مسرحية في خمسة مناظر
الاشخاص
الراوى حمدان : قائد الفرقة عدد 9 للمقاومة مثقف حامد سعيد رضوان اعضاء الفرقة مثقفون مسرور : عضو الفرقة فلاح بسيط غير مثقف زينب : بدوية لا يتجاوز عمرها عشرة اعوام ضابط فرنسي فوريان جرمان ملازمان فرنسيان الحارس : جندى فرنسي
فى احد جبال الوسط التونسى فى سرداب يكاد يكون أظلم . . . حمدان وحامد ومسرور وسعيد ورضوان حول مائدة عرجاء . . . على كراسى نصف بالية . . . على المائدة مصباح ضئيل ترقص نوره ريح لطيفة فترسم على حيطان السرداب ظلالهم فى صور اشباح غريبة . . . بأحد اركان السرداب صناديق مرصوفة فى غير نظام يلوح عليها ثقل الرصاص منتصبة كالهة الاولين . . .
على باب السرداب جندى حامل رشاشة وجهه ملثم وقدمه ثابتة . . فى سكون الصخرة وصلابتها . .
حمدان - نحن هنا منذ زمان . . مضت علينا ايام كالاعوام قالوا لنا انطلقوا الى الجبل وسوف تلحقكم الاوامر
سعيد - والتحقنا بالجبل
حامد - ونحن بالجبل منذ . . أيام . . أيام طوال - نحن عاطلون منذ زمن . . .
رضوان - تركت مكتبي وكل ما به والعمل الذي كنت احبه وأقوم به فى فرح وارتياح . . .
حامد - كيف يمكنك ان تشعر بالفرح والارتياح والخطر ورصاص العدو ووجوههم المشؤومة على باب مكتبك . .
رضوان - ما كنت لاعبأبهم قط او لاحسب لرصاصهم حسابا .. لقد رايتهم مرارا من نافذة مكتبي ينذعرون لمرور قط أو لسقطة حجارة حقيرة فترتجف الرشاشة فى ايديهم كانها من رقيق الخيزران أو كانما رزحت تحت ثقلها يد امراة . . .
مسرور - رأيت هذا يارضوان .
رضوان - رأيت اعجب من هذا يا مسرور . . . رايتهم يسددون افواه رشاشياتهم الى الشيوخ والعجائز والصبيان رايتهم ينبطحون كاروع ما يكون الانبطاح لمجرد طنين ذباب . . فهم ينسون ان ليس لنا قاذفات .
مسرور - فكيف يكون الامر لو كان لنا قاذفات
رضوان - لايكون خلاف ذلك ولا اعظم ولا امر . . فهم رهن تخيلاتهم لانهم يتلقون الاوامر ولا يفقهون لانهم مفطورون على الطاعة العمياء والذل الذليل . . . لانهم لا يعرفون لعملهم غاية ولا لتضحيتهم تعليلا فهم مقادون الى اقدارهم كبغال الطواحين .. واقدامهم منحصرة في دائرة . . . دائرة خبيثة ليس لها بدء
وليس لها نهاية فكل نقطة منها بدء ونهاية معا كل نقطة منها مصيرهم . .. ومصيرهم حزن وألم وذعر . . . وأشباح تطغى على عقولهم . . ان بقى لهم عقول
مسرور - والله لم اعد افهم عنك يارضوان
سعيد - وما الفائدة فى ان تفهم يا مسرور وانت رجل العمل . . .
مسرور - لكنى أريد ان افهم . . اتوسل اليكم ان افهم . . .
حامد - لو فهمت الآن لما كنت اصدقنا عزما . . . واقدرنا عملا و . . .
مسرور - واضعفكم فهما واقلكم غوصا . .
حمدان - ( آمرا ) - هو الايمان يا مسرور وسوف تعلم يوما .
مسرور - ( كالمتتحدث الى نفسه ) سوف اعلم يوما . . سوف اعلم يوما . . لابد ان اعلم يوما . .
حمدان - وانا لقد تركت زوجتى العزيزة وبنتى الصغيرة ولا ادرى ما فعلت وما صنعوا بهما عندما انتبهوا الى اختفائى . . .
حامد - فهم لا ينتبهون الى العظائم ماداموا مهتمين بالصغائر .
حمدان - الاتذكر ما صنعوا بزوجة مسعود عندما اختفى مسعود وعجزوا عن الحصول عليه . . .
مسرور - ماصنعوا بزوجة مسعود يا حمدان .
حمدان - اتوها ليلا الى منزلها وسألوها عن مسعود فقالت انها لا تعلم عنه شيئا فلم يصدقوها وما تريد أن تقول لهم وهى لا تعلم لماذا اختفى ولا اين ذهب ولا متى يعود ان كانت له عودة . . لكنهم ظنوا انها تعلم كل شئ فاخذوها معهم الى مركزهم .
مسرور - ولم اخذوها الى مركزهم وهى لا تعلم شيئا
حمدان - أخذوها . . ليعلموا منها مالا تعلم . . ولانها كانت شابة وجميلة .
مسرور - أتظن أنهم . . .
حمدان - حبذا . . . لو كان ظنا يا مسرور . . . لكنهم ما كادوا يدخلون مركزهم حتى جردوها من جميع ثيابها وهى تبكى وتنتحب وتحاول أن تستر عورتها بيديها . . . ثم امسك احدهم بيديها
والاخر بساقيها واتى ثالث فارتمى عليها كالثور . . . وانطلقوا كلهم يضحكون ويقهقهون قهقهة المجانين . . .
مسرور - أفعلوا هذا بزوجة مسعود . . .
حمدان - ولم يكتفوا بهذا يا مسرور . . . فما كادت تفيق من اغمائها حتى سألوها عن مسعود . . . وما تريد أن تقول وهى لا تعلم شيئا . . فاشعلوا السقائر واخذوا يكوون بها ثدييها . . لقد سمعت القرية كلها صراخ زوجة مسعود . . وانى لاسمعه الآن فى سكون الليل . . . صراخها المزعج اسمعت يا مسرور صراخ امراة يكوى ثدياها . . .
مسرور - أصنعوا هذا بزوجة مسعود ونحن هنا . . ساكنون . . صامتون . . .
حمدان - لا يامسرور لسنا ساكنين ولا صامتين انما نحن منتظرون
مسرور - وما ننتظر حمدان . .
حمدان - ننتظر الساعة . . ساعة الوثبة يامسرور انا بها مؤمنون . . . انها آتية لاريب فيها
مسرور - وزوجة مسعود . . .
حمدان - سنثأر لها . . وللضحايا . . ولآلاف المعذبين
سعيد - وانا لقد تركت ابي الشيخ لا يعلم من امرى شيئا . . .
مسرور - سوف يتصور الامر . . .
سعيد - لكنهم سيزورونه ويسألونه
مسرور - فيقول لهم انه لا يعلم من امرك شيئا .
سعيد - اتظنهم سيقتنعون بقوله
مسرور - سيضطرون الى الاقتناع .
سعيد - سوف يأخذونه كما أخذوا زوجة مسعود .
مسرور - لا . . لا . . فهم لا يجسرون على شيخ اشتعل رأسه شيبا . .
سعيد - أتظن ذلك . . انت لا تعرفهم يا مسرور . . سيأخذونه ويعاملونه معاملتهم للشيخ مصطفى .
مسرور - وما صنعوا بالشيخ مصطفى يا سعيد . . .
