الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "الفكر"

الذكرى الثلاثون لصدور مجلة (( الفكر ))

Share

كان الاحتفال بمرور ثلاثين سنة على اتبعاث مجلة الفكر والذى طغى من فعاليات الساحة الثقافية فى النصف الاول من شهر أكتوبر 1985 فى مستوى خلود الملحمة وعمق التجربة وثراء المسيرة ، وبدا جليا وواضحا أن التضحيات الجسيمة التى نسجت خيوط تلك الملحمة المثيرة عبر مساحة زمنية تقدر بثلث قرن قد أعطت ثمارها ، ونبتت ، فى موقع كل قطرة عرق سالت ، زهرة يفوح من غض برعمها الطيب . كانت (( الفكر )) فى الثلاثين يافعة ، شامخة تنصهر بين أحضانها الفتوة المتجددة دوما ، والرصانة الطاغيه أبدا . جاء الاصدقاء والاحبة والعشاق وكل من مر على باب (( الفكر )) أو طرقه ، وأحاطوا بالشجرة فى عيدها الثلاثين يعترفون لها بالجميل ، ويسردون مقاطع من ملحمة مثيرة خالدة .

حضر محمد عامر غديرة ، ناصر الدين الاسد ، غالى شكرى ، لميعه عباس عمارة ، عبد الرحمان مجيد الربيعى ، سعيد فرحات ، خليفة التونسى ، قمر الكيلانى ، مختار الوكيل ، حسنى سيد لبيب ، صالح جواد الطعمة ، سلمى خضراء الجيوسي ، وديع فلسطين ، ملك عبد العزيز ، رابح لطفي جمعة ، عبد المنعم خفاجى ، عبد العزيز شرف ، صلاح عدس ، نعمات أحمد فؤاد، فتحى التلمودى، عبد الهادى التازي، أحمد فضل شبلول ، فريدة أحمد ، محمد حسين الامبابى ، صالح خرفى ، أديب اللجمى ، جاك بيرك ، المنصف القيطونى ، محمد عزيرة ، أوليس قزافيار . حطوا كلهم من خارج الحدود لمشاركة (( الفكر )) إطفاءها الشمعة الثلاثين من عمرها ومعهم حضر مؤسس (( الفكر )) وصانع ملحمتها ، الاستاذ محمد مزالى ، الوزير الاول ، والاستاذ البشير بن سلامه رئيس تحريرها ووزير الشؤون الثقافية ، والعديد من رجالات الادب والفكر والثقافة فى ربوعنا .

وتنوعت فعاليات الاحتفال ، فامتزجت الذكريات المثيرة واللقاءات الطريفة بالبحوث القيمة والدراسات المعمقة ، فكانت لحظات فسيفسائية رائقة أكدت أن (( الفكر )) بأبنائها وعشاقها عظيمة الثراء ، كثيرة الوقائع والانجازات ، سخية العطاء ، مدرسة ضاربة أسسها فى عمق التجربة الانسانية . كانت اللقاءات فرصة لسرد الذكريات والعودة الى مخازن الذاكرة ومعابنة حقبة من الوقائع طواها الزمن .

عاد الاستاذ محمد مزالى يرسم شكل البناء الذى وضع هيكله لبنة لبنة ، وكأنه يسرد وقائع حلم من أحلام الشباب الطموح . وعاد الاستاذ البشير بن سلامه شاعرا رقيق العاطفة ، شديد البيان ، طريف الصورة ، ثابت المقصد وهو الذى استماله النثر فانساه الحنين الى الحبيب الاول ، وجاء الاستاذ عبد العزيز قاسم يحمل فى جراية روح شاعر عاهد نفسه على مغازلة القافية كما تغازل الخطاف الربيع !! وغنى الشعراء أغنية الوفاء للشجرة التى مدت لهم أغصانها أذرعا تحتضنهم بعطف ، وظلالا تقيهم هجير الصمت والنسيان.

