الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 6الرجوع إلى "الفكر"

البضاعة الجيدة

Share

كان ناصر جالسا وحيدا فى الصالة وعلى الرغم من وجود موقد ضخم عن كثب منه فانه يستشعر قرصات البرد فى جميع جسمه حتى خيل اليه ان الجدران تنز بالصقيع وان اصابع قدميه تتجمد داخل حذائه . لم يكن يرتدى معطفا حرصا منه على التأنق وكان من حين الى آخر يخرج منديله من جيبه ليتمخط بصوت منخفض ثم يطويه ويعيده الى مكانه فى جيب بنطلونه المكوى بعناية .

وفيما هو يتفرج على الاكلة السميكة والستائر المخملية المسدولة على نوافذ الصالة اذ دخل رب المنزل ، وهو رجل قصير بدين ، وقال وهو يقترب من الشاب :

- عفوا ، لقد ابطأت ، لا شك انك مللت الانتظار .

فوقف الشاب وقد اصطبغ وجهه بحمرة خفيفة وأجاب :

- لا بالعكس ، اننى لم اشعر بالملل البتة

ووضع السيد عبد الرزاق يده اللدنة على كتف ناصر واجلسه على الاريكة المقابلة وقال :

- هل شاهدت المكتبة . ان بها بعض الكتب القيمة قال ذلك واشار براسه الى رف نضدت فوقه كتب مجلدة .

- الحقيقة ان البرد قيد حركتى - الاحظ ذلك . لماذا لا تضع على كتفيك معطفا .

- انه لا يحل المشكلة اذ يعسر على الانسان وهو بداخله ، التحرك بيسر . فضلا على ان البدلة تغدو تحته متكمشة ، ونصيحتى للناس ان يتخلوا عنه .

فضحك السيد عبد الرزاق واهتز بطنه بعنف وعلق قائلا :

- هكذا انتم الشبان دائما ، عندما كنت فى مثل سنك اقضى كامل الشتاء فى قميص . كنت لا اكترث بالبرد

فابتسم ناصر مجاملا صديقه .

قام الكهل واتجه الى الرف واخرج كتاب " السد " وعاد به الى صديقه وهو يقول :

- حدثتك عن هذا الكتاب لقد قراته واعترف باننى لم افهم منه اشياء كثيرة . لا أدرى لماذا يلجأ الكاتب الى الاسلوب الرمزى بينما فى ميسوره ان يعبر عن آرائه بوضوح .

لم يكن الشاب فى الواقع قد قرا الكتاب ولكنه سمع ناسا كثيريـــــن يتحدثون عنه ، فقال :

- أنت معذور يا سيد عبد الرزاق . طه حسين نفسه لم يفهمه الا فى القراءة الثالثة .

وبان السرور فى عين الكهل واعتبر وجوده فى صف طه حسين مفخرة له .

تصفح ناصر الكتاب وقرأ سطورا منه ثم وضعه على المنضدة وقال :

منذ امد لم أعد شغوفا بالمطالعة ، لقد احتلت وجدانى هواية اخرى هى الاستماع الى الاسطوانات والاغانى الفرنسية بالخصوص تروقنى إلى درجة قصوى .

وجعل يذكر اسماء مطربيه المفضلين .

لم يكن السيد عبد الرزاق يصغى لحديث ضيفه بكل جوارحه كما يقولون ، فمنذ ان شرع الشاب يحاضر ، وهو يتحرك فى مجلسه يتوتر وينظر الى الباب كانه يترقب شخصا ، لم يلاحظ ناصر ذلك فتحمسه للموضوع قد ملك عليه جميع مشاعره . بدا كمتحزب يطرح مبادئ حزبه ولا غرو فمنذ ايام ليس له عمل سوى ان يطوف المحلات بحثا عن احدث الاسطوانات وفكرة كونه شابا عصريا تملأ دماغه .

دخلت بعد قليل فتاة شقراء شعرها الذهبى مرسل الى الوراء على شكل ظفيرتين . كانت قسمات وجهها توحى باللطف والوداعة وفى عينيها بريق ذليل ، لم ترفع عينيها وهى تتخطى الطنفسة المفروشة بين الاريكتين وتضع طبق الشاى والفواكه على المنضدة .

