الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "الفكر"

السيد الرئيس, يتحدث عن

Share

النقد الأدبي

قد يحسب الشبان ( * ) ان ما يطالعونه فى مختلف الكتب من نظريات فى الادب والنقد والفلسفة حقائق علمية ثابتة فى حين انها لا تتناول الواقع الا من جانب واحد بينما الواقع متعدد الوجوه والجوانب ، وهكذا يتأثر المطالع بالنظرية ويعتنقها ، خاصة إذا كانت قد افرغت فى قالب فنى جميل ، ويتوهم انها كل الواقع .

ان صوغ الافكار فى اشكال وتعابير أنيقة مغرية لا يمنع المتأمل اليقظ من لوقوف على ما فيها من نقص او ضعف ، فاذا نظرنا مثلا فى كثير من القصائد الشعرية واغفلنا زركشتها اللفظية وقلبنا معانيها المجردة قد لا نجد سوى الاجترار وقد لا نجد فى تصويرها الجمال سوى نظرة ذاتية ضيقة

هناك من يقول : الشعر يشم ولا يحك ، بدعوى ان الفحص الدقيق يجرده من سحره ورونقه ، ولكن كثيرا من الشعر الجيد لا يفضى الينا باسراره وبمكنوناته الا اذا حللناه ، وكم يزداد تقديرنا له واعجابنا به بعد ذلك

ونتيجة لذلك فكثيرا ما يحتاج الاثر الادبي الى ناقد موضوعي يساعد القارىء على ادراك حقيقة ذلك الاثر ، فالنقد يفتح عيون القراء واذهان المستمعين على مواطن الجمال والقيم فى الاثر المدروس وبالتالى يخلق فيهم تاثرا ايجابيا ورد فعل سليم

والاثر الادبي من جهة اخرى فرصة تمكن الناقد من اظهار مواهبه وقدرته على التعمق في صميم الفكر فيستخرج من النص احيانا اكثر مما حمله المؤلف ، ذلك ان النص مادة حية تنمو وتتطور بلقاح النقد

اذ أن غاية الادب والنقد هي الالمام والاحاطة بواقع الانسان والطبيعة ، وقد يلمس هذا الواقع باليد ويرى بالعين وقد ينفذ اليه باعمال الراى والتحليل النفسي الذي يسير مجاهل اللاشعور . ولا يتوفر لنا ادراك الحقيقة ، ما لم تتظافر الطاقات الحسبة والمعنوية ، وما لم نضع نصب اعيننا مبدأ النسبية فالحقائق الادبية نسبة دائما ، وبما انه لا وجود لقاعدة ثابتة لفهم الامور بتحتر التمسك بالاعتدال فى احكامنا وتقديراتنا ، وقد يذهب بعضهم الى ان هذا من شانه ان يبعث فينا شيئا من الياس ، اما انا فانى لا ارى هذا الرأى فهذا الشعور بكنه الحقيقة بحرك الحماس ويوجب العمل على محاوله الاقترات منها ، لزيادة التأثير على الواقع والتحكم فيه .

الشعر العمودى والشعر الحر

يحتوى الشعر القديم على أفكار قيمة ومشاعر دقيقة صيغت فى قوالب موسيقية مضبوطة متنوعة الايقاع هى التفعيلات والبحور . ثم جاءت عصور الانحطاط فتعلق النظام بالصيغ والتفعيلات فقط ، فخلا شعرهم من سامي المعاني والعواطف ، فاعتبر كثير من الناس ان الشعر القديم تافه ، وهذا بالطبع غير صحيح بالنسبة للشعر السابق لعصور الانحطاط ، فليس من المعقول اذن ان نحكم على هذا الادب بالزوال باعتباره قديما وان نحل محله الشعر الحر الذي يحدر ان نكتبه نثرا فهو وان ضاهى الشعر العمودى من حيث الاخيلة والتصورات لا يمكن ان نسميه شعرا ، فالشعر لا بد ان يبنى على اوزان وايقاعات مضبوطة تضمن التأثير وتخلق فى السامع نشوة موسيقية

