وقفنا فى القسم الاول من هذا الفصل عند قول المؤلف ) سافرت بعدها الى امريكا فى يوليو سنة ١٩٣٢ م ووصتلني اوراق الاعتماد وانا فى نيويورك . . وقمت بعرض هذا الطلب ) أى طلب استثمار الاراضى فى البلاد السعودية ( على معظم شركات التعدين والزيت ثم اورد المؤلف قصة الزيت (
قال المؤلف :
وفى الوقت الذى تقدمت بعرض مشروع الزيت على شركات التعدين فى الولايات المتحدة ، بلغني ان ثمت عددا من الشركات كانت تحاول احباط مسعاي بدعوى ان المشروع ما هو الا مضاربة تجارية مجهولة ، لانهم لم يكونوا يعرفون شيئا عن البلاد السعودية ، والبعض كانوا يظنون انني أقصد بمشروعي هذا شركات خاصة لها مصالح فى آسيا وافريقيا .
ثم فكرت في الاتصال بشركات الزيت مباشرة ) لان المؤلف كان يعرض المشروع فى اول الامر على شركات التعدين عامة ( وأشار على صديقي ر . غورد ون وكر ، الخبير في المعادن ان اولى وجهى تلقاء مدير شركة ) تكساس ( تيري فذهبت اليه ، وبعد مقابلة ودية فاتحته فى الموضوع فطلب منى مهلة ايام ثم أعود اليه بعدها . وعدت اليه بعد انقضاء المهلة المقررة فأبدى أسفه لعدم موافقة رجال الشركة على قبول العرض . ونصحني بأن اعرض الأمر على شركة الشرق الادنى وشركة ستانتدارد بكليفورنيا للزيت فهما قد تقبلان هذا العرض . وبناء عليه اتصلت اولا بمكتب شركة الشرق الادنى واجتمعت بسكرتيرها المستر ستيوارت مورجان وبجيولوجيها المستر نورفال باكر فابديا شعورا طيبا نحو الفكرة والعرض الذي تقدمت به اليهما . وكان المستر نورفال يهتم جدا بالناحية الجيولوجية ، وانتهى الاجتماع بوعد من السكرتير انه سيعرض الأمر على الشركة ثم يخبرني بالنتيجة . وقد افادني كذلك ان شركة العراق للبترول كانت اصلا لشركتهم وكانت من اقوى الشركات الزيتية فى العالم ، وقد افهمت المذكور أنني
لم يكن لى فى الموضوع شئ غير الوساطة وانه لا ناقة لي فيه ولا جمل .
ثم اتصلت كذلك برجال رسميين تابعين لشركة الخليج للزيت ومديرها المستر جي استيفن وبحيولوجيها المستر ميكر ، وكنت قد شرحت لهما ملاحظاتى عن هذا المشروع ونحن فى نيويورك ، وبناء على إرشادهما ذهبت الى المركز الرئيسي للشركة وتكلمت مع الدكتور هيلد وشركائه فى الموضوع طويلا وسألتهم عن آرائهم فى المفاهمة الاولية التى حصلت بيني وبين رجال شركة العراق ، فقالوا ان تلك الشركة حسب ما يتبادر الى ظنهم لا تتداخل فى مشروع كهذا ، وعلى كل حال فادارتها لا بد ان ترفع تقريرها فى الموضوع .
وقد تأكدت من ظنهم بعد عودتى الى نيويورك فقد ابلغتني الشركة ان ظروفها لا تساعد على قبول هذا العرض . وبعد هذا اليأس بمدة قصيرة دعاني ممثل شركة ستانتدارد بكاليفورنيا الى مكتبه بنيويورك حيث تفاهمت مع مندوب الشركة الجيولوجى فى المعلومات الجيولوجية عن البلاد السعودية ثم قال لي المندوب ان لها نظرا فى قبول هذا المشروع . ثم اجتمعت بالمستر لوميز من رجال هذه الشركة فى مكتبه وبحثنا هذا الامر مليا ، واتصلت بعد ذلك بالمكتب العام للشركة بسان فرانسيسكو ، واخيرا و بعد هذه المقابلات والاتصالات ، وبناء على نصيحة . المستر م ا. لومباردى للشركة بقبول هذا العرض وضعت شركة استاندارد قرارها الاخير لفتح باب المفاوضة على اساس قبول امتياز استخراج الزيت في البلاد السعودية . وقد اثنى كثير من رجال شركات الزيت على بعد نظر المستر لومباردى - بعد ما رأوا فوائد هذا الامتياز واعتبروا استشارة الشركة لمثل هذه الشخصية والاستنارة بآرائه فى الموضوع دليلا على حسن حظ هذه الشركة .
