حبات المطر ترتطم بزجاج النافذة وتتدرج الى أسفل فى قفزات سريعة حاولت أثناءها أن تتعلق بالجدار الاملس فلم تفلح
ألصق حسن أنفه بالزجاج فاكتسى من نفسه بطبقة رقيقة بخارية شفافة سرعان ما ذابت وتبخرت وتركت مكانا نديا مسحه حسن بكفه وأعاد اللعبة مرات ومرات . أخذ يتأمل الطريق وقد استحال وحلا تغرق القدم فيه الى الركبة . . كيف تستطيع أمي اجتياز هذا الطريق ؟ ماذا بوسعى أن أفعل لأساعدها ؟ . . واستعرض فى ذهنه بعض المخططات ، لكنه لم يرض عنها فألقاها من فكره يجب أن تعتمد والدته على نفسها لان الامر يتكرر تقريبا كامل السنة . وضحك حسن لاحتمال رؤيتها غاطسة حتى الكعبين فى الوحل وذكره ذلك بما كانت تفعله جدته وهى تعجن الزيتون بينما هو يحذب رداءها بشقاوة فتشبعه سبا وشتما وتهديدا .
مر شاب حامل دراجته على ظهره وقد شمر عن ساقيه وراح يطلق الشكاوى ويشتم البلدية بصوت مرتفع مبحوح . أقبلت أمه كانت هى الاخرى تسير حافية القدمين فذهب وفتح لها الباب فدلفت الى المنزل واتجهت الى مدفأة الغاز وأشعلتها . .
- ألم يأت والدك ؟ - لم يأت بعد . . . ربما لن يأتى اليوم - ربما . - لم يحسن صنعا حين اشترى بيتا فى هذا الحى - معك حق يا ولدى . . . كان أبوك يتوقع أن تعبد كل الطرق فى المدينة ، سوف لن تدوم هذه الحالة طويلا باذن الله - هل تعتزمون شراء بيت في حى آخر ؟
- كلا . - هل تعتزم البلدية تعبيد شارعنا ؟ - سنجبرها على ذلك - كيف . . . لقد كاتبوها عدة مرات ورفعوا لها شكاوى أمضاها كل سكان الحي فلم تسمع .
- فى هذه المرة ، سننتهج أسلوبا آخر . - تطالبون بجرار يمسح الشارع لقد جاء هذا الصباح وحمل كمية كبيرة من الوحل لكن الطريق ازداد سوءا . - كلا ليس هذا ان والدك يفكر في أن يصبح رئيس بلدية فى الانتخابات المقبلة .
- ولماذا لم يفعل ذلك من قبل ؟ - هل تظن أن هذا أمر سهل يا ولدى - عندما يصبح والدى رئيس بلدية يعبد الطريق فورا وعندئذ لن يخشى سكان حينا نزول المطر ؟ - أجل يا ولدى .
فتح الباب ودخل الأب . كان رجلا أبيض ذا صلعة . وتأمله ابنه جيدا ثم قال في نفسه : حقا ان أبي بصلعته وكرشه يصلح أن يكون رئيس بلدية . . - صباح الخير يا بابا . - صباح الخير يا ولدى . . . ألم تذهب الى المدرسة اليوم - معلمنا مريض - حسنا فعل . في هذا اليوم يستحسن أن يمرض جميع المعلمين وقالت الأم : - كل الناس يفرحون بالغيث الا نحن فكلما تجمعت الغيوم في السماء دعونا الله أن تنقشع . فأجابها الأب : - كل هذا بسبب شارعنا اللعين
وعلق الولد : - ولكنك يا ابي ستصبح رئيس بلدية وستأمر بتعبيد الطريق وعد الأب كلام ابنه فألا حسنا وأجاب : - ان شاء الله هذا يتوقف على رغبة سكان الحي وتأييدهم لى والتفت لزوجته : - ماذا يقول الناس عنى - كلهم متحمسون لك .