لقد أتى كبار شعراء العرب والغرب بابدع الصور وارق الاساليب وعبروا عن احدث ما وصلت اليه الحضارة فى قوالب من الشعر العمودى التقليدى ومع ذلك فاننا لا نجد فى شعرهم ما يثبت ان فى تلك القوالب حصرا للمواهب وتضييقا للتعبير ، ان الشاعر العبقري هو من استطاع الجمع بين الشكل والمضمون جمعا موفقا وهو من اخضع القواعد لاستيعاب رؤياه الكونية ، وما على من لم يوفق الى ذلك الا ان ينسحب من الميدان وان يفسح المجال لغيره

قد يحسب الشبان ان ما يجدونه في مختلف الكتب التى يطالعونها من نظريات فى الادب والنقد والفلسفة حقائق علمية ثابتة فى حين انها لا تعب الا عن جانب واحد من الواقع بينما الواقع متعدد الوجوه والجوانب . وهكذا

يتأثر المطالع بالنظرية خاصة إذا كانت قد افرغت فى قالب لغوى فنى فيتصور انها الواقع بكامله .

مسأله تقييم الاثر الفكرى والفني دقيقة للغاية ، وحيث انه لا وجود لقاعدة ثابتة لفهم الامور ، يتحتم التمسك بالاعتدال فى احكامنا وتقديراتنا .

الادب الشعبي

ان اللغة التى يتكلمها الشعب ويفهمها كل تونسي مهما كان نصيبه من الثقافة ومهما كانت الجهة التى ينتسب اليها ومهما تباينت اللهحات ليست الفصحى بل العامية ، لذلك كان من حق الادب الشعبى والشعر الشعبي ان يحتلا مكانهما عند الشعب وان يكونا هما ادبه وشعره

ان ما كانت عليه الجماهير الشعبية من ضعف متناه فى المستوى الثقافي قد جعل الادب الشعبى ضعيفا هزيلا ، لقد كان الشاعر الشعبي ضيق التفكير بدأئى الاحاسيس ساذج العبارة خشن اللغة وهو فى ذلك كله ضحية عصور الانحطاط التى جمدت اللغة والفكر . وهذا الوضع هو الذي زاد من اتساع الهوة الفاصلة بين الفصحى والعامية .

وهذا ما اضطرني الى الاتصال بالجماهير الشعبية لتحريك سواكنها وتغير مفاهيمها مخاطبا اياها بلغتها الامر الذى كان له فضل فى اذكاء جذوة الحماس الشعبى ولاول مرة فى تاريخ هذه البلاد تكونت خطابة سياسية باللغة الدارجة اقوى وابلغ واوقع فى انفس الحاضرين

ان ضعف مستوى الادب الشعبى ليس راجعا الى حدود اللغة الدارحة بل هو راجع الى مستوى عيش الشعراء الشعبيين والى تواضع مداركهم العقلية اذ لا يعدو نصيب الواحد منهم من التعليم بعض سور قرآنية ومبادئ القراءة والكتابه . بيد انه لا فرق من حيث الجوهر بين الشاعر الشعبى الاصيل واى شاعر من مستوى عالمي

ولكن الشعر الشعبى بفضل التوعية ونشر الثقافة والتعليم قد تطور واصبح يواكب الاحداث وتحسنت معه لغة التخاطب ولعل احسن الحلول الآن بالنسبة لربط الصلة بين الجميع وخلق حوار مثمر هو بعث لغة ثالثة ترضخ لبعض القواعد وتكون مزيج من الدارجة والفصحى . وفي هذا العمل تخفيف من وطاة العمل الذى يرهق اطفالنا فى المدارس ، اذ ان تطور البشر مرتبط بتسهيل سبل القراءة والتعليم

اشترك في نشرتنا البريدية