الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 6الرجوع إلى "المنهل"

الحب الاخير ...

Share

كانت رشيقة القد معتدلة القوام ، ذات يدين بضتين رقيقين وبشرة بيضاء ناصعة شفافة وذات عينين زرقاوين تفضى خجلا تحت أنظار الغير .. ولكن ما كانت تغتصب من ابتسامة ساحرة قد عوض فيها هذا الجانب من الافراط فى الخجل . ومشيه كمشية الاميرات فى الكبرياء والاتزان توقفت لحظة على عتبة الصالة كانها تنتظر الرجل الاشيب الذى لم يلبث أن سارت خلفه فى خطوات رصينة مطمئنة ، وكانت انظار المدعوين وخاصة الذكور منهم قد ارتفعت ترقب الحسناء القادمة فى دهشة واعجاب ، وكان بطرس يتأملها كغيره فقال لجارته متسائلا : « من هذه ؟ » فردت بقولها : « انها مدام سيريدون » وكان لكلمة مدام أثرها فتساءل مرة أخرى فى لهجة فاترة : ومن هذا الذى معها ؟ .. فردت عليه بقولها : انه زوجها جاك سيريدون صاحب الاملاك المعروف .. وهو رجل اعجب به شخصيا كل الاعجاب وان كانت زوجه لا تنظر اليه بمثل هذا الاعتبار وقد صافح الرجل وزوجه الحاضرين

وكان جاك سيريدون طويل القامة .. بادى العظمة ولكنه مع ذلك كان يبدو متعبا حزينا .. وكان بطرس شابا ، صغير السن فى الثانية والعشرين من العمر يعتز كثيرا بما فيه من جاذبية واغراء كمن لا وازع له من عقل ولا ضمير ، اسود الشعر .. يبدو على وجهه الاصفرار وتتألق عيناه احيانا ببريق الصبوة والاشتهاء .. وترتجف يداه وشفتاه لدى تأثره بمشهد عاطفى مثير . وكانت يداه وشفتاه ترتعدان فعلا وهو يرقب مدام سيريدون الحسناء التى كانت توزع ابتساماتها على الحاضرين الملتفين

بها ثم نهض عندما اقتربت منه عمته « لوسى » ومست كتفه قائلة : أصح من نومك أن مدام سيريدون ترغب فى التعرف الى ابن الاخ الفاتن الذى جاء يقضى عطلته عندى ، وواصلت كلامها ضاحكة : انه امر الملكة الذى لا يرد . وبدا لبطرس أن فى قولها بعض المبالغة فقال : الملكة .. !

لقد كانت « سيلين سيريدون » تتسلى بالعمل فى حديقتها على استياء الجنائنى المكظوم الذى كان يصلح بعدها ما تسبب من اتلاف وتخريب اعتقادا منها أن اشتغالها هذا بالارض والمزروعات مما يخفف من وطأة الضجر والقلق المستولى عليها ، لقد كانت مشغوفة بان تقضى بعض الوقت فى اللعب بالتراب ولمسه بيديها تحت اشعة الشمس فيشغلها ذلك عن التفكير ويمسكها بعض الوقت عن الانطلاق فى تفكير لا حد له ولا انتهاء ولكنها لم تفلح فى هذا اليوم فى حصر تفكيرها وانطلاق ذهنها بما كانت تلهو وتلعب به من تراب ومزروعات فمازال يملؤ مخيلتها ويسيطر على ذهنها ذلك الشاب الذى ابصرته فى مساء الامس يترنم ببعض التعابير الشعرية فى صوت ولهجة مؤثرة . لقد كان يدخل عليها التفكير فى ذلك من التسلية بقدر ما كان يملؤها بشعور مبهم ثقيل كما كانت تحس بالرعدة تسرى فى أوصالها لدى تفكيرها فى تلك العينين المتقدتين ببريق الاشتهاء اللتين كانتا تحدقان فيها ، ولكن لم كل هذه الرعدة ، ماذا حدث لها ؟ .. لقد كانت تسمع الفتيات الشابات يتحدثن منذ