بعد هذه الخطوات الاولية توجهت يوم ١٣ يناير سنة ١٩٣٣ م الى لندن حيث اجتمعت بالمستر لومباردى شخصيا ، وبالمستر هاملتون وزجته وكان قد عهد إلى المستر هاملتون بكتابة شروط الاتفاقية ، مع ملاحظة جميع الحقوق القانونية للطرفين ، وكنت كوكيل عن البلاد السعودية ادلى بمعلومات عن البلاد السعودية وحدود الاراضى . ووقع الاتفاقية المستر هاملتون نيابة عن الشركة وعن المملكة العربية السعودية الشيخ عبد الله السلمان وزير المالية .
وانجزت المراحل الاخيرة لمفاوضات الامتياز بجدة فى قصر خزام يوم٢٩مايو ١٩٣٢م ٠ وكان المترجم بين مندوبي الشركة ورجال الحكومة السعودية الشيخ نجيب ابراهيم .
ثم قدمت الشركة طقوما من اقلام الجيب لجميع الذين اشتركوا فى المفاوضات واكتفت بذلك عن أية هدية اخرى ذات قيمة كبيرة
وبعد الانتهاء من التوقيع على الاتفاقية سافر المستر هاملتون الى بلاده وطلبت الشركة أمني ان اتريث فى جدة حتى تخطو الاتفاقية خطوتها الاولى ، وكان من الخطوات الاول فى المشروع دفع ثلاثين الفا من الجنيهات الذهبية للحكومة السعودية بوساطة البنك الهولندى وقد دفع المبلغ يوم ٢٥ اغسطس سنة ١٩٣٣ م
وكان دفع هذا المبلغ دليلا آخر على بعد نظر رجال الشركة وفي مقدمتهم مستشارها المستر لومباردى ، وقد دفع هذا المبلغ رغم الكساد والشدة التى كان الامر يكيون يقاسون آلامها فى تلك الايام وكان كل فرد منهم غارقا فى بحار من التشاؤم واليأس ، أما رجال الشركة فقد كانوا يحتفظون باعتمادات عظيمة لحفظ توازن مشروعاتهم .
ثم تكون فرع خاص للشركة للقيام باعمال البحث والتنقيب فى البلاد السعودية وعرف هذا الفرع فى مبدأ الأمر بشركة استاندارد كاليفورنية العربية للزيت ثم تغير اسمه وعرف باسم شركة الزيت العربية الامريكية وكانت الاسهم موزعة بين شركة استاندارد وشركة تكساس الاميريكيتين . وشروط الاتفاقية تكاد تكون موافقة لشروط شركة الزيت بالعراق ونشرت هذه الشروط فى الجريدة الاسبوعية الحكومية ) ام القرى ( . -
بعد ان تسلمت الحكومة السعودية أول دفعة مالية بموجب الاتفاق من الشركة قمت بجولة في البلاد السعودية مخترقا البلاد من الغرب الى الشرق حتى وصلت الى البحرين ، واجتمعت هناك بالمستر سكتز المدير العام للشركة وكان منهمكا فى اعداد الاجهزة اللازمة والاشخاص للبدء فى اختبارات جيولوجية تمهيدية فى ارض الامتياز بالبلاد السعودية التى تقدر مساحتها بما يقرب من ) ١٤٠ ( الف ميل مربع .
وكان الجيولوجيون الاولون الذين قدموا إلى البلاد السعودية هم ) ه. ب. ملر ( الرئيس ويرافقه اثنان وهما ) س . ب . هنرى ( و ) س . هوفر ( ورافقتهم لاقوم
بدور التعارف بينهم وبين رجال الحكومة السعودية الرسميين فى الاحساء ومساعدتهم فى استئجار مراكز لهم فى الجبيل والهفهوف وفي اخراج امتعتهم وما معهم من الادوات والآلات من جمرك العقير وكانوا يستصحبون معهم سيارات من ذوات الاطارات الضخمة (٢/١٥×٧ ١) مهدت لهم طريق التوغل فى الاراضى الرملية .
وقد سهلت محلات ال القصيبى المنتشرة فى جميع المدن الرئيسية ، كثيرا من شؤون التوكيلات للشركة .
وبعد وصول البعثة الجيولوجية باسبوع قام افرادها بزيارة مقر القبة الزيتية الكبرى بجبل الظهران واقامت هناك أول مخيم للتجارب والفحص والتنقيب عن الزيت ، وقد ادت تلك الحفريات الاولية إلى التأكد بان منطقة جبل الظهران ستكون من اغنى مراكز البترول فى العالم وبناء عليه زيد فى عمليات الحفريات والتنقيب والاستخراج وما هي الا مدة وجيزة إلا وقد تبدل مخيم التجارب الى مدينة الزيوت العصرية المزودة بأحدث المنازل المجهزة بآخر ما اكتشف من وسائل الراحة والاطمئنان لقيام رؤساء الشركة وعمالها . وانضم الى الشركة عدد عظيم من سكان البلاد العربية السعودية .