كانت مرتبكة

ساد الصمت لحظة وجيزة ثم نظر السيد عبد الرزاق الى ضيفه مبتسما وقال :

- هذه ابنتى " سناء " فقام الشاب وقال هاشا :

- أهلا وسهلا ، تشرفنا وتمتمت الفتاة بعبارات مبهمة ثم انسحبت لا كالغزالة بل بخطى وئيدة وجعل ناصر يتابعها بالنظر حتى اختفت وتلقته نظرات المضيف المبتسمة وقد سره ان يكون فى نظر الشاب من انصار الجديد لا يحمل فى راسه أفكارا سيئة عن التقدم . واكتسحت مفاصل ناصر موجة من البرد فجعل يرتعش .

لم تكن الفتاة من اللواتى يتركن بلبلة فى ذهن الرجال ولاجل هذا نسيها الشاب سريعا .

- حدثني عن مشروعك الجديد فهل رسخ فى نيتك فتح فرع لمقاولتك بليبيا انه عمل عظيم لو قدر له ان يتحقق .

- اجل . لقد تباحثت مع اخصائيين عديدين وشجعونى كلهم ما رأيك لو . . - لو ماذا - لو تلتحق بمقاولتى . انى فى حاجة الى مساعدة شاب مثلك ، ناشط ومتفتح . لاننى احب هذا النوع من الناس الحازمين .

- وماذا افعل بالدكاكين الثلاثة التى أملكها . هل ابيعها ؟ ونظر اليه . فاطرق السيد عبد الرزاق مفكرا ثم اخذ ينقر على ذراع الاريكة وقال بصوت فيه شىء من بهجة النصر .

لماذا لا تعهد الى اخيك بالسهر عليها .

- انه لا يحسن شيئا . وانا سعيد بعمل هذا .

وبدا على السيد عبد الرزاق يأس كبير وقال حزينا :

- كنت أظن ان هذا العرض يسعدك ويلائم طموحك ونزعتك الى التكون. لا يهم الان . واثر سوء التفاهم الذى حصل بينهما صار كلاهما يقطع كلامه بلحظات صمت ثقيلة وجعلا يخوضان على هذه الصورة فى مواضيع مختلفة . - انى اقرأ كل شىء وخاصة ما يكتبه طه حسين اما فى الادب الاجنبى فافضل دائما ان اقرا لقى ديموباسان ودستوفسكى وهمنقواى . ان لدى مؤلفات عديدة لهؤلاء العباقرة اطالعها عندما اجد الوقت .

وهز ناصر رأسه وسأل فى جسارة لا تخلو من وقاحة :

- الم تقل لى انك لا تجد وقتا حتى لغسل ساقيك ، فكيف تيسر لك قراءة امثال هذه المؤلفات الكبيرة الحجم

- الواقع . اننى أعد القراءة جزءا من عمل وتكوينى المهنى رغم ما يبدو على

صناعتى من بعد عن الادب . اننى اخالف جميع الناس فى هذا . لقد اكتشفت ان للمطالعة دورا فى فتق قر قرائح الرجال حتى رجال الاعمال منهم ولهذا ارانى مستعدا مثلا لان اتخلى عن الطعام لاجل المطالعة .

وعاد الحماس وعاد الاخر يتحدث عن اسطواناته وهو لا ينفك يعدل من هيئة رقبته والعبث بشاربه . كان المنبه يدق دقات رتيبة ويشير الى التاسع حينما قال :

- مكثت هنا وقتا طويلا . . هلا حدثتنى عن الامر الهام الذى دعوتنى من اجله فهل كان ما ابديته من رغبة فى ان التحق بمقاولتك ؟

- نعم

ووقف الرجلان وقال المضيف

- يجب ان تزورنا دوما سأخفف من مشاغلى لالتقى بك . اننا حقا لم نتفق فيما يتعلق بالعمل ، لكن اذواقنا المشتركة تكفى لان نجتمع على الاقل مرة فى الاسبوع .

تلقت الزوجة زوجها متلهفة وهو يعود الى البيت بعد توديع الزائر :

- كيف كانت النتيجة ؟ فهز الاخر كتفيه وقال بمرارة :

- انه يرفض رفضا قاطعا ، قال ان دكاكينه تعز عليه وهو غير مستعد حاليا ان يتخلى عنها .

وضمت المرأة شفتيها ثم قالت بحنق :

- انا لا احدثك عن هذا . انما اعنى الشئ الآخر .

فقطب الرجل جبينه وبقى لحظة يتظاهر بالتفكير وهو يجس جيبى بنطلونه فى حركة لا شعورية ثم قال :

- لا اقول الآن شيئا . الفتاة جميلة . ومع ذلك ليس فى امكانى ان أتكهن بنوع الاثر الذى تركته فى نفسه انه يبدو عنيدا جدا .