- لكنهم قلة . - نعم بيد أنهم يستطيعون أن يكونوا ذوى نفع كبير لك . - ينبغى أن أكسب ثقة الآخرين - أن لديك سمعة طيبة والناس يحبونك - هذا لا يكفى فالحب لا يستطيع أن يصنع رئيس بلدية - ماذا تطلب اذن ؟ - شيئا آخر يجب أن اكون رجلا ذا خطر - ماذا تقصد ؟
- ان الناس لا يصوتون الا للرجل الخطير - من هو الرجل الخطير فى نظرك ؟ - الغني مثلا . - ولكنك غنى - ثمة من هم اثرى منى - أنا واثقة أنك ستفوز عليهم . . فقد يكونون أثرى منك ولكنهم غير محبوبين
- لا يهم ذلك فالناس كما قلت لك يصوتون بدوافع اخرى . . كالطمع . . . والخوف . . وينسون المحبة - على أية حال لا تفشل . قدم ترشحك . - سأفعل
ووقف الأب ونظر من خلال النافذة . كان المطر بغزارة هذه المرة ، وتجمعت برك المياه فى الشارع وهمس الأب سيتعفن الشارع وسيصاب سكان الحى بالمرض . . شاهد جمعا من الشبان يرمون وسط الطريق بالحجارة العريضة ويقفزون فوقها فقال : إنهم يزرعون الشارع بالحجارة
وأطل حسن من النافذة وراح يتفرج على ذلك بمتعة وما ان مرت لحظات حتى صار الشارع مزروعا بالصخور وقالت الزوجة وهى تتأمل ذلك : - هذه المرة سيكون الامر سهلا على سأجتاز الطريق على الصخور حسنا فعلوا .
وبعدما أفطرت انطلقت الى المدرسة ، لم تكن بعيدة وقدرت أنها لن تستطيع أن تقطع المسافة اليها فى أقل من نصف ساعة ، وراح الزوج والابن يتفرجان عليها ، ضاحكين وهمس الولد : " إن أمى رياضية ، ما زالت تستطيع الوثب " لكن ما إن اتم كلامه حتى انزلقت قدمها وغرقت فى الوحل . هرع الزوج وابنه لينجداها وكذلك فعل المارة الآخرون
وقال رجل : شكرا للمطر ، انها تجعل كل الناس سواسية لا أحد يستطيع استعمال سيارته وغمغم رئيس البلدية المقبل - ما ابشع وجهك
دخلوا الى البيت وراحت الأم تبدل ثيابها والولد يضحك وعندما أقفلت اخر زر من معطفها الآخر تناولت المحفظة وهمت بالخروج فأوقفها الزوج وقال لها وهو يرفع سماعة التلفون لا تذهبى سأخاطب مدير المدرسة وأعلمه بأنك لا تستطيعين الذهاب .
وصاحت الزوجة لا أريد أن أتغيب فانى لا أحتمل تصور تلاميذى راجعين الى منازلهم بينما انا قابعة هنا .
- مهما يكن ينبغى أن تفكرى فى نفسك قبل كل شئ . . . ألو . . ألو السيد المدير . هنا السيد سالم النور ان زوجتى ستتغيب عن الدروس . لا انها بصحة جيدة ولكن حالة الطريق سيئة للغاية . . شكر١ .
وعندما وضع السماعة التفت ناحية زوجته فلم يجدها ورآها من الباب وهى تجرى مبتعدة عنه وهمس ذهبت انها عنيدة فى المرة المقبلة سأحتاط للأمر عندما ينزل المطر ساقدم عنها رخصة طبية . . . لن يرفض الطبيب تسليمها الى لانى سأكون عندها رئيس بلدية " .
وتصور نفسه يختال بالشريط الملون على صدره ونظر فى المرآة وقال فى سره : " انه يناسبنى جدا . ومت ولم لا ؟ !"
استطاع السيد سالم النور أن يفوز برئاسة البلدية بعد جهود كبيرة قام بها ومال كبير أنفقه من أجل الدعاية وساعده سكان الحى على تبوء هذا المنصب وجاؤوا كلهم الى البيت وهنؤوه بحرارة
ولم يثر السيد سالم النور مسألة تعبيد الشارع لحكمة ما غير انه فكر مليا ووجد حلا سهلا فقال لزوجته :
- لقد أصبح لدى أصدقاء كثيرون ، أصدقاء مرموقون يزوروننى فى المنزل وانت تعلمين انه لا يقع فى شارع نظيف وقد فكرت في أن ننتقل الى منزل يقع فى حى أكثر لياقة . ما رأيك ؟ . ووافقت الزوجة على ذلك . ؟
