الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "الفكر"

البعد العالمي في مجلة الفكر 1985/55، ملاحظات وبيليغرافيا (*)

Share

لقد تناول عدد من الباحثين المحاور الرئيسة التى ارتكزت عليها حياة الفكر منذ صدورها عام 1955 ، فذكروا منها محور أصالة الشخصية التونسية بعروبتها واسلامها المتفتح ، ومحور خدمة اللغة العربية والفكر والادب العربين ، ومحور التواصل أو ((مد الجسور بين الاجيال والتيارات التى يزخر بها عصرنا الحديث)) (I) ولا شك فى أن هذه المحاور تتجسد بدرجات متفاوتة فى محتوياتها من دراسات ومترجمات فى المجالات الادبية وغير الادبية ، وفيما يرد فى كل عدد من أعددها من تعليقات وأخبار فى باب ((أصداء الفكر)) .

غير ان ما يسترعى الانتباه بصورة خاصة هو البعد العالمى الذى لازم مسعاها المطرد منذ البدء لتحقيق التواصل أو التفاعل بين الثقافة العربية ومختلف تيارات الفكر الانسانى وروافده او الاحداث العالمية سواء كان ذلك فى اطار العصر الحديث أو فى السياق التاريخى عبر العصور ويراد بالبعد العالمى كل ما له صلة بالشعوب والثقافات او الآداب الاخرى ، غير العربية ، وبما ينشر فى اللغات الاجنبية من نتاج أدبى او فكرى يخص العرب والمسلمين وحضارتهم

بغض النظر عن هوية أصحابه الوطنية ، أى كل ما يتجاوز حدود الوطن العربى أفقا ولغة ويندرج تحت هذا المفهوم ، مثلا ، ما ترجم الى العربية من اللغات الاخرى كأعمال محمد ديب المنشورة فى الفرنسية او الشاعرة الانكليزية المصرية الاصل جويس منصور ، والشعراء الامريكيين العرب ، الى جانب أعمال رانبو (رامبو) وسان جون بيرس وغارسيا لوركا ، كما ينطوى تحت هذا المفهوم ما نشره المستشرقون عن الجوانب المختلفة للحضارة العربية الاسلامية ومواقف الكتاب العرب منهم ، والبحوث التى تعنى بحضارات المنطقة القديمة كحضارة الرومان والبونيقيين ، والفرس وما كتبه المؤلفون العرب عن الثقافات الاخرى او الثقافة العربية او الاسلام خارج حدود العالم العربى .

ان من يتتبع الفكر خلال مسيرتها ليلمس بوضوح التزامها بهذا البعد ، لا نتيجة تأثرها بالآداب الاجنبية او اغفالا للحياة التونسية او العربية كما خيل لبعضهم (2) بل حرصا على اثراء الفكر التونسى العربى وازدهاره بتفاعله مع تيارات الفكر العالمى وقد يقال بأن الامر أوضح من أن يحتاج الى توثيق او بيان ، غير اننا لا نجد بدا من مسح ببليوغرافى لما نشر فى الفكر خلال ثلاثين عاما لا لتوثيق البعد العالمى الذى عرفت ؛ المجلة فحسب ، بل لبيان تعدد عناصره ، من ادب وعلم وفلسفة وسياسة واقتصاد وغير ذلك من حقول المعرفة ، ومدى فاعلية الفكر او نجاحها فى تحقيق التفاعل او التواصل المنشود بين الثقافة العربية من جهة وثقافات العالم المختلفة لقد اقتصرنا فى هذا المسح على افتتاحبات الفكر ((الى القارىء)) والمقالات والترجمات، واستثنينا منه ما ورد فى باب أصداء الفكر من أخبار وتعليقات لضيق المقام بالرغم من أهمية ((أصداء الفكر)) كوسيلة استعانت بها المجلة فى تحقيق التواصل بين قرائها وما يجد أو تثار من شؤون فكرية أو احداث فى العالم .

وقد شمل المسح جميع مجلدات الفكر وأعدادها باستثناء الاعداد غير المتوافرة فى مكتبة جامعة انديانا ، وقد استعنا فى مثل هذه الحالة بالفهرس السنوى العام للمجلدات الناقصة ، فى درج المواد ذات البعد العالمى (3) .

