- ٣ - الدين والحياة السياسية والاجتماعية
أ - الدين والسياسة : ان اول سلطة سياسية ظهرت في تاريخ البشر هي السلطة الدينية واول قوة احترمها الانسان واطاع اوامرها هى القوة الالهية ولهذا فان الملوك ورؤساء القبائل لم يتمكنوا ونرض نفوذهم الا بصفتهم كهنة أي مندوبى الالاه او الآلهة .
والملوك القدماء كانوا يجمعون بأيديهم السلطة الزمنية والدينية في آن واحد وزوال سلطتهم الدينية ينتج عنه دائما فقد سلطتهم الزمنية . ونتيجة ذلك ان الفراعنة كانوا يدعون أنهم آلهة او ابناء آلهة ومعنى " رامسيس" ( (Ramses هو: ولدته الالاهة " رع " ( Ra ) ولقب الملوك العراقيين الاولين هو : " الباتسى " (Patesi) اي نائب الالاه . وكلما حللنا أسماء ملوك العصور القديمة تحليلا لغويا وجدناها مركبة او مشتقة من الكلمات الآتية : ابن اله أو الهة ، نائب الاه أو المحبوب من الاه أو الاهة ، الالاهي ، سليل الاله أو الآلهة الخ ...
ويدعي ملك اليابان أنه ابن الشمس ، ويقول اسكندر المقدوني لليونان إنه ابن الالاه أبلون . ولما فتح مصر ادعى أنه ابن أمون - رع ( Ammon - Ra ) . وفي العصور الوسطى والحديثة كثيرا ما نلاحظ أن الحكومات الزمنية تحاول دائما بعد استيلائها على السلطة اكتساب رعاية رجال الدين بعدة وسائل منها شغل الرؤساء السياسيين وظيفة دينية أو التسلط على هيئة الكهنة بتعيين أناس موالين لهم أو الادعاء بانهم ينتسبون الى نبىء أو صحابى يؤمن به سكان البلاد أو بالتدين الحقيقي أو الظاهري . ولذلك عدة أمثال منها أن أول سلطة اسلامية هي الخلافة التي كانت تجمع بيد واحدة الامامة ذات الصبغة الدينية والامارة ذات الصبغة الزمنية . واذا لم يكن الملوك والامراء المسلمون أيمة وخلفاء فانهم كانوا يحاولون اعطاء سلطتهم
صبغة شرعية بالأدعاء انهم مندوبو سلطة دينية كالاغالبة بتونس والأيوبيين والمماليك بـمصر الذين حكموا مستقلين استقلالا تاما في جميع الميادين بارتباطهم الصوري بالعباسيين . فأما ملوك أوروبا النصرانية فانهم كانوا لا يعتبرون شرعيين الا بعد عملية التتويج التي كانت تقع تحت اشراف كاهن اكبر مثل " مطران " مدينة رنس archveque de Reims الذي كان يتوج ملوك فرنسا . ونابليون نفسه توجه البابا وذلك على الرغم من أن ايمانه الكاثوليكى لم يكن قويا ورضى نابليون بالمشاركة في مسرحية التتويج لمغالطة الكاثوليك الفرنسيين . والى يومنا هذا ما زالت عملية التتويج الدينية المحض ذات أهمية كبرى فى بعض البلدان مثل انقلترا .
ومما يدل على أهملة النسب فى تدعيم السلطة الزمنية أن كثيرا من الملوك الذين استولوا على الملك بالقوة كانوا يحاولون فيما بعد اصطناع نسب يكسبهم صبغة شرعية مثل عبيد الله المهدي الذي ادعى الانتساب الى فاطمة من غير أن كانت هناك أدلة قاطعة مثل " الحالة المدنية " وادعي الملوك الحفصيون الانتساب الى عمر بن الخطاب وفي ايامنا هذه شاهدنا مهزلة فاروق الذي اصطنع شجرة نسب جعلته سليل النبى صلى الله عليه وسلم . وفي الدول اللايكية نفسها ما زال أثر الدين قويا فاذا أدى رئيس الجمهورية يمين الولاء للدستور مثلا فقد قام من غير أن يشعر بعملية دينية . واذا شاهدنا استعراضا عسكريا فاننا نلاحظ فيه جوا يشبه الجو الموجود فى الاحتفالات والصلوات الدينية اذ يسوده سكوت وخشوع وتتخلله منظمة وأناشيد نصها محفوظ معروف كنص ما يتلى في الصلوات والعبادات . وللدين أثر كبير في تكوين الامم وإشعارها بشخصيتها مثل الاسلام الذي وحد العرب وأكسبهم قوة جعلتهم يفتحون البلدان المجاورة .
