بعد نحو من خمسين سنة من درس التربية وممارستها مازلت اشعر كطالب يستمر على الدرس والتفكير والاستقصاء فى شؤون التربية طالب يهمه دوما أن يحصل على المزيد من علوم التربية
لما سمعت عن طريق الاذاعة ) ليلة الثالث عشر من جويلية 1977 ( عن الظلام الذي خيم على مدينة نيويورك بانقطاع الكهرباء وما أعقب ذلك من سلب ونهب وتخريب مما سبب خسارة ملايين الدولارات والقاء القبض على نحو من ) 3500 شخص من المتلبسين بالجريمة سالت نفسى ما الذى تستطيع التربية ان تفعله لمواطني اكثر بلاد العالم تقدما فى التقنيات ؟ لا شك في أن المرء المنصف لا يعتبر المدرسة وحدها مسؤولة عن كل ما حدث فى تلك الليلة . فالمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية كلها تساهم فى حمل المسؤولية ومع ذلك يظهر لى بأن على التربية ان تعنى بالناحية الباطنية عن النفس اذا شاءت ان تخلص لمهمتها . فصقل الانسان ظاهريا وترك الوحش الباطني غير مهذب لا يكفي
أنا شخصيا نشأت فى طفولتى وفق نظام تربوى قديم جدا ولما كبرت تأثرت بأحدث النظم التربوية وأكثرها تقدمية .
والآن اصبحت اعتقد بأن التطرف فى كلا الجهتين ) التطرف فى المحافظة او التطرف فى التجديد ) غير صحيح . ولذلك فانى أقف اليوم على قارعة الطريق أخذا من القدماء حكمتهم وقيمهم الخالدة ومن المجددين أفضل ما عندهم من آراء تقدمية وتقنيات . وعليه فانى " تكاملى " فى التربية وأدعو الى فلسفة تربوية تكاملية . أى انى على استعداد لقبول كل فكرة او تجربة تربوية صحيحة قديمة كانت او حديثة . واوحد الكل بانسجام بدون تحيز أو تردد . هذا وان ما سألقيه على مسامعكم الآن يمثل آرائى التى هى ثمرة خبرتى الطويلة التى دامت نحو نصف قرن من الدرس والممارسة . ولا اتوقع أن يتفق معى كل
السامعين فى كل ما ساقوله ولكنى أرجو من الجميع الاصغاء والتمعن فيما سأقول .
ان استمرار بقاء الانسان على هذه الكرة الارضية وكل ما انجزه من الامور الحسنة والنافعة بما فى ذلك الفلسفة والعلوم والتقنيات والفنون والصناعات والتجارة والزراعة والحرية والعدالة ولائحة اعلان حقوق الانسان والتعاون الدولى والخدمات الاجتماعية واحترام حياة الآخرين وكرامتهم والمقاييس الاخلاقية والادبية الى غير ذلك هي فى الغالب ثمرة التربية : التربية الجيدة
وان كل علل الانسان وكل الشرور التى يصادفها المرء فى حياته بما فى ذلك الخوف والبغضاء والحسد والاعتداء والقسوة والتمييز العنصرى والديني وانعدام الامانة والغرور والكبرياء والتعصب الاعمى والارهاب واختطاف الطائرات او الاشخاص والسرقة والتحلل الخلقى الى غير ذلك كلها ترجع فى الغالب اما لى انعدام التربية أو الى سوء التربية
والتربية ليست مرادفة للحياة المدرسية أو التعلم من الكتب مع ان للحياة المدرسية وللتعلم من الكتب الدور الهام فى التربية . فالتربية هى ثمرة كل الاختبارات التى يحصل عليها المرء فى البيت وفى المدرسة وفي الحقل وفي الحانوت وفي ساحة اللعب وفي اماكن العبادة وفي النوادى وفى مراكز البلدية وفي رفقة العائلة والاصدقاء والزملاء . وحديثا اصبح للمتحف والمسرح والسينما والمذياع والتلفاز والصحافة ووسائل النقل والمواصلات كلها أصبح لها أهمية تربوية إذ كلها تؤثر على حياة الانسان اما للخير أو للشر . كما ان للهيئات والمنظمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية التأثير التربوى الفعال فى حياة الانسان
وهذه العوامل التربوية كلها قد تسهل مهمة المدرسة فيما إذا توفرت وحدة الهدف وتحقق التعاون والارتباط فيما بينها وبين المدرسة . كما انها قد تمحى أو تهدم ما تبنيه المدرسة فيما إذا وقع تناقض أو تضارب فى الاهداف والسياسات .
وكما ان نظرتنا الى العوامل التربوية ينبغى ان تكون اوسع بكثير من البرنامج المدرسي كذلك نظرتنا الى سنوات الدراسة . فانها لا تقتصر على السنوات المطلوبة للدراسة الرسمية . فالانسان يتربى أو تساء تربيته طوال حياته وفي كل خبرة جديدة يحصل عليها . وكما ان تربيته لا تنحصر فى التعلم المدرسي
كذلك تعلمه المدرسي لا يصح ان يحدد بالسنوات الاولى من العمر . ومن المفيد ان نتعلم درسا تربويا من سيدة فى الولايات المتحدة الامريكية تخرجت من الجامعة حائزة على الاجازة فى الثانية والثمانين من عمرها !
