لقد امسى من البديهيات المقررة ، والمتواضع عليها فى العصر الحديث ، عصر العلم والحياة والنور ، وما يتصل بذلك من قريب او بعيد . . وما يتفرع عنه في جملته ، وتفصيله ؛ من نوازع نفسية مستقيمة او مضطربة ، وافكار حية متوهجة ، ومطالب وحاجات ، لا يدخلان في دائرة محدودة الجوانب والاطراف - ان الصحف والمجلات ) بالقياس الى كل امة من الامم المتوثبة الطموح ( دليل لا يعوزه الصدق ، على نهضة الأمم وهي من تلك الادلة القوية الدافقة ، التى لا يرتقى اليها الشك بقدر ما يرتقي بها اليقين في مراتبه السامقة سموا ورفعة . . وهي ايضا رموز جليلة الاغراض ، واضحة المعالم والسمات ، فى انسراب الفكر المستنير ، وتحلله من القيود الثقيلة التى كبلته حقبة طويلة من الزمن ، ووثبة من وثبات الوعى والحس - فى الجماعات الانسانية المختلفة بالنسبة لكل امة وكل قطر
وليس علينا ان نبحث عن مواطن الصدق فى ذلك ، او ان نلتمس للوصول اليها الطرق والمنافذ عند ما نريد التقرير والبحث عن رسالة الصحف والمجلات وما تخلفه أو تبعثه هذه أو تلك من الروح الجياشة المنطلقة الى آفاق بعيدة وبعيدة . . ولا ما تتركه من اثر بارز منظور ، لا سبيل الى جحوده او التنكر له ، بالقياس الى كل امة كتب لها الانتقال والتحول ، من ميدان ضيق
الى ميادين فسيحة لا تحجبها حدود ولا سدود ، ولا تصدها عن مسايرة قوافل الأمم التى سبقت غيرها بمراحل كثيرة ، في سبيل الحضارة والرقي .
ولما كانت الامة العربية ، من الأمم العريقة فى الحضارة ، ولها مكانتها الممتازة فى الشرق ، تلك المكانة الجليلة ، التى ملات بطون الكتب والتواريخ لولا ما جثم على صدرها من الإحداث الثقال ، وما مر بها فى حقب خلت من ظروف قاسية مريرة ، مليت بسببها بالتقلص ، والانكماش ، ثم الانزواء الذي اعقبه فتور حركة ، وركود فكر - نهضت من كبوتها ، وافاقت من هجمتها ، ونضت عنها ثوب الخمول والكسل ، ودرجت مع الدارجين مندفعة فى حماس الموتور وقوته الى استعادة مجدها المضيع ، والعمل على خلق تراثها الخالد الذى عفت عليه السنون من جديد .
ولا بدع : فالصحف والمجلات ، التى نشأت وترعرعت بين احضان هذه الامة النبيلة ، لم تزل تجاهد في سبيل النهوض وايقاظ المشاعر الفاترة ، والافكار الناعمة الخابية ، بماتبثه هنا ، وتنشره هناك ، من الاراء الوضيئة والدراسات العلمية النافعة فى شتى فنون العلم والادب والتاريخ وهي بهذه الوسيلة الحميدة تمد العقول التى عاشت زمنا طويلا فى غلس مطبق مخيف ، بغذاء دسم في المعرفة والاستبصار . !
ومجلة ) المنهل ( التى انشأها الاستاذ الانصاري ، وتعهدها بجهوده وعنايته ودابه ، وغذاها بقوة من روحه النشيطة ؛ هي المجلة الوحيدة التى منذ استهلت كانت مظهرا موفقا من مظاهر اليقظة المتوخاة ، ومعينا نقيا ، فى العلم و لادب والتاريخ - فلقد عنيت من أول عام خرجت فيه بنشر وتعضيد كافة الدراسات النافعة المفيدة ، والنقدات العلمية النزيهة البريئة ، من كل شائبة مزرية ومهاترة مشينة ، وعالجت كثيرا من الموضوعات الاجتماعية والاخلاقية ، وكذلك فقد كانت - ولم تزل - تهدف دائما الى تنمية الشعور بالواجب ، وبالثقة فى اوسع معانيها المعروفة ، وتسير بخطى وئيدة متزنة ، فى طريق لاحبة ، لا اعوجاج فيها ولا التواء ، وهي كذلك دائبة نشيطة ، يحدوها الأمل ، ويطل عليها
الرجاء . لا لتبلغ من سمع القارئين ما تريد ان يخلص الى قلوبهم فحسب بل كذلك همها وغايتها ان تحقق برنامجها الحفيل ، حتى تسمو الى الذروة التى تطمح ان تبلغها ، وهي في هذه الرغبة ، وهذا الاتجاه المحمود عزيمة قوية لا تثنيها الصعاب مهما جلت واستعصت ، ولا تلويها العقبات عن اغراضها الحسنة ومراميها النبيلة
لأن المنهل قبل كل شئ ، ليس ، - ولا يمكن ان يكون - صحيفة مبتذلة رخيصة مسخرة ، تتتبع الكلام لتشترى السمعة الطيبة ببعض كلمات معسولة تزجيها فى مقام المجاملات او المديح - الاما له صلة وشيجة بغاية نبيلة ، وغرض شريف ، بل هي مجلة حرة صريحة الراي ، ظاهرة الغرض ، كاملة النضوج قويمة المبدأ ، مجاهدة فى سبيل العلم ، وتنوير الاذهان التى اطبق عليها الظلام اوكاد ما وسعها الجهد وتهيات الفرص السانحة فى اسلوب رصين مبين ، واضح المعالم والسمات ، ولذلك ، ولانها رسول ثقافة عالية وادب رفيع ، فقد وجب على الرهط المتعلم المثقف اولا والأمة بكافة طبقاتها ثانيا ، تقدير ما بذله صاحبها من جهود - بالثناء والشكر - وبالتأييد والتعضيد والمؤازرة ، ثم ازجاء التهنئة له ، بمناسبة دخول ) المنهل ( فى عامها السابع ، من عمرها المديد .
واننا - اذ نتمنى - ، نتمنى ) للمنهل ( حياة حافلة ، وتقدما مطردا ، فى ظل واضع لبنة العلوم ، ومقوم دعامة الحضارة الحديثة فى البلاد حضرة صاحب الجلالة عاهلنا العظيم ايده الله بروح من عنده وحفظ بعين العناية سائر انجاله الغر الميامين ، الذين كانوا ولم يزالوا - نباريس هدى ونور .