سعيد - انت تعرف الشيخ مصطفى يا مسرور ومن منا لا يعرف مؤدب القرية ومن منا لم ينحن اجلالا للحيته اللبنية الطويلة ومن منا لم ينزعج لنظرة غضبه اذا لحن منا لاحن أو هزل هازل . . هو الذى علمنا لذة التعلم وبرد الطهر والاستقامة قبل ان نتلقى شتى علوم الآخرين هو الذى حبب الينا هذه الارض الطيبة من قبل ان نشعر بوجودها ووجودنا هو يامسرور . . هو باعث الروح
حامد - اتذكر يا سعيد يوم تخاصمنا فأخفيت لوحتك تحت الحصير وعنف عليك الشيخ فامتدت يده وقبضت العصا الطويلة فما شعرت الا والعصا تهوى عليك في عنف وقسوة . . .
سعيد - سامحك الله يا حامد .
حامد - وسامح الله الشيخ مصطفى .
سعيد - ما كان الشيخ مصطفى ليعنف على لولا ما كان يضمره لنا من خير ورحمة . . كم من مرة لمحت الدمعة تترقرق فى عينه . . لقد كان يحس بما كان يصيبنا به من ألم كانه يهوى بالعصا على جسمه فيدمى قلبه وتكاد تدمع عينه . . .
مسرور - فما الذى كان يضطره اذن الى ضربكم . . .
سعيد - كان يريد بنا خيرا . . كان يريد ان يعودنا الالم لانه كان متيقنا ان سينالنا ألم عظيم . . كان شاعرا يا مسرور بمالم نكن اذ ذاك نشعر به . كان يشعر بالارض ويعلم اننا سنكون لها رويا وبذرا وزرعا كان يعلم يا مسرور انها لم تبعث ما لم تروها دماؤنا مالم نبذرها بأمواتنا . . كان يعلم كل ذلك وكان يعلم غير ذلك مما لم نكن نعلمه ولن يتاح لنا أبدا أن نعلمه . . .
مسرور - لكن ياسعيد انتم عالمون . . . عالمون . . .
سعيد - انت لا تعلم كل ما نعلم . . . ونحن لانعلم كل ما يعلم الشيخ . . . كان الشيخ مصطفى من اولياء الله الصالحين . . .
مسرور - فهمت الآن . . الشيخ كسيدى محرز وسيدى عبد السلام وسيدى . . .
سعيد - هكذا يا مسرور . . . هكذا . . .
رضوان - لقد كان الشيخ لا يبرح " كتابه " الا بعد ان نبارحه بساعات يقضيها في الصلاة وعبادة الله والاختلاء بنفسه واتذكر انى تخلفت يوما عن الخروج من الكتاب ولم ينتبه الشيخ مصطفى الى وقد انقطع الى نفسه فرأيت اغرب ما رأيت .
مسرور - وما رايت يارضوان .
رضوان - رأيت الشيخ مصطفى ينحني على تراب الكتاب فيأخذ منه حفنة يرفعها الى شفتيه . فيلثمها لثم المحموم قائلا . . ارضى العزيزة الطيبة سابعث الروح . . سأبعث فيهم وفيك الروح . . ويسقط على الارض كالصخرة مغمى عليه فما كدت أرى ذلك حتى فررت مذعورا . . . وانا الى اليوم ارتجف وتاخذنى الرعدة عندما اذكره
سعيد - ( فى هدوء ) ولقد بعث الشيخ مصطفى الروح لكن اكثر الناس لا يعلمون . . .
مسرور - ومع ذلك اخذوه . . لماذا اخذوه وما صنعوا به يا سعيد . .
سعيد - اخذوه يوم ربيع جميل وقد تبسمت نورا وزهرا ولحنا تلك الارض التى يحبها ويؤمن بأنه سيبعث فيها الروح . . . لم يكن له زوج ولا ولد . . لم يش به احد . . ولم يصدر منه اى شئ فلا ادرى لماذا اخذوه لكنهم اخذوه . . .
مسرور - امر عجيب والله . .
سعيد - يقال انهم اوثقوه على كرسى بحيث لا يقدر أن يحرك يدا ولا رجلا واخذوا يلطمونه وهو ينظر اليهم نظرة احتقار ثم اخذ احدهم كلبتين وبدأ يقتلع اظفاره واحدا واحدا والدم يسيل من يديه وهو صامت ساكن ولا ينبس ببنت شفة كأنه استحال الى تمثال لكنه كان يسحقهم بنظره الحاد الثابت
مسرور - المتوحشون . . المتوحشون . . أيمكنهم أن يصنعوا هذا بشيخ اعزل وقور ولا يستحون . . .
سعيد - واعجب من كل ذلك انهم لم يقفوا عند هذا الحد بل ما كادوا يحسون بسحق نظره حتى أحسوا بخيبتهم وصغارهم امام ذلك الشيخ فما أطاقوهما فاستولى عليهم الحنق واصابهم الكلب فارتموا عليه جميعا يشبعونه ضربا وركلا . . .
مسرور - ياللوحوش الضارية . . . ايتحمل شيخ مثله كل هذا الالم
سعيد - أجل يا مسعود . . . لقد تحمل الشيخ مصطفى كل هذا الالم ثابت الجنان فلم يسمعوا منه صيحة ولا أنه لذلك بلغ بأحدهم الحنق والجنون فاشعل النار فى لحية الشيخ مصطفى فلما التهبت قال الشيخ اشهد ان لاله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله وصمت فما سمعوا منه غير هذه الكلمات . . .
رضوان - قيل لى انه قال أيضا الحمد الله على كل حال . . .
مسرور - انه من اولياء الله . . انه لم يحس من تعذيبهم اى الم . . ان كل ذلك كان عليه بردا وسلامة
حمدان - والله انه لكذلك ان صدق ما قيل . . . ( وقع اقدام من بعيد ) ( تدخل زينب جارية ) هذه انت يازينب .
زينب - ( لاهثه ) السلام عليكم . . .
حمدان - ما وراءك يا زينب . . ما أتى بك هذه الساعة
زينب - أرسلنى أبى اذ لم يمكنه المجئ . . . ارسلني لابلغك يا سيدى حمدان هذه الرسالة ( تنزع نعلها الايسر وتخرج منه ورقة مطوية ) معذرة يا سيدى حمدان انا متاسفة على وضعها فى نعلي فما كان في ذلك لى خيار أين تريد أن اضعها لاخفيها وقد قال لى أبى حافظ عليها محافظتك على حياتك
حمدان - ( ياخذ الرسالة ) حسنا فعلت يا بنيتى لاتعتذرى وحفظك الله وحفظ أباك ( تهم زينب بالخروج )
مع السلامة يا بنيتي اقرئى أباك منا السلام وبلغيه شكرنا الجزيل . . .
زينب - سوف أفعل يا سيدى حمدان . . . مع السلامة يا سادتى ( تخرج )
حمدان - ( يفتح الرسالة ويقرأ ) مأمورية عدد 54 الفرقة التاسعة ، اغتيال القائد الاعلى للجيوش الفرنسية فى أجل لا يتجاوز الاسبوع . الامضا : قائد المنطقة حسين
رضوان - دخلنا من جديد . . وقد كنا خارجها يقتلنا الانتظار ويفنينا العطل . . اما الآن فنحن نشعر بوجودنا وبمعنى لحياتنا
مسرور - أنا أشعر الآن انى بطل .
رضوان - كلنا ابطال يا مسرور كلنا ابطال منذ لحظة الاختيار . . ليس البطل يا مسرور ذلك الشخص الذى ينظر اليه الناس من أسفل وهو على عرشه العالى منعزل قادر على المعجزات والخوارق . . . انما البطل ذلك الانسان الحائر الذى يبحث عن حقيقة لذاته وغاية لوجوده ومذهبا لسلوكه ومعنى للحياة . . فينجح ويخيب ويصعد وينزل ويفرح ويحزن ويرجس ويجمل لكنه دائب فى العمل سائر دائما الى الامام . . هذا هو البطل . . والبطل هو انا وانت يا مسرور وسعيد وحامد وحمدان . . كلنا ابطال يا مسرور .
