الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 8الرجوع إلى "الفكر"

الرياضة في بداوة العرب وحضارتهم

Share

قد برهنت التجربة على تألق نجم كل أمة عنيت عظيم العناية بالرياضة ووجهت شبابها الى التبارى فى ميدانها والتنافس فى رهانها . كيف لا والرياضة كيفما كان نوعها ما زالت ولا تزال رائد الحياة الهنيئة الكفيل بجلب السعادة لمن ينشدها فى هذا الوجود ويتفهم خصائصها ومزاياها وآثارها في نمو الاجسام ونضارتها ويهجتها وجسامتها فتبدو وضاءة نيرة وتصفو مجاريها الدموية وتتمرن العضلات وتشتد ويقوى كل عضو من اعضاء البدن فيصادم كل علة تهاجم الجسم النحيل الضاوى الذى لا يقوى على مقاومتها ولا تتخلص من ويلاتها الا بالدم النقى النابض الفياض بالحيوية المتدفق بالنشاط والمرح ولا يمكن ذلك الا بترويض الجسم . وما الحياة الحيوانية الا قبس من الرياضة البدنية التى عرف الانسان لها مزاياها فأقبل على الكرع من سلسبيلها الصافى والارتواء من معينها الذى لا ينضب لنا معين . وانك لا تكاد تقرأ هذه الحقائق فى وجوه الرياضيين فمن اعتاد التروض عظم نشاطه وقوى جسمه وحسن ما يأتيه من عمل ومن آثر الراحة والخمول والخمود والجمود وقاطع الحركات الرياضية لاحت عليه سيما الفتور وغزاه الانحلال وهيمن عليه الضعف وهدده الانهيار . وآثار الاقدمين ناطقة والتجربة شاهدة والاخبار متظافرة .

وقد عرف العرب الرياضة قبل الاسلام وبعده ومتن اللغة والقضايا التى نسوقها فى هذه العجالة حجج ناطقة وبراهين قاطعة لا تقبل الطعن بحال وقديما تقدم عمر بن الخطاب رضى الله عنه الى المسلمين بالوصية التالية :

علموا اولادكم العوم والرماية ومرؤوهم أى روضوهم فليثبوا على الخيل وثبا . وقد أكثر شعراء العربية فى القديم من التنويه برياضة الفروسية التى هى من أروع شعب الرياضة وقد قيل فى هؤلاء الفرسان والخيل :

الثابتين فروسة كجلودها                     فى ظهرها والطعن فى لباتها

العارفين بها كما عرفتهم                     والراكبين جدودهم أماتها

وفكأنها خلقت قياما بحقهم                كانهم ولدوا على صهواتها

ان الكرام بلا كرام منهم                   مثل القلوب بلا سويداوائها

وقد عرفت العرب ضروبا من الرياضة عريقة فى التروض وبعيدة الاثر فى الفن الرياضى من مظهر ومنظر واثر فعال . عرفت العرب العدو فتقوت به على الامم وضربت المثل بعدائيها فقالوا اعدى من السليك : والسليك هذا

طاردته كتيبة من الجند على الجياد والخيل المسومة مسافة طويلة المدى فعجزت عن ادراكه واللحاق به طيلة يومين وقالوا اعدى من الشنفرى وأعدى من تأبط شرا وهو القائل يفخر برياضته وبراعته فيها وحذقه بالتزحلق الذى هو من اروع ضروب الرياضة :

اذا المرء لم يحتل وقد جد جده                      أضاع وقاسى أمره وهو مدبر

ولكن أخو الحزم الذى ليس نازلا                  به الخطب الا وهو للقصد مبطر

فداك قريع الدهر ما عاش حول                    اذا سد منه منخر جاش منخر

أقول للحيان وقد صفرت لهم                      وطابى ويومى ضيق الحجر معور

هما خطتا اما اسار ومنة                            واما دم والقتل بالحر أجدر

وأخرى اصادى النفس عنها وانها                 لمورد حزم ان فعلت ومصدر

فرشت لها صدرى فزل عن الصفا                 به جؤجؤ عبل ومتن مخصر

فخالط سهل الارض لم يكدح الصفا             به كدحة والموت خريان ينظر

فابت الى فهم ولم أك آبيا                        وكم مثلها فارقتها وهى تصفر

ألا ترى الى هذا العربى (الرياضى) ذى الصدر الضخم والمتن الدقيق كيف توصل بأفانينه الرياضية الى التزحلق من جبل شاهق يحاصره فيه خصومه فلم ينالوا منه منالا لانه دقيق الفهم فى أساليب الرياضة فعرف كيف يلقى بنفسه من ذلك الشاهق بعد اليأس من النجاة ووصل الى الارض سالما وهل نجا الا بتمرنه على الرياضة وحذقه للتسلق والنزول بطريقة الزحلقة ؟ كما عرفت العرب من ضروب الرياضة التسابق أو المسابقة : قال الله تعالى فى التنزيل الحكيم حكاية عن اخوة يوسف عليه السلام :

( قالوا يا أبانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا ) والسباق أن يتكلف كل واحد منهم أن يسبق غيره فالاستباق تكلف السبق وهو الغرض فى المسابقة . ولا تزال المسابقة التى ذكرها التنزيل الحكيم من ارقى شعب الرياضة التى يحافظ الرياضيون عليها فى كل يوم لهذا العهد .