اما الببليوغرافية ذاتها فهى على ما فيها من نقص تضم أكثر من ثلاثمائة وخمسين مادة بينها عدد كبير من المترجمات من دراسات ادبية وغير أدبية ، وقصائد وقصص وبعض المسرحيات ، وقد اعتبر كل عمل مستقل مادة واحدة سواء نشر فى عدد واحد او بضعة اعداد من مجلة الفكر كما هى الحال مثلا فى ((اشراقات)) رامبو التى نشرت فى اربعة عشر عددا ، و((النقد الادبى فى امريكا)) للطاهر الخميرى وقد نشرت فى ستة أعداد . وتدرج الببليوغرافية اهم المعلومات المتعلقة بكل مادة ، باستثناء مصادر الاعمال المترجمة نتيجة لنزوع القسم الاكبر من المترجمين الى تجنب النص عليها ، ففى قسم الاعمال المترجمة يجد القارىء اسم المؤلف وعنوان العمل واسم المترجم ومجلد الفكر والصفحات واللغة المترجم عنها ان نص عليها ، مقترنة احيانا بعلامة استفهام عند عدم النص عليها والتثبت منها ، وقد اكتفى فى حالات عديدة بعلامة استفهام دون الاشارة إلى اللغة بسبب تعذر البت فيها .

ويجد القارىء فى قسم الدراسات ذات البعد العالمى (اى الاعمال غير المترجمة) . اسم المؤلف والعنوان والمجلد والصفحات وفى احيان معدودة بعض الملاحظات الاضافية : مثلا الناعورى ، عيسى . محمود المسعدى والسد 12(67/66) 216 - 225 مقارنة بين السد ونيتشه وبعض الأعمال الايطالية والأرض الخراب .

وروعى فى القسمين ( المترجمات والدراسات ) الترتيب الزمنى فى ظهور المواد فى مجلة الفكر ان كان للمؤلف اكثر من عمل واحد ، فأعمال بلاشير

المترجمة رتبت حسب ظهورها فى مجلدات الفكر 4 و 5 و 19 و 26 ومقالات مزالى ( 179 - 202 ) تمتد من المجلد الثانى الى المجلد الثامن والعشرين . وقد روعى كذلك درج المادة فى قسم المترجمات تحت اسم المؤلف وان لم يقترن ذكره صراحة كمؤلف بالعنوان العام للمادة ، فالشعراء التشيكيون انتونين وتشاش وديك وغيرهم ممن ورد ذكرهم فى مقال ))شعراء تشيكيون(( تقديم وتعريب محسن بن حميده يرد ذكرهم فى الببليوغرافية كمؤلفين ، وينطبق المبدأ نفسه على مقال ((العرب فى نظر مستشرقين : بارك وماسينيون)) ترجمة العربى عبد الرزاق والبشير بن سلامه ، فيذكر اسم بارك كمؤلف ، ويحال اليه اسم ماسينيون عند وروده فى موضعه من الببليوغرافية .

ملاحظات عامة :

= I = ان اول ما يلاحظه القارىء ان الببليوغرافية تشمل نوعين من

المواد وفقا للتلخيص التالى :

أ - المترجمات او الاعمال المترجمة (I - 157) .

1) الاعمال الادبية (1 - 127) .

1 - الدراسات (1 - 17) .

2 - الشعر (18 - 81) .

3 - القصة (82 - 122) .

4 - المسرح (123 - 127) .

2) الاعمال غير الادبية (128 - 157) .

ب - الاعمال ( غير المترجمة) ذات البعد العالمى (1 - 206) .

1 - الدراسات الادبية (1 - 73) .

2 - الدراسات غير الادبية (74 - 206) .

ويتضح لنا من هذا التلخيص ان اهتمام الفكر لا يقتصر على الادب البحث يا يشمل كذلك ))ميدان الفكر الواسع(( من دراسات اجتماعيه وفلسفية وسياسية وعلمية وأمثالها مما يطالب به بعض الكتاب والقراء (4) .

ويلاحظ فى الوقت نفسه ان المواد تمثل او تتناول عددا غير قليل من الثقافات والآداب - بالرغم من تفاوت التاكيد عليها او الاهتمام بها - كآداب الاتحاد السوفياتى والارجنتين واسبانيا والمانيا وأمريكا وانكلترا وايران وايطاليا والباكستان والبرازيل وبلغاريا وتشكسلوفكيا وتشيلى وفرنسا والمجر (هنغاريا) والنمسا واليابان ويوغسلافيا . واذا كانت اللغة الفرنسية اللغة الرئيسية التى ترجم منها وأخذ عنها لاسباب تاريخية معروفة فان هناك ما يدل على ان المترجمات نقلت من لغات أخرى كالالمانية والانكليزية والإيطالية والفارسية وغيرها وان كان من الصعب البت فى ذلك بما وجه الدقة بسبب عزوف بعض المترجمين عن النص على اللغة المترجم عنها كما ذكرنا من قبل (5) .