حمدان - وعكاشة وبنته زينب وزوجة مسعود والشيخ مصطفى وكل من شارك في الصراع أو وجد فيه . . كلهم ابطال
حامد - والآن يا حمدان كيف يكون العمل . . . ان التفكير فى وسيلة تنفيذ المأمورية أوكد من هذا الحديث فليس لنا سوى أسبوع ونحن الآن امام الاوامر لا امام انفسنا . . .
حمدان - صدقت يا حامد . . .
مسرور - اتوسل اليكم ان اكون انا المنفذ . . اريد ان تثأر يدى هذه لزوجة مسعود وللشيخ مصطفى وللضحايا الابرياء ولالآف المعذبين
حمدان - لا يمكنك وحدك ان تقوم بهذا العمل . . حتى نحن جميعا لا يمكننا ذلك . . لابد لنا من وجود اعضاء بالعاصمة . . ومهما تكن وسيلة التنفيذ فلا بد من عمل جماعي يضمن لنا النجاح . .
حامد - لكننا سنكون نحن المنفذين . . المأمورية . . مأموريتنا . . ليست مأمورية الآخرين وما الفائدة فى الاعضاء والشعب كله معنا سنجد منه جميع وسائل الاعانة
حمدان - الشعب . . الشعب . . ما الشعب . . هو شئ مبهم . . كيف يعيننا ومتى وهل سيعيننا فى الوقت المناسب حينما نكون فى اشد الحاجة الى الاعانة . . لابد ان نصطفى منه افرادا يكونون على علم فلا يبخلون علينا بالاعانة . . .
سعيد - لكن ايجوز لنا يا حمدان ان نطلع على مأموريتنا احدا غيرنا انها سرنا وهى خطيرة جدا وقد يكون فى اتباع رأيك الخيبة والوبال على فرقتنا والمنطقة كلها . . .
رضوان - نحن قادرون ياحمدان على تنفيذها وحدنا متحملين مسؤوليتنا كاملة مهما كانت الوسائل ومهما كانت النتيجة . . .
حمدان - وان كان نصيبنا الخيبة
رضوان - سنكون قد حاولنا لانه لا يمكننا ان نتجاوز حدود طاقتنا وسيأتى بعدنا من يحاول مثلنا ولا تصيبه الخيبة لان طاقته اقوى وقدرته اعظم
سعيد - لكن لنسرع بالالتحاق بالمدينة وسندرس هنالك وضع الخطة المحكمة التى تكفل لنا النجاح التام . .
رضوان - نعم يجب علينا ان لا نضيع الوقت فى التفكير فيما عسى أن تكون النتيجة . نحن الآن رهن العمل الذى ترقبناه طويلا بفارغ الصبر ومهما كانت النتيجة فنحن رابحون . . . نحن رابحون لا محالة . . هيا بنا .
حمدان - لنذهب اذن والله عوننا والايمان زادنا . . فليحمل كل واحد منكم ما يحتاج اليه من سلاح ولنسر على بركة الله . . . ( يخرجون فيقف حمدان على الباب مخاطبا الحارس الملثم ) نحن ماضون فى مأمورية قد تتطلب اكثر من اسبوع فانت الوحيد الآن المسؤول عن كل ما هنا ولديك كل ما تحتاج اليه من سلاح ومؤونة وقد يأتيك منا رسول . . . افهمت . . . ( يؤدي الحارس السلام العسكرى من دون أن يتكلم . . . يذهبون بينما يسمع عن بعد طلقات نارية وطائرة ) . . .
المنظر الثاني لقد نزل حمدان وحامد ورضوان وسعيد ومسرور الى العاصمة حيث مقر القيادة العليا للجيش الفرنسى وقضوا اياما فى درس الحالة والوسائل ثم وضعوا خطة شيطانية محكمة لتنفيذ مأموريتهم وهم شاعرون كل الشعور بما يحيط بهم من خطر وينتظرهم من مصير عند الخيبة . . .
وبدأ تنفيذ الخطة فى الوقت المعين فى حدود الاجل وكادت تنجح المأمورية لولا عارض بسيط . . والقى القبض على حمدان وحامد ورضوان وسعيد ولم ينج سوى مسرور . . لا يدرى احد كيف تخلص مسرور بينما كان في مقدمتهم . . .
هم الآن فى سجن القصبة بتونس فى غرفة موصدة ظلماء لا يأتيها نور النهار من نويفذة صغيرة عالية لا يظهر منها ولو فرجة على السماء . . . غرفة مقرورة اسمنتية الارض ليس بها حصير ولا فراش . . . وغير بعيد عنها جندى فرنسى من اللفيف الاجنبى يطوى ارض الممر ذهابا وايابا كأنه يدكها ( يسمع وقع اقدامه العنيفة . . ) . . وياتي من وقت لآخر امام الباب فيسدد فوهة رشاشته نحو المسجونين فى حنق ظاهر ووحشية مكبوتة ثم يختفى . . .
حمدان نائم - حامد ورضوان وسعيد جالسون القرفصاء . . . سكون رهيب مخيم على الغرفة مدة . . .
حامد - والآن ماذا . . .
رضوان - الآن ؟ . . الآن قد قضى الامر . . وانتهينا
سعيد - لا . . لم ينته امرنا بعد . . انما هو البدء
رضوان - بدء النهاية اذا اردت . . لكنها النهاية لامحالة . . . نحن ميتون منذ ادخلونا هذه الغرفة الظلماء . . ألا ترى فيها ظلمة القبر
سعيد - انا لم امت بعد لاتصور ظلمة القبر . . انما الذى احاول ان اتصوره هو ما ينتظرنا من حين لآخر . . . هو ما كان من امر الشيخ مصطفى وامثال الشيخ مصطفى من شيوخ وشبان ونساء ورجال
رضوان - لقد علمنا الشيخ مصطفى تحمل الالم في هدوء وصمت . . .
سعيد - او تظن ان لنا صبر الشيخ مصطفى وجلده . . او تظننا قادرين على احتمال افانين تعذيبهم من دون شكوى او صياح . . .
رضوان - سوف نبلو انفسنا . . . نحن الآن مع انفسنا . . لا أمر ولا تنفيذ ولا مسؤولية . . . مع انفسنا فقط . . .
سعيد - مازلنا مسؤولين . . مسؤولين عن خيبتنا .
رضوان - لقد تلقينا اوامر ووضعنا خطة محكمة كاحسن ما يكون الاحكام ولقد قلنا ان المأمورية خطيرة جدا صعبة التنفيذ فقيل لنا لابد من تنفيذ الاوامر ولو كان الامر من باب المستحيل . . لقد حاولنا المستحيل فكان نصيبنا الخيبة . . .
سعيد - كان علينا أن ننجح
رضوان - كان من المستحيل ان ننجح
سعيد - اعلم ذلك لكن مع ذلك كان علينا ان ننجح فنحن مسؤولون عن خيبتنا . . .
رضوان - لقد خاب كثيرون قبلنا . . .
سعيد - وما يعنيك من خيبة غيرك ان التفكير فى خيبة غيرك لن يرفع عنك وزرك . . انما التفكير فى خيبتك وحده قادر على الاصلاح من امرك
رضوان - لقد حاولنا فخبنا فقضينا . . نحن ميتون ياسعيد وما من شئ قادر على اصلاح امرنا لاننا لن نخرج من هذه الغرفة الظلماء وان نخرج فالى المشنقة . . فمصيرنا الموت لامحالة . . .
حامد - لا . . ليس مصيرنا الموت . . . قد يكون غدا مصيرنا الموت أما اليوم فنصيبنا الحياة . . حياة يخيم عليها الموت لكنها حياة . . .
رضوان - تعنى حياة منقوصة بين جدران غرفة ظلماء لا يدخلها نور الشمس ولا تزينها زرقة السماء فما الفرق بين هذه الحياة والموت . . . ما الفرق بين هذه الغرفة والقبر . . .
حامد - الفرق هو انك فى القبر ميت عن الناس وعن نفسك اما فى هذه الغرفة فانت ميت عن الناس فقط . . . وانت حى مع نفسك . . حى امام نفسك . . .
رضوان - اعترف انه مازال لنا بقية حياة بدليل اننا مازلنا نتنفس ونتمتع بحواسنا . . هذا مع كبير الظن اننا سنفقد بعضها بعد تعذيبهم . . .
حامد - تلك البقية الضئيلة الباقية يمكننا ان نملأها . . . يجب علينا أن نملأها فتصبح كأجمل حياة وابدعها
رضوان - ( هازلا ) النهاية السارة ياحامد كما هو شأن اشرطة السينما المحترمة المحبوبة
حامد - لسنا يارضوان فى موقف هزل نخاطر اليوم بحياتنا وموتنا رضوان - لا يا حامد نحن الآن لانخاطر بشئ لانخاطر بحياتنا لان حياتنا ملك غيرنا ولا نخاطر بموتنا لان موتنا لم يحن بعد . . .
حامد - ألا يمكننا يارضوان ان نثبت امام جلادينا فنثبت لهم اننا ابطال ونثبت لانفسنا اننا موجودون .
رضوان - وما الفائدة ونحن موجودون الى حين
حامد - قد يطول الحين ويمتد يارضوان فيصبح الزمن . . . ( يقف الجندى الفرنسى امام الباب ناظرا نظرة حنق كانما النار تتطاير من عينيه ويغمغم مسددا فوهة رشاشته صدفة نحو حامد . . . )
رضوان - وقد يقصر الحين يا حامد وينتهى كل شئ .
حامد - لا يارضوان . . لا تظن ذلك . . فهم مجرد صبيان حمق يظنون تهديدهم يرهبنا وانتظارنا يفل من عزمنا . . فهم لايدرون اننا ارتضينا الموت منذ ان اخترنا . . . لكن ارادة الحياة تخلق الحياة . ارادة الحياة يارضوان
رضوان - ( يعيد ) ارادة الحياة ونحن اقرب مانكون من الموت وابعد مانكون عن الحياة ( يلتفت الى سعيد ) ارادة الحياة يا سعيد أسمعت . . ارادة الحياة نحن أحياء يا سعيد . . نحن أحياء . . لن يدركنا الموت مهما صنعوا بنا . . .
سعيد - تيقنت الآن اننا لم نخب كل الخيبة فى القيام بمأموريتنا . . . لقد كنا قبل حين امواتا تنتظرنا القبور بينما نحن الآن نريد الحياة مؤمنين . . . ( يفتح الجندى الفرنسى الباب ويسدد فوهة رشاشته نحوهم قائلا . )
الجندى - من المسمى سعيد .
سعيد - ( يقف ) أنا سعيد
الجندى - اتبعني اذن .
سعيد - ( يتبعه ) والله انى لافضل أن يبدؤوا بى . . . سأبلو نفسى . . . لكن هل سأعرفها . . . ( يخرجان . . يستيقظ حمدان ويفرك عينيه فركا . . )
حمدان - هل طال بى الرقاد .
رضوان - كيف يمكننا تقدير الوقت فى هذه الغرفة الظلماء ليل نهار
حمدان - أليست لك ساعة يا رضوان
رضوان - كانت لى ساعة قبل ان يقبضوا علينا لكن احدهم انتزعها منى قائلا لى . ليس لك بها حاجة منذ الآن ( سكوت قليل ) اني اغبطك نومك يا حمدان . . فالنوم ضرب من النسيان وانا فى حاجة الى النسيان
حمدان - النوم موت . . . ولقد سرق من حياتى الوقت الذى قضيته نائما . . .
رضوان - لم تخسر شيئا يا حمدان لان ذلك الوقت الذى قضيته انت نائما ناسيا لقد قتلناه نحن بالحديث وهل بقى لنا الآن سوى الحديث .
حمدان - لكم كنت اتمنى لو شاركتكم في حديثكم . . . ففيم كنتم تتحدثون . . .
رضوان - كنا نتحدث عن خيبتنا ونفكر فى مصيرنا فننقطع الى نفوسنا . . .
حمدان - وما الفائدة من كل هذا . . .
رضوان - وما تريد ان نصنع ونحن معزولون عن كل شئ عدا انفسنا . .
حمدان - ( ينتبه الى عدم وجود سعيد ) لكن . . اين سعيد
حامد - لقد اخذوه منذ حين
حمدان - لقد بدأت اذن البلوى . . ناولنى سيقارة يا حامد
حامد - لقد جردوني من كل شئ حتى من علبة السقائر . . .
حمدان - انهم يستنطقونه منذ حين ولم نسمع صوتا . . ما تظنهم به يفعلون . . .
حامد - لا أدرى . . لكن . . ربما . . لا يزالون فى المرحلة الاولى
حمدان - او لهم فى ذلك مراحل .
حامد - يقال انهم يبتدئون بالاقناع
حمدان - وما تريد ان يقنعوه به
حامد - قد يحاولون ان يقنعوه انه غير مجرم وانه زلت به القدم فيما لا يريده ولا يقصده واننا نحن الذين جنينا عليه بجره الى محاولة الاغتيال وانهم سيطلقون سبيله ان اخبرهم بكل ما يعلمه من امرنا وامر المقاومة
حمدان - لكنهم لم يكتشفوا بعد ان مأموريتنا اغتيال القائد الاعلى
حامد - يعلمون علم اليقين انها محاولة اغتيال الظواهر كلها تدل على ذلك ولا عجب في ان يكونوا قد اكتشفوا انها محاولة اغتيال القائد الاعلى ( يسمع وقع اقدام الجندى يمر ويقف امام الباب كمن يرهف السمع )
حمدان - اسكت ياحامد . . . ان الحارس يستمع الينا من وراء الباب . . ( صمت ثم تسمع الاقدام ويبتعد الجندى )
رضوان - لقد ابتعد الجندى الملعون
حامد - والله كلما رأيته ثارت في غريزة العنف وتاقت نفسى الى الخنق والذبح . . . لو قدر لى ان افتك به قبل ان انتهى . . .
حمدان - وما الفائدة في الفتك بالحشرات يا حامد انه مجرد حشرة حقيرة . . لانهتم بأمثاله همنا غيره
حامد - لكنه قطعة من الجهاز
حمدان - قطعة تافهة لا اهمية لها في هيكل الجهاز ولا فى سيره
حامد - لو لم يكن هو بالباب برشاشته لامكننا الخروج والعودة الى العمل والحياة .
حمدان - لو لم يكن هو بالباب لكان غيره وحتى لو لم يكن لما امكننا الخروج لان الباب موصد بأقفال لا يفلها سوى الرصاص . . ولو اجتزنا هذا الباب لوجدنا ابوابا اخرى مثل هذا الباب وجنودا آخرين مثل هذا الحارس فما سنصنع وليس لدينا ولو مسمار .
حامد - انت ايضا يا حمدان تظن ان لا امل لنا فى الخروج من هنا . . وان امرنا انتهى بعد فما بقى غير التنفيذ .
