الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "الفكر"

السياسة التركية والفرنسية غداة احتلال الجزائر،

Share

عندما احتلت فرنسا مدينة الجزائر فى 13 محرم 1246 ه 5 جويلية 1830 انتهجت سياسة تضمن لها الاحتفاظ بما احرزت عليه من المكاسب ، واحتلال بقية القطر الجزائرى ، ثم اتخاذه قاعدة انطلاق لابتلاع بقية بلدان المغرب العربى فى المستقبل . ولتحقيق نجاح هذه الخطة التجأت إلى استعمال الترغيب والتهديد والتلويح بالمطامع مع الحكومات المجاورة للجزائر حسب مقتضيات الظروف . وكان حكام تونس ضالعين مع الفرنسيين يزدادون منهم تقربا كلما خافوا على عرشهم الزوال على أيدى الاتراك غير مفكرين في المصير المحتوم الذى ينتظرهم ، ولا ما يقتضيه واجب التضامن الاسلامي وحق الجوار والاخوة لانقاذ الجزائر من براثن الاستعمار الفرنسى .

وللسياسة الفرنسية حينذاك الشفوف والتفوق على سياسة حكومات المغرب العربى ، لان هذه الحكومات لم تكن لها سياسة موحدة ولا منهاج مرسوم مدروس لمجابهة خطر الاحتلال الفرنسى المحتمل لبلدانهم عندما تتوطد قدم فرنسا بالجزائر ويرسخ نفوذها ، وكلمتهم متفرقة كل منهم يتربص بصاحبه غافلا عن الخطر الداهم الذى يهدد بلاده بين اليوم والآخر ، مما يدل على ضيق آفق هؤلاء الرؤساء ، وانعدام الكفاءة العقلية والمؤهلات الفكرية التى ترشحهم لقيادة الشعوب والتحكم فى مصايرها .

أما السلطنة العثمانية فقد كانت بحالة عجز لتراكم مشاكلها الداخلية والخارجية عن مجابهة دسائس السياسة الفرنسية مجابهة جدية توقفها عند حدها ، وتقطع عليها طريق التدخل السافر فى الشؤون الداخلية لدول المغرب ولم يكن عمل تركيا يتجاوز ارسال موظف سام مع حاشية له فى باخرة حربية سرعان ما يتراجع أمام تهديد الاسطول الفرنسى ، وعدم سماح حكام تونس له بالنزول ، أو ارسال جواسيس لاثارة القبائل ضد الحكم القائم فى تونس ، ثم اتخذت من ليبيا بعد القضاء على عائلة القارمانلى قاعدة للقضاء على الاحتلال الفرنسى بالجزائر على النظام القائم بتونس وجعل هذه

ولاية تركية مثل ليبيا ، ولكن ذهبت كل محاولتها أدراج الرياح ، وباءت كل خططها وبرامجها بالاخفاق والاندحار وبعد هذا نسوق الاحداث متسلسلة ففيها ما يكشف عما المحنا إليه . عندما بدأت فرنسا تتهيأ لاحتلال الجزائر اعلمت ما تيودى لسبس قنصلها العام بتونس في 18 افريل 1830 ، بأن يفاوض الباى حسين لعقد تحالف مع فرنسا ، وجعل تونس داخلة فى نظام دفاعي عن الممتلكات الفرنسية بالبحر الابيض المتوسط ، وأمضى الباى فعلا على الاتفاقية في 8 أوت 1830 ، وبذلك امنت فرنسا من كل تدخل أو إعانة من جانب تونس . ولما بلغ تركيا نبأ نزول الجيش الفرنسى بالجزائر بادرت بارسال طاهر باشا ) 1 ( في باخرة حربية خلال ذى القعدة 1245 ه . جوان 1830 م وأرسى بميناء حلق الواد بتونس ، وأراد النزول الى البر ليتوجه من ثم الى الجزائر لخلع حسين داى ، وجعل الجزائر تابعة مباشرة للسلطنة العثمانية ، فارتبك حسين باى تونس واعتراه الهلع ، واقتصر على اكرامه ، واعتذر له عن السماح بالنزول إلى البر بمانع الكرنتينة ، ثم ان الباى عقد اجتماعا برجال دولته لدرس هذه المشكلة ، فكان أكثرهم صراحة الوزير محمد كاهية الذى قال : " ان هذا الرجل يريد السفر في البر ، ولا يمكن ارساله فى مهامه القفار بدون حامية على قدر مقامه ، وانها محلة صغيرة ، وبذلك ربما ظهر للفرنسيين أنها إعانة بتحيل ) 2 ( .