اسبوعين بمنزل صديقاتها عن ابن أخ « لوسى كانتان » وجاذبيته التى لا تغلب وعن افتتانهن وجنونهن به .. لقد كن فتيات صغيرات حقا ولكن واحدة منهن كانت لا تخلو من عيب لا تدركه هى ولو نظرت طويلا فى المرآة .. لقد كانت تنقصهن الرشاقة الرشاقة التى لا تعوضها المساحيق ولا الاصباغ ولا كل وسائل الزينة ! أما هى فعلى كبرها عنهن فى السن كانت تبدو وهى فى السادسة والثلاثين من العمر كفتاة حسناء لا تعدو الربيع الثامن عشر ، لقد كانت تشعر تماما انها ما زالت فى مقتبل العمر بقدر ما كانت تحس أن زوجها وهو فى الخمسين من العمر يبدو وكأنه يزداد كل يوم عن الذى سبقه تقدما فى السن . وكان من بين أولئك الفتيات اللاتى اجتمعت بهن فى الاسبوع الماضى « سيلفيا » ابنة صديقتها « جاكلين » التى صرحت لها قائلة : ان من يراك يامدام سيريدون لا يشك انك لا تصغرين ماما اكثر من سنتين فقط . وكانت « سيلفيا » هذه فى السادسة عشر من عمرها أى فى عمر ابنتها تقريبا لذلك فقد تظاهرت بعدم الاكتراث ولم تزد على أن ابتسمت لقولها لذلك فانها عندما رأت بطرس يحدق فيها فى ليلة الامس . وثبت فجأة الى ذهنها فكرة وهى أن ترى أولئك الفتيات أنها قادرة على ايقاع هذا الشاب الذى فتنهن بجاذبيته وجماله فى شراك حبها وان يكون ذلك على مشهد منهن ليرين ان الشباب والاغراء لا يتقيدان بالسن والاعمار فيحتقرن أنفسهن ويقفن عند حدهن

فقالت لبطرس فى اجتماعها به ذات ليلة : أدعنى بسيلين فقط .. فدعاها بذلك فى لهجة رقيقة كأنه . يدللها فأثر ذلك فى نفسها أكثر مما تتوقع فلم يكد ينتهى الرقص حتى دعته لزيارتها ذلك المساء قائلة : أريد أن نقوم معا بجولة فمن المنتظر الا يرجع جاك الى المنزل الا متأخرا الليلة .. وقد استطاعت بذلك ان تفهمه فى لطف ان زوجها ليس غير شخصية ثانوية فى حياتها ، وقد رد عليها موافقا بقوله : أعدك بذلك .. ولم يكد يضمها اليه فى عاطفة وقوة حتى شعرت سيلين كأن كابوسا ثقيلا يجثم على صدرها يشعر بخطر يتهددها ولكنها سرعان ما تغلبت على نفسها فقد علمتها الممارسة وطول الاحتكاك بالرجال كيف تتغلب على عاطفتها وتسيطر على هذا الشاب حتى تتم الدور الذى تريد أن يلعبه ثم توقفه وتحد من جماحه فى الوقت المناسب

غادرت « سيلين » الحديقة وذهبت تتأهب للقاء بطرس وكان يغلب عليها الاضطراب ويملؤها الشوق للحب والغزل حتى لتكاد تطفر فرحة وغبطة كفتاة حسناء فى مستهل حياتها الغرامية ، لقد قال لها ( جاك ) زوجها ذات يوم : أنك أشبه بالممثلات اللاتى يبدون للجمهور فى أوضاع مثيرة مغرية يتألقن حينا أمام أعينهم ثم تم يختفين .. فقالت له : وماذا فى ذلك ؟ فقال فى حزن : اننى لا أكتفى منك أن اكون أزاءك كأحد الجماهير . ولكننى أريد أن تكونى معى دائمة الانطلاق والبهجة .. وحقا ما قال