- 2 - ابدى الانسان من فجر تاريخه اهتماما خاصا بشؤون التربية . فمنذ أمد بعيد وقبل ان تنشأ المدارس انساق الانسان فطر يا الى العناية بنسله وذلك يوم كان يعيش فى الكهوف او فى الغابات او على شواطئ البحر . هذا وان علم الانسان ) الانثروبولوجى ( يقدم لنا اليوم دروسا ثمينة فى التربية مارسها الانسان الابتدائى فقد كان يقوم بتربية ابنائه عن طريق الخبرة والمران والمشاركة فى معالجة شؤون الحياة واستثمار خبرات المحيط ومكافحة الاخطار الطارئة . وهو ما تدعو اليه احدث النظريات ) الفلسفات ( التربوية .
ولدك فقد اصبح درس موضوع " الانثربولوجية التربوية " من المواضيع المفيدة للمعلم فى عصرنا هذا .
ولما ارتقى الانسان فى الحياة المدنية أنشأ المؤسسات التعليمية وعهد بمهمة التعليم الى أشخاص اختصوا بها .
فالمدنيات القديمة فى ما بين النهرين ) العراق ( وفي مصر والهند والصين وغيرها انتجت تراثها الثقافي وقام المعلمون بالاحتفاظ بهذا التراث ونقله الى لاجيال المتعاقبه . ثم ياتى فلاسفة اليونان العظام الذين وضعوا الفلسفات والاساليب الخاصة بهم . فتاريخ التربية مدين لعظماء الفلاسفة اليونان وفي مقدمتهم سقراط وافلاطون وأرسطو لما قدموه من جليل الخدمات فى تعريف معنى التربية وتقييم محتوياتها وابتداع اساليبها
والى جانب أثينه وترائها الفكرى فى اليونان وجدت سبارطة مع تأكيدها على تنشئة افراد شداد غلاض ليصبحوا جنودا أشداء ولصوصا ماهرين .
وفى القرون الوسطى عنيت التربية الاروبية بتعاليم الكنيسة وبدراسة الادب الخالد بالدرجة الاولى . أما العالم الاسلامى فكان قد استقى مما عند اليونان والفرس والهنود وغيرهم من تراث فكرى حضارى فانتج حضارة جديدة متكاملة نمت فيها العلوم والفلسفة الى جانب الدين
ثم ننتقل الى حملة مشعل التربية الحديثة وفي مقدمتهم كومينيوس وروسو وبستالتى وهربارت وفروبل . أما فى هذا القرن فقد قام مفكرون عظام فى
حول التربية في معظم بلاد العالم المتحضر وها نحن ننعم بثمار أفكارهم وتوجيهاتهم
وفي الحقيقة ان من يدرس تاريخ التربية يتعرف على الحقائق والحكم كل مدرسة من المدارس الفكرية وجدت فى حقبة معينة وهى ظروف خاصة لتجابه مشاكل الانسان فيها وتحقق طموحه وآماله . فالتربية تمثل حياة الانسان كما كانت وكما هى اليوم وكما يريدها أن تكون فى المستقبل لذلك فاى تعريف للتربية مهما عنى فى صوغه لن يكون كاملا او أزليا
فكل واحد من الفلسفات أو النظم المتعددة للتربية تؤكد عادة على ناحية من الحياة في حقبة معينة من التاريخ على حساب النواحى الاخرى . فتارة تؤكد التربية على الايمان بالله واطاعة الكنيسة وتارة تؤكد على اكتساب الحقائق العلمية ، والقضايا الفكرية وتارة تؤكد على غرس الاخلاق والسجايا الفاضلة فى بعض الاصول تؤكد على الانضباط وطاعة الدولة وفى أحوال أخرى تؤكد على الحرية . واحيانا تمحد الفردية بينما فى ظروف اخرى تمجد الجماعية
- 3 - كنتيجة لنشوء العام الحديث والتقنيات والثورة الصناعيه من جهة ولقيام الحركات القية والدمقراطية فى البلاد الغربية من جهة اخرى تطور المحتوى التربوي وأصبحت أهمية التربية لبناء الدولة العصرية على جانب عظيم من الوضوح والاهمية . ولذلك فقد صار الفلاسفة وعلماء النفس وعلماء الاجتماع وكذلك رحال السياسية والاقتصاد ورجال الدين يعنون بشؤون التربية عناية فائقة . ففي قرننا العشرين هذا أصبحت التربية أداة فعالة يطلب اليها ان تؤدى خدمات جوهرية لعقائدية سياسية معينة كالشيوعية او الفاشيه او النازية او الاشتراكية الديمقراطية كما يطلب اليها ان تكون فى خدمة ديانة معينة كاليهودية او الكاثوليكية او البرتستانية او الاسلام او المذهب الانسانى او العقيدة الماركسية الى غير ذلك
هذا وان التربية الحديثة حين اكدت على العلوم المادية والتقنيات أهملت نسبيا التأكيد عل خصائص الانسان الروحية والاخلاقية . وكانت نتيجة ذلك قيام ازمات اجتماعية وسياسية واخلاقية خطيرة فى حياة الانسان المعاصر فقد انشطر العالم إلى أغنياء وفقراء والى أقوياء وضعفاء . وان خيرات الارض وهي المنبع الرئيسى لقوة الانسان وحياته صارت تبذر وتبعثر . والانسانية ما زالت منتقسيمة على نفسها على أسس العنصر واللون والجنس والطائفة
الدينية والطبقة والاقليم واللغة . وما زال سوء التفاهم والاستغلال والاعتداء متفشيا بين الافراد والشعوب يصحب كل ذلك الرفض والهدم والعنف . هذه هى الثمرة لتربية تؤكد على ناحية من الحياة على حساب الناحية الاخرى ليس من ينكر بان قوة الانسان الحديث وبلوغه القمة فى السيطرة على الطبيعة هو الثمرة المباشرة لتسلحه بالعلوم وبالتقنيات ولكن العلوم والتقنيات تصبح من العوامل المؤدية إلى هلاك الانسان ما لم تهتد بهدى المبادىء الاخلاقية ولا سيما إذا استعملت القنابل الهيدروجينية والنترونية في حرب محتملة .