وقامت الاديان او المذاهب الدينية بدور كبير في حركات المعارضة للاحتلال الاجنبي والتحرر منه مثل الكاثولكية التى دعمت القومية الارلاندية ضد الانقليز البروتسطنيين ، والقومية البولونية ضد الروس الارثدوكس ، والقومية الايرانية اعتمدت على الزرادشتية ضد اليونان وعلى المذهب الشيعى ضد الاتراك والعرب السنيين واعتمدت القومية المغربية على النصرانية ضد الرومان الوثنيين وعلى المذهب المالكى
ضد الفاطميين الشيعيين وعلى الاسلام ضد الفرنسيين النصارى ؛ ولوحدة الاديان اهمية كبرى في حياة البلدان فهى عامل لاستقرارها ، وأهم ضمان ابقاء وحدتها السياسية .
وتعدد الاديان عامل من عوامل التجزء السياسى والحروب الاهلية : هكذا لم يقع استقلال البلجيك عن هلاندا الا لان اكثرية البلجيكيين كاثوليك واكثرية الهلانديين بروتسطانيون ، ومن اهم العوامل التي عطلت توحيد المانيا ازدواج الدين الى كاثوليكي وبروتسطنتي . والدين الكاثوليكي هو السبب الرئيسى لتوحيد اسبانيا بعد ما كانت تنقسم الى عدة دول مستقلة . والاعتقادات الدينية لها تأثير كبير في شكل الحكومات : هكذا يعتقد الكاثوليك في عصمة البابا وهو الوحيد الذي يستطيع ان يؤول النصوص الدينية . فاما البروتسطنيون فهم يؤمنون ان لكل نصرانى الحق في تأويل الكتب الدينية اذا كانت نيته حسنة . ونتيجة ذلك ان مواطنى البلدان البروتسطانتية تحرروا وكونوا ديمقراطية سياسية واجتماعية قبل سكان البلدان الكاثوليكية . وفي العصور الحديثة مازال رجال الدين يقومون بدور سياسي كبير . وللبابا اثر عظيم في تكوين حركات التوحيد الاوروبي الغربي في الميدان العسكري ( الميثاق الاطلسي) (Pacte Atlantique) والاقتصادي ( مشروع الفحم والفولاذ ) (Communaute de charbon et de L acier ) أو الذرى Euratom
وأسياد اسبانيا اليوم هم الآباء اليسوعيون والملك الليبي يستمد قوته من الحركة السنوسية . ودعم السعوديون ملكهم بمناصرة الوهابية ، وزعم الحركة الاستقلالية بقبرص هو المطران مكاريوس . (Makarios) ومملكة التبت مازالت الى يومنا تحت حكم الرهبان البوذيين .
ب - الدين والحياة الاجتماعية :
اذا بحثنا عن أصل تقسيم المجتمع الى طبقات حاكمة ومحكومة ، ثرية وفقيرة اكتشفنا أن التدريج الاجتماعى ينتج عن ظروف اقتصادية وسياسية وعن أسباب دينية مثل تقسيم الهند الى طبقات لا علاقة بينها وهو من عواقب انتشار الدين البرهمي . وكثير من أعيان المغرب الاقصى اكتسبوا ثروتهم لشرفهم او لارتباطهم بطريقة دينية مثل الاسرة الكتانية المرتبطة بطريقة خاصة بها وكهنة مصر الفرعونية وبابل وآسيا الصغرى وسورية العتيقة كانوا
يكونون الطبقة الثرية قبل التجار والصناع والفلاحين . ولذلك النظام عيوب ومحاسن منها أن المنظمات الدينية كونت المستشفيات والمآوي للفقراء والمساكين . فلا نجهل ما قام به المرابطون المسلمون والرهبان النصارى والوثنيون في عصور لم تكن وزارات التعليم والصحة العامة والاسعاف العمومى موجودة فى أي بلاد كانت . وقامت فريضة الزكاة الاسلامية والعشر النصرانية (Dime) دورا كبيرا فى تكوين جميع المشاريع الاجتماعية . وبمعبد ممفيس الفرعوني (Memphis) كان مستشفى كبير تعالج به جميع الامراض وفي عصر البطالسة (Ptolemics) كان معبد " دير البحرى " مستشفى لعلاج مرض السل وباليونان العتيقة كانت معابد الالاه " اسكلاب " (Esculape) مستشفيات ومدارس للطب . (يتبع )