ثم الوزير سليمان كاهية الذى قال : نخشى أن عربان البلدان اذا سمعت بباشا من بر الترك يقع فيهم خبال يكون سببا فى الهرج والنهب ، لاسيما والجهة الغربية مضطربة " ) 3 ( .

ولما أعلم طاهر باشا باصرار حكومة الباى حسين على عدم السماح له بالنزول أقلع عن ميناء حلق الوادى قاصدا عاصمة الجزائر ، وحالت دون بلوغه مراده قوة الاسطول الفرنسي ، فرجع وفى نفسه مرارة وحقد على باي تونس ولازال فى نفسه حاقدا على الباى يرددها لكل من يأتى من

تونس سمعتها منه مشافهة باسلامبول ، وهو يومئذ قبطان باشا قال لى ما يكون جوابكم لله عن تعطيلى الذى عطلتم به مصلحة جمهور من المسلمين لكن المقدر كان ، فأجبته بما لا يقنعه . ) 4 (

وإذ اطمأنت فرنسا على موقف الحكومة التونسية ، ولم تبد أى بادرة من بوادر الاضطراب من القبائل التونسية الواقعة على الحدود بين تونس والجزائر والتى تربطها ببعض قبائل الجزائر روابط القرابة ، رأت فرنسا الفرصة مواتية لارهاب تركيا بقوة أسطولها واشعارها بأن تونس حليفتها وخاضعة لمشيئتها ، فارست قطع من الاسطول الفرنسى بحلق الوادى بقيادة الاميرال روزمال - ROSAMEL ، وفي هذا الجو أمضي حسين باي على اتفاقية 8 أوت ، وبعدها قصد الاسطول الفرنسي ليبيا فى 9 آوت 1830 للارهاب و شل كل حركة رسمية أو شعبية تهدف اعانة الجزائر ، وتسوية حساب قديم ، واملاء شروط جائرة مجحفة أهمها

1 ( دفع غرامة حربية ، وخلاص ما تخلف من الديون

2 ( ابطال الاحتكارات التجارية

3 ( ابطال الضرائب المستخلصة من بعض الدول الاوروبية ، وما كان يدفع للامير - حسب التقاليد - من مال عند تسمية قنصل جديد أو تجديد اتفاقية .

4 ( المنع من ترفيع عدد القوات البحرية . والشرط الاخير يكشف عن نوايا فرنسا فى اضعاف جيران الجزائر للامن على ما اغتصبته ، ولضرب هؤلاء الضربة القاتلة عند الفرصة المواتية وقد قبل يوسف القارمانلى هذه الشروط المذلة المهينة الماسة بسيادة الحكومة واستقلالها وكرامتها ، وأمضى على الاتفاقية في 11 أوت 1830 ، وحددت الغرامة بمبلغ 800 ألف فرنك تدفع على قسطين : نصفها نقدا ناضا ، والباقى فى 20 ديسمبر من نفس السنة . ولما رات فرنسا آن احتلال مدينة الجزائر لم يضعف معنويات الشعب الجزائرى ، واستمرت المقاومة قوية عارمة سيما فى الاماكن الحساسة كقسنطينة ، فكرت فى منح باي تونس حكم مقاطعتي قسنطينة ووهران في

