وهذا توفيق حسن ، فان الرازي لم يصل إلى " البينة " بلا شك ، فانى وجدت في سورة " الواقعة " في تفسير قوله تعالى : " كأمثال اللؤلؤ المكنون " يقول المفسر :
ليس كمثله شئ توحيد بالدليل وليس مثله شئ توحيد من غير دليل ، وشئ من هذا رأيته في كلام الامام فخرالدين الرازي رحمه الله ) ١١ (
وفيه دليل قاطع على أن الفخر الرازى لم يصل إلى الواقعة فضلا عن البينة ، والله أعلم بالصواب
منهج الإمام في تفسيره
كان الرازى بحرا في العلوم الكونية والطبيعية ، ومستغرقا في العلوم الفلسفية والكلامية فلا غرو ان أعطى قسطا من معلوماته في تفسيره عن الآيات الكونية والطبعية ولذا نجد في مقدمة تفسيره ما نصه :
" اعلم انه مر على لساني في بعض الاوقات ان هذه السورة الكريمة ) يعني الفاتحة ( يمكن أن يستنبط من فوائدها ونفائسها عشرة آلاف مسألة ، فاستبعد هذا بعض الحساد ، وقوم من أهل الجهل والغي أنفسهم من التعليقات الفارغة عن المعاني
والكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد والمبانى " ) ١١ (
فاذا كان الامر هكذا فان الرازي لم يترك أى فرصة سنحت له من قبل المعتزلة والفلاسفة الا رد عليهم ، مع ذكر أدلتهم وشبهاتهم ، ولكنه لم يوفق في الرد عليهم فما وفق في ايراد شبهاتهم وتشييدها بالبراهين والأدلة حتى وجد الناس فرصة للرد عليه كما قيل :
" انه يقرر الشبهة من جهة الخصوم بعبارات كثيرة ويجيب عن ذلك بأدنى اشارة " ) ١٢ (
وقال صاحب كشف الظنون : " ان الامام قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وخرج من شئ الى شئ حتى يقضي الناظر العجب من عدم مطابقة المورد للآية ( ) ١٣ ( .
وقال أبو حيان في البحر : " جمع الامام في تفسيره اشياء كثيرة طويلة لا حاجة لها في علم التفسير "
واكبر النقد الذى وجه الى الامام من قبل علماء المغاربة قولهم في تفسيره : " فيه كل شئ الا التفسير " ) ١٤ (
ولا شك في أن هذا القول يحمل على ) * ( المبالغة فان الامام من سعة اطلاعه وغزارة علمه لم يتنبه الى هذا ، بل أنه سلك سبيل
علماء عصره في المواد الاخرى ، فان الحرب القائمة بين علماء السلف وعلماء الفلاسفة لم تهدأ بعد في القرن السادس ، فالجو كان ملائما لهذا المنهج مع ما فيه من كثرة الشغف والتطلع الى العلوم الخارجية من العلوم الشرعية . ويجدر بنا الآن أن نخرج هذه العلوم ونجعلها في مؤلفات مستقلة فان تفسيره صار موسوعة كبيرة في علوم الكلام والفلسفة وعلم الكون والطبيعة والبلاغة والادب
طريقتة في التفسير
اتخذ الرازى قوله تعالى : " قال فمن ربكما يا موسى ؟ قال : ربنا الذي أعطي كل شئ خلقه ثم هدى " ) ١٥ ( دليلا على سلوكه وطريقته بالسؤال والجواب . يقول في تفسير هذه الآية :
" هذه الآية تدل على انه يجوز حكاية كلام المبطل ، لأنه تعالى حكى كلام فرعون في انكاره الاله وحكى شبهات منكرى النبوة وشبهات منكرى الحشر الا انه يجب انك متى اوردت السؤال فاقرنه بالجواب لئلا يبقى شك كما فعل الله تعالى في هذه المواضع " ) ١٧ (
لقد أحسن الرازى في الاستدلال بطريقه ولكنه لم يستطع أن يتابع هذا الطريق خلال تفسيره فانه يورد الشبهة عمدا ويترك الجواب عنها نسيئة أم عجزا .
والدليل على ذلك فى قوله تعالى قال : " فما بال القررون الاولى ؟ قال علمها عند ربي في كتاب "
يقول الرازى :
المسألة الاولى : اختلفوا في قوله تعالى
" علمها عند ربي في كتاب " ، فان العلم الذي يكون عند الرب كيف يكون في الكتاب ؟ وتحقيقه هو أن علم الله تعالى صفته وصفة الشئ قائمة به . . فأما أن تكون صفة الشئ حاصلة فى كتاب فذاك غير معقول فذكروا فيه وجهين :
الاول : معناه أنه سبحانه وتعالى أثبت تلك الاحكام فى كتاب عنده لكون ما كتبه فيه يظهر لملائكته فيكون ذلك زيادة لهم فى الاستدلال على انه تعالى عالم بكل المعلومات منزه عن السهو والغفلة ، ولقائل أن يقول قوله : في ) كتاب ( يوهم احتياجه تعالى في ذلك العلم الى ذلك الكتاب وهذا وان كان غير واجب لا محالة ولكنه لا أقل من أنه يوهمه في أول الامر لا سيما للكافر فكيف يحسن ذكره مع معاند مثل فرعون فى وقت الدعوة ؟ ) ١٨ (
ولا شك لقد احسن الرازى في ايراد الشبهة ولكن أين جوابها ؟
لطيفة : خواص لفظ الجلالة
اعلم أن هذا الاسم مختص بخواص لم توجد فى سائر أسماء الله تعالى ونحن نشير اليها :
الاولى : انك اذا حذفت الألف من قولك ) الله ( بقى الباقى على صورة ) لله ( وهو مختص به كقوله تعالى : " ولله جنود السماوات والأرض "
الثانية : وان حذفت من هذه البقية اللام الاولى بقيت البقية على صورة " له " كما في
قوله تعالى : " له مقاليد السماوات والأرض وقوله تعالى " له الملك "
الثالثة : فان حذفت اللام الباقية كانت البقية هى قولنا " هو " وهو ايضا ضمير دل عليه سبحانه وتعالى في قوله جل وعلا : " قل هو الله احد " " هو الحي القيوم " ) ١٩ (
فهذه بعض الخصائص الموجودة في لفظ الجلالة وهي غير موجودة في سائر الاسماء .
وأختم كلامي بكلام النجم الطوني وهو ما لخصه ابن حجر في قوله : " ما رأيت في التفسير اجمع لغالب علم التفسير من القرطبي ، ومن تفسير الرازى الا انه كثير العيوب " ) ٢٠ (
) تم البحث (

