( فى خلية النحل صخب وضجيج وطنين ، مع سكون وصمت وترفق ....
الحياة فيها على قدم وساق : حياة ولود ، وحياة بطيئة آملة متطاولة الى غد ملؤه النور والانوار ، وحياة عابثة كلها فراغ وبطالة وجدة ، وحياة دائبة جاهدة لا تنى . .
الحياة فيها على قدم وساق : حياة الملكة تنتقل من ثقب الى ثقب تبيض فى أناة وصبر ، وحياة الديدان وقد طال بها الانتظار ترنو الى يوم تنطلق فيه من كل عقال ، وحياة الذكور وقد سكنوا الى الراحة يكرعون من العسل فلا يرتوون ويكثرون من الهرج والطنين فلا ينتهون وحياة العذارى العاملات وقد ناءت بالحمل الثقيل الحفاظ على البقاء ( فى ركن من الخلية جماعة من العذارى فى عمل متواصل يخاطبن اختالهن )
العذارى : ايتها الاخت ، لم توقفت عن الحركة ونحن فى اشد الحاجة اليك . الشاعرة : ما توقفت لتخاذل فى نفسى ولا لرغبة فى تحطيم ما انشأنا ، ولكنى ظفرت بسر رهيب ، اكتشفته لنفسى وكتمته فشفيت به شفاء ما عرفت مثله من قبل
العذارى : أى سر هذا وسر من ؟ الشاعرة : سرنا نحن العذارى العاملات وسر حياتنا وكنهها عذراء اولى : ليس لنا سر . نحن العمود الفقرى لهذه المدينة ولولانا لخربت بين يوم وليلة ولانقطع النسل ولا نطفأت الحياة بعدنا . الشاعرة : كيف تنطفئ بعدنا الحياة ونحن لم نظفر يوما ببصيص منها عذراء ثانية : اهذا هو السر : ان تقولى لنا اننا لم نحى ولسنا احياء .
عذراء ثالثة : هو الجنون بعينه . العذراء الاولى : هل نحن اموات اذن ؟ وهذه الحركة التى ترينها لمن تعزينها ؟ وهذا النشاط لمن ؟ وهذا العسل الذي يكرع منه هؤلاء الذكور من يأتى به . الشاعرة : نحن لسنا اموآتا الآن ولكننا سنموت بدون ان نحيا . نعم سنموت بدون ان نحيا هذا هو السر الرهيب الذى اكتشفته يا اخواتى
العذارى : هذا جنون . العذراء الثانية : ( تلتفت الى اخواتها ) ان نحن لسنا امواتا فاحياء اذن اليس كذلك العذارى : نعم..... لا شك فى ذلك . الشاعرة : لا اموات ولا احياء . العذراء الثالثة : لا موت ولا حياة ! هى الحياة الميتة او الموت الحى
الشاعرة : انت تهزئين بى يا اختى وتسخرين منى ولو تنبهت قليلا ونظرت حولك وتذكرت الماضى القريب لاكتشفت هذا السر ولا نقلب هزؤك انقباضا وسخريتك جدا . العذراء الثالثة : بالله عليك ، ازيحي لنا النقاب عن هذا السر . العذارى : ( وهن فى حركة دائبة ) ازيحي لنا النقاب . . . ازيحي لنا النقاب الشاعرة : لقد شاخ منا الجسم ونحن فى ربيع العمر وسنقضى والربيع فى اوائله . سنقضى وكان من حقنا ان نعيش لو تدبرنا امرنا . العذارى : سنقضى هذا مما لا شك فيه ( تتوقف العذراء الاولى عن الحركة وتقول : )
العذراء الأولى : نعم ! كل ليلة عندما ينطفئ نور الشمس وأسكن الى الراحة أحس بالتعب ينخر جسمى والعياء يهد كيانى فأقول هى النهاية نهايتى ، نهايتكن ، فأعانق الزمن وأستكين ، فيستكين لى ، وأطمئن فلا شعور ، ما أشبه اليوم بالبارحة ! الشاعرة : ما أضيع نفسى ! الزمان يتأكلنى : ما أبقى من حشاشتى أمسى الا بقية أشلاء . ما أبعد الشقة بين أمسى ويومى : أترانى أصل اليوم الى الربوة مثل الأمس ؟ أيرف جناحى رفة الحياة المنطلقة المتفتحة كما رف عند
بدئي ؟ لا ! انني لم أنس . ومأساتى أننى لم أنس . أذكر حين كنت فى أولى ، أعانق ظلام الليل فأذوب في أعطافه هنيئة ، رضية ، ساكنة الاعضاء . فيكون الاغفاء وتكون الطمأنينة وتكون الغفلة ، أما الآن ففى كل ليلة حين تسكن الانفاس وتستكين الانفس أشعر بأعضائى تتلاشى : كل عضو يضطرب لنفسه كل عضو يئن أنينه . فأحاول جمع شتاتى فى ضعف ووهن وهزال : الجناح مهيض والجسم كليل . وأتحامل على نفسى ، وأتصدى الى الزمن فلا أستكين وأواحه ظلمه فيدحرنى وأقول هي النهاية : نهايتى ، نهايتكن ، نهاية من بعدنا . نعم هي المأساة : مأساتى أنا حين لم أنس ، ومأساتكن حين نسيتن .
العذراء الثانية : وما حيلتنا ان نحن لم ننس سوى أن ننطوى انطواء الحياة في هذه الديدان : أن نضم الجناح الى الجناح والعضو الى العضو ونستعد الى الحياة ، الى الانطلاق ، الى النور ، ولكن الحياة ملك أيدينا ، والنور يخرق منا الاحشاء ويدعونا الى البذل والانفتاح .
الشاعرة : أتظنين أن الحياة ملك أيدينا ؟ لا أيتها الاخت ، كانت الحياة قريبة منا ، كانت في متناول أيدينا . ولكننا أطفأنا نورها فينا : اشتد بنا الحرص على أن نحافظ عليها فينا وفى من بعدنا فأفلتت منا بلا رجعة وسترقص كالآل أمام أحفادنا وأحفاد أحفادنا . . .
العذراء الثالثة : لكأننا أموات أو لكأن هذه الرجفة التى فينا انتفاضة الموت . الشاعرة : لنثر أيتها الاخوات ولنكرع من معين الحياة : فلا جهد الا بمقدار ولا سعى الا ووراءه انفتاح . لنثر ولنكسر قيود الموت فينا العذراء الثالثة : ( تتقدم الى الشاعرة مهددة ) تدعيننا الى الحياة وتعرضين للخراب أمة بأكملها خسئت وخسئت حياتك . الموت أجدر بك من الحياة صدقت انك لست حية . انك أشلاء . أيتها الاخوات لنمتها . . لنمتها .
العذارى : لنمتها . . لنمتها ( ويتقدمن منها مهددات ) الشاعرة : اننى لن أموت . . سأقتل فقط . . . سأحيا فى أذهانكن ، فى أذهان من بعدكن ، لا بد أن أنتصر . . . ( وتنقض العذارى كلهن عليها لسعا وتقتيلا فترتجف الشاعرة وتصبح محتضرة ) لن أموت . . لن أموت سأحيا فى أذهانكن . . فى أذهان من بعدكن . . هى قدرتى : أن أخلد بأيدى الفناء . . سأننتصر . . سأنتصر ( تترك جثة باردة وتلقى فى ركن قصى . . وتسير الحياة )