ان المفهومة التقليدية للتربية اكدت على تعلم محتويات الكتب وحفظها على حساب التعلم المنتج والتدريب العملي . فقد انفصلت المدرسة عن الحياة وفقدت الاتصال بعناصر الطبيعة الى حد كبير . فكانت النتيجة ان نحد احيانا رجال فكر لم يهيأوا التهيئة الكافية لممارسة الاعمال . كما قد تلاقي رحال عمل يعوزهم القدر الكافى من العلم . ثم ان المجتمعات التقليدية منحت الامتيازات السخية للتعلم عن طريق الكتب بينما هى خفضت قيمة العمل اليدوى . ونتيجة لذلك اكتظاظ معاهد التعليم العالي ببعض الطلاب الذين جاؤوا للمعاهد العالية لا حبا بالعلم ورغبة فى تحقيق الكمال الذاتى بل لمجرد الحصول على الشهادة الاكاديمية التى تخولهم الحصول على مرتبات أعلى . وهذا بدوره أدى الى هبوط المستويات العلمية فى بعض الحالات . ولقد زاد عدد حامل الشهادات الاكاديمية فعلا على حاجة بلادهم فى بعض البلدان مما جعل البعض البعض منهم ينضمون الى صفوف العاطلين ومن السهل كسب العاطلين واقحامهم في زمرة المشاغبين والهدامين
هذا وان الفصل بين العلم والعمل هو مشكلة اجتماعية وتربوية عالمية تحتاج الى حل جذرى ولا سيما فى البلاد النامية
- 4 - ان أخطر فجوة فى العديد من الأنظمة التعليمية السائدة فى العالم اليوم هي فى الحقل الروحى - الاخلاقي : فالاهمال النسيى للنواحى الروحية - الاخلاقية فى التربية من جهة وانتشار العقائديات الخاطئة او الهدامة من جهة اخرى اديا الى انحسار الاعتقاد بالله وبالنظام الكوني ذلك الاعتقاد الذى يغذى النفس بالطمأنينة والامل ، والى التراخي في المقاييس والقيم الاخلاقية والسماح بالتحلل الخلقي وضعف الانضباط الذاتي والسيطرة على النفس لذلك تفاقمت الشرور المعاصرة كخطف الافراد والقر صنة الجوية والادمان
محل المسكرات والمخدرات وانتشر الانهيار العصبى والشعور بالغربة والعزلة بين الناس ولا سيما الشبان والشابات ثم ان العمل المرهق والتنافس الحاد المطلوبين لتأمين حاجات الفرد المادية فى عصرنا هذا الى جانب السرعة الفائقة التى يتحرك بها الانسان الى جانب المؤثرات الحسية من سمعية وبصرية كالسنما والتلفاز والاذاعة والاعلامات تجعل الانسان الحديث قلقا دائما ويعيش على أعصابه
فالإنسان يحتاج الى الاستقرار والانسجام فى داخل ذاته وفيما بينه وبين محيطه الاجتماعى وفيما بينه وبين محيطه الطبيعي وفيما بينه وبين الكون ككل وفيما يبنه وبين خالق الكون . والمطلوب من التربية ان تنمى الطمأنينة والانسجام بين الافراد والجماعات وذلك بتبنى فلسفة منسجمة تشتمل على الايمان بالقصد الكوني وما يشتمل عليه من نظام طبيعي واجتماعى ثم التأكيد على مقايس اخلاقية تشجع الامانة والغيرية والمحبة والعفه بين بنى البشر جميعهم
- 5 - يتضح لنا من كلها ذكرناه بأن الانسانية محتاجة اليوم الى مفهومة جديدة التى نظرة أبعد وأعمق وأشمل لحياة الانسان ورسالته على هذه الكرة الارضية . وها نحن نقترح النقاط التالية التى بتوحيدها ، وترابطها تحسم لنا هذه المفهومة التربوية الجديدة :