فانها كانت تشعر أنها تدفن بجانبه كلما وهبته من جمال واغراء .. ولكن هذا الشاب سيغير من حياتها المملة بعض الشىء .. وذلك ما تحس ان زوجها جاك كان يشعر به على الدوام من انها فى حاجة الى أن تكون موضع اغراء واعجاب من الغير ، وكان عليه أن يعرف أنها لا ولن يجعلها ذلك تخل بقواعد الاخلاق واللياقة ، ولكنه كان غيورا فيما مضى ثم رجع على ما يبدو الى الثقة والاعتقاد فى انها امرأة رصينة لن تفقد اعصابها بحال من الاحوال وجلست فى انتظار بطرس بالصالة حتى سمعت وقع خطواته . : فابتسمت وغمرها الفرح ، وازدادت علاقتهما ببعضهما فيما تلا ذلك من أيام قوة وسعادتها ازدهارا وصفوا ، الا أن سيلين كانت تشعر كأنها على حافة هاوية ، تلفح الرياح وجهها فى لطف فحدثت نفسها أن تتراجع قبل أن يفقدها الجنون عقلها ، ولكن قلبها لم يطاوعها ، لقد كانت تحس كأن شيئا يهمس اليها فى حزن بقوله : لتكن هذه المرة آخر علاقة بينكما .. لتكن هذه هى المرة الاخيرة .. ولكن الوقت أخذ يمر فى سرعة عجيبة ، والامسيات تنقضى وهما يذهبان الى الحقول ويتمتعان بمناظر الطبيعة من غير ان يفكرا مطلقا فى جاك أو يشفقان على شعوره . وذات يوم ذكر بطرس زوجها جاك فقالت سيلين فى نفسها : لقد محى هذا من ذاكرتى تقريبا .. واحست بصدرها ينقبض وكانا حينئذ جالسين بقرب بعضهما تحت احدى الاشجار .. كما احست بالتعب من السير ... وودت

لو تغمض عينها وتنهد قليلا تخفف ما بها من أسى على مشهد من عينى حبيبها بطرس ، فقال بطرس فجأة : أن الزواج لامرأة مثلك هو سجن ولا شك .. فساورها شىء من الرهبة والخوف ، وكانت الصخور متناهية الارتفاع والهواء يهب فى شدة هذه هى المرة الاخيرة .. المرة الاخيرة التى تلتقى فيها ببطرس وعادت تقول لنفسها ولكن لماذا ؟ لماذا لا نوالى اجتماعنا ولقاءنا بهذه الهضبة النائية ما هذا الخوف الذى يساورنى وانا فى حمى الحب الذى لا يبالى بالحواجز والسدود ؟! ولم تملك الا أن ترد عليه بقولها : حقا أنه لسجن .. ! فقال بطرس : ليس لهذا الرجل أى حق عليك .. وعرفت سيلين الحب لاول مرة فى حياتها ولكنها أدركت بغتة ما يهدده من خطر فقالت : يحسن أن نتراجع الى الوراء قليلا ، ولكن بطرس رد عليها فى صوت يفيض عاطفة وحبا : ان الحب وحده هو الذى يمنح الفرد ويخوله الحق على الآخر ، وليس فى مكنته أن يبقيك حبيسة بمنزله .. فردت سيلين عليه بقولها : اننى لست أسيرة له بالدرجة التى تتصورها ، ولكنا يجب ان نرعى حبنا مع المحافظة على شعوره فى نفس الوقت .. واستطردت تقول بعد فترة قصيرة من الصمت فى صوت رقيق حزين : أتقول ذلك وانت تعرف أننى أكبرك بعشر سنين أو بالاحرى باربع عشرة سنة ، أليس لهذه الناحية أهمية فى نظرك ؟ فهتف بطرس قائلا : ان الحب لا يتقيد بالعمر أو السن .. قال ذلك ثم تكسر صوته وغطى وجهه

بيديه وواصل كلامه قائلا : ان هذا لا يمكن أن يدوم فلم يعد بامكانى أن أوالى المجىء الى منزله وانا أعشق. امرأته يجب أن تصارحيه يا سيلين بكل شىء لنرحل من هنا معا . . وبدت الصخور لعينى سيلين كأنها تتعالى فى الشموخ والارتفاع فتقهقرت فزعة الى الوراء وهى تقول لنفسها : أن بطرس هذا رجل ذو ضمير لم يرض لنفسه أن يقف من زوجها هذا الموقف ولكنها ردت عليه قائلة : اسمح لى يا عزيزى بطرس ان أقول أنك أخذت فكرة خاطئة عن جاك ، فهو طيب للغاية معى لذا فأنى لا أطيق أن أسىء اليه أو اجرح شعوره ، واذا لم يكن يحبني كما تحبنى أنت وأحبك .. فليس ذلك من خطئه فى قليل ولا كثير .. وواصلت سيلين كلامها قائلة انه لا يحبنى ولا يدرى شيئا عن الحب ولقد احببتك حبا لم تحبه امرأة قط أقسم لك على ذلك .. وتراجع بطرس الى الوراء فشعرت سيلين انها أصبحت فى منآى عن الخطر .. وزال عنها تلك اللحظة ، أما جاك فلن استطيع مطلقا أن أسىء اليه بشىء .. انه لا يستحق ذلك ، وأحست بالشفقة عليه وودت من كل قلبها لو تعلقت به وخففت من لوعتها حينئذ ما كانت تشعر به من ثورة عاطفية عارمة ، لقد ابصرت نفسها ما زالت محتفظة بموقفها . ولكنها كرهت ان تغادره وتأخذ طريقها إلى المنزل . لقد احبته حبا ما سبق لها ان أحبت مثله من قبل ، لذا فان عليها الا تودى بهذا الحب الفتى بمثل هذه السرعة فقالت تخاطبه : أرى ألا داعى مطلقا لان تأتى الى هنا مرة أخرى ، ففى الامكان

أن نتصل ببعضنا متى نشاء وسوف لا انسى ... ولن انساك مطلقا ما حييت ، اما هو فظل يعانى من آلام بدت واضحة على وجهه الغض وعينيه الزرقاوين المفعمتين بالدمع ولكنها لم تملك الا أن نهضت وولت راكضة صوب المنزل لا تلوى على شىء ..

لقد شعرت الآن بالاطمئنان والارتياح الشديد يملأن جوانب نفسها فقد اصبح فى مكنتها ان تذهب وتتمدد على الحشائش بالسهل .. وسيكون زوجها جاك وحده هو الذى ينتظرها هنالك على الدوام، أما بطرس فسوف يتعزى بكونها تحبه فى السر وحقيقة الامر ولكنها ضحت بحبها فى سبيل الوفاء لزوجها ، انه سيهجرها ولكن لا محتقرا غاضبا منها كالآخرين ولم يفكر بطرس حينئذ ان يهجرها لقد رفضت ان تخرج معه كما امتنع هو عن المجىء إلى منزلها ليجتمع بها كما سبق ، وكانت تقول فى نفسها : قد يكون لمجرد رؤيته لى ما يبعث فى قلبه السلوى .. ولكن لم تلبث بضعة ايام حتى كان وجوده المستمر مما يزعجها ، فكان عندما يكون معها بعض الاصدقاء يلتزم ركنا من المحل يظل به حزينا سادرا يرقب سيلين بعينين ممتلئتين بالصبوة والحب .. فقالت سيلين ان هذه الحالة لا تلبث أن تزول فسيكون له حتما عمل أو شىء ما يشغله فى الحياة فلا يلبث أن يأتى اليوم الذى ينساها فيه وتتلاشى من نفسه ، واستولى عليها بمرور الايام شىء غير قليل من القلق بدل ما كانت تشعر به من انزعاج وكدر ..

فكانت تقول فى نفسها لقد كان على ان اصارحه القول بأنني اكره أن أراه بمنزلي وان من الجنون ان يفكر فى أننى أقدر أن أحب طفلا مثله بل انه الجنون بعينه .. ولكنها ترددت .. واحجمت عن ذلك لان احدا لم يحبها مثله ، فردت فى نفسها هذه الكلمات المتقطعة : فى الغد بكل تأكيد سيذهب .. وانتهت تلك الامسية وانصرف آخر زائر فرأت بطرس لاول مرة يختفى قبل الآخرين . فشعرت سيلين بشىء من العزاء ولكن لكل شىء نهاية .. وخرجت الى الحديقة للاستمتاع باشعة الشمس الدافئة التى توشك على الزوال ، وفى تلك اللحظة بعينها أبصرته .. ابصرته جالسا تحت شجرة زيزفون ، وفى هذه المرة بلغ الاستياء والغضب غايته بسيلين ، ولكنه نظر اليها بعينين مفعمتين بالصبوة والالم فأزال بنظرته تلك كل ما كانت تشعر به من حنق وغضب ثم قال وهو ينهض لاستقبالها سيلين .. فردت عليه سيلين فى لطف بقولها : ما الذى جاء بك الى هنا وبدأ الموقف كأنه مشهد يمثل فى مسرحية فقد أمسك بطرس بها فى جرأة واخذ يغمرها بقبلاته مهمهما بالفاظ واقوال غير مفهومة ، فتملصت سيلين مذعورة من يديه ، فتركها تبتعد ولكنه ابقى يديها فى يديه وقال : سيلين الا تحبينى ؟ لا أظن أنك تستطيعين انكار ذلك .. وتمالكت نفسها فى يأس وقالت : بلى هو ما تقول ولكنني يجب الا أفكر فى نفسى فهتف بطرس بها فى قوة قائلا : فكرى فى شخصى الضعيف .. وكان التعب

قد بلغ بها لكثرة ما لعبت وبذلت فى تمثيل هذا الدور من عواطف ، واذا كان هذا هو حبها الاول والاخير فانها لا ولن تأسف على كل ما تعمله ازاءه من انكار واباء لان ما تعمله ليس الا اقرارا لقواعد واصول لا مناص من ادائها فقالت له : ان ما تريد منى مستحيل كل الاستحالة ، فهذه جريمة لا تغتفر فى حقه يا عزيزى حاول ان تفهم .. اننى .. وتوقفت فجأة عن الكلام وحملقت بعينها من فوق كتفى بطرس فاذا بعينيها تلتقيان بزوجها وجها لوجه ، يالله ! جاك ! كم ترى مضى عليه من الوقت وهو واقف ينظر اليها هكذا أتراه سمع كلما كانا يقولانه ؟ أيوقعنى سوء الطالع مع هذا الاحمق فى موقف حرج كهذا ؟ وتابع بطرس نظراتها فى دهشة ولم يزد لدى رؤيته لزوجها جاك على أن هز كتفيه فى عدم مبالاة أو اكتراث     لم يأت أمرا نكرا أو يقترف شيئا يأسف له وقال : لن أعتذر اليك بشئ ياسيد كريدون فكل واحد منا يحب الآخر .. قال ذلك فى عاطفة وفى صوت متهدج واضح . فلا تحاول اللجوء الى العنف للوقوف دون ذلك والا اقترفت فى حقها ازاءك مالا ترضاه .. فهتفت سيلين قائلة : كلا كلا .. قل له يا بطرس .. جاك أننى .. فبدا على محيا جاك ظل من الاشفاق ورد عليه بقوله : اننى لا أعتقد ان امرأتى تحبك .. فحول بطرس نظرته فى دهشة الى سيلين ، ولكنها نظرت الى جاك وهزت كتفها قائلة : انني سأحاول ان اتخلص من هذا الشاب من غير ان أسبب له ألما