- ما العمل اذن ؟

دعوته ليكرر الزيارة انى اومن بفاعلية الاختلاط لانه الوسيلة الوحيدة لخلق جو من الاتصال الروحى بين الفتاة والشاب خاصة واننى لا احتقر

مؤهلات البنت . غير اننى ادعوها الى مزيد من الجرأة والشجاعة انه من أولئك الذين يبهرهم الضجيجيج . اسمعى ، حدثى الفتاة عن ضرورة حذقها ببعض الاغانى الفرنسية ، ساشترى لها غدا اسطوانات يجب ان تستمع اليها على الدوام ، مفهوم .

اوامر . . فى هذا الظرف الدقيق ينبغى عدم مناقشتها رغم انها كانت تميل فى العادة الى معارضته فى كل ما يقول .

أضاف هو :

- الآن جاء دورك لتحدثينى عما قد فعلته لاجل هذا العمل . كيف نظمت كل هذا ؟

واذا تلكأت فى الاجابة عن سؤاله فانها اححبت ان تراه متلهفا لسماع التفاصيل لكنه ظل جامدا كالجليد ينتظر بصبر مروض فقالت وقد زال عنها قدر كبير من العظمة التى كانت تملأ جوانحها منذ حين :

- اعددت كل شئ كما اتفقنا . الم تقل لى انه يجب ان ارسل " فاطمة " بطبق الشاى ارجو الا تكون دعوتها امامه بهذا الاسم

- لا ، لا ابدا . قدمتها باسم " سناء " كملى .

- حسنا .

ولم يرض هو بهذا الاسلوب فى الاجابة فسارع الى القول :

- والفتاتان ماذا قالتا عن خطتنا ؟

- لقد ادخل برود فاطمة الغم فى قلبى . رفضت اول الامر ان تقوم بما اسمته خدعة قالت لي محتجة : (( انها لا ترضى ان تتقمص شخصية غيرها )) . لكنى أقنعتها . واميل الى القول بانها لا تصلح للتمثيل .

- وسناء

- ذهبت الى منزل خالتها . . قالت افعلوا ما بدا لكم . لقد يئست يجب ان ينتهى الامر على اية حال .

كانت " سناء " فى صباها فتاة رقيقة وعندما اصيبت بحروق فى جسدها وفى قدميها بالخصوص صارت تميل الى العزلة ثم ما لبثت ان اصبحت عدوانية فى تصرفاتها فانقطعت عن الذهاب الى المدرسة نتيجة العجز ، وفوجئت بعد ذلك بانها لا تملك رصيدا كبيرا من الجمال يستميل انظار الشباب اليها وقد اكتشفت هذا لما لاحظت ان الاخريات يتزوجن بسرعة بينما بقيت هى وحدها كالزهرة التى اهمل البستانى قطفها لزراية منظرها فبدات

تشعر بحقد على المجتمع والاسرة وصارت عصبية المزاج متشائمة فى معظم الاوقات .

وقد نشأت مع اختها فاطمة تحت سقف واحد لكن الفرق بين الشقيقتين شاسع جدا . كانت الصغرى اوفر حظا من الفتنة والثقافة وخفة الروح وعلي الرغم من هذا فقد نمت بين الشقيقتين صداقة وطدتها طيبة قلب الصغرى واحساسها بما يعتلج فى فؤاد اختها من تبرم بالحياة ونقمة على الناس . وآلت على نفسها ان تساعدها وتأخذ بيدها ومنذ ذلك الوقت غدت مستعدة لاداء اية تضحية فى سبيل اختها .

وقد شرحت لها أمها نوع العمل المناط بعهدتها قائلة :

- أنت يا بنيتى جميلة ورصيدك من الفتنة يجذب الخطاب فالزهرة النضرة الفائحة تنشر أريجها فتملأ خياشيم جميع الناس . اما اختك ، يجب ان تفكرى فى اختك ان اصابع قدميها لا تشيع فى نفس الرجل البهجة ولا الرغبة فى امتلاكها . اخالك تدركين ما أعنى .

- كلا . . ماذا تريدين منى ان اعمل ؟

- ابوك الان يسعى الى التعرف الى عدد من الشبان ويستدعيهم الى منزلنا وسيقدمك باسم " سناء "

- وبعد ذلك

- المطلوب ان تحسنى تقمص هذا الدور وان تتحمسى للفكرة ، وستجرى الاحداث مجراها الطبيعى . سيعجب بك احد الضيوف ويطلب يدك من ابيك ثم يكتب العقد ويومها نكشف الحقيقة .