) 1 ( علينا ان ننظر الى الانسان كائن عضوى فعال مترابط مع الكون كله . فهو من سكان هذه الارض العاملين . وهو مترابط ومتفاعل مع كل ما على الكرة الارضية وما فى باطنها وما حولها من كائنات وعناصر حيه وغير حية وبوصفه من سكان هذه الارض فانه يتأثر مباشرة من الاجرام السماوية ومن الكون كيله فعليه ان يعى الوحدة والعقد الموجودين فى النظام الكونى فرؤية الكل ) الشمول ( اذن تصبح المبدأ الاول فى المفهومة التربويه الجديدة
) 2 ( على الانسان ان يكتشف لنفسه ويعى بان أجزاء الكون كلها مترابطة ومفاعلة وان حياة كل فرد وعمله لهما ارتباط واتصال " بالكل " فمفهومة الترابط أى التوحيد اذن لا تصبح احدى المبادىء الاساسية فى المفهومة التربوية الجديدة ) 3 ( ان الكون كله بما فيه الارض ويزوغ الانسان على الارض انما تخضع
المخطط أعظم يسير وفق نواميس طبيعية واجتماعية على الانسان ان يقوم باكتشافها ومعرفتها .
وما الانبياء والرسل والعلماء والاساتذة الا مربون ومعلمون يعرفون الانسان بهذه النواميس . ومن الامتيازات التى خص بها الانسان أداة " العقل المفكر " اذ به يكتشف الانسان هذه النواميس وبه يستطيع ان يكيف حياته على ضوء هذه النواميس . أما إذا رفضها او جهلها او تجاهلها فانه يلقى مصيره المحتوم . اذن فالمفهومة الجديدة للتربية ينبغى أن تشتمل على احترام النواميس الكونية
) 4 ( الكون كله بما فى ذلك الكرة الارضية وعليها الانسان هو عرضلة للتطور والتغير . فالكل ليس ساكنا بل حراكيا على الدوام . وتطور الانسان ماديا بصاحبه تطوره الفكرى والخلاق . وليس من الضرورى ان يؤسس هذا التطور على مبدأ تنازع البقاء وليس من الضرورى ان يكون دمويا همجيا . بل يمكن تحقيقه بمجهود الانسان التعاونى الخلاق
وهنا يكمن مجال الارشاد التربوى الذى للمعلم فيه الدور البارز فى تجديد لبناء الانسانى . اذن فالمفهومة الجديدة للتربية ينبغي أن تشتمل على مبدأ التطور الخلاق
( 5 ) الانسجام والتكامل وليس الفوضى والصراع يبغى ان يصبح من المقومات الاساسية للمفهومة الجديدة للتربية . يطيب لى دوما ان اتصور المجتمع البشرى وما يحتويه من انواع الشخصيات الانسانية كجوقة موسيقية كبرى تقوم بأداء سمفونية كبرى منسجمة حيث يسعى كل فرد لاداء دوره بسرور واتقان فى الجوقة الموسيقية . فالانسجام والتكامل يصبح من أهم المميزات للمفهومة الجديدة للتربية . الانسجام فى داخل نفس الفرد ذاته ، الانسجام فى داخل العائلة الواحدة ، الانسجام فى كيان الامة ، الانسجام بين الامم .
) 6 ( المفهومة الجديدة للتربية تستهدف تنمية الانسان الفرد ككل . فالانسان ليس عبارة عن جسم وفكر فحسب . انه فوق ذلك كائن روحي أخلاقى عواطفه وميوله النفسية وامكاناته الفنية ينبغى ان يفسح لها المجال الكافي لتنمو وتزدهر فى مواقف حياتية واقعية
فالاقتصار على التعلم عن طريق الكتب بدون ربط ذلك بالحياة وبدون اعطاء الفرد الفرصة ليفكر ويهضم ويجرب ويتلذذ لا يحقق كل اغراض التربية المتكاملة .