وكان من اعمال الشركة التى قامت بها للمصلحة العامة تطبيق نظام صحي دقيق في مدن تلك المنطقة كما قامت بفتح مدارس بالاشتراك مع الاساتذة السعوديين . وحفرت في كثير من الاراضي الصحراوية القاحلة آبارا ارتوازية يستفيد منها الخاص والعام ولو لم يكن ثمت للشركة نشاط فني . وراعت الشركة فى اختيار رجالها وعمالها الفنيين ان يكونوا اكفاء ذوى سلوك حسن لانهم يمثلون بلادهم فى هذه البلاد الغريبة بالنسبة اليهم . وعهدت حراسة مراكز الشركة ومحلاتها الى رجال الامن السعوديين .
وفي سنة ١٩٣٩ م وقعت اتفاقية ثانية لامتياز آخر اخذته شركة كلفورنيا وقد تمت مفاوضاتها بوساطة المستر دبليو . ج . ليناهن . وكان ممثلا لشركة الزيت بجدة وتشمل هذه الاتفاقية الجديدة جميع المنطقة الرواسبية من حدود منطقة الامتياز الاولى فى الناحية الغربية من الدهناء الى منطقة الصخور النارية حيث لا يحتمل وجود الزيت فيها . وكانت هذه الاتفاقية الثانية كضربة قاضية على الطلب الذي تقدم للحكومة السعودية من جانب اليابان بمعاونة الوزير الايطالي سلتي أو برأى منه على الاقل . وليس
بعيدا ! إن الوزير الالماني ) فريستر جرو به ( بذل الجهد فى مساعدة اليابان فى طلبها وقد كان هذا الوزير الالماني في تلك الايام بالعراق فطلب من العراق الى جدة . وكانت الشروط التى قدمت من قبل اليابان - لاستثمار اراضي هذه البلاد - شروطا في غاية من الاغراء والتساهل وتكاد تكون شروطا خيالية لا تدل على انها ترمى الى الاستفادة بالمصالح التجارية بل كان الهدف الذى تقصده هو تثبيت الاقدام فى اراضي هذه البلاد باسم الاستثمار .
وقد رفض جلالة الملك ابن السعود لعمق تفكيره وحصيف رأيه الطلب الياباني رفضا باتا وأثبتت الايام التى جاءت فيما بعد وهي ايام الحرب العالمية الثانية بعد نظر جلالته وحكمته ؛ فقد استفادت البلاد من شركة الزيت والتعدين في اوقات الحرب العصيبة التى انقطع فيها الحجاج عن البلاد ونقصت الموارد . كما استفادت البلاد من الشركة فى توفير المياه فى كثير من المناطق الصحراوية وفي الخرج وفى مسح اراض كثيرة ومنها ما يقع بين نجد والعراق واستشارات فنية واقتراحات علمية وآراء حديثة لرفع مستوى البلاد العمراني . واخيرا جاء مشروع مد انابيب الزيت عبر البلاد السعودية من ساحل الخليج الفارسي الى ساحل البحر الابيض كاجابة لرغبة كثير من الامريكين ، اما اصحاب الشركة التى تعمل فى البلاد السعودية والبحرين فلم يكن رأيهم ان يروا مصبا لزيتهم على ساحل البحر الأبيض .
وقد طلبت من الشركة - رغم كراهية بعض الامريكين تدخل حكومتهم فى المشروعات التجارية الخاصة - ادخار مليون برميل من الزيت باسم البحرية الامريكية بسعر اقل مما يباع به فى الاسواق التجارية ب ٢٥ % ، ولو اخذت هذه الكمية من الزيت بسعر الوقت الحاضر وهو دولار واحد عشر سنتا ، لتكون من مجموع ثمن المدخر من الزيت ) ٢٧٧،٥٠٠٠٠٠ ( . أى ما يعادل تقريبا ضعف ما اقترحته الحكومة الامريكية لتغطية مصاريف الانابيب المقدرة .
هذا وقد ثبت جيولوجيا وجود كميات هائلة من الزيت في منطقة البقيق والدمام وفي ابي حدرية وأم عقلة
وفي سنة ١٩٤٣ م قدر الجيولوجي الخبير ) ا. ل . دى جوليه ( كميات الزيت الموجودة تحت الارض فى هذه المنطقة بمليونين من البراميل . وذكرت تقارير اخرى نشرت فى مجلة ) فورتشيون ( فى شهر يونيو سنة ١٩٤٤ م ان الكمية الموجودة من الزيت تحت سطح هذه المنطقة تتراوح بين اربعة او خمسة ملايين من البراميل وأما الكمية المحتمل وجودها فتقدر بعشرين بليونا احمد على