- انها خدعة .

- اجل انا لا اعارضك فى ذلك ولكن ماذا نفعل ؟ اننا نعمل لاجل سعادة اختك .

- انكما تعرضاننا كما يعرض التاجر سلعه . يضع البضاعة الجيدة فى الواجهة حيث يراها الناس ولكنه لا يبيع للحرفاء الا الردىء . اننى ارفض مسبقا ان اشارككما نسج الاحابيل للناس .

وشعرت الام ان ابنتها تحتقرها فاكتأبت ولكنها قالت بلهجة حزينة :

- ماذا تعنين بالشر يا بنيتى . اليس الشر هو ان تبقى اختك فى المنزل طول العمر .

- يوقرنى ان تبقى شقيقتى عانسا مدى الحياة . لكن توخى هذه الطريقة يؤلمنى واجابتها امها بصوت مترجرج :

- انا اشد الناس حساسية لهذه الامور . فليس نسج الشراك من شيمى لكن . . . وامسكت عن الكلام واخذت تلوك فى ذهنها عبارات بدت انها غير مرتاحة للتفوه بها ثم بعد ذاك الصمت تشجعت وقالت :

- ثمة شئ آخر يجب ان تفهمية .

- ما هو .

- انك انت ايضا ستظلين عانسا مدى العمر اذا بقيت اختك فى البيت تعتقدين ان اباك سيرضى بتزويجك قبل أختك ؟ كلا . لا شك انك بعد هذا مدركة لخطر ما اقول :

وجعلت الفتاة تنظر بعيدا لقد غاضها ان تتناول امها الموضوع بهذه الطريقة والفت نفسها مصممة اكثر من العادة على فكرتها السابقة .

ولم تعد الام الى طرق الموضوع وبعد ايام جاءت فاطمة لامها وقالت :

- اننى خجولة من رجوعى فى مبدئى . . لكن . . واحتضنتها أمها قبل ان تتم كلامها .

لم يعد ناصر فى الاسبوع الموالى ولا فى الاسابيع الاخرى واعتقدت فاطمة أن مشروع الابوين قد باء بالفشل وان اللعبة تعفنت .

وفلى ليلة اقبل الاب وعلق معطفه فى المشجب وقال :

- هناك امور جديدة . - ما هى ؟ - تعرفت على (( آخر ))

وتلقت الام هذه العبارة بنفور وقد فاحت رائحة كريهة من الكلمة .

- من أيضا ؟ - موظف هذه المرة يدعى منيرا  - وسياتى الليلة طبعا . - مع امه .

وصعقت المرأة ورددت بكثير من الجزع عبارة زوجها وهى تمد عنقها وترميه بشواظ من بريق عينيها .

- مع امه ؟

تعمد عدم اجابتها . لانه اشتم رائحة الاحتقار لعمله . وبذلك استعاد احساسه بمركزه فى العائلة .

- ماذا ايضا . زدني ايضاحا

- كل ما فى الامر انه شاهد " فاطمة " فى الشارع فسألنى عما إذا كانت خطوبة فأجبت بالنفى وان اسمها سناء .

- وهل سألك هو عن اسمها - لم اكن متهيئا لانتظار ذلك . السمكة بدات تعض .

وقلقت ربة المنزل اكثر من العادة اذ تراءت لها عظم المسؤولية . وتمنت لو كانت تملك اعصابا فولاذية لتذهب الى النهاية .

قالت له :

- لنحكم العقل . هل انت واثق من هذا الذى تفعله . شئ صالح . - آه تفعله تقولين تفعله . لماذا تعودين بالقضية الى الوراء الم نتفق منذ اشهر . انا مستعد لان اتحمل المسؤولية بمفردى انهما ابنتاى وارى من واجبى التفكير فى مستقبلهما .

ثم خرج .

فى ذلك المساء اقبل منير مع امه . كان قصيرا ممتلىء الجسم . اسمر . أنيقا ، وجلس على الاريكة المقابلة لصهره دون ان يتكلم عن المطر الذى كان ينهمر خارج الغرفة . وخطر لرب البيت افتتاح ما اسماه فى سره مفاوضة ، بان يتكلم عن مكتبته لكنه عدل عن ذلك وقت ان تذكر انه فى المرة الفائتة خاب امله . انه لا يود البدء بنفس المقدمة المنذرة بالفشل .

- ان صالتكم انيقة ودافئة

- اجل . أجل

وبعد فترة :

- يسعدني ان انتسب لعائلتكم ارجو قبل كل شئ ان اتعرف على طباعكم وطريقة معيشتكم .