مقابلة غرامة مالية ، وفى ظن السياسة الفرنسية انها بهذه اللعبة البارعة تستطيع أن تسيطر على القطر الجزائرى من غير تحمل جميع التكاليف ويكون باى تونس مخلب القط . فبدأ قنصل فرنسا بتونس ماتيودى لسبس يغرى حسين باى ) وكان القنصل محل ثقة وتقدير عنده وعند بطانته ( بملاقاة قائد القوات الفرنسية بالجزائر المارشال كلوزيل ، فارتآى الباى آن يعمل الحيلة لتخدير الحاج أحمد باى قسنطينة ، واغراء مؤيديه على الاستسلام والرضا بالمقدور ، خيانة منه وزلفى لاسياده الفرنسيين ، " فكاتب علماء البلاد واعيانها بما محصله ، ان الجزائر لما حل بها ما حل ، وكان أمر الله قدرا مقدورا ، اصبحتم فوضى ، وعرضة لكل ذى حد امضى لا تأمنون تراعا ، ولا تستطيعون دفاعا ، وبقاؤكم على هذه الحالة يفضى الى تشتيت الكلمة ، واستئصال أمة مسلمة ، وان الجيش الفرنساوى لا قبل لكم به ولا طاقة ، فالواجب أن تنضموا الينا ، وتتركوا القتال ، لانه القاء باليد الى التهلكة فى هذه الحال والمؤمنون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، الى آخر المكتوب ، وكان من انشاء عبد الفقير " ) 5 ( وهكذا يستغل الاسلام من الملوك المنافقين المتواطئين مع الاستعمار والخائنين الخاذلين لجيرانهم وإخوانهم فى الجنس والدين واللغة والمصير المشترك .

وكان رد الحاج أحمد باى قسنطينة ردا قويا حازما أذهل باى تونس مما اضطره الى كشف القناع لاجراء اتصالات مع المرشال كلوزيل ، فعين للمفاوضة الوزير مصطفى صاحب الطابع والكاتب سليمان المحجوب اللذين ركبا باخرة فرنسية أقلتهما الى الجزائر فى 2 أكتوبر 1830 ، وعندما قابل الوزير مصطفى صاحب الطابع المارشال كلوزيل وأبدى له تخوفه من وجود بعض الاضطرابات لدى قبائل الحدود ، وخشيته من امتدادها ، وما فى هذا من الخطر على عرش سيده ، عرض عليه كلوزيل منح حكم ولايتى قسنطينة ووهران للباى ) ووهب المارشال مالا يملك لمن لا يحكم ! ( فى مقابل مليونى فرنك تدفع لفرنسا أقساطا ، ولبثت المفاوضات بين أخذ ورد إلى أن امضيت الاتفاقية الخاصة بقسنطينة في 18 ديسمبر 1830 ، والخاصة بوهران فى 4 فيفرى 1831 ؛ وفعلا عين خير الدين آغا - على كره منه - حاكما لوهران ، فسافر على متن باخرة فرنسية صحبة الكاتب حسين بوكاف وحسونة الموراء

وحامية قليلة من العسكر عززت بثلاثمائة جندى فيما بعد ، ولم تطل مدة البقاء لنقمة السكان وضعف موارد السلب والنهب وامتناع الوزير شاكير صاحب الطابع ) وهو ضد هذه السياسة وهواه مع تركيا ( عن ارسال المال وأى نوع من انواع الاغاثة التى تمدد انفاس هذا الحكم مما اضطر الحكومة التونسية الى اعلام كلوزيل برسالة فى مبارحة وهران فى 14 فيفرى 1831 .

وفي ليبيا أزالت تركيا عائلة القارمانليين الحاكمة بها ، وصيرتها ولاية عثمانية فى 29 ماى 1835 ، وأرادت أن تستغل وجودها في ليبيا لمشاغية القوات الفرنسية باثارة القبائل الضاربة على مقربة من الحدود ، واستمالة تونس للاستفادة من موقعها وقربها من الجزائر ، والعمل على خلق الاضطرابات والثورات فيها حتى تمكن الاطاحة بالنظام القائم فيها أن أصر دعائمه على مواقفهم السلبية تارة ، والموالية لفرنسا تارة أخرى . كل هذا أثار الهلع والفزع لدى حكام تونس ، فبادروا بتسليم شئ من المال والمؤون عندما قصدهم لهذا الغرض شاكر افندى ، - على احتياجهم للمال ، واختلال الاوضاع الاقتصادية - تجنبا من وقوع العاصفة على رؤوسهم .

