أتيت من غربتى لولاك لم آت كفى ملامك يا أغلى حبيباتى
طال الفراق على قلبي وأوجعنى ألا أرى غيره حلا لمأساتى
ومن يصدق أنى عنك فى شغل وحبك البكر عندى زيت مشكاتى
وأحلك العمر أيام هنا عبرت كأنها الحلم أو بعض الخيالات
على ضفاف زرود قد رسمت غدى ومن أماسيك كم زوقت لوحاتى
يا قيروان بماذا عدت من سفرى لم يبق لى فيك الا الظل من ذاتى
أين الأحبة أين الأنس أنسهم وهل يعود لنا صفو المودات
كنا هنا كطيور الأيك يجمعنا رأد الصباح وآصال العشيات
فشرد السرب وانفضت مجالسنا واغتال حلم بنيك العاصف العاتى
ما زلت تحتملين الدهر فى جلد وتصبرين على كل الملمات
كم فى جهادك من درس وموعظة ومن براهين للدنيا وآيات
وللعروبة كم أعطيت من بطل جاز البحار بأحكام الرسالات
دار الزمان وصادتنا غوائله ونكس العرب هامات ورايات
يا قيروان وانت العز موطنه ماذا أحدث عن أهل الخيانات
عن الذين أبادونا بنارهم لينصبوا عرشهم فى حقل أموات
أم الذين أضلتنا وعودهم وخدرونا بأبواق الدعايات
أم من مشبوا فى دروب غير مفضية وأودعوا السجن أرواحا بريئات
وأسكتوا كل صوت غير صوتهم وذكروا الناس بالعزى وباللات
حزنى على وطني لا شئ يعدله الا جناية هاتيك الحكومات
يا أمتى كبرت آلامنا فمتى تضم أشتاتنا يوما لأشتات ؟
لم يبق فى الأفق نجم نستضئ به غير الخطابة فى سوق المزادات
اذا عزمنا على تحقيق معجزة لا شئ يجمعنا غير الشعارات
قلوبنا فى مهب الريح سائمة والشعب نطعمه حبر البلاغات
فتحت عيني على دنيا مروعة كأنها لم تكن مهد الحضارات
جنس العباد بها لا عقل يعقله وللبرية فيها قيمة الشاة
الحق يملكه من ليس يتبعه وللشعوب حقوق غير معطاة
وثورة العلم لم تصنع بآلتها غير الدمار وتلويث المحيطات
لولا الذى خففته من مصائبنا لقلت : ردوا لنا عصر الجهالات !
والشاعر الحق مهما قال شانئه ضمير أمته فى كل ما يأتى
لا تحسبوا الشعر ألفاظا مكبلة تحنى الجباه بأعتاب البلاطات
ذل المديح وذلت كل قافية لم تنفجر مثل ألغام العصابات
رصاصه الحرف ان سددت طلقتها تطوى العصور وتحتاز المسافات
وهى عيون طغاة الارض عاصفة نثيرها نحن ، قبل الانقلابات
يا أمة وهبت للكون سادته لم ينضب الوحى فى أرض النبوات
لا بد أن تسقط الأصنام ثانية ويفتح الشعب أبواب السماوات
النور يعشق هذا الشرق من زمن فلا يطول به ليل الخرافيات
