الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "الفكر"

التعليم والتكوين الصناعي

Share

تبعات المعلم ليست هي في تقيده بالبرنامج الدراسي الذي انيط بعهدته تنفيذه وحسب ، ولا هي في التزامه بالتوجيهات النظامية والتدقيقات الادارية وحسب، بل هى في تمثله ذهنيا اهداف الرسالة التربوية التي يحددها له المنهاج التربوي العام من جهة، وفي تحريه الافادة واسداء النفع مهما كانت العقبات ، وانى كانت التضحيات

ولصلة المعلم بالمتتلمذين طبيعة تختلف باختلاف سعة آفاقه الفكرية وامتداد خبراته الفنية وحتى باختلاف مميزاته الشخصية بما في ذلك كفاءته الصناعية . فقد تذهب المعلم التى ان علاقته بتلميذه موقوفة على تلقينه مبادئ المادة الدراسية التى او كل اليه تدريسها بحيث لا يعني بغير اعداد المتتلمذو تهيئته لحل المشاكل الحسابية مثلا ، او تحسر المواضيع الانشائية ، او تحرى الاخطاء الصرفية والنحوية ، وقد يردف بعضهم الى هذا الاتجاه اعتبارا جانبيا آخر يتصل بالتوجيه الاخلاقي ، وارساء معاني الخلق القويم ، ويعني بهذا اتباع بعض الخطوات الزجرية والتهديدات الردعية التى يعتقد انها الكفيلة بالتهذيب والتأديب . . مثل هذا الاتجاه الذهنى الذي قد يكون لبعض المعلمين عن مهمتهم له اكبر الخطورة وقد يدفع بالكثير الى الوقوع فى اخطاء تربوية يتعذر تلافيها وتجنب نتائجها السيئة على مستقبل الطفل ؛ فالمعلم الذي تحفزه فكرة هذه طبيعتها وهذه هى نظرتها للمهمة التعليمية قد يقع في محظور انساني يكون فيه مضحيا باسباب الصحة النفسية وشرائط التوافق الذاتي الشباب الغد ، إذ هو على ما نرى سعيا وراء الحصول على نتيجة موجبة فى مضمار تلقين المادة المدرسية قد يعرض نفسية الطفل الى مواقف انفعالية وتوترات صدمية يكون لها اوخم العواقب وأفدح الخسارة في مقوماته الصحية النفسية التى هى اثمن ما يرجى للطفل اكتسابه مستقبلا ، واعز رصيد معنوى قد لا يتأتي تعويضه عند تقدم السن واكتمال النضج ؛ وانها لحقيقة علمية في ميادين      

الصحة النفسية ان كثيرا من المعلمين في توجيهاتهم التي يتراءى لهم انها التأديب والتهذيب هم يبذرون بذلك اسباب الجناح ويهيئون للاجرام او حتى للتدهور النفسي ولسوء التوافق الاجتماعي بصفة عامة ؛ فالطفل الذي لم تقو خبرته بالمجتمع الانساني بعد ، ولم يألف حتى الآن نمطا سلوكيا ثابتا يسير وفقا له ، ويتعامل على اساسه في اتصالاته مع افراد بيئته الاجتماعية هو ذا بعد ان ألف رخاء المعاملة والصلة الانسانية العطوف في ظل بيئة أسرية يكتنفه فيها الود الشامل والامن الكامل ، هو ذا يلاقى بيد فضة قاسية لا يهمها الا اكتساب خبرة علمية في ناحية من نواحي المعرفة ؛ هو ذا يعامل معاملة شكلية ليس فيها اية علاقة منتجة سوى ما استثني من روابط الا لزام وصلات الزجر والتهديد أن لم تقل صلات الذعر والارهاب ... مثل هذا الافق المدرسي الذي يحيط بهذا الكائن الوديع لى خطورة بالغة على مستقبل الطفل وحاضره الوجداني، اذ البحوث العديدة التي قام بها عدد غير قليل من المشتغلين بمشاكل الطفولة امثال «برت » Burl و «آنا فرود Anna Freud وجيزل Gesell تملى الاعتقاد بان الخبرة الاولى وطبيعة العلاقات الانسانية الاولى التي تكون للطفل منذ مستهل عهده، والتي تكون على التحديد في الست سنوات الاولى لها أعظم الأثر في تكييف استجابته الاجتماعية تجاه افراد بيئته وعشيرتة في ما سيوالي من ايام حياته ، فقد انتهت دراسات كثيرة في هذا الصدد الى الايمان بوجود علاقة موجبة بين حالات سوء التوافق الاجتماعي في كثير من السجون والاصلاحيات، وبين ما عرى هذه الحالات من تأزم وجداني وتوتر انفعالي دك صرح الوجود النفسي في عهد مبكر : كأن يكون الجانح قد لاقي في بكورة ايامه قحطا عاطفيا بسبب فقدان احد الوالدين او كليهما ، أو كأن كانت نفسه نهب التوترات العائلية والاعاصير الانفعالية الناجمة عن الخلافات والمشادات الاسرية التي كان قد تعرض لها ، فابقت بذاته و او دعت بنفسه مخلفات ورواسب سوف تملي الشذوذات المزاجية ان لم نقل الاجرام، وسوف تدفع على الضحل الوجداني وبالتالي على التقلبات والازمات النفسية التي قد ترمي بصاحبها الى السجون او الى المصحات العقلية على الاقل