- اننا نعيش كما يعيش معظم الناس نأكل ونشرب وننام على الاسرة وندم اذ تفوه بذلك

والحقيقة انه بدا يحقد على الشاب كره ان يضع نفسه فى ذلك الموضع حياله . كان يتملقه منذ ايام (( تبا لهذه المشكلة )) يجب على الانسان ان يتخلى عن مقدار كبير من كبريائه وكرامته لينجز عملا حسنا فى هذه الحياة ))

واحب ان يداوى خطاه بمعسول الكلام فقال :

- ادركت ما تريد . ارجو الا تحمل كلامى محملا سيئا . كلنا ذلك الرجل لست مسنا الى درجة نسيت معها مطامح الشباب وآمالهم انك ولا شك ترغب فى التعرف الى الفتاة والذهاب الى السينما والمسرح بصحبتها . اليس كذلك .

واحمر وجه الشاب قليلا وتضاءل جسمه وغاص فى الاريكة الوثيرة وأجاب :

- هذا هو بالضبط ما اردته . انت تفهمنى جيدا

وحدجه الآخر بنظرة قاسية بدت غريبة لعينى منير . وعاد الى تهجمه .

- هلا فكرت بأننا عائلة محافظة محترمة .

وقهقه .

لو كان لمنير متسع من الوقت ليتخذ الآراء لقرر ان الصهر المقبل من صنف كريه لعوب وقد يكون مغرورا . انه يكره الاشخاص الذين يتحدثون الى غيرهم من عل :

واستمر الصهر يقول :

- اتعلم لولا تعلقى بالثقافة ما سمحت لهما . . لها بالذهاب الى المدرسة فكيف تأمل ان اتركها ترافقك الى دور الملاهى

(( . . ما أغرب تقلبات هذا الرجل

- عفوا انك انت الذى دفعتنى الى ذلك القول .

- ومع ذلك فاننى . . لا أرى مانعا كبيرا فى ان تتصلا ببعضكما وقتما ترغبان ما ان بذلك الرجل المتزمت الذى تفكر فيه .

وحار الآخر . من تصرفات الصهر . ان الاجواء تتقلب سريعا عنده .

قالت سناء لفاطمة :

- لم اعد اطيق الاستمرار فى هذه اللعبة . فانتما فيما يبدو تحبان بعضكما حبا جارفا ولقاؤك معه يؤكد الصلة الغرامية التى تربطكما . لم اعد قادرة على تجاهل العواطف المتاججة بينكما .

- فى ماذا تفكرين - فى ان تقطعى صلتك به منذ اليوم ، تعللى بالمرض مثلا . - أنت غيورة .

وصرخت الاخرى :

- غيورة ، غيورة ، نعم غيورة ، ومن هى التى ترضى بان ترى خطيبها مع امراة اخرى

- ولكن انا اختك - ولو . .

- اذن فاعلمى اننى لن اتخلى عنه . افضل ان اموت تحت عجلات قطار على ان افارق منيرا ، انى أحبه ، أتفهمين .

- انت غادرة لئيمة ، كيف سمحت لنفسك استغلال هذه الظروف وتحويلها لفائدتك اذن صدق ظنى . لقد ادركت منذ اليوم الاول طبيعة تضحيتك .

- ماذا فعلت انا لتصرخى فى وجهى هكذا . . هو نفسه لا يرضى الاقتران بك . الافضل ان تتغاضى عن هذا وتنسى كل شئ .

- ولكنه لن يتزوجك ، سترين لست وديعة لهذا الحد .

وبلغ من جنون الكبرى ان القت بنفسها على اختها وانشبت فى جسمها اظافرها ، اقبلت الام لدى سماع الصراخ وفرقت بين المقاتلتين وسألتهما :

- ما بكما تتشاجران . كنتما منذ ايام صديقتين حميمتين

واندفعت الاخرى تروى القصة باكية .

وفى مساء ذلك اليوم قال الاب : أنا مستعد لان اتحمل المسؤولية بمفردى انهما ابنتاى وارى من واجب التفكير فى مستقبلهما لن تتزوج الصغرى بمنير . مهما كانت الظروف ولتذهب فاطمة الى الجحيم .

هكذا اراد الاب ان ينهى القضية . لكن القضية لم تنته كما اراد هو لان فاطمة فرت مع منير فى اليوم الموالى " وذهبت الى الجحيم " .

اشترك في نشرتنا البريدية