= 2 = ان ظاهرة تجنب النص على اللغة المترجم عنها - كظاهرة تجنب الاشارة بدقة الى المصدر المعتمد عليه - تمثل مع الاسف تقليدا عربيا شائعا فى غير الفكر من المجلات والمطبوعات ، ولا احسب اننا بحاجة الى تذكير أنفسنا بانها

لا تنسجم ومتطلبات الامانة العلمية وانها تسبب من المتاعب ما لا ضرورة له فى مجالات البحث والتحقيق العلميين ، أو أن نؤكد ضرورة الحد منها لا سيما فى مجلة رفيعة المستوى قائدة كالفكر ويقتضى الانصاف ان نشير فى هذا السياق الى ان اكثرية مترجمى الفكر قد نصوا على اللغة المترجم عنها مباشرة او بطريقة غير مباشرة وذكروا فى احيان غير قليلة مصادرهم واذكر على سبيل المثال البشير بن سلامة ومحمد رشاد الحمزاوى والمنجى الشملى ومحمد فريد غازى والطاهر اللبيب ومحمد مزالى (6) .

= 3 = أما الاعمال المترجمة فهى على نسبتها الملحوظة بفضل حرص المجلة على ((المساهمة فى التعريف بالآثار العالمية الخالدة)) (7) لم تحقق التمثيل الوافى للآداب العالمية ، فلم تنل مثلا آداب العالم الثالث ما تستحق من اهتمام وأخص بالذكر منها الآداب الافريقية والصينية والهندية واليابانية ، كما لم يمثل نتاج كثير من اعلام الادب الغربى الحديث أمثال ت. ا. س. اليوت وأراغون وسارتر وهمنغواى وفولكنر وسواهم علما بان القضايا الافريقية كانت موضع اهتمام الفكر فى عدد من المقالات والقصائد وقد كرست عددا خاصا

لموضوعات التعاون العربى الافريقى (8) ، كما أن بعض أعلام الأدب الغربى كان موضوع دراسات متفرقة كمقالات الطاهر الخميرى عن النقد الادبى فى امريكا وقد تناول فى احداها ((اليوت)) ناقدا ، او مقال عبد العزيز قاسم عن الشاعر اليوت ، أو دراسة دشاز - المنشورة بالفرنسية والمترجمة الى العربية - عن رواية الروائى الامريكى فولكنر : ((الصخب والعنف)) .

ليس الغرض من هذه الملاحظة - كما أعلنت فى مناسبة اخرى - تحميل الفكر مسؤولية الاهتمام بآداب العالم الثالث او الآداب العالمية عامة ، فهى ليست مجلة للآداب العالمية بالرغم من أنها تحملت قسطا كبيرا من المسؤولية فى هذا المضمار ، والاهتمام بآداب العالم الثالث بعد ذلك كله مسؤولية عربية مشتركة ، غير ان اعتزازنا بالفكر وبالتفتح الذى تتمسك به وتدعو اليه وخبرتها المكتسبة فى محاولات التعريف بالآداب العالمية يدفعنا الى ان نتوقع الزيد من اسهامها فى تحقيق التواصل المنشود بين ثقافتنا وآداب العالم بعامة وآداب العالم الثالث بخاصة .

= 4 = ومما يدعو الى التساؤل والاستغراب ألا نجد أكثر من خمس مسرحيات مترجمة منها اثنتان عربيتا الجذور أو الهويه لمصطفى الاشرف وهنرى كريا، وثلاث أخرى لكامو،والكاتب المجرى فرنس ملنار(9)، وثالثة لكاتب انكليزى

غير مشهور . ووجه الغرابة فى ذلك ان المسرح العالمى شهد فى هذه الحقبة ( 1985-1955 ) من التجارب والتطورات ما يستحق ان يجد طريقه الى العربية فى صورة نماذج مترجمة ، بالاضافة الى ما يحتاجه المسرح العربى فى تونس او على صعيد الوطن العربى من عوامل النهوض وفى مقدمتها الاطلاع على تجارب المسرح العالمى وآثاره .

وأخيرا لا بد من الاعتراف بأن الببليوغرافية التى قمت باعدادها لا تزودنا الا بمعيار كمى يوثق لنا مركزية البعد العالمى فى محتويات الفكر ويبرز نهج المجلة المطرد فى التفتح على العالم والتزامها به فى كل عدد من أعدادها تقريبا، غير أنها تثير قضايا أو أسئلة مهمة أخرى ينبغى ان تدرس بصورة منهجية كقضية اختيار المواد المترجمة ، وعلاقتها بترجمات مماثلة ظهرت من قبل فى اللغة العربية ، ومدى نجاح المترجم فنيا او أدبيا فى ترجمته ، وغيرها من القضايا الفكرية او الادبية التى عالجها كتاب الفكر ، والمؤمل ان يتصدى لها الباحثون فى السنوات القادمة من عمر الفكر المديد .

اشترك في نشرتنا البريدية