الفعل التربوي المتكامل ينبغي ان يؤسس على الدوافع الفطرية للانسان وان يحتوى على النواحي الفكرية والعاطفية والايرادية لسلوك الانسان
) 7 ( المفهومة الجديدة للنربية تعنى بالفروق الفردية . لما كانت قابليات الافراد ومواهبهم منوعة وتختلف من فرد لآخر الامر الذي يلبى احتياجات المجتمع الى تقسيم العمل بين الافراد من جهة ويؤدى الى الرقى والابداع فى حقول منوعة من الحياة من الحهة الاخرى وجبت العناية الفردية بكل انسان لاكتشاف مواهبة ومؤهلاته واستثمارها احسن استثمار وهذا يتطلب جعل الاسلوب التربوى افراديا من جهة وجماعيا من الجهة الاخرى
) 8 ( المفهومة الحديدة للتربية تحمل الانسان على ادراك موقعه الممتاز على هذه الكرة الأرضية . فقد منح الانسان قوة الإدراك والفهم والتفكير والخلق والفعل . كل هذه ينبغي ان توجه الى فعل الخير نحو الانسان نفسه ونحو الآخرين . وفي وسع الانسان لو تربى تربية صالحة ان يتولى بناء المدينة الفاضلة " ومدينة الله على هذه الكرة الارضية بدون اسراف أو فساد . اذن فالسعي لتحقيق رسالة الانسان السامية فى هذه الحياة يصبح أعظم عنصر في المفهومة التربوية الجديدة
أما وقد استعرضنا بابجاز الميزات التى تتميز بها المفهومة التربوية الجديدة فنحاول الآن تعريف التربية على الوجه التالي
التربية هي المسعى المقصود لدى الانسان كفرد وكجماعة لينمي كل امكاناته المادية والعقلية والروحية تنمية منسجمة فيحقق بذلك دوام بقاء الانسان وتراثه الخالد وليضمن استمرار رقيه فى تحقيق رسالته على هذه الكرة الارضية " .
- 6 - ولتربية الانسان تربية متكاملة منسجمة نامية لابد من أن تكون للتربية فى نظرنا الاهداف التالية :
1) السلامة والصحة الحسدية والعقلية : فالمطلوب من التربية ان تزود الانسان بالمعرفة والميول النفسية والعادات التى تضمن صحته الشخصية وسلامته . فتجنب حوادث الطرق والبيت والمعمل وساحة اللعب من الامور البديهية .
وتعلم السباحة وممارستها يؤدى غرضى الصحة والسلامة معا . كما يؤمل أن تغرس عادات النظافة والاكل الصحى والنوم الكافي والرياضة والراحة وان تعرف الفرد باخطار التدخين والمسكرات والمخدرات والأمراض المعدية
ونحن على يقين بأن التربية لو عملت لتحقيق هدف السلامة والصحة الجسدية والعقلية لاستطاعت ان نقلل من الخسائر فى الارواح وان تقتصد فى الوقت الذي يقضى فى فراش المرض بحيث يصرف هذا الوقت فى نشاط مثمر
) 2 ( الحياة العائلية السعيدة : ينبغ ان تصبح من اهداف التربية الاساسية فالرجال والنساء من حقهم ان يربوا على معرفة متطلبات وشروط الحياة العائلية السعيدة . ينبغى تعريفهم بالمقومات النفسية والاجتماعية للعائلة وبالاقتصاد العائلى وبضروريات التغذية والطبخ والتدبير المنزلي والعناية بالطفل والتنظير العائلي . وتحذيرهم من اخطار الفوضى والتحلل فى العلاقات الجنسية الامر الذي يهدد الحياة العائلية فى عصرنا هذا وذلك باسم الحرية !
أضف الى ذلك تفشى الطلاق والاسقاط فى بعض المجتمعات التى تدعى الرقي والتقدمية فالمهم أن يقضى على سوء التربية او الجهالة فى الشؤون العائلية وذلك بالتأكيد على قدسية العلاقة العائلية واهميتها لبقاء النوع وقوة الامة
) 3 ( تأسيس الاتصال والترابط الاجتماعى : لما كانت اللغة هي الاداة الفعالة فى تحقيق الاتصال الاجتماعى فالمطلوب من التربية ان تجعل الفرد يحسن التكلم والقراءة والكتابة فى لغته القومية ليستطيع الاتصال ببنى قومه فلغة الكلام ولغة الارقام كلاهما ضروريان للتعامل مع الغير . كما ولابد من تنشئه الفرد على ممارسة الحياة الدمقراطية والآداب الاجتماعية وحسن التصرف مع الغير . ولما كثر الاتصال والترابط بين الاقوام شرقا وغربا أصبح تعلم لغة أجنبية واحدة على الاقل من ضرورات عصرنا هذا .