حمدان - هو ذلك يا حامد
حامد - انت وشأنك يا حمدان اما انا فما دام بى نفس لن افقد الامل . ( تسمع صيحة تتلوها صيحات موحشة )
حمدان - ابتدأت المرحلة الثانية يا حامد . . ها هو صياح سعيد . . . ما تظنهم به يفعلون
حامد - أول ما يستعملون الضرب لكن سعيدا ممن يتحملون اكثر من الضرب . . .
حمدان - اذن
حامد - اذن هو غير ذلك يا حمدان . . هو السوط المبلل او الكلبتان أو الموسى الماضية أو . . الحبل الضاغط أو الكهرباء أو . . جعة الماء أو . . الزاج أو . . الزجاج أو . .
حمدان - من اين لك معرفة كل هذا . . .
حامد - لقد قص على منه الوان غريبة تكاد لا تقبل التصديق فلهم من افانين التعذيب ما فاقوا به اساتذتهم النازيين . . .
حمدان - ألست مغاليا بعض المغالاة . .
حامد - لا والله . . انهم مرضى يا حمدان . . الانتقام فى جسومهم كالاكلة ، والحقد فى قلوبهم كالحمى . . فهم لا يعذبوننا لاضطرارنا الى الاعتراف فقط بل ليقنعوا انفسهم انهم الاقوياء فيبعدوا منهم شبح الضعف وعبثا يفعلون . . . وهم يعذبوننا ياحمدان لانهم يجدون فى تعذيبنا لذة وفى تألمنا متعة . . . ( تسمع صيحة حادة قاسية . . . )
حمدان - هذا سعيد يصبح الما من جديد . . . لقد عادوا الى تعذيبه بعد استراحة قليلة . . .
حامد - والله اني لاراهم الآن بوجوههم الشيطانية يتلذذون بتعذيبهم سعيدا ويستعذبون سماع صيحات الالم المنبعثة من جسمه كله . . . ويمزحون فيما بينهم ويضحكون ويقهقهون ويرقصون كالقردة أو المجانين . . .
حمدان - اتظننا قادرين يا حامد على الثبات . . لا أدرى . . لا أدرى . . هل سأتحمل ما يتحمله الآن سعيد وابقى صامتا . .
حامد - اما أنا فانى اريد ان اعرف نفسى . . كنت على يقين من انهم سيقبضون على يوما فأجدني امام نفسي . . امام نفسي فقط . . . فكنت اتساءل هل سأتحمل . . والآن ان اخف من شئ فلا أخاف غير جسمى . . هذا الجسم من لحم ودم . . . هذا الجسم الضعيف . . .
حمدان - ذاك خوفى يا حامد . . لاننا لن نعترف لهم بشئ لاننا لن نقول لهم شيئا . . لكنهم اذا ما فازوا منا بشكوى أو بصيحة سيقولون انظروا الى هؤلاء المقاومين الابطال كيف يصيحون كالصبيان . . كيف يصيحون كالنساء . .
حامد - لن نصيح كالصبيان . . لن نصيح كالنساء . . .
حمدان - واذا احرقونا بسقائرهم الحامية . . . واذا اقتلعوا اظفارنا . . واذا رجونا رجا بالتيار الكهربائى .
حامد - سنتحمل يا حمدان كما تحمل الشيخ مصطفى على طعنه فى السن . .
حمدان - اجل يا حامد سنتحمل . . أيصمت الشيخ مصطفى ونصيح . . أيقوى الشيخ ونضعف . . سنتحمل سنتحمل ونصمت . . . ( يفتح الباب ويدخل جنديان حاملين سعيد مغمى عليه فيطرحانه على الارض ويخرجان )
حامد - لقد عادوا بسعيد . . . انه مغمى عليه كالميت . . .
حمدان - سعيد . . يا سعيد . . .
سعيد - ( فى جهد كبير ) ماذا . . . ماذا . . . اين انا . .
حمدان - انت هنا معنا يا سعيد . . انا حمدان وهذا حامد
سعيد - لقد انتهوا اذن . . الحمد لله . . لكن هل سمعتم صياحى . . لاشك في انكم سمعتموه . . والله انى لخجلان . . ما كان على أن اصيح . . . والحال انى تحملت فكنت كل لحظة اقول سأطيق لحظة اخرى وهكذا كانت تمر بى اللحظات الى ان . . .
والله لا ادرى كيف علت الصيحة من فمى . . لا . . من جسمى كله . . معذرة . . انى لخجلان . . ما كان على ان اصيح . .
حمدان - ما فعلوا بك ياسعيد . . .
سعيد - ما الفائدة فى العجلة . . . سترى وتعلم بعد حين
حمدان - لكن هل الامر فى منتهى الشدة . . .
سعيد - لا ادرى . . انا لم اتكلم . . لم يسمعوا منى كلمة واحدة والآن وقد انتهوا اصدقكم القول . . . لو واصلوا تعذيبهم دقائق اخرى معدودات لكنت تكلمت . . .
حامد - تتكلم يا سعيد . . ومصير مئات الاخوان والالآف المؤلفة من المقاومين . . . والثورة . . والوطن والايمان بالنصر النهائى . . لا ياسعيد . . لن تتكلم ولن نتكلم ولو قضينا كلنا من اثر تعذيبهم
رضوان - لن نتكلم . . . ( يفتح الباب وينادى الجندى . . )
الجندى - المسمى حامد
حامد - ( يقف ) انا حامد . . .
الجندى - اتبعني . . لقد حان دورك
حامد - ( خارجا ) لقد تعاهدنا . . . لن نتكلم يارفاق . . . ( يخرجان ويغلق الباب )
المنظر الثالث يساق حامد الى غرفة التعذيب حيث يجد ضابطا وملازمين . الضابط جالس والملازمان واقفان . . .
الضابط - يبدو على ملامحك يا حامد انك رجل طيب ولقد قيل لنا ان ثقافتك الفرنسية لا بأس بها وانك كتبت ابحاثا نشرت فى مجلات باريسية واسعة الانتشار . . . انت رجل نزيه . . طيب . . رجل عظيم . . كيف استهوتك هذه العصابة المجرمة . . انا متيقن من ان اعضاءها المجرمين قد هددوك ( حامد ينظر اليه صامتا ) قل انهم ادخلوك عصابتهم عنوة وتحت التهديد . . قل لنا اسماء الاخرين الحقيقية وما تعلم عنهم . . اخبرنا من هو قائدكم وهل هو الان معكم . . .
حامد - ليست لنا عصابة ولسنا مجرمين . . .
الضابط - لست مجرما انت ولكن الاخرين مجرمون
حامد - ليسوا مجرمين .
الضابط - اما حاولوا اغتيال قائدنا العام .
حامد - لم نحاول شيئا لكنكم تتوهمون .
الضابط - نلقي عليكم القبض داخل القلعة وتقول اننا متوهمون . . لكنى اعلم انك تمزح . . . ان تقل لنا كل ما تعلمه عن هذه العصابة وعن المقاومة نطلق سبيلك لاننا نعلم انك طيب . . .
حامد - هذه خرافة قديمة نعرفها حق المعرفة . . نعرفها منذ اكثر من سبعين عاما . . لقد خلقتم للقبض على الاحرار لا لاطلاق سبيلهم ولقد علمنا عنكم كل شىء منذ عهد بعيد . . فاعملوا عملكم ولا تحاولوا الاقناع . . .
الضابط - ( للملازم الاول جرمان ) أوثقه الى الكرسى وابدأ العمل ياجرمان
الملازم جرمان - وبم نبدأ
الضابط - ( فى حدة وغضب ) ان السيد حامد يظن نفسه بطلا فعاملاه معاملة الابطال ابدا بالاظفار . . وسنرى هل سيتكلم ام لا . .
