح الفرصة لتنمية ثقافة نابضة بالقيم الجديدة ، عميقة فى احساسها بالانسان ، صادقة فى تعسرها عنه قادرة بعد ذلك كله على اضاءة جوانب فكره وحسه وتحريك طاقات كامنة في اعماقه ، خلاقة ومبدعة ، ينعكس اثرها بدوره على ممارسته للديموقراطية ، وفهمه أصولها ، وكشفه لجوهرها الصافى النقى " .
واذا كان معظم انتاجنا الادبى قد اتجه الى تصوير الماضي السئ ونقد الاوضاع التى كانت سائدة فيما قبل الثورة ، وكان ذلك ضروريا فى وقته ، فاننا نرى الآن انه يجب ان ينتقل الى مرحلة البناء ويصور صراعاتها وتطلعاتها ويتأمل ما حدث من تغيير ثورى شامل وماجد من قيم ومثاليات .
ويتبادر الى بعض الاذهان أن وسيلة ذلك مقصورة على البحث عن النواحى الايجابية والنماذج البنائية .
ويتفرع عن هذا رأيان : احدهما يتحمس للقيم والنماذج الايجابية ويدعو الى ان يقتصر الادب تناوله عليها ويسمى هذا " واقعية بناية " يرى خلالها محل " الواقعية النقدية " .
والآخر يبدى تخوفه على الادب ان يجره التمسك بالنواحى الايجابية دون غيرها الى التخلى عن وظيفته النقدية التى تكسبه القوة .
ونقول لهؤلاء وهؤلاء : ان الواقعية النقدية ليست شيئا مغايرا للواقعية البناءة فالنقد المخلص البصير حين يلقى الضوء على المفاسد أو الاخطاء انما يرمى الى البناء عن طريق تبين الاخطاء فيما وقع وتجنبها فيما يأتى ، فالواقعية النقدية حين تسلك السبيل الذى يسلك فى هدم المبانى الآيلة للسقوط على ساكنيها كى تبنى فى أماكنها بيوت جديدة لا تكون الا واقعية نقدية بناءة فى وقت واحد .
على ان الرواسب المتخلفة عن العهد البائد لا تزال تعيش بيننا وكثيرا ما تصطدم بالعناصر التقدمية ، وانى اعتقد ان الرسالة العظمى للادب العربى الثورى فى الوقت الحاضر هى تصوير الصراع بين القيم الايجابية والقيم
السلسة التى تصطرع الآن فى حياتنا اذ تجاهد الاولى كى تتخلق وتكتمل وتحاول الثانية ان تعوقها بل هى تتغلب عليها فى بعض الزوايا المعتمة ، ومهمة الادب ان يسلط الضوء على هذه الزوايا ويكشف ما يجرى فيها .
وليس من شأن الادب ولا مما يليق به ان يتخلى عن النقد ، لان النقد هو عملة بطريقته الخاصة ، والادب كله نقد فى نقد . فهو اما نقد للحياة ، وا نقد " نقد الحياة " الاول هو الادب الابداعى ، والثانى هو ما يسمي بالنقد الادبى .
والادب كذلك فى كل زمان ومكان ، اعنى ان وظيفته هى النقد دائما ، ولم تخل الحياة قط ولن تتخلو ابدا ، من عنصرى الخير والشر ، والايجاب والسلب ، والتقدم والتأخر ، وكل ما هنالك ان يغلب احد المتصارعين على الآخر . فليست اذن هناك فترات تستدعى ادبار ينقد فسادا ، واخرى تقتصر بحثا عن مواضع الثقة والامل . ففى أشد الاحوال سيوءا نرى الأدب الناجح الناقد للسوء لا تخلو من عنصر ايجابى يبعث الأمل وفى أكثر الاحوال استقامة واتجاها الى القيم الايجابية لا ينبغى ان يخلو كذلك من تناول العناصر المعوقة عن مواصلة التقدم .
هذا وقد لاحظنا فيما تقدم ان الادب الثورى لا يزال حتى الآن متخلفا عن ركب الاحداث الثورية واضيف الى ذلك ملاحظة مؤسسة أخرى ، هى ان العلاقة بين الادباء العرب والتجاوب بين الانتاج الادبى فى مختلف بلاد الوطن العربى او يتعسر واحد هى " الحركة الادبية العربية الواحدة " لا تزاير هى الاخرى متخلفة عن ركب الحركة العربية العامة العامة الواحدة ، ففى الوقت الذي نرى فيه القادة السياسيين على اتصال دائم ، والعمل القومى العام ينسق ويتقدم بخطى كبيرة وسريعة ، لا نرى مثل ذلك وعلى نفس المستوى فى المحال الادبى ، فلا يزال الادباء متقوقعين فى بيئاتهم المحلية ، وتكاد الحركة الادبية فى كل بلد عربى تنعزل عن مثيلاتها فى باقى البلاد . ولعل من ظواهر التباعد بين الادباء العرب فى الفترة الماضية القريبة أن مؤتمرهم نفسه ظل معطلا نحو سبع سنين ، بعد انعقاد دورته الرابعة فى الكويت سنة 1958 ونحن لا نفقد ابدا روح التفاؤل ، كما أعتقد ان البذرة حية دائما فى الحقل العربى ، فان طرأ ما يعوقها عن النمو فانها لا تموت ، وها هى ذى الآن تنبت نباتا حسنا فى بغداد العربية العريقة اذ يجتمع بها هذا المؤتمر ، ومما يدعو الى مزيد من التفاؤل ان مؤتمر الادباء يجتمع على أثر الخطوات الكبيرة السريعة التى تمت فى الميدان القومى العام .
لذلك انتهز هذه الفرصة السعيدة فأقترح تكوين اتحاد عام للادباء العرب يكون شعاره " الحركة الادبية العربية الواحدة " التى تسير جنبا الى جنب مع الحركة العربية القومية العامة وتعبر عنها ، بل تتولى قيادتها الفكرية ، فتعمق الاحساس بأهدافها ، وتحرك الطاقات الكامنة فى الوطن العربى الكبير .