* المجلس الأدبى :

فى البدء كان اللقاء مع مؤسس (( الفكر)) الاستاذ محمد مزالى فى مجلس أدبى بمركز الفن الحي بالبلفيدار حيث رحب الدكتور محمد الطالبى رئيس اللجنة الثقافية القومية بالحاضرين ووقف الجميع دقيقة صمت ترحما على روح الفقيد عيسى الناعورى المفكر العربى الكبير وصديق (( الفكر )) الوفي الذى وافته المنية وهو يستعد للاحتفال بعيد ميلاد المجلة التى أحبها بشغف عظيم ، ثم تحدث الاستاذ البشير بن سلامه وزير الشؤون الثقافية ورئيس تحرير (( الفكر )) فأبرز بالخصوص أن اقتران هذا المجس بالاحتفال بالذكرى الثلاثين لصدور مجلة (( الفكر )) ليس الا حرصا على توضيح المنهج الذى ارتضته (( الفكر )) فى معالجتها لقضايا الانسان فى تونس وهو يبني كيانه ويواجه مصيره بكل عزيمة وصبر ويسعى الى تبوؤ مكانه اللائق بين سائر البشر فى حوار مثمر وتراشح متواصل ، ثم انطلق الحوار حول مسألة (( الاصالة والمعاصرة )) وتفرع الى قضايا مختلفة ( دور الثقافة فى البناء الحضارى ، الادب ومسؤولية الكاتب ، الشباب وتواصل الاجيال ، الفكر بين الأصالة والمعاصرة ) ، وأبحر عبر تجاويف هذه المسائل جاك بيرك وأحمد خالد ومحمد عامر غديرة وعبد العزيز قاسم وأبو يعرب المرزوقى ، وأجاب الاستاذ محمد مزالى من كل التداخلات بجدلية المفكر وفاعلية (( الرجل الملحمي )) وحجته وبيانه ، وقال بالخصوص : (( الأصالة ليست رجوعا الى الوراء بل هى اعتزاز

وايمان بأننا فى تونس كعرب ومسلمين أبناء عائلة الاسلام معتقدا وحضارة وأخلاقا ومعاشرة )) .

* افتتاح الاحتفال بالذكرى الثلاثين لتأسيس مجلة (( الفكر )) :

كان افتتاح مهرجان (( الفكر )) بقصر المؤتمرات فى السابع من شهر أكتوبر 1985 وكان الحضور عظيما ومشهودا ، وبعد تدشين المعرض الوثائقى أطلق بعض الضيوف الكبار العنان لاحاسيسهم الفياضة وتكلم الاستاذ البشير بن سلامه فأبرز الدور الكبير الذى لعبته ((الفكر)) فى بناء صرح الثقافة التونسية الأصيلة النابعة من واقع الشعب التونسى ومن مقوماته العربية الاسلامية وثوابته الحضارية الانسانية .

وهذا نص كلمة وزير الشؤون الثقافية فى افتتاح مهرجان (( الفكر )) :

(( انها السعادة العظمى ان يحضر هذا الجمع الكريم ، افتتاح الذكرى الثلاثين لصدور مجلة (( الفكر )) برئاسة مؤسسها ومديرها الاستاذ محمد مزالى تحت سامى اشراف المجاهد الاكبر الرئيس الحبيب بورڤيبه الذى من واجبنا أن نتجه اليه بالتهانى الحارة والشكر الجزيل وهو الذى وفر المناخ الملائم والبيئة الفكرية والثقافية المناسبة لترعرع مجلة (( الفكر )) وتبلغ أشدها .

وانه لفضل من الله أن تتاح الفرصة لاستقبال هذا العدد الكبير من ضيوفنا ومن أحباء مجلة (( الفكر )) وأصفيائها الذين عاشروها على مدى عقود وأمدوها بأحسن ما لديهم مما جادت به قرائحهم خدمة للفكر والثقافة ومدا للجسور بين الشعوب شرقا وغربا . فاليهم نتجه بالشكر الجزيل على حسن العناية وتواصلها ولهم نتمنى اقامة طيبة فى تونس الخضراء وباقة يانعة من الاصدقاء وأهل الود . وتخص بالذكر صديقنا العزيز د. ناصر الدين الأسد وزير التعليم العالي بالاردن الشقيق ورئيس المجمع الملكى لبحوث الحضارة الاسلامية ( مؤسسة آل البيت ) وصديقنا ممثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم السيد الدكتور أديب اللجمى نيابة عن أخينا وصديقنا الدكتور محيى الدين صابر .

