يطلق بعض الناس على الشعر الملحون اسم الادب الشعبى او الشعر الشعبى وكلا الاطلاقين خطأ يجب تصحيحه .
فالادب الشعبى هو ذلك الأدب الذى استعار له الشرقيون من اروبا كلمة فولكلور على خلاف في صحة اطلاق هذه الكلمة على ما نسمية بالادب الشعبي بالضبط وقد حاول بعض المؤلفين جعل تعريف البلاد الشعبى يشمل ما تشمله كلمة فولكلور وأحسن تعريف لذلك ما ضبطة الدكتور حسين نصا بقوله : الادب الشعبى هو الادب المجهول المؤلف العامي اللغة المتوارث حيا بعد جيل بالرواية الشفوية
ولا يخفى أن هذا التعريف يشتمل على اربعة شروط هى جهلنا لمؤلفه وعامية لغته ومرور أجيال عدة عليه حتى يصبح من كيان الشعب ووصوله الينا بالرواية الشفوية
وبالنسبة الينا نحن العرب يتمثل الادب الشعبى عندنا فى هذه الاغانى التى تردد فى المواسم والافراح والاتراح وفى المثل السائر وفى اللغز وفي هذه النداءات المسجوعة والمنظومة على السلع وغيرها وفى النكتة والنادرة وفى الاساطير التى تقصها علينا العجائز وفى القصة الطويلة كألف ليلة وليلة وفى السير كبيرة بنى هلال وفى التمثيليات التقليدية كلعبة - أم رحممونة - الخ . . .
واقدم ما عرف من الادب الشعبى المنظوم هو تلك الاراجيز المروية عن قدماء أجدادنا والتى اختلطت فيها بعض اللهجات العامية بالفصحى وقد دون لنا منها القدماء كثيرا من الامثلة .
وقد تفنن العرب فى الاراجيز فنظموها بمختلف اللهجات القبلية كما نفننوا فى ميزانها فجعلوه تاما أى متشابها من ستة اجزاء او تفعيلات كالاراجيز المعروفة عندنا فى المنظومات النحوية والفقهية وجعلوه مجزوءا أى من أربع تفعيلات مثل :
قيده الحب كما قيد راع جملا
وجعلوه مثلوثا أى متركبا من ثلاث تفعيلات مثل
إنك لا تجني من الشوك العنب
وجعلوه منهوكا أى مركبا من تفعيلتين مثل
ياليتني فيها جذع
وهذا ما جعل شعراء الفصيح ينفرون من هذا النوع من الشعر ويطلقون عليه اسم - حمار الشعراء أى أن كل أحد يستطيع النظم فيه وهو شعر العامة لا شعر الخاصة وقد استعملة العرب الاول في الافراح وفي هدهدة الاطفال وفى متح الماء من الآبار وعند القيام باعمال البناء او الحفر او الحصاد وغيرها وفى الحداء بالابل وفى النبواح على الميت وفي الحرب وحتى في التسول بما يشبه الى حد بعيد هذه الاغاني التي نسمعها فى باديتنا اليوم فى مثل هذه المناسبات فى معانى الكلمات وحتى في وزن الادبيات ولو اردنا التنظير لطال بنا الحديث فى هذا الموضوع الذى جمعت منه شخصيا نماذج طريفة أتمنى أن يسعفنى الحظ بنشرