الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "المنهل"

الحساسية المفرطة

Share

كانت توجد بمدينة - انجاص - جماعة كبيرة من البراهمة تسمى ( فركشاغاتا ) كان من بينهم برهمى ثرى يدعى ( فيشوفامين ) ، كان يقوم فى انتظام بتقدير القرابين ، والصدقات للالهة ، وكانت له زوجة من البراهمة وثلاثة ابناء ولدوا له على التوالى كان كل منهم على قسط وافر من الذكاء والفطنة كما كان كل منهم ايضا غاية فى التطرف والعنت . .

أرسلهم والدهم ذات يوم لصيد سلحفاة كان قد نذر ان يتقرب بها للآلهة ، فانطلق ثلاثتهم الى شاطئ البحر لذلك الغرض نزولا على رغبة والدهم وسرعان ما وجدوا المطلوبة . فقال الأكبر لأخويه :

ليحمل احدكما السلحفاة الى ابينا فاننى لا اطيق جسمها الاملس القذر فردا عليه قائلين :

- اننا مثلك لا نطيق لمسها . . لا بد ان يحمل احدكما السلحفاة الى والدنا ليفى بنذره والا كنتما الملومين فى ذلك . .

فضحك الاخوان وردا عليه قائلين : - تعرف ان هذا من واجبنا نحن ولا تعرف انه واجب عليك انت ايضا ؟ !

- ولكنكما تعرفان حق المعرفة عن حساسيتى المفرطة فى كل ما يختص بالاطعمة لدرجة اننى لا اطيق حتى لمس ما اكرهه منها . .

فرد احدهما قائلا : - وانت تعرف عن شدة حساسيتى لكل ما ينتمى للأناث . . !

لا بأس . . لنترك امر حملها لاخينا الاصغر

فقطب الاخ الاصغر حاجبيه ورد فى غضب قائلا :

الا تعرفان اننى اشد حساسية منكما بالفراش وكل ما تقع عليه يدى من اشياء

وهكذا اخذ الاخوة الثلاثة يتخاصمون ويتجادلون ، وحسما للامر تركوا السلحفاة وترافعوا الى حاكم اقرب مدينة اليهم ، فاستأذن الحاجب من الملك فى ادخالهم فسمح لهم بالمثول بين يديه فقصوا عليه قصتهم فقال الملك : - حسنا ابقوا هنا ولا

تبرحوا حتى اختبر مدى حساسية كل منكم حان موعد الغداء فاستضافهم الملك ورفع من منزلتهم وامر ان يقدم اليهم طبق من الارز المحلى متبلا بستة انواع من الابازير والبهارات المختلفة ، فاقبل الجميع ، على الطعام ياكلون فى شهية فائقة ما عدا الاخ الشديد الحساسية فى الاطعمة ، فقد رفض ان يأكل وادار وجهه فى تقزز بالغ عن الطعام . . !

فسأله الملك فى لطف : - لماذا لا تأكل يا بنى ؟ الاترى ان الطعام زكى الرائحة جيد الطهى ؟

فرد البرهمى الشاب قائلا : - ان الارز تفوح منه رائحة جثث محترقة وهذا ما يجعلنى اعافه يا صاحب الجلالة .

فأمر الملك عددا من جلسائه ان يشموا الطعام فاجاب كل منهم ان الارز - وكان من اجود الانواع - زكى الرائحة ، حسن الطعم ليس به أى شئ ، ومع ذلك أصر الشاب على الامتناع عن الاكل وظل مكمما انفه . . !

فكر الملك مليا فى الامر واجرى تحقيقات واسعة عن الارز ، فعرف من الطباخين ان ذلك الارز المقدم على المائدة كان من مزرعة قريبة من مكان تحرق فيه الجثث . .

سر الملك من هذه النتيجة ودهش من فرط حساسية الشاب وقال له : ليس من شك فى ان حساسيتك فى الاطعمة دقيقة متناهية وعليه فاننا نترك اليك اختيار ما تريد لغدائك . .

