الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "الفكر"

الاستشراق السينمائي في المغرب العربي

Share

عرف الاستشراق فى ميادين الادب والتاريخ والرحلة ( الجغرافيا ) والاجتماع واخذ هذا المفهوم يتطور حتى أصبح يشمل كل شكل من اشكال الابداع كالاستشراق الفنى ( اى الفن التشكيلى ) ( 1 )  فاوحى لنا ذلك بان نطلق هذا العنوان على جزء مهم من دراسة مونيك وغى هانبال بعنوان : " السينما والمجتمع فى المغرب العربى " ( 2 ) وقد جاء فيه ما تعريبه ( 3 ) : " .. انه لو استثنينا حالة التونسى ( من الجالية اليهودية ) البار شمامة المدعو - شكيلى - الذى صور خلال عام 1922 فلما قصيرا بعنوان - زهرة - وخلال عام 1924 فلما طويلا : - عين الغزال - أو - فتاة قرطاج - فانه ليس هناك مغربى واحد مسك بآلة الكميرا فى العهد الاستعمارى . ويفسر هذا الامر بخشية الاستعمار من ان يرى الاهالى يمسكون يوما وسيلة تعبير مدمرة وذلك بنقل ظروفهم الحقيقية الى الشاشة ...

فالى سنوات الاستقلال لم يكن نقل الواقع الاجتماعى لبلاد المغرب العربى إلى الشاشة الا حقا محضا من حقوق الاوربيين وخاصة الفرنسيين منهم .

لقد قام كل من موريس روبار باتاى Maurice - Robert Bataille وكلوفويو Claude Veillot فى كتابهما ( كاميراهات تحت الشمس ) (4)  ( Cameras sous le Soleil )الذى نشر بالجزائر العاصمة سنة 1956، قاما بتصنيف حوالى مائتى فلم سنمائى طويل وقع تصويرها بكل من تونس والجزائر والمغرب من سنة 1919 حيث قام لوتيزمورات Luitz Morat وبيار رينيى  P . Regnier بتصوير شريط " اصحاب الاناقة الخمس الملاعين "        " Les 5 Gent lemen maudits "

وان معظم هذه الافلام - ان لم تكن كلها - تبدو اليوم كتنكر صارخ للمجتمعات التى تظاهرت بتصويرها بامانة وهى كلها - او تقريبا - تترجم الرؤية المشوهة التى كانت تحملها أوربا عن العالم العربى .

ويمكن ان نفسر بواسطة المزحة التالية الصورة التى كان يقدمها السنما ( الاستشراقى ) عن العربى ففى احدى الافلام يذهب اوربى الى احدى مخافر الشرطة فى مكان ما من شمال افريقيا ليصرح للاعوان بوقوع حادث فسأله العون عن عدد الضحايا فيجيب الاوربى بقوله : " إنسان واحد وعربيان اثنان " (5) .

" ان المغاربة يصورون ( بفتح الواو ) على شاشة الاوربى من خلال صورتين هزليتين ( كركاتوريا ) فاما ان يكون عنصرا من عناصر تكوين الفضاء السنمائى اى من عناصر الزينة لا فرق بينهم وبين شجرة النخيل او الجمل او المسجد او انهم ( اى الاهالى المغاربة ) اغبياء من شأنهم ان يعرقلو الرسالة الحضارية لفرنسا بسبب خبثهم الوراثى ؛ .. فهم متعصبون بالمعنى الدينى على استعداد متواصل لاستعمال خناجرهم المشدودة لبرانيسهم وباختصار فالعربى اما ان يكون خفيف دم بغباوة او انه مشاغب وجلف . اما النساء العربيات فى هذه الافلام فهن اما ان تكن راقصات  ( أولاد نايل ) ، أو بغيات فى القصابى ( جمع  قصبة ) أو لاعبات أوراق . .  "

" اما الاوربى كشخصية فى هذه الافلام فهو الذى رفضته كل الطبقات مجتمعه فجاء يبحث فى المستعمرات عن السلم الذى يضمن له النجاة السحرية والذى يمكنه من تسلق الدرجات الاجتماعية التى عسرت عليه فى بلده الاصلى .. شاب خائب ضغط عليه الطيش فهاجر بلده وعائلته التى طاردته لانه اصبح يجلب لها العار ، او شاب هجر بسبب هجر جبيبته له فجاء يبحث عن تسلية ... ( شريط اللعبة الكبيرة لجاك فايدار ( Jacques Feyder )     او مثلا : هذا مدير حانه ذو كرش كبيرة يغمره العرق بفعل الشمس الافريقية فى حى يسكنه بعض البيض وعربان يسكنون على بعد وهو يتحكم فى مجموعة من الفتيات سيئات السلوك يقضين الوقت فى صنع الملابس الصوفية منتظرات قدوم جماعات الجيوش الملفوحة باشعة الشمس هم من الاناقة والنشاط ما يوحى بتعطشهم للحضور الانثوى الذى كان ينقصهم مدة الاشهر التى قضوها فى الجبال  ان النعت الذى يليق بجماعة الاوربيين فى المستعمرات هو انهم : " محل رثاء " :

" وان ابطال هذا العالم الصغير الذى يكون شرط الوجود فيه مرتبطا مباشرة باستغلال الشعوب المغربية هم قليلا ما يكونون ( اى الابطال ) ابهياء فحتى ضباط الجيش منهم فانهم يكونون خارج عملهم العسكرى ضعيفى الشخصية غير قادرين على التصرف فى حياتهم . . "

على أن أحسن أسلوب لدراسة مضامين هذا الانتاج السنمائى يكون أفضل ببث هذا النوع من الافلام والحكم عليها بعد نظرة كلية شاملة " .

ثم يلاحظ الكاتبان انه عندما كانا بصدد وضع هذه الدراسة فان بيار بولانجى كان على اهبة نشر كتاب بعنوان - السنما الاستعمارية المغربية عن طريق منشورات ، سيغارس ( Seghers ) مجموعة " سنما 2000 "ثم يضيفان انه مع فترة الاستقلال وبعدها اصبحت الافلام المتعلقة بالمستعمرات  تصور الواقع بأكثر موضوعية مع تفاوت بين الفلم والفلم مستشهدا بفلم ( حجا ) الذى اعتبر قبل الاستقلال الجزائرى تهجما على الاسلام فى حين اعتبر بعد الاستقلال فلما تقدميا وهو فلم تونسى أخرجه جاك باراتيى الفرنسى الجنسية .

وما هذه الا فكرة عن السنما التى رأينا ان نطلق عليها عبارة : الاستشراق السنمائى - ونقصد الافلام التى صورت بلادنا او البلاد العربية بعقلية استعمارية مغرضة.

اشترك في نشرتنا البريدية