وفي خلال شهر جوان 1836 توجه قبطان باشا ) أميرال الاسطول التركى ( طاهر باشا بقطع من الاسطول الى طرابلس ، وبعد أن لبث بمرساها اياما تابع سيره نحو مصراته ، فأثار مخاوف فرنسا التى أذنت ضابط البحرية هوقون Hugon آن يقتفى آثر طاهر باشا لمعرفة نواياه وخططه اذ كانت لديه تعليمات من الباب العالي في جعل تونس ولاية تابعة مباشرة للسلطنة العثمانية ، ومحاولة اعانة باي قسنطينة المهدد باحتلال جنود المارشال كلوزيل . وعندما رأى طاهر باشا أن خطته افتضحت ، وان الاصرار على تنفيذها يجر الى الاشتباك المسلح مع فرنسا أعلن في صراحة يحسد عليها ان مهمته لا تتجاوز ليبيا ، فانسحب الضابط الفرنسى مقتنعا بهذا التصريح .

وبينما طاهر باشا بمصراته يعد العدة للرجوع الى طرابلس وافاه الوزير التونسى شاكير صاحب الطابع - سرا بدون علم سيده - وسلم له مائتى جواد ، وكان هذا الوزير هواه مع السلطنة التركية يحاول توثيق علائق تونس معها ، وفى خاتمة المطاف كان رأسه ثمنا لهذه العلائق . وكان لانهزام جنود الماريشال كلوزيل أمام قسنطينة في أكتوبر 1836 دوى فى المغرب العربى ، وفتح أبواب الامل فى امكان دحر القوة العسكرية

الفرنسية ، وطردها نهائيا من أرض الجزائر ، حتى قال طاهر باشا : ان قوات الامير عبد القادر ، وقوات الحاج أحمد باي قسنطينة قادرة على سحق القوات الفرنسية ، وبعدها تصبح الجزائر خاضعة للسلطنة العثمانية .

ولطاهر باشا مع الحاج أحمد باي قسنطينة ووزير تونس شاكير صاحب الطابع صلات وثبقة ، وثلاثتهم تضع الخطط لطرد الجيوش الفرنسية من الجزائر ، وتقويض النظام القائم بتونس بدون علم من بايها الذى تتسم مواقفه على العموم بالميوعة والانحلال والمجازفة بمصلحة بلاده ومصلحة أجواره والتنكر للسلطنة العثمانية فى سبيل المحافظة على ذاته وعرشه .

وفي هذه المدة كثر ارسال الجواسيس الاتراك فى زى الدراويش البث البلبلة والاضطرابات في أوساط القبائل المتاخمة للحدود ، وبذل شتى أنواع الوعود ومختلف صنوف الاغراء . وجاء شاوش من الباب العالم سرا ارسل تحت رعاية الوزير شاكير صاحب الطابع الى الحاج أحمد باي قسنطينة باشا ، مع الوعد باعانته بثمانمائة جندى البانى .

ان نشاط طاهر باشا وعداوته للنفوذ الاوروبى دعا الباب العالي لتسميته واليا على طرابلس الغرب بدلا من محمد رايس ، ولما تسلم مقاليد الحكم أسر بان لديه تفويضا من الباب العالي فى نجدة الحاج أحمد باى قسنطينة ، لكن يتعين اقرار الامن بطرابلس قبل الاضطلاع بهذه المهمة ، والغاية من هذا ربح عواطف السكان والقضاء على خصومه الثوار الاقوياء كعثمان آغا مصراته ، وغومة بن خليفة المحمودى ، واستطاع أن يلقى القبض على الاول وأخفقت محاولاته مع الثاني .

وفي نهاية أوت 1837 وصل الى ميناء طرابلس احمد مشير القبطان باشا الجديد مصحوبا بفرقة قوية من الاسطول العثمانى ومعه عثمان آغا مصراتة السابق الذى ارسله قبل مدة الوالى طاهر باشا آسيرا إلى اصطمبول ، وغرض السياسة التركية من هذا العمل جلب القلوب ، واسترضاء الليبين الذين تجمعهم بها العقيدة الاسلامية ، واستغلال هذه لاثارتهم ضد الفرنسيين بالجزائر . علمت السفارة الفرنسية بالاستانة أن الباب العالي أذن أحمد مشير بالتوجه الى تونس للاطاحة بعرش البايات حسب اتفاق سرى بين ساسة الاتراك وبين الوزير شاكير صاحب الطابع الذى وعدهم بنشوب ثورة فور وصول الاسطول التركى الى المياه التونسية ، وبالرغم من زعم تركيا بأن