هذه حقائق اثبتها التتبع والدرس وقد وقف عليها معظم المعنيين بالصحة النفسية بما جعلها من بديهيات هذا الميدان ، وبما جعلنا نقرأ لها حسابا واى حساب

فى مضمار التوجيه التربوى او فى ميادين التربية والتعليم فليس يعنينا ان ينجح المعلم فى رسالته التعليمية ازاء تمكين التلميذ من دربة كافية وتوجيه دهنى حصيف يمكنانه من التغلب على العقبات الدراسية والبلوغ الى الهدف المحبب الى الاباء في احراز ابنائهم على نجاح مدرسى باهر فليس يعنينا هذا النجاح للمعلم في نجاح تلاميذه ان كان هناك الى جانب هذا النجاح اخفاق ذريع في خصوص اعداده النفسي الاجتماعي . . فالمجتمع يود من المعلم وينتظر ان يمده بوحدات صالحة سليمة ذات صحة سليمة . . وذات توافق سوى يكفل للفرد النجاح مستقبلا في مهمته التى هو يعدل لها وتعد له فالمجتمع يهمه اولا وقبل كل شىء ان يكون خريج المدرسة او الجامعة معدا اعدادا اجتماعيا صالحا يؤهله للنفع والانتفاع على نحو من التناغم المثمر والتجاوب السوي

ادن فالمعلم ادا كان له ان يعنى بتلاميذه طلائع المستقبل ودعائمه ، فعليه اولا وقبل كل شئ مراعاة هذه الناحية وهى اعداد المواطنين اجتماعيا قبل اعدادهم ذهنيا بما يقع تكليفهم به من واجب التمرين والحفظ ، وعليه ان يرعى نفسية الطفل وعلى الخصوص من هو فى الطفولة المبكرة ، كطفل خمس وست سنين ، وتكون هذه الرعاية فى اضفائه على علاقته التى تربطه بهذا الطفل طابعا رحيما وعاطفة حبسة يشعر فى ظلها الطفل وانه لم يستبدل جوا بيتيا اليفا الا بمماثله مما يؤلف ويحب ، لا بما ينكر وينفر ؛ وعليه ايضا ان يستهدف غاية مثالية عليا فى تناوله تلاميذه فى مختلف حقب ومراحل حياتهم المدرسية الا وهي تنشئتهم تنشئة اجتماعية سليمة ، اذ بهذه التنشئة يسهم المعلم في اصلاح المجتمع ورقبه ، اما انه يعلم الحساب والهندسة والانشاء فقط ، واحرى ان يعلمهم هذه المواد على حساب مستقبلهم الصحى النفسى الاجتماعى فهذا ما لا يرتضيه منهاج تربوى عصري ، وما لا يستكين له ضمير انسائي حي

اشترك في نشرتنا البريدية