الملازم فوريان - ( يتناول الكلبتين ويتقدم نحو حامد . ) اقول انه سيتكلم .
الملازم جرمان - وكيف تريد ألا يتكلم . . نعرف المثقفين معرفة جيدة . . جسومهم لا تتحمل الالم خاصة ألم قلع الاظفار .
حامد - عندما تقتلعون اظفارى ضعوها وساما تعلقونه على علمكم الملطخ بالدماء
الضابط - اسكت يا مجرم
حامد - ( وقد بدأ فوريان عمله المشؤوم ) انتم المجرمون تستترون بالدعايات الكاذبة من حرية وعدالة ومساواة وحقوق الانسان لتقترفوا جرائمكم الشنعاء . . انظر سيدى الضابط الى ملازمك فوريان كيف يقوم بعمله الوحشي فى سرور وغبطة والى ملازمك جرمان كيف يتلمظ كانك حبوته بالحلوى التى يحبها فأخذ يتذوقها تذوق الصبيان . . .
الملازم جرمان - اسكت يا كلب
حامد - انتم الكلاب . . . كلاب ضارية تنهشون لحومنا منذ اكثر من سبعين عاما ثم لا يكفيكم ذلك . . انظر الدم السائل من اصابعي . . اني لارى فى عينيك رغبة ملحة فى شربه فما يمنعك . . .
الضابط - اسكت والا . . .
حامد - ( فى هدوء ) انها الكبرياء وحضورك سيدى الضابط اللذان يمنعان جرمان وفوريان ايضا . .
الضابط - قلت لك اسكت . . .
حامد - والله لم افهم . . كنت قبل حين تريد منى أن اتكلم وتأمرنى الآن بالسكوت . . والله لن اسكت ما حييت . . وانى لاريد ان اراك مكانى يفعل بك ما يفعل بى الآن لاعلم هل انك ستسكت ام يعلو صياحك المدينة كلها . . .
الضابط - صح اذن . . . صح ولا تتكلم . . .
حامد - والله لن تفوزوا منى ولو بأنة لان ثباتتى هى التى تؤلمكم . . كنتم تظنوننى مثقفا . هزيل الجسم ضعيف الارادة سأصيح واتألم . . . واعترف . . ماذا تقولون الآن وقد اقتلتم اظفارى العشرة . ( ينظرون اليه ولا يتكلمون ) تنظرون الى ولا تتكلمون . . وما عساكم ان تقولوا . . لا يجوز لمثلكم ان يتعجبوا او يعجبوا
الملازم فوريان - دعنى ايها الضابط اقطع لسانه .
الضابط - وكيف تريد ان يعترف ان قطعنا لسانه .
حامد - عندما تقطعون لسانى سيسحقكم نظرى فلا يدع لكبريائكم مجال ولا لضمائركم راحة ان كانت لكم ضمائر .
الملازم فوريان - سنفقأ عينيك
حامد - مادام بى نفس الحياة لن يهدأ لكم بال وحتى بعد موتى سيعذبكم وجودى الكبير ايها الاسياد ( يضحك ) . . كنتم تظنون انفسكم اسيادا قبل الآن لكنكم اصبحتم امامي احقر من العبيد . . أرايتم قبل الآن مثقفا ثقافة فرنسية يضحك بينما الدم لايزال يسيل من اصابعه التى اقتلعت اظفارها . . . أرايتم ( يضحك . . )
الملازم فوريان - دعنى ايها الضابط . . بالله دعنى أسكته . . .
حامد - أأنت سيدى الضابط الذى سميت ملازمك فوريان . . ان كان الامر كذلك والله انك لاصبت لانه لا يصلح لشيء . . واعجب كل العجب من ابقائك اياه في خدمتك . . انظره كيف يحترق احتراقا غير مالك لاعصابه . . . والله اني لارثي لحاله . . . مسكين فوريان اسمح له سيدى الضابط بارواء غلته فقد وهبته دمى منذ ان اقتلع اظفارى . . . مسكين فوريان . . انه
يخننق فدعه سيدى الضابط يقطع لسانى ويفقأ عينى . . أو يخرج قليلا يتنفس غير هذا الهواء الخانق ويسترجع قواه ليواصل عمله المضنى بعد حين . . الا ترحمه سيدى الضابط . ( يجري الملازم فوريان كالمجنون نحو حامد . . فيصيح به الضابط )
الضابط - قف يافوريان . . لا تتقدم خطوة واحدة . . ( يقف فوريان )
فوريان - امرك سيدى الضابط
الضابط - اخرج الآن الى الغرفة المجاورة وانتظر اوامرى . ( يخرج فوريان بعد ان يؤدى التحية العسكرية ) ( الى جرمان ) وانت ايضا يا جرمان التحق به فلى حديث مع المسجون ( يخرج جرمان ايضا بعد أن يؤدى التحية العسكرية )
حامد - والآن وقد خرجا يمكنني سيدي الضابط ان اقول لك ان فوريان صبي فهو كالصبيان لا يملك اعصابه لكنه صبى طيب لطيف . . لقد اقتلع اظفارى بغاية اللطف فلم اشعر قط بالالم ولسوف تتجمع يوما اظفارى المقلوعة لتقتلع قلبه باللطف الذى اقتلعها به
الضابط - دعنا من هذا يا حامد واستمع الى قليلا
حامد - ان كنت عازما على العودة الى الاقناع لا تكبد نفسك هذا العناء لانك لن تفلح ابدا
الضابط - لا تظن هذا يا حامد لان مثلك لايقنع ابدا بغير ما اقتنع به هو لكنى اردت اخاطبك بما لا يمكن ان اخاطبك به بمحضر مر ملازمي . .
حامد - اذا كان الامر هكذا فانا منصت اليك .
الضابط - والله ما رأيت قبل اليوم تونسيا فى مثل رباطة جاشك وقوة عقلك وصدق عزمك . . . اما سمعت صراخ رفيقك سعيد عندما كان ملازماى يعذبانه . . ولقد صرخ قبله كثيرون من اثر التعذيب . . وان واصلنا تعذيبك قد تصرخ مثلهم لكنى يعز على ان ارى مثلك يصرخ او يئن . . وانى لمدين لك باسترجاع انسانيتى . . عرفت الآن حق المعرفة انى كنت آمر بالتعذيب واشاهده عن كره منى انا مثقف مثلك يا حامد اؤمن بالمبادئ والقيم العليا ولقد التقينا منذ حين عن غير موعد على صعيد الفكر . . لقد احييت فى نفسى ما قتلته الجندية . .
لذلك لم اتركك في ايدى ملازمى ولو فعلت لمزقاك شلوا شلوا وحطماك عظما عظما لانهما ما عودا قط ان يخاطبا بمثل ماخاطبتهما به ولانهما تعودا التعذيب والفتك بحيث اصبحا يجدان فيهما لذة ومتعة وراحة . . لاتجقد عليهما فليس الذنب ذنبهما . . .
حامد - يفعلان كل هذا مع الغضب والحقد واللذة . الوحشية وليس لهما ذنب فمن المذنب اذن . . انا ورفاقى
الضابط - لا يا حامد هو وضعنا نحن فى بلادكم . . وضعنا غير العادل لاننا مغتصبون والمغتصب يحاول بجميع قواه ان يحتفظ بما اغتصبه ولو أدى به ذلك الى استعمال الوسائل الدنيئة والوحشية . . .
حامد - الفطام صعب جدا . . .
الضابط - لكننى علمت اليوم يقينا . . ان عهد الاغتصاب قد ولى وانكم منتصرون علينا لامحالة كما يقول زعيمكم الحبيب بورقيبة لانكم انتم الحق ونحن الباطل
حامد - وان الباطل كان زهوقا . . .