و لا حاجة للقول بأن تعلم اللغة الاجنبية هذا ينبغى ان يكون وظيفيا مرتبطا بالحياة وليس شيئا جامدا مفروضا
غرس الانتماء والولاء الشامل : الانسان بطبيعته ينتمى الى جماعة ويعيش فى جو اجتماعى . فهو ينتمي الى عائله ثم الى مدينة ) ولاية ( ثم الى اقليم ثم الى أمة ثم الى قارة ثم الى الانسانية الشاملة . وقبل كل ذلك وبعده فانه ينتمي الى الله تعالى . ان هذه الانتماءات المتصاعدة تتطلب ولاء هو شعور بالارتباط وبالاخلاص واستعداد للخدمة والتضحية . فولاء المرء لامته ولوطنه يتطلب
المشاركة وتحمل المسؤولية فى تسيير شؤون البلاد كما يتطلب التفكير والشعور فى ساحة أوسع من ساحة بلده الذى ينتمى اليه بحيث يتجرد المرء من الغرور القومى ومن الشوفينية . فمبدأ " اعمل لغيرك ما تريد ان يعمله الغير لك ينبغي ان يسود العالم أجمع بحيث نقل الانانية وتذوب الخلافات بين شعوب العالم ذلك اذا شئنا تحقيق السلام وضمان الانسجام للمجتمعات البشرية كافة . فالمطلوب من التربية ان تستهدف غرس الانتماء والولاء فى الفرد للامة وللوطن وللحضارة على أن يستهدف هذا الولاء اثراء الانسانية جمعاء وعلى ان يكون منبعثا عن أسمى الدوافع الاخلاقية او الروحية
) 5 ( ممارسة العمل المنتج وكسب الرزق : فالتربية ينبغى ان تغذى الطفل من سنواته الاولى فى الحياة يحب العمل النافع الجدى . فالانسان ينبغى ان يدرك بأن اى عمل يقوم به لخير الانسان هو عمل شريف فالمدارس التى تهمل العمل اليدوى انما تقدم تربية ناقصة . ففي العديد من البلاد النامية تقتصر التربية على عملية حفظ ما في الكتاب أى ان التربية تفسر بأنها التعلم من الكتب وحفظ ما جاء فيها . ولذلك فالعديد ممن يقصدون المدارس انما يفعلون ذلك للتخلص من ممارسة العمل البدوى . واحسن علاج لذلك هو العمل " : Arbeltdent التى بموجبها يطلب من كل انسان ان يمارس عملا يدويا ) فى التراب او في المعمل ( مهما كان نوع اختصاصه . فالعمل اليدوى هو وسيلة ارتزاق لمن يختاره وهو هواية لمن يختار مهنة أخرى . فالمطلوب من التربية أن تنشر حب العمل واتقانه من جهة وان تتأكد من عدم تخريج عناصر طفيلية فى المجتمع من الجهة الاخرى
) 6 ( تنمية الروح العلمي : التربية الحديثة ترشد الانسان ليمارس الملاحظة الدقيقة وحب الفحص واكتشاف الحقائق بدون تحيز او مبالغة . فجمع المعلومات والتساؤل عن صحتها والرجوع الى المصادر الاساسية والى الاشياء ذاتها نشاهدتها مباشرة هو من أهم واجبات التربية فى عصرنا هذا . نحن نعيش فى بمصر العلوم والتقنيات وهذا يتطلب من كل منا تقدير الانجازات العلمية واثرها فى حياة الانسان اليومية وفي مصير الانسانية جمعاء . وهذا بدوره يتطلب اتساع افقنا الفكرى . فالمطلوب من التربية الحديثة ان تعلمنا بان على الانسان ان يكون دوما باحثا وراء الحقيقة وان المعلومات العلمية هى عرضة للتصحيح والتنقيح على ضوء المعلومات العلمية المتنامية والاساليب والوسائل العلمية المحسنة .
( 7 ) التسلية والتمتع بالفنون الجميلة : ان انتشار المكائن الاتومية فى
عصرنا هذا يوفر للانسان الوقف الكافي للتمتع بالفنون الجميلة وبجمال الطبيعة وبالتأمل فى عجائب الخلقية . ان اوقات الفراغ في حد ذاتها قد تصبح هادمة للاخلاق والسجايا الكريمة فيما إذا صرفت فى تناول المسكرات ولعب القمار أو الصخب والعبث ولذلك فنحن نعتقد ان التربية تستطيع ان تنشئ الفرد بحيث يحسن التصرف بما يتوفر له من وقت ولا سيما في ايام العطل في ممارسة الموسيقى والرسم والتصوير والنحت والشعر والتمثيل او فى الاعمال اليدوية كالنجارة والفلاحة والميكانيك ؛ أو فى التطوع فى خدمات اجتماعية في منظمات انسانية كاسعاف الشيوخ والعجزة او زيارة المستشفيات ودور الايتام الى غير ذلك ؛ او فى رحلات كشافية وسياحية داخل البلاد وخارجها . هذا وان هذه الاعمال والهوايات تزود المرء بالسرور فى حياته من جهة وتنشيط الابداع الفردى والابتكار من الجهة الاخرى