ونتجه بالشكر أيضا الى كل الاصدقاء من التونسيين الذين آمنوا بالكلمة وأودعوها صفحات مجلة (( الفكر )) يمثلون بذلك أجيالا متعاقبة وتجارب متتالية وجاءوا اليوم فى هذا العدد الضخم ليتبادلوا التهانى فيما بينهم ويقيموا حصيلة هذا الجهد المشترك المتواصل .

ولا ننسى أيضا عائة الصحافة وكل العاملين بالوسائل السمعية والبصرية الذين واكبوا مسيرة (( الفكر )) وتتبعوا خطى الادباء والكتاب وكانوا سندا لهم حتى وان ناقشوهم الحساب فهم ايضا حقيقون بالشكر والتنويه ، ثم

أليس من باب العرفان بالجميل أن نشكر أيضا كل الساهرين على مطبعة فنون الرسم مسؤولين وعملة الذين واكبوا هذه المسيرة الطويلة وعملوا دائما جهدهم لتكون المجلة جاهزة غرة كل شهر .

واذا كانت كل هذه الاسباب التى توفرت والعوامل التى تهيأت من شأنها أن تقيم هذا الصرح المشمخر فى بناء الثقافة التونسية ، فان (( الفكر )) لن تكون أساسا ولن تكون كما هى لو لم يقيض الله لها رجلا أعطاها من نفسه ورعاها بحدبه وجهده ومكنها من الوسائل المادية والمعنوية التى تذللت بها العراقيل واتضحت بواسطتها السبل والغايات وأعنى بذلك الاستاذ محمد مزالى الذى هو أحق من يمكن له أن يتحدث عن مسيرة (( الفكر )) وجهادها ويقيم حصادها طيلة ثلاثين سنة فاليه نتجه بشكرنا الجزيل وبتهانينا بهذه الذكرى العظيمة .

ولكن الذي يجب أن نبرزه بكل تأكيد هو أن (( الفكر )) قامت بدور كبير فى بناء صرح الثقافة التونسية الاصيلة النابعة من واقع الشعب التونسى ومن مقوماته العربية الاسلامية وثوابته الحضارية الانسانية وأصبحت ظاهرة ثقافية فريدة غيرت طبيعة حياة المجلات فى تونس وسيرورتها وفتحت لها بابا من الامل فاذ بالساحة الثقافية تزخر اليوم بالمجلات وتتمتع بوسائل الدعم التى تجعلها فى منأى عن كل تعثر أو انقطاع . ناهيك أن وزارة الشؤون الثقافية أصبحت لها أربع مجلات دورية وأن عدد المجلات التى تحظى بدعم الوزارة يناهز الخمسة والاربعين عنوانا . فظاهرة (( الفكر )) يمكن من هذه الزاوية أن تدرس كظاهرة ثقافية فريدة فى المجتمع التونسى قويت على الثبات واليناعة بفضل عوامل عديدة .

وختاما فانه لا يفوتنى أن أتوجه بالشكر الى اللجنة الثقافية القومية وعلى رأسها الدكتور محمد الطالبى وكل العاملين بها وكذلك دار الكتب الوطنية ومصالح الوزارة بما هيأته من أسباب لتكون هذه الذكرى فى مستوى الحدث . ويجيب الاستاذ محمد مزالى مؤسس (( الفكر ))ومديرها ببيان شمولى مؤكدا أنه ما كان لأسرة (( الفكر )) أن تصمد ولا للمجلة أن تعيش عمرها المديد لولا المناخ النهضوى والفكرى والاجتماعى الحر الذى توفر للصحافة التونسية بعد الاستقلال والذى لم يتوفر مثله قط طوال عهد البايات والعهد الاستعمارى . مبرزا دور الرئيس الحبيب بورڤيبه الذى جاهد وكرس كل حياته من أجل الانسان التونسى ( راجع افتتاحية هذا العدد ) .

* الجلسات العلمية :

الجلسات العلمية كانت ثلاثا ، الاولى حول الشعر فى مجلة ، (( الفكر )) ، قدم

البحث الاستاذ عبد العزيز قاسم وناقشه الاستاذان محسن بن حميده ورياض المرزوقي ، الثانية تناولت الاتجاهات الفكرية فى مجلة (( الفكر )) : البحث للاستاذ أبى يعرب المرزوقى وناقشه الاستاذ فتحى التريكى ، والثالثة كانت حول القصة فى مجلة (( الفكر )) والباحث هو الاستاذ الطاهر ڤيڤه والمناقش الدكتور نور الدين بلقاسم . والنقد فى مجلة (( الفكر )) للأستاد الحبيب الشاوش ومناقشة الاستاذ أبو القاسم محمد كرو .

