الأذرى : بفتح الهمزة والذال ، نسبة الى أذر بيجان ، وهو اقليم واسع ، من مدنه المشهورة تبريز ، وقيل فى النسبة اليه أذرى(بسكون الذال ) لأنه عند النحويين مركب من أذر ، وبيجان ، فالنسبة إلى الشطر الأول ، وقيل في النسبة اليه أذر بى ( بفتح الهمزة والذال وسكون الراء) ، وكل قد حاء (1) .
ومن المعروفين بهذه النسبة " الأذرى " أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن حاتم الأذرى ، نزيل القيروان ، وتلميذ القاضى أبى بكر بن الطيب الباقلاني ، وقد تحرفت نسبته الى " الأزدى " لدى الكتاب والباحثين قديماً وحديثاً . وورد ذكره ثلاث مرات فى كتاب " تبيين كذب المفترى فيما نسب الى الامام أبي الحسن الأشعري" تأليف حافظ دمشق ومؤرخها أبي القاسم على بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر ( ت سنة 571 ه ). المرة الاولى جاء نسبه محرفا الى الازدى " وقرأت فيما رواه الشيخ الزاهد أبو محمد عبد القادر بن محمد الصدفى القيروانى المعروف بابن الخياط ، قال : انا الشيخ الفقيه أبو بكر عبد الله بن محمد القرشي القيرواني قال :أنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن حاتم الازدى (كذا)صاحب القاضي الجليل أبى بكر بن الباقلانى . . . " (2).
وفى المرة الثانية جاء نسبه على الوجه الصحيح "الأذرى " ، ونقل المؤلف ترجمته بالاسناد المتصل عن الفقيه أبى عبد الله محمد من موسى بن عمار
الكلاعى الميورقي (3)" الا انه (اي الباقلانى)خلف من بعده من تلاميذه جماعة كثيرة ، تفرقوا فى البلاد ، اكثرهم بالعراق وخراسان ، ونزل منهم الى المغرب رجلان : احدهما أبو عبد الله الأذرى - رضي الله عنه - وبه انتفع أهل القيروان ، وترك بها من تلاميذه مبرزين مشاهير جماعة ، أدركت اكثرهم. وكان رجلاً ذا علم وأدب ، اخبرنى بعض شيوخنا عنه - رحمه الله - انه قال: لى خمسون عاماً متغرباً عن أهلى ووطني ، ولم أكن فيها الا على كور جمل أو بيت فندق ، اطلب العلم آخذاً له أو مأخوذاً عنى.
وقال لى غيره من شيوخنا : ما قدر أحد من تلاميذه يعطيه على تعليمه له شيئاً من عرض الدنيا . وكان يقول : تعليمى هذا العلم أوثق أعمالى عندى فأخاف أن تدخله داخلة ان اخذت عليه اجرا ، ولا احتسب اجرى فيه الا على الله ، ولقد كان يتركنا فى بيته ونحن جماعة ، ثم يذهب الى السوق ، فيشترى غداءه او عشاءه ، ثم ينصرف به فى يده ، فكنا نقول له : يا سيدنا الشيخ نحن شباب جماعة ، كلنا نرغب فى قضاء حاجتك فى المهم العظيم ، فكيف في هذا الامر اليسير ؟ ! نسألك بالله العظيم الا ما تركتنا وقضاء حوائجك ، فأن هذا من العار العظيم علينا . فكان يقول لنا : بارك الله فيكم ، ما يخفى على انكم مسارعون لهذا الامر ، ولكن قد علمتم عذرى ، وأخاف ان يكون هذا من بعض اجرى على تعليمي .
وتوفى بالقيروان غريباً ، رحمة الله عليه ورضوانه (4) .
والمرة الثالثة ورد ذكره في اواخر ترجمة أبى الحسن على بن داود الدارانى الدمشقى المقرىء ( ت سنة 402) . " وسمعت الشيخ الفقيه الامام أبا الحسن على بن المسلم بن محمد بن على بن الفتح السلمي يحكى عن بعض شيوخه ان أبا الحسن بن داود لما كان يصلى فى جامع دمشق تكلم فيه بعض الحشوية (5)، فكتب الى القاضي أبي بكر محمد بن الطيب بن الباقلانى الى بغداد يعرفه ذلك، ويسأله ان يرسل الى دمشق من اصحابه من يوضح لهم الحق بالحجة ، فبعث القاضي تلميذه أبا عبد الله الحسين بن حاتم الأذرى ، فعقد مجلس التذكير فى جامع دمشق فى حلقة أبي الحسن بن داود ، فذكر التوحيد ، ونزه المعبود ونفي عنه التشبيه والتحديد ، فخرج أهل دمشق من مجلسه وهم يقولون :
احد ، احد ، هذا معني ما ذكره لى رحمه الله . واقام أبو عبد الله الأذرى بدمشق مدة ، ثم توجه الى المغرب ، فنشر العلم بتلك الناحية ، واستوطن القيروان إلى أن مات بها ، رحمه الله " (6).