وأهم ما كانت العرب توجه له عنايتها من الرياضة فن الرمى الذى كان تعلمه من الفروض الاكيدة على كل قادر لحماية الاوطان من الغارات من الملك الى الصعلوك . واساطين الثقافة وايمة المعرفة على اختلاف العصور

قال أمية بن أبى الصلت الحكيم الاديب الذى كان يعيش بمدينة المهدية بتونس على العهد الصنهاجى المتوفى سنة 521 ودفين المنستير :

كنت مع الحسن بن على بن تميم بن المعز بن باديس بالمهدية فى الميدان وقد وقف يرمى بالنشاب فصنعت فية بديها :

يا ملكا مذ خلقت كفه                  لم تدر الا الجود والباسا

ان النجوم الزهر مع بعدها              قد حسدت فى قربك الناسا

وودت الاملاك لو انها              تحولت تحتك أفراسا

كما تمنى البدر لو انه             عاد لنشابك برجاسا

قلت والبرجاس غرض يعلق ويرمى فيه .

من فنون الرياضة المعروفة عند العرب اللعب بالكرة فقد كان شائعا بين السوقة وحتى الملوك ( فى ميادين خاصة ) قال ابن خلكان فى الوفيات فى ترجمة أبى الفتح موسى بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أبى أيوب الملقب بالملك الاشرف المتوفى سنة 635 ه ما نصه :

ورأيت الكامل والاشرف ( ملكين مسلمين ) وكانا يركبان معا ويلعبان بالكرة بالميدان الاخضر الكبير كل يوم فى رمضان الخ .

المباراة الرياضية فى حضارة العرب :

وعلاوة عما تقدم فقد كان للعرب رجال عمالقة يرصدونهم لمن يحاول منافستهم أو التحكك بهم بابتكار ضروب غريبة من الرياضة فى تحريك الاجسام الثقيلة كما وقع ذلك على عهد مؤسس الدولة الاموية بالمشرق ( بدمشق ) فقد حكى المبرد أن ملك الروم فى أيام معاوية ( بن أبى سفيان ) وجه اليه ان الملوك قبلك كانت تراسل الملوك منا ويجهد بعضهم ان يغرب على بعض أفتأذن لى فى ذلك ؟ فأذن له فوجه اليه برجلين احدهما طويل جسيم والاخر آيد ( أى قوى ) فقال معاوية لعمرو بن العاص اما الطويل فقد أصبنا كفؤه وهو قيس بن سعد بن عبادة واما الايد فقد احتجنا الى رأيك فيه فقال عمرو ههنا رجلان كلاهما اليك بغيض ؟ محمد ابن الحنفية وعبد الله بن الزبير قال معاوية من هو أقرب الينا على كل حال . فلما دخل الرجلان وجه الى قيس بن سعد بن عبادة يعلمه فدخل قيس فلما مثل بين يدى معاوية نزع سراويله ورمى بها الى العلج فلبسها فبلغت تندونه فاطرق مغلوبا فقيل ان قيسا ليم فى ذلك وقيل له لم تبذلت هذا التبذل بحضرة معاوية ؟ فقال :

أرددت لكيما يعلم الناس أنها                    سراويل قيس والوفود شهود

وان لا تقولوا غاب قيس وهذه                 سراويل عادى نمته نمود

انى من القوم اليمانين سيد                      وما الناس الا سيد ومسود

وبد جميع الخلق اصلى ومنصبى                 وجسم به اعلو الرجال مديد

ثم وجه الى محمد بن الحنفية فدخل فخبر بما دعى اليه فقال قولوا له ان شاء فليجلس وليعطنى يده حتى أقيمه أو يقعدنى وان شاء فليكن القائم وأنا القاعد فاختار الرومى الجلوس فأقامه محمد وعجز هو عن اقعاده ثم اختار أن يكون محمد هو القائم فجذبه فأقعده وعجز الرومى عن اقامته فانصرفا مغلوبين وهذه الوثيقة التاريخية تبرهن عن مدى الاتصال والعلائق بين الامم فى القديم فى الشؤون الرياضية وتعرف عن شغف واستهامة بها كانها فطرية فى الانسان ينبعث اليها بدون ادنى تكلف او اجهاد .

اشترك في نشرتنا البريدية