غرض ارسال الاسطول الى تونس هو اعطاء تطمينات لمصطفى باى من جراء تخوفه من تصريحات طاهر باشا ، فان فرنسا التجأت الى وسيلتها التقليدية - اذ ذاك - في استعراض عضلات أسطولها صيانة لمصالحها الاستعمارية ومطامحها التوسعية ، وفعلا آرس بحلق الوادى قطع من الاسطول الفرنسى بقيادة نائب الاميرال للاند LALANDE - قائد القوات البحرية الفرنسية بالبحر الابيض المتوسط ، وعدل الاسطول التركى عن المجىء الى تونس . وبذلك لم تنجح جميع الخطط التركية فى انقاذ الجزائر وتصبير تونس ولاية عثمانية ، وكانت خاتمة المطاف نهاية الوزير شاكير صاحب الطابع صاحب الصلات الوثيقة بالباب العالي والساسة الاتراك يدبر معهم الخطط فى الخفاء لتوثيق علائق تونس مع الباب العالي ، والعمل سرا فى الظلام لازالة دولة المماليك بتونس .

وشاكير صاحب الطابع ينحدر من أصل جركسى ، أتى به صغيرا من اسطمبول الى تونس ، فاشتراه الامير حمودة باشا ، ورباه بالقصر ، ولما كبر بلغ رتبة باش مملوك ، ثم أصبح صاحب الطابع فى عهد حسين باى ، وقصد الاستانة في مهمة رسمية ، واستغل وجوده هناك لحبك مؤامرة مع ساسة تركيا لازالة نظام البايات ، وزوده الباب العالى بفرمانات في اعتباره ممثلا له . ومن وقتها بذل جهده للتآمر على الباى ، وربط صلات سرية مع طاهر باشا والى طرابلس الغرب واحمد مشير بعده ، وباى قسنطينة و الامير عبد القادر ووقع الاتفاق أن يوم 20 سبتمبر 1837 عندما يظهر الاسطول التركى بالمياه التونسية تندلع ثورة يلتهم لهيبها نظام البايات ، لكن مبادرة الاسطول الفرنسى بالارساء بالمياه التونسية احبط الخطة ، وأصبحت الثورة مستحيلة فبلغ احد المشاركين فى المؤامرة نبأها الى الباى ، والشيخ محمد بن ملوكة الذى فاتحه سرا بخطة الثورة شاكير صاحب الطابع اعلم الباى أيضا ، فجمع مصطفى باي مجلسا وجوبه شاكير بشريكه فى المؤامرة وسحب وخنق ) فى جمادى الثانية 1253 ه . سبتمبر 1837 ( ) 6 ( .

احرزت القوات التركية بليبيا فى صائفة 1841 انتصارا على الثائرين عبد الجليل سيف النصر السليمانى الفزانى وغومة المحمودى ، اذ استطاعت آن تفصل بين ثوار سرت وثوار الجبل ، مما أغرى حكومة ليبيا التركية بتجديد الحركات المعادية لتونس ، فاستعدت بتوفير كميات كبيرة من المؤون

وزعت نصيبا منها على المراكز الواقعة فى الطريق الرابط بتونس . والخطة تتمثل في عقد صلات مع القبائل المتاخمة للحدود واغراثها بالثورة على الحكومة التونسية ، ثم يأتى دور تدخل الجيش النظامى لاعانة الثوار على التخلص نهائيا من دولة البايات ، ويكون الاسطول التركى بالمياه التونسية متحفزا للنزول بالبر عندما تحل الجيوش النظامية بالتراب التونسى . وفى اللحظة المناسبة يقع التدخل باسم السلطان بعنوان اعادة النظام ، ويتم الحاق تونس بالسلطنة العثمانية ، وبعدئذ تتوفر الوسائل لانقاذ الجزائر من سيطرة الاحتلال الفرنسى .

أثار هذا فزعا لدى فرنسا فأذنت الاميرال قائد القوات البحرية الفرنسية بصد كل قوة تركية تقترب من المياه التونسية ، وبهذا اخفق المشروع التركى .

وفي خلال عام 1844 جدا فى الجبل بليبيا أخمدها بقسوة أحمد باشا ، وأسر قائد الثورة الشيخ ميلود أحد أنصار غومة المحمودى ، وأرسل الى الاستانة ومنها الى طرابزون ، ولم يمر عام حتى فر من محبسه والتجأ بجزيرة جربة ، ومن مكمنه اثار الجبل ، والتحق به ، ولكن الثورة أخمدت ، وعاد الشيخ ميلود الى جربة حيث امتنعت الحكومة التونسية من تسليمه لو الى طرابلس ، مما أثار حنقه وحنق السياسة التركية ، وراجت الاشاعات بتجريد حملة عسكرية لاحتلال تونس . ومما آيد هذه الرائجات وأثار مخاوف السياسة الفرنسية وصول كميات ذات بال من الذخيرة الحربية الى طرابلس الغرب وفرق من الجنود الالبان الذين صرح الكثير منهم بأن الحملة على تونس وشيكة الوقوع .

ولا ندرى لاى سبب تكشف اسرار حمما حملة عسكرية يجب احاطتها بالسرية الكاملة لجنود بسطاء لا يعرفون مدى ما يلحق أقوالهم من أضرار لدولتهم ! وهذه وأمثالها ناحية ضعف كبرى في السياسة التركية افسدت عليها كثيرا من خططها وبرامجها ، علاوة عن تفوق الجاسوسية الفرنسية على ميلتها التركية تفوقا كشف أسرار الخطط وحال دون تنفيذها وجنى ثمرتها وما أن علم الجواسيس الفرنسيون نبأ هذه الحملة والاستعداد لها حتى اعطوا اشارة الخطر وأرسلوا صيحات الفزع الى باريس وتونس ، وازداد ظنهم قوة عندما مسكوا بخيوط دسائس عملاء الاتراك لاغراء العروش على حكومة الباى .

وكانت وضعية الباى السياسية مهددة مرارا بالانهيار ما كان يمسكها الا

مساندة فرنسا لهم فى المواقف الحرجة ، فانتهزت فرنسا الفرصة لمساعدة حليفها وأعلمت سفيرها بتركيا ) De Bourquenay ) دى بوركني بأن يطلب استفسارا من الباب العالي وأرسلت قطعا من أسطول البحر الابيض المتوسط الى طرابلس بقيادة البرانس ) De Jinville ( دى جوانفيل الذى نما غروره بعد قذفه طانجة وماغدور ، فوصل الى مياه طرابلس فى 13 جويلية 1846 ، وقابل الباشا واعلمه بعزم دولته على مساندة الباى ، وبذلها كل مجهود لصيانة عرشه من الزوال ، وأشعره بأنه لا يكفى لامن الباى واطمئنان فرنسا امتناع حكومة طرابلس عن القيام بأى عدوان مسلح وانه يجب ان لا تحاك الدسائر السرية ، ولا تقع الاتصالات الخاصة مع خصوم الباى وأضداده التى من شأنها أن تجعل مملكته على مدرجة الخطر ، وانه فى غير حاجة لتذكيره بالشائعات الاخيرة التى أثارت المخاوف من احتمال تدخل السلطة التركية بطرابلس فى الشؤون الداخلية لتونس ، وأعلمه بان كل تدخل مباشر او غير مباشر بأى شكل من الاشكال يقع رده بحزم وانه اذا وقعت محاولة من نوع ما سبق فان حكومة الملك لا تكفي بالانذار الودى ، ولكنها تعرف كيف تفرض احترامها بالقوة من غير أن تنسى الطريق الى طرابلس .

وعندما انتهى البرانس من ابراقه ووعيده طلب من الوالي اعلام الباب العالي لهذه الزيارة . وكان جواب الوالى محمد أمين باشا بأنه لم يبحث ولم يفكر فى بث الاضطرابات بتونس ، كما أعلم الصدر الاعظم بشير باشا وديوان الباب العالي السفير الفرنسى بوركنى رسميا انكارهم لكل عدوان على تونس ، ولم يعطو أى تعليمات لباشا طرابلس فى هذا الغرض .

وتوجت هذه المجهودات بزيادة تقرب الباى من فرنسا ونمو نفوذها بتونس زكاهما المشير أحمد باشا باى بسفره الى فرنسا فى أعقاب . وكانت آخر محاولات تركيا لاقرار تبعية تونس للدولة العثمانية ارسال فرمان الى المشير احمد باشا فى توليته مدى الحياة بحجة تطمينه على مصيره ، ولكنه رفض هذا فى تلطف ) 7 ( .

اشترك في نشرتنا البريدية