وعبر هذه الجلسات الثلاث تفاعلت الافكار وتلاقت الرؤى ، وتصادمت المفاهيم فى أحيان كثيرة لتنصهر فى نهاية المطاف فى مصب واحد هو عمق (( الفكر )) وثراؤها .

فى الجلسة الاولى بين الاستاذ عبد العزيز قاسم مدى غزارة وتنوع وتعددية الاتجاهات الشعرية فى مجلة (( الفكر )) عبر عشرياتها الثلاث، فان تميزت العشرية الاولى بكثافة الضغط التاريخى على الافكار متمثله أساسا فى معركتى الاستقلال والجلاء فان العشرية الثانية كانت المنطلق الحقيقى للنضج الابداع وطرق أبواب الحداثة ، أما العشرية الثالثة فقد وصفها الباحث بفترة شعر الغصب والنقمة واليأس وقد ناقش هذا البحث كل من رياض المرزوقى ومحسن بن حميده وأحمد فضل شبلول وحسنى سيد لبيب ومحمد العروسى المطوى ، ومحمد خليفة التونسى ، وده. سلمى الجيوسى ، وده.حياه جاسم محمد ، وعبد السلام المسدى ، والحبيب الشاوش ، ومحمد كمون ، وعبد الحميد الزاهى ، ونور الدين بلقاسم ، وعبد المنعم خفاجى ، وعبد الرحمان مجيد الربيعى ، و ده . نعمات أحمد فؤاد ، ووديع فلسطين . وتمحورت التدخلات بالخصوص حول أسباب التقسيم العشرى الذى لجأ اليه الباحث والعلاقة بين العامية والفصحى والحداثة والاعتراض على قصيدة النشر وأزمة الشعر العربى عموما . ثم ألقى محسن بن حميده والهادى عبد الملك قصدتين تحية لمجلة (( الفكر )) فى عيدها الثلاثين ليختم الجلسة الاستاذ البشير بن سلامه بجملة من التوضيحات تتعلق بغايات (( الفكر )) وأهدافها السامية وعلاقتها بالحركة الفكرية العربية عامة وسعة صدرها وصبرها .

الجلسة الثانية قدم فيها أبو يعرب المرزوقى بحثا حول الاتجاهات الفكرية فى مجلة (( الفكر )) ، تعرض فيه بالخصوص الى تصنيف لأعداد المجلة مع ربطها بالاتجاهات الفكرية التى طغت عليها وتحديدها مع ابراز أهم خصائصها وقد ناقشه الاساتذة : رياض المرزوقى ومحمد صالح المراكشى وعبد المجيد البدوى ومحمد كمون والحبيب الشاوش وأحمد العايب وعبد السلام المسدى  348                                 140

وسعيد فرحات وخليفة التونسى وأحمد الشرفى قبل أن يأخذ الدكتور صالح جواد الطعمة الكلمة فيقدم تحليلا حول البعد العالمى فى مجلة (( الفكر )) .

وتلاه جمع من الشعراء والباحثين بقصائد ودراسات .

فى الجلسة العلمية الثالثة والأخيرة قدم الاستاذ الطاهر ڤيڤه بحثا حول القصة فى مجلة (( الفكر )) حاول فيه الاتيان على أغلب خصائص الرواية والقصة بمجلة (( الفكر )) ، معتمدا على الاساس الزمنى فى المقام الاول . وقد عابت عليه الدكتورة حياة جاسم ذلك ايمانا منها بأن الخصائص الفنية هى المنطلق الامثل لتحديد مميزات العطاء القصصى وأشكاله أما البحث الثانى المبرمج بهذه الجلسة فيتعلق بالنقد فى مجلة (( الفكر )) قدمه الاستاذ الحبيب الشاوش مستعرضا فيه ملامح الممارسات النقدية المنشورة بالمجلة ، وقد ساهم فى مناقشة البحثين المقدمين كل من نور الدين بلقاسم ، أبى القاسم محمد كرو ، حياة جاسم ، قمر الكيلانى ، فتحي التلمودي ، محمد العروسى المطوي ، صالح جواد الطعمة والسيد العيارى . واستمع المشاركون الى قصائد ودراسات قدمها عبد الهادى التازى ، لميعة عباس ، ناجية ثامر ومختار الوكيل . وألقى السيد البشير بن سلامه كلمة ختامية تناول فيها مجددا بعض ملامح مسيرة مجلة (( الفكر )) معرجا على قضية الشخصية التونسية التى لم يفهم بعض النقاد مدلولها اذ هى دعم للشخصية ومدى اهتمام مجلة (( الفكر )) باللغة العربية .