) 8 ( التفتح على العالم . بفصل وسائل النقل الحديثة ووسائل الاعلام المؤثرة تقلصت الكرة الارضية وانحسرت المسافات عمليا ففي ظرف دقائق معدودة يمكن نقل الانباء من قارة إلى قارة الاخرى . ثم ان النصف الاول من هذا القرن قد شهد حربين عالميتين طاحنتين فحرب عالمية ثالثة تستعمل فيها القنابل الهيدروجينية والنترونية قد تسبب فناء النوع البشرى على هذه الكرة الارضية وعليه فلا نتردد فى القول بأن على الانسان المعاصر ان يتفتح على العالم وان يتعرف على المشاكل والاخطار التى تجابه الانسان الحديث . انها قضية حياة او ممات للانسانية جمعاء . والمطلوب من التربية أن تضطلع بهذه المسؤولية فتعرف المرء بالاخطار من جهة وبالمنظمات والجهود التى بذلت لدرء الاخطار من الجهة الاخرى . ومن المنظمات التى تعنى بمصير الانسان وازدهاره منظمة الامم المتحدة والمؤسسات المتحدة معها كمنظمة التغذية والزراعة ومنظمة التريبة والعلوم والثقافة ) اليونسكو ( ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولى الخ . فالانسان الحديث ينبغى أن يزود بالمعرفة والاستعداد للتعاون في مشاريع السلام والرفاه لكل انحاء العالم كما ينبغى ان يربى على شجب كل تفرقة أو تمييز بين بنى البشر على اساس العنصر او اللون او الدين او الطبقة أو الجنس الى غير ذلك وان يدرك بأن السلام العالمي يتطلب ممارسة التسامح والتعاون واحترام حقوق الانسان بين بنى البشر . وان يلجأ الى المصالحة والتحكيم والوساطة فى حل المشاكل والخلافات عوضا عن المجابهة واستعمال وسائل الحرب والدمار
فلو تحقق ذلك وعادت حكومات العالم الى منطق الحق والاخاء عوضا عن
منطق القوة والاستعلاء لوفرت مئات الوف ملايين الدولارات سنويا من التسلح وصرفها على التعليم وعلى الانعاش الاقتصادى والاجتماعى والثقافى والروحى لشعوب الارض كافة . ان تحقيق ذلك يتطلب ايمانا وشجاعة . وعلى التربية ان تساهم فى غرس هذا الايمان وهذه الشجاعة .
9) تحديد البناء الاخلاقي . ان كل أهداف التربية المار ذكرها
الصحة ، الحياة العائلية السعيدة ، الرابطة الاجتماعية ، الولاء ، الانتاج الاقتصادى ، النزعة العلمية ، التمتع بالفن ، التفتح على العالم كل هذه الاهداف تتوقف على الموقف الاخلاقي الذى يتخذه المرء ازاء هذه القضايا بالاخلاق هي الشرط الاساسي لجودة الحياة . وان اعظم مشكلة يجابهها الانسان المعاصر هى عدم الاتفاق على معايير اخلاقية مقبولة لدى الجميع بحيث يستطيع الافراد والشعوب أن تتعايشوا على اساسها بسلام وانسجام . هذا وان المعايير الاربعة للتسلح الخلقي وهي الامانة ) النزاهة ( المطلقة والغيرية المطلقة والمحبة المطلقة والعفة المطلقة قد تزودنا بمؤشرات نيرة على طريق التربية الاخلاقية لقد سبق لى ان قلت فى المؤتمر الآسيوى - الافريقي ) المنعقد فى باندونغ ربيع سنة 1955 ( " لا يمكن تحقيق نزع سلاح حقيقي بين دول العالم ما لم يتحقق لدينا تسلح خلقي . ان معظم امراض المجتمع الانسانى اليوم ترجع الى ضعف فى الضمير الاخلاقي . فالمطلوب من التربية ان تعلم الناس كيف يغيرون سلوكهم كأفراد وكجما ليعيشوا وفق معايير أخلاقية صحيحه . وفى نظري ان اللائحة العالمية لاعلان حقوق الانسان تحتاج إلى تنقيح وتوسيع بحيث تتضمن معايير والتزامات أخلاقية لكل أفراد العالم وشعوبه
القدوة الحسنة والارشاد المشاركة في الخبرات ينبغي ان تصبح الاساليب التربوية المتبعة فى البيت وفي المدرسة وفي المجتمع . فالامانة والغيرية والمحبة ، والعفة ينبغي ان تملأ الاجواء فى المؤسسات التربوية ذلك مع تشجيع الافصاح عن الذات والتلقائية . كما يشجع الانضباط الذاتى والاعتماد على شرف المرء وضميره الى جانب لحظات التأمل وطلب الهداية من الخالق عز وجل
) 10 ( الحياة الروحية كل نواحي التربية بما فى ذلك الناحية الاخلاقية تعتمد على النشوء الروحى للانسان . ان اعظم ميزه يمتاز بها الانسان هى حياته الروحية . ولسوء حظ الانسان المعاصر ان هذه الناحية من حياته أصبحت مغمورة بالمادية . والحياة الروحية فى نظرنا تعنى قابلية الانسان ان يسمو بنفسه ليرى وحدة الخليفة كلها ويرى علاقته بالخليقة فيدرك أن هناك مثلا
أعلى يستطيع ان يرتقى لينتهى اليه . نحن المسلمين ندعوه " الله " . وبالانكليزية يدعى " غور . واليهود يدعونه انه اله ابراهيم . ان الاعتقاد بخالق الكون يزود الانسان بمثل عليا يسعى للارتقاء اليها ؛ كما انه يزود الانسان بادراكه انه خاضع لقوانين كونية تتفرع منها القوانين الطبيعية والاجتماعية وعليه مسؤولية اكتشاف هذه القوانين والانسجام معها