ذهب كل من البراهمة الثلاثة الى غرفته الخاصة بقصر الملك بعد تناول طعام الغداء

كانت لدى الملك جارية حسناء اهداها اليه احد الملوك فبعث بها عند ما اقبل الليل وهى فى كامل زينتها الى البراهمى المعروف بحساسيته عن النساء ، وكانت فتاة رائعة

الجمال الا انها لم تكد تدخل الى غرفته حتى ضغط بيده على أنفه ، وأن انينا موجعا وكاد يغمى عليه وصرخ فيمن اتى بها من الخدم قائلا :

- اخرجوها من هنا ، ابعدوا بها عنى والا قتلتنى برائحتها التى هى كرائحة التيس خرج الخدم بالفتاة غاضبة من الغرفة واتوا بها الى الملك واخبروه بما جرى ، فاستدعى الملك ، البرهمى الشاب وقال له :

- ان هذه الفتاة التى بعثتها اليك تكاد تسبح فى موجة من الروائح الشذية بما عليها من العطور ، واراك مع ذلك تقول ان رائحة التيس ، تفوح منها ؟ ! !

ولكن بالرغم من التأكيدات اصر الفتى على رأيه مما جعل الملك يساوره الشك فى الامر ، وفى الحال اجرى التحقيق مع الجارية وشدد عليها فاعترفت انها عندما كانت طفلة لم يكن لها ام ولا مرضعة تقوم بتغذيتها فنشأت وتربت على لبن الماعز ، فسر الملك من ذلك واثنى على ما يتمتع به الفتى من حساسية مرهفة صادقة . .

ثم أمر الملك ان يجهز للفتى الثالث ( وهو الذى يدعى حساسية خاصة بالفراش ) سرير وثير عليه سبع مراتب موضوع بعضها فوق بعض ، فنام البرهمى على ذلك السرير الفخم الوثير نحو ساعة ثم استيقظ عند منتصف الليل وهو يصرخ ممسكا بخاصرته من الالم فاقبل الخدم مسرعين على صراخه وكشف عن جسمه فرأوا على جنبه الايسر علامة مقوسة حمراء غارقة فى اللحم كانطباع الختم على قطعة ندية من الشمع فذهبوا الى الملك واخبروه بالامر فامر الملك ان تفحص كل مرتبة على حدة للتأكد من عدم وجود ما يسبب ذلك الاثر ففحص الخدم الفرش فحصا دقيقا حتى عثروا اخيرا تحت السبع

مراتب وفوق السرير ذاته على شعرة دقيقة فذهبوا فى الحال وعرضوها على الملك . . .

استدعى الملك الفتى فرأى العلامة على جسده فوجدها صورة طبق الاصل للشعرة فى سمكها وتقويسها ودقتها فدهش من ذلك الى حد كبير وعجب ، اشد العجب ، كيف ان شعرة دقيقة تترك فى جسده ذلك الاثر من تحت سبع فرش وثيرة . . !

امضى الملك ليلته غارقا فى دهشته ولم يذق للنوم طعما . .

اصدر الملك حكمه فى اليوم التالى بالاعتراف للشبان البراهمة الثلاثة بالحساسية الفائقة والظرف النادر وأمر

لكل منهم بكيس به مائة الف قطعة ذهبية تقديرا ، ومكافأة لهم . .

عاش الشبان الثلاثة فى تلك المدينة فى بلهنية ورغد من العيش ونسوا أمر السلحفاة التى كلفهم والدهم بصيدها وفاءا بنذره . .

وقد سئل احد الحكماء : أى الشبان الثلاثة كان اكثر حساسية من غيره فقضى ان الفتى الذي له حساسية بالفراش هو اقوى واشد حساسية من أخويه لأن مبعث حساسية كل من اخويه كانت من شئ خارجى هو الطعام والنساء ، أما هو فان العلامة البارزة على جسده برهان ملموس على حساسية ورقة متناهية . . . !

اشترك في نشرتنا البريدية