وكانت الخاتمة سهرة مع الاستاذ محمد مزالى حضرها الضيوف والاصدقاء ، وحلق عبر فضاءاتها نغم الذكريات الجميلة والعهود الحلوة ، والأصرار على التواصل والامتداد . وبرز (( الانسان الملحمى )) فى مسيرته نحو الخلق والبناء والتشييد بعزيمة أقوى واصرار أشد .

كلمة رئيس اللجنة الثقافية :

هذا نص الكلمة التى القاها الاستاذ د. محمد الطالبى رئيس اللجنة الثقافية القومية فى افتتاح الاحتفال بالذكرى الثلاثين لصدور مجلة (( الفكر )) وذلك يوم الاثنين 1985/10/7 بقصر المؤتمرات :

انه يسر اللجنة الثقافية القومية ، فى افتتاح هذا الموسم الثقافى الجديد ، ان تحتفل بمرور ثلاثين سنة عل تأسس مجلة (( الفكر )) على يد الاستاذ محمد مزالى .

لقد سبقت مجلة (( الفكر )) مجلات عديدة صارعت من أجل الحفاظ على الذاتية الثقافية التونسية ، وقدمت خدمات جليلة ، لكنها - لاسباب عديدة - لم ترزق طول النفس ، فافل نجمها ولم يكتب لها ان تعمر طويلا .

وقد ولدت مجلة (( الفكر )) بولادة الاستقلال ، فكتبت صفحة جديدة فى تاريخنا الفكرى ، والادبى والثقافى عموما ، مواكبة كل الاحداث ، محللة لكل قضايانا المصيرية . وهذا ما دعانا إلى الاحتفال بمرور ثلاثين سنة على ميلادها .

وقد كتب لها الدوام ، فلم تختف ساعة ، ولم تتأخر يوما عن موعدها . وهكذا أصبحت مجلة (( الفكر )) سجلا ثمينا وأمينا للادب والثقافة التونسية ومرجعا أساسيا لا غنى عنه للباحثين وللمثقفين عموما . فمنها قد انطلقت دراسات جامعية عديدة ، وحولها كتبت الصحف والمجلات ، وفى المعرض الذى أعددناه أحسن شاهد على ذلك .

واذا ما حققت مجلة " الفكر " الاهداف التى من أجلها بعثت ، واذا ما واصلت السير في الطريق التى لها رسمت - ولا تخلو طريق من عوائق وعقبات - فذلك يرجع أساسا الى عزيمة مؤسسها ومديرها وما وجده من اخلاص وثبات من طرف رئيس تحريرها . فلم تثن الاستاذ محمد مزالى المسؤوليات الجسام التى تحملها وما يزال يتحملها عن البقاء وفيا لـ (( الفكر ))، ولم يمنع ثقل المسؤولية وعديد الشواغل الاستاذ البشير بن سلامه من اصدار المجلة فى حينها . ولم يكن ليتأتى كل هذا لولا الايمان بالفكر وقداسة الثقافة الى حد التفانى ونكران الذات .

فالى المسؤول الاول عن الثقافة ، الى الاستاذ البشير بن سلامه أحيل الكلمة مع جزيل الشكر لما وجدته اللجنة الثقافية القومية لديه من مساعدة فى كامل مراحل تنظيم هذه الاحتفالات .

ثم ألقى وزير الشؤون الثقافية كلمته ( انظر الصفحتين : 138-139 ) .