ذلك أقصى ما أريد ان أقول .. والقت نظرة على الشاب وواصلت كلامها قائلة أنه لسوء حظه جد متعلق بى .. فتكلم جاك ثم قالت هى فى صوت غريب لا من الرقة : لا تيأس ياعزيزى .. لا نظن أنك لا تستحق شيئا لانك لم تجد فائدة من حبك هذا ، فهذه مجرد لعبة فاشلة ليس لاحد أن يربحها ، اننى أعتقد ذلك فقد خبرتها تماما طوال سنوات عديدة . فأرخى بطرس رأسه وقال فى هياج : أرجوك عدم المؤاخذة ياسيدى .. قال ذلك وانصرف من حيث أتى . ولم تلحظه سيلين عندما خرج فقد ركزت كل انتباهها ونظرتها فى جاك قائلة فى صوت مرتعش : أعف عنى يا جاك ، فكلما فرط منى كان عن غير قصد ، وليس ما جرى غير أمور صبيانية عارضة كما تعلم .. فنظر اليها جاك مليا نظرة عميقة وقال : ليست هذه هى المرة الاولى التى يحصل فيها شىء كهذا .. أننى اعتقد أنك لم تفهمينى جيدا أنك اليوم رغم كل الظواهر والادعاءات تقفين أمام رجل لا للمرة الاولى ولكن للمرة الاخيرة .. قال جاك ذلك وأدار لها ظهره وانصرف ، فرأت بانصرافه عنها ثروة آل سيريدون تتقلص وتختفى عنها ، ولكنها راجعت نفسها وقالت فى سخط ليذهب فلن يعدم فتاة بلهاء لن تتردد فى قبوله زوجا لها . ولكنها لم تكد تفكر أن أحدا سوف لا يقيم لشخصها أى أهتمام وانها ستبقى بانفصالها عنه عن جاك الى الابد امرأة فريدة متقدمة فى السن لا ينظر اليها أحد . لم تكن تفكر فى ذلك حتى هرعت خلفه

صارخة : انتظر يا جاك ، وامسكت بذراعه قائلة : قل لى يا جاك أن كل شىء سيجرى مجراه بيننا سنبقى كما نحن مرتبطين الى ما شاء الله والا فاننى أنتحر .. فحاول ان يخلص نفسه منها فى شىء من العنف قائلا : لقد انقضت عدة سنوات ونحن لا نعيش معا الا اسما ، ولن تعود الامور بيننا كما سبق ساءت الاحوال أم تحسنت أنك متوترة الاعصاب .. انصحك أن تأخذى لك حماما ساخنا يعيد اليك السكينة والهدوء .. قال جاك ذلك وابتعد عنها ..

ومكثت سيلين جامدة فى مكانها حيث تركها لا تتحرك مدة طويلة ، ثم اخذت تستعيد فى ذهنها ما تلفظ به من كلام ، لقد قال لها : لا شىء يبقى بيننا مطلقا كما كان .. ساءت الظروف أم تحسنت .. ولكنه لم يقل

انه سيهجرها ..

ودخلت سيلين بدورها الى المنزل فوجدت زوجها جاك واقفا امام المدخنة يحاول ان يستدفىء بما فى الموقد من نار خامدة فقالت له : أريد أن تقول لى شيئا واحدا فقط ألا زلت بعد تحبني أم لا ؟ .. فقال جاك : ليس الحب من العواطف التى يمكن التغلب عليها ، كما أنه ليس مما يسهل زواله أو تناسيه فينام الانسان مغرما ثم يستيقظ ويصحو من نومه وقد اصبح غير ذلك ، فصمتت سيلين .. ولم ترد عليه بشى .. لقد كان فى تصريحه ما يكفيها ويعيد الى فؤادها ما ترجو من راحة وطمأنينة .. لقد كان طريق الرجوع وعرا هذه المرة ، ولكن سيلين من تلك اللحظة غدت وكأنها عروس زفت حديثا الى زوجها

عن الفرنسية :

اشترك في نشرتنا البريدية