الضابط - ولا بد من ان نلتقي يوما انا وانت وامثالى وامثالك لننقذ انفسنا وبلادينا .
حامد - والبشرية جمعاء . . هذا ان قدرلي ان احيى بعد اليوم ويحيى رفاقي . .
الضابط - ستحييون ما دمت هنا ولن يصيبكم مكروه منذ اليوم . . لسوف تخرج من هنا بعد حين وتعود الى رفاقك فطمئنهم - ولا تدع اليأس يتسرب الى قلوبهم . .
حامد - اني اشكرك شكرا صادقا خالصا . .
الضابط - لا تشكرني فما تجاوزت القيام بالواجب . . . بواجب الانسانية ( ينادى ملازميه ) ( يافوريان . . . يا جرمان )
فوريان جرمان - حاضر سيدى الضابط ( يدخلان )
الضابط - أرجعا المسجون الى سجنه وسنستأنف غدا استنطاقه واستنطاق رفاقه
فوريان وجرمان - امرك سيدى الضابط . . .
فوريان - لكن سيدى الضابط . . . لو نجرب الكهرباء . . .
الضابط - ( في حدة ) قلت لك غدا يا فوريان . . الم تسمع . . .
فوريان - لقد سمعت . . . امرك سيدى الضابط . .
( يحلان وثاق حامد ويخرجان به )
المنظر الرابع بقى حمدان وحامد ورضوان وسعيد اياما بالسجن فأتى يوما ضابط فرنسى وملازمان ليس لهم بهم معرفة فاخرجوهم من سجنهم واركبوهم سيارة عسكرية وذهبوا بهم خارج العاصمة فما تبينوا امرهم الا عندما وجدوا انفسهم فى الجبل امام سردابهم وما كان الضابط سوى مسرور والملازمان غير مقاومين . .
حمدان - كيف فعلت يا مسرور
مسرور - امر بسيط جدا لقد فتكنا بضابط وملازمين فاخذنا بدلاتهم وارتديناها
حمدان - والسيارة يا مسرور
مسرور - لقد اخذنا سيارة مدنية ووضعنا عليها ارقاما عسكرية مزيفة . .
حمدان - وكيف دخلتم الثكنة .
مسرور - اما تعرف حمق الجنود الفرنسيين وبلاهتهم ما يكادون يرون بدلة ضابط حتى يؤدوا التحية العسكرية ويفتحوا الابواب . . فتمكنا من الدخول والخروج من دون ان نتعرف الى احد او يعرفنا احد .
حمدان - لله درك يا مسرور
مسرور - وانتم كيف عاملوكم فى السجن . . هل عذبوكم لاشك فى انهم عذبوكم . . .
حمدان - لقد عذبوا اول ما عذبوا سعيدا وكنا نسمع صراخه لكن ما علمنا الى الآن انواع التعذيب التى اصابته منهم . . . لقد احتفظ بها سرا مكتوما . . .
سعيد - وما الفائدة يا مسرور فى ذكرها
مسرور - حسنا فعلت يا سعيد
حمدان - ثم اخذوا حامد
مسرور - لقد عذبوك انت ايضا يا حامد فصرخت
حامد - ( يريه يديه ) هذه يدى تأملها يامسرور
مسرور - انهما بلا اظفار . . لقد اقتلعوا اظفارك فما من شك انك صرخت . . وصرخت . . .
حمدان - ما سمعنا له صراخا .
حامد - لقد اقتلعوها واحدا واحدا ولم اصرخ ولم ائن
مسرور - لقد اغمى عليك اذن .
حامد - لم يغم على ولم اشعر بأى ألم وكنت طيلة الوقت كله اهزا بهم واسخر منهم واضحك من غضبهم وتوتر اعصابهم حتى كاد يجن احدهم وهم بالفتك بى لو لم يزجره الضابط ويخرجه من غرفة التعذيب .
مسرور - والله انى لاعجب من ضابط فرنسى يزجر ملازمه ويطرده بدلا من ان يناصره ويحرضه على تشديد التعذيب . . .
حامد - لقد عجبت انا ايضا يا مسرور وكذبت لا اصدق بصرى وسمعى وظننته يريد استعمال الاقناع لكن كذبتني الظنون وشاهدت ما لم اشاهده قط فى حياتى . . اتدرى ما شاهدت يامسرور . . شاهدت ضابطا فرنسيا ينقلب انسانا فيخاطبني مخاطبة الند للند ويسارني بما لو سمعه منه ملازماه لشقا عليه عصا الطاعة أو صرعاه . . . ولا يتحرج من ابداء اعجابه بى والاعتراف بانهم مغتصبون وان النصر لن يكون الا حليفنا لاننا الحق . . اسمعت بمثل هذا قبل اليوم يا مسرور . . .
مسرور - انك لتجد الخبيث والطيب فى كل جنس وملة ولقد حدث لى ان اختبأت مرة عند عجوز ايطالية فلم تكشف عنى ولا فضحت امرى
حمدان - ألا تحدثنا يا مسرور عما صنعت بعدنا
مسرور - جمعت مقاومين وكونت فرقة اخرى وشهرنا على جنود الاحتلال حربا شعواء لا هوادة فيها ولا رحمة اغتلنا خونة تونسيين وفرنسيين متطرفين وانتقمنا من القائد الفرنسى الذى حمل على تزركة الشهيدة غادرا بها فحطم دورها وبعثر مؤنها وعذب شبابها وشيبها وانتهك حرمة نسائها وعذاراها وتركها في بحر من الدماء والدموع . . لقد فتكنابه و ثأرنا لتزركة . . .
حامد - لقد سمعناهم يتحدثون فيما بينهم عن مصرع قائد . . . ويقولون ان عصابة السبع هى التى اغتالته . . أأنت السبع يا مسرور
مسرور - هكذا لقبونى . . . هم الذين لقبونى هكذا . . . وانها لكنية افتخر بها . اما القائد الذى سمعتموهم يتحدثون عن اغتياله فهو اعظم من الذى فتك بتزركه غدرا . . .
حمدان - من هو اذن . . هل اعدت الكرة يا مسرور لاغتيال القائد الاعلى للجيوش الفرنسية ببلادنا .
مسرور - لقد فكرت طويلا فى خيبتنا فى محاولة اغتياله وما اظنكم الا فكرتم انتم كذلك طويلا في تلك الخيبة لكنى بقيت انعم دونكم بفضل عظيم يمكننى من مواصلة العمل ففكرت فى تدارك الامر ووضعت نصب عينى غايتين الاولى اعادة الكرة والثانية انقاذكم من المصير المحتوم لكن حدث حادث عظيم هو اكتشافنا لقيادة اليد الحمراء . . اكتشفنا ان رأس اليد الحمراء هو القائد المدير لما يسمونه بالادارة المركزية للجيش التونسى ذلك " اللوكونيل " المعروف فقلت فى نفسى ان اغتيالة اهم من اغتيال القائد الاعلى للجيوش الفرنسية لانا بذلك نصيب فى آن واحد جيش الاحتلال الفرنسى وعصابة الفرنسيين المتطرفين . . وفعلا عندما اغتلناه فى رابعة النهار عند خروجه من مركز ادارته لركوب سيارته وقع خبر الحادث كالصاعقة على جميع الفرنسيين . . ولقد كان مصرعه على يدى كما قررت ذلك فتحققت بذلك غايتى الاولى . . وها قد تحققت بانقاذكم غايتي الثانية . . ولسوف يعلمون ان السبع ما قال قولا الا حققه وما اصدر حكما الا نفذه . .
رضوان - لقد ثأرت يا مسرور لزوجة مسعود وللشيخ مصطفى ولتزركة ولفرحات حشاد .
مسرور - انما انا أثأر لبلادى المحبوبة . . . لتونس .
حمدان - انت بطل يا مسرور . . انت منذ اليوم قائد الفرقة وكلنا طوع امرك فقدنا من نصر الى نصر . . .
مسرور - ما دمنا للوطن فالله معنا . . .
المنظر الخامس وهكذا استرجعت فرقة " السبع " اعضاءها الاولين وقد زادتهم محنة السجن والتعذيب ايمانا بالجهاد وبانتصار قضية الوطن
وتعلقا بقائدهم الاعلى وزعيمهم الاوحد المجاهد الاكبر الحبيب بورقيبة الذى كانت تتلقى منه قيادة جيش التحرير جميع اوامرها فواصلت الفرقة غاراتها على العدو وانتقامها من الخونة حتى اصبح مجرد سماع كلمة " السبع " يلقى الرعب فى القلوب وينفى النوم عن العيون لانه هو الذى كان يقوم مع فرقته بأعظم المأموريات ويقود اخطر الغارات .
وما كاد يشرع فى اتفاقيات الاستقلال الداخلى وينادى الرئيس بورقيبة من مقر اقامته الجبرية بفرنسا بالنزول من الجبال وتسليم السلاح حتى كان " السبع " اول من اسرع مع فرقته الى تلبية النداء والعودة الى الحياة المدنية العادية قعاد كل واحد منهم الى عمله فى تواضع واطمئنان وعاد مسرور الى محراثه وارضه الطيبة المحبوبة ونفسه راضية مرضية لما أداه نحو الوطن من واجب لاغير وواصلت تونس سيرها الحثيث نحو الكرامة فما كادت تمضى ستة اشهر حتى اصبح الاستقلال الداخلى المنقوص استقلالا تاما اخذ الرئيس الحبيب بورقيبة يحققه يوما فيوما بخلق السلك الديبلوماسى وتوسيعه ويوضع نواة الجيش التونسى وتقويته وبتسلم الامن وتدعيمه وبالشروع فى تحقيق رفاهية الشعب بسن المشاريع الاجتماعية والفلاحية والعمرانية الكبرى ولما عاد المستعمر الى الطغيان والجنون فى " ساقية سيدى يوسف " وجد الشعب التونسى كله صمدة امامه فاقيمت السدود وبدأت معركة الجلاء وكان مسرور أول من ترك محراثه وأقام سدا . . وانتصرت تونس بقيادة رئيسها الرشيدة بعد ان اصبحت جمهورية حرة وعاد مسرور الى محراثه وارضه الطيبة المحبوبة ونفسه راضية لما أداه من جديد نحو الوطن من واجب لا غير . . .
وما كادت تنتهى معركة الجلاء حتى اعلن رئيس الجمهورية الشروع فى المعركة الاقتصادية التى سوف تكسبها تونس بعد ان تنتصر فى معركة الدينار . . ومسرور اول من انكب انكبابا على خدمة الارض لتحسين انتاجها واشترى ما امكنه اشتراؤه من آلات عصرية مساهما هكذا مساهمة متواضعة فى المعركة الاقتصادية الكبرى
وها هو عند التقائه بمناسبة عيد الاستقلال الثالث برفاقه اعضاء الفرقة التاسعة سابقا حمدان وحامد وسعيد ورضوان . .
حمدان - ( يلمح مسرور وسط الجماهير ببدلته القروية البسيطة ) انظر يا حامد . . أليس ذلك القروى مسرور
حامد - ( ينظر متأملا ) انه والله مسرور . . (ينادي بأعلى صوته ) يا مسرور . . . يا مسرور
مسرور - ( من بعيد ) نعم . . . من المنادى . . .
حامد - يا مسرور . . .
مسرور - (يلمح الجماعة ) ( من بعيد ) والله انهم الرفاق مجتمعون ( يقترب وسط الزحم ) ها أنا اتيكم
حامد - ( لحمدان ) والله ان امر مسرور لعجيب . . انه كما عرفناه ايام المحنة . . لم يتغير منه شىء
مسرور - ( وقد وصل اليهم ) اهلا بالرفاق كيف حالك يا حامد وانت ياحمدان وانت ياسعيد وانت يارضوان
رضوان -
حمدان -
حمدان - نحن بخير والحمد لله وانت يا مسرور . .
سعيد -
حامد -
مسرور - انا على احسن حال وكيف تريدون ان أكون فى هذا اليوم المشهود
حامد - أتريد ان تعلم فيما كنا نتحدث قبل ان نراك
مسرور - فيم كنتم تتحدثون . . .
حامد - تذكرنا ايام الكفاح المجيد . . الفرقة التاسعة
مسرور - فرقتك يا حمدان
حمدان - لا يامسرور هى فرقتك . . فرقتك انت قبل ان تصبح السبع . . نحن مدينون لك بالحياة وبالنجاح فى العمل . . .
مسرور - لستم مدينين لى بشئ . . ان كنتم مدينين فانما انتم مدينون للشيخ مصطفى الذى بعث فيكم الروح حيا وميتا بحفنة التراب التي لثمها لثما . . . اما انا فمدين للرئيس الحبيب بورقيبة عندما كان يأتينا في البوادى والقرى ليفتح ابصارنا وبصائرنا فيرينا حقيقة الاستعمار متكبدا فى ذلك شديد العناء وراكبا مهول الخطر يوم كان هو ورفاقه قلة مستضعفين . . .
حامد - كلنا مدينون له قبل ان نكون مدينين لاحد . . انظر الى جيشنا يمر امامنا بمصفحاته ودباباته اننا لفى حلم . . . من من منا كان يتصور هذا . . . والرئيس بورقيبة
رضوان - انظره كيف يقف وحوله كتاب الدولة التونسيون والسفراء التونسيون وسفراء الدول ببلادنا . . . من من منا كان يتصور سنة 1952 اننا سنشاهد مثل هذا اليوم . . .
حمدان - لم نكن لنتصور هذا لاننا كنا معرضين حيواتنا للموت فى كل حين لكن النصر كنا به مؤمنين
مسرور - كنا به مؤمنين واليه ساعين
حامد - لكن اتدرى يامسرور ما قلنا عندما لمحناك وسط الجماهير
مسرور - اعلم انكم لا تقولون الا خيرا . . .
حامد - قلنا ان امرك لعجيب فانت كما عرفناك لم يتغير منك شئ . .
مسرور - كنت " السبع " عندما كانت بلادى . . عندما كان وطنى فى حاجة الى السباع وسأعود " السبع " عند الحاجة ملبيا نداء الوطن . . . اما الآن فانا مسرور الفلاح البسيط الوفى للارض الذي لا يطلب جزاء ولاشكرا على قيامه بالواجب . . .
حمدان - الم يقل لك حامد ان امرك لعجيب
مسرور - والله لم افهم . . . اتغيرتم انتم . . انكم لا يلوح عليكم اى تغيير . . . انى لأراكم كما عرفتكم
حمدان - لا يامسرور . . لقد تغيرنا . . . نحن الآن الاربعة موظفون سامون
مسرور - وما الغرابة فى ذلك او العجب فانتم مثقفون . . كنتم مهضومين . . هضم حقوقكم الاستعمار الجائر فأعادها لكم الاستقلال العادل . .
رضوان - وانت ماذا جنيت . .
مسرور - ماذا تريد ان اجنى اكثر مما جنيت فانا حر كريم مرفوع الرأس عظيم الجانب موفور المهابة
( يسمع اذ ذاك ترتيل السورة ) اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا
مسرور - صدق الله العظيم .