تحية الى مجلة (( الفكر )) فى عيدها الثلاثين :

تحت هذا العنوان راسلنا د. أحمد عبد السلام بالكلمة الرقيقة التالية : ان احتفال مجلة (( الفكر )) بالذكرى الثلاثين لصدورها يقتضى ان نهنئها بطول النفس وان ندعو لها بامتداد العمر حتى تعمر الاحقاب تلو الاحقاب .

وما منيت به غالب المجلات الادبية التونسية خاصة والعربية عامة من قصر مدة صدورها من شانه ان يزيدنا استبشارا بدوام (( الفكر )) هذه السنوات الثلاثين فى مسيرتها المنتظمة .

وهذا الاستبشار الذى يشاركنى فيه جمهور قراء (( الفكر )) فى تونس وفى كامل الوطن العربي ليقترن عندى بذكرى التفاؤل الذى احاط بالخطوات الاولى لمجلة (( الفكر )) ، اذ كانت الاعوام الاولى من حياتها هى مطلع الاستقلال السياسى لتونس ، فواكبت المجلة تطلع المثقفين التونسيين الى ادب حر اصيل والى ثقافة تناسب مطامح المناضلين فى هذا الوطن المكافح النبيل ، فحوت المجلة العديد من

المقالات واجرت مختلف الاستفتاءات عن مستقبل الثقافة والتعليم وعن عموم مسالك الابداع وعلاقات المبدعين بالجمهور ، ففتحت بذلك صفحاتها الى مختلف الاتجاهات والاراء التى ظهرت بتونس بفضل نهضة الاستقلال .

والامل اليوم وطيد فى ان تواصل مجلة (( الفكر )) هذه المسيرة بنفس العزم وبنفس الفتوة .

ومن بلغ الثلاثين مازال فى الحقيقة شابا

* حديث الفعل باللغة الإيطالية :

فى اطار سمت بين ارجائه روح الفكر الانسانى الخالد ، و بحضور العديد من رجالات الادب والثقافة والسياسة وبعض الاكادميين من تونس وايطاليا، تسلم الاستاذ محمد مزالى ، الوزير الاول نسخة من كتاب ((حديث الفعل)) مترجما الى اللغة الايطالية ، اعترافا بالجميل وتقديرا عدميا لمفكر قدم للثقافة الانسانية أجل الخدمات وأعطى لمفهوم العمل السياسي بعده الاخلاقى السامى، وقد حضر هذا الحفل الوفد التونسى المرافق للسيد محمد مزالى فى زيارته لايطاليا مع مطلع النصف الثاني من شهر أكتوبر 1985 . علما وأن الاستاذ فرنسيسكو قبريالى عضو المجلس العلمى لبيت الحكمة هو الذى قدم الكتاب ومؤلفه للحاضرين .

* الميز العنصرى يشنق شاعرا افريقيا :

نفذت سلطات الميز العنصرى بجنوب افريقيا فى الثامن عشر من شهر أكتوبر 1985 حكم الاعدام شنقا فى الشاعر الافريقى المناضل (( بن يامين مولويز )) الذى لم يتجاوز الثلاثين من عمره ، وقد جاء هذا الحكم العنصرى الغادر ضد الشاعر الافريقى المتعاطف مع (( المجلس الوطنى الافريقى )) وهى المنظمة التى تناضل من أجل حقوق المواطنين السود فى جنوب افريقيا ، يؤكد من جديد مدى بشاعة الارهاب الذى تمارسه السلطات العنصرية المتحالفة موضوعيا واستراتبيا مع الصهيونية العالمية . ولم تكن النداءات العديدة الصادرة عن المنظمات الانسانية والفكرية للعفو عن الشاعر المناضل (( بن يامين مولويز )) لتمنع حكومة بريتوريا من ارتكاب جرمها الفظيع .

الدكتور عيسى الناعورى فى ذمة الله :

تنعى مجلة (( الفكر )) أحد اصدقائها الاوفياء فقيد الادب والفكر والعلم الاستاذ د. عيسى الناعورى ، رئيس مجمع اللغة العربية بالمملكة الاردنية الذى وافته المنية فجأة وهو يستعد للاحتفال بمرور ثلاثين سنة على تأسيس مجلة (( الفكر )) التى عاش ملحمتها مساهما لا يبخل عليها بالراقى من ابداعاته.

برد الله ثراه . . وتغمده بوافر رحمته وجميل غفرانه .

اشترك في نشرتنا البريدية