ونستفيد من هذا النص أن الأذرى كان داعية من الدعاة الذين يعتمد عليهم القاضى الباقلانى فى نشر مذهب الأشعري ، فى فترة حاسمة من الصراع النهائى بين المعتزلة والأشعرية كان النصر فيها للأشعرية وظروف قدوم الأذرى الى القيروان غامضة غير واضحة ، هل كان بطلب من أهل القيروان ، أم أنه جاءها تطوعاً أو بايعاز من شيخه الباقلاني ؟ اسئلة لا نجد عنها جوابا مع العلم بان مذهب الأشعري كان منتشراً بالقيروان، قبل قدوم الأذرى ، ومن ممثليه اعلام بارزون كأبى الحسن القابسى ، وأبى عمران الفاسى ، وابن أبى زيد القيروانى .
وقد وقفت على مخطوطة من " تببين كذب المفترى " ترجع الى القرن الثامن ، من كتب الشيخ على النورى ، واصلها من اوقاف المدرسة القليجية بدمشق ( 7 ) جاء بهامشها بخط ومداد مغايرين للنسخة معلومات مفيدة عن " الأذرى " هذا ، آثرت نقلها بنصها : حاشية ، قال ابو محمد عبد الله بن على بن عبد الله بن على بن خلف المرشاطى اللخمى فى كتابه " اقتباس الانوار فى معرفة انساب الصحابة ورواة الآثار "(8) : الأذرى : منسوب الى أذريبيجان أبو عبد الله الحسين بن حاتم ( 9 ) الاذرى ، مؤلف كتاب
اللامع ( 10 ) في أصول الفقه ، وهو مختصر حسن فى معناه . وكان - رحمه الله - حسن الاخلاق ، مليح الدعابة ، وكان مولعا بالحلواء ، وكان اصحابه قد علموا ذلك منه ، فمتى حضر عندهم قدموا له فى آخر طعامهم الحلواء ، وان احدهم اغفل ذلك فى بعض الاحيان ، فلما اخذوا فى الانصراف قال الأذرى: أفطر عندكم الصائمون ، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم نصف الملائكة، فقيل له : انما هو وصلت عليكم الملائكة ، فقال : بقى النصف الثاني مع الحلواء .
مات - رحمه الله - بالقيروان سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة " (11) .
وكان أبو بكر عبد الله بن محمد القرشي القيروانى تلميذ الأذرى ممن أخذ عنه كتاب " اللامع فى أصول الفقه " تأليف شيخه الاذرى ، فى ذيل اللباب ما نصه : " على بن عثمان بن الحسين الربعى الصقلى ، قدم قرطبة تاجراً روى عنه أبو على الغساني كتاب اللمع ( كذا ) فى أصول الفقه لأبى عبد الله الحسين بن حاتم الأذرى ، حدثه عن أبى بكر عبد الله بن محمد القرشي المالكى ، عن الأذرى مؤلفه ( 12 ) " .
وكلمة " الأذرى " الواردة في هذا النص قرأها الاستاذ هادى روجى ادريس " الأذرى " ( هكذا بالالف المقصورة ، غافلا عن انها ياء النسبة ) ، وتصحح - فى نظره - الى الأزدى(13) ، وكلمة " الأذرى " صحيحة لا تحتاج إلى تصحيح هو عين التصحيف والتحريف .
وتحرف " الأذرى " الى " الأزدى ، عند ياقوت الحموى ( 14 ) فى اواخر كلامه عن القيروان فمن جملة ما ينسب اليها . . محمد بن ابي بكر عتيق . (بن) بن محمد بن أبي نصر هبة الله بن على بن مالك ، أبو عبيد الله ، التميمي القيروانى ، المتكلم الأشعري (15)، المعروف بابن أبي كدية ، درس علم الأصول بالقيروان على أبى عبد الله الحسين بن حاتم الأزدى ( كذا ) صاحب القاضى أبى بكر الباقلانى وعلى غيره ...
وكان يقرىء الكلام فى النظامية ببغداد ، وأقام بالعراق إلى أن مات ، وكان صلباً فى الاعتقاد ، ومات ببغداد فى ثامن عشر ذى الحجة سنة 512 ، ودفن مع أبى الحسن الأشعرى فى تربته بمشرعة الروايا خارج الكرخ " .
وفي ترجمة القاضي أبي بكر الباقلاني في " ترتب المدارك " للقاضي عياض ، جاء ذكر " الأذرى " مرتين ، مرة محرفاً الى الأذرى ( 16 ) (هكذا بالدال المهملة ) ، ومرة محرفاً إلى " الأزدى ( 17 ) " .
فى المقدمة التى كتبها محقق كتاب " ترتيب المدارك " تحرف الأذرى إلى الأزدى " . . . فكان من كبار الاشاعرة النازحين الى المغرب أبو عبد الله الحسين بن حاتم الأزدى ، تلميذ القاضى الباقلانى (18).... " .