انى اعتقد ان قادة الاديان العظام منهم موسى وعيسى ومحمد كانوا اعظم مربين عرفتهم البشرية وان تعاليمهم الاخلاقية والروحية زودت البشرية بالخير والصلاح . وفى نظرى ان العالم اليوم لا يحتاج الى اديان جديدة ويكفينا ان ندرس ونطبق التعالم الصحيحة الصادقة التى جاء بها قادة ادياننا
يطلب من التربية الدينية ان تصبح قوة ايجابية تقود البشرية الى الوحدة والى الحياة الخيرة كما يطلب منها ان تشجب الانقسام والتعصب الاعمى . هذا وان الدين لا يجوز ان يصبح مناهضا للعلم وللحقيقة العلمية اذ أن الحقيقة العلمية نابعة من قوانين كونية هى من اساس الدين وهى من صنع الخالق عز وجل
- 7 - ان الاهداف العشرة للتربية والتى ذكرناها بايجاز توا تكون المعنى الواقعي للتربية المتكاملة . انها تترابط مع بعضها وقد بسطناها بشكل تصاعدى مبتدئين من اسفل بالصحة والسلام الجسدية والعقلية وانتهينا صعودا الى الايمان بالله . فى رأيى ان هذه الاهداف تكون وحدة متكاملة للحياة الانسانية وتشكل ما هو المقصود بالتربية الاساسية وهى الحد الادنى لما ينبغى ان يحصل عليه كل انسان متمدن فى عصرنا هذا . وتحقيق ذلك يتطلب مجهودا جبارا عملا تعاونيا من لدن الوالدين والهيئات التعليمية ومن المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية . فكل هذه الجهات ينبغي ان تتظافر لتعطي التربية معناها الحقيقي الشامل
8 - قبل الانتهاء اود التأكيد على نقطتين : الاولى هى ان التربية بمعناها الشامل كانت فى البداية من اختصاص العائلة على الأكثر ثم اصبحت من اختصاص المجتمع عامة والدولة خاصة فاتخذت قالبا نظاميا . فنشات فى القالب النظامي هذا امتيازات جعلت الاستفادة من التربية من نصيب نخبة ممتارة . ولكن الاوضاع قد تطورت فالتربية اليوم ينبغي ان تحظى باهتمام البشرية كلها وان يحصل عليها بنو الانسان فى كل مكان .
فأجزاء العالم قد تشابك بعضها ببعض بفضل وسائط النقل ووسائل الاعلام فاصبح تأثير نوعيلة التربية فى مجتمع ما او دولة ما لا يقتصر على ذلك المجتمع تلك ) الدولة فقط بل يؤثر على الجسم البشرى كله مهما كان بعيدا . فان الصراع الاجتماعى او السياسي او العقائد في بلد ما لا يمكن ان يعزل عن بقية العالم فإذا حدث ما يقلق في بلده ما في آسية او افريقية او امريكة اللاتينية بسبب نقص في التربية او بسبب سوء التربية فان البشرية قاطبة تتأثر من ذلك فان كان الاروبيون او الامريكيون يفكرون فى مصالح بلادهم متناسين حاجات البلاد النامية في نظمهم التعليمية فالعالم كله سيجابه المشاكل
خلال الحرب العالمية الثانية نشر المستر " وندل ويلكى " المرشح لرئاسة الجمهورية فى الولايات المتحدة آنذاك كتابا عنوانه " عالم واحد " . ففي الناحية المادية قد حققت الانسانية فعلا عالما واحدا . اما فكريا وروحيا فأمامنا طريق طويل تحقيق هذا الهدف . لتحقيق ذلك علينا ان نتأكد من ان تفكيرنا التربوي وعملنا التربوى يسيران في هذا الاتجاه . ولذلك فالمطلوب من منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ) اليونسكو ( ومن كل اعضائها ان يعملوا على جعل التربية تحقق مفهومة العالم الواحد كما ان عليهم ان يراقبوا ويحذروا من مواطن الضعف او الخطر فى أى نظام تعلييمي فى أية بقعة من بقاع العالم .
والنقطة الثانية التى وددت التأكيد عليها هى ان ما اقترحته ليس مجرد نظرية او حلم مثالي . انه استحابة لموقف واقعي في حياتنا المعاصرة لانى اعتقد أن هناك سباقا اليوم بين " التربية " وبين " الكارثة " . فالانسانية اليوم هى بها حافة الهاوية . فما لم تقم التربية بمعناها الشامل بفحص ذاتها وتعيد بناء ذاتها بحيث تصبح فعلا تربية شاملة وموحدة ومنسجمة وتقدمية للبشرية جميعها فالخطر محقق !
فى لنا أن تأمل بان يتعاون مربو العالم جميعهم على توحيد البشرية فى ظل رب واحد وقيم اخلاقية واحدة وحقائق علمية موحدة ؟ الامر يتطلب من كل : لن نعتبر عمله التربوي رسالة الى جانب كونه مهنة . وان يستعد لحمل هذه الرسالة الى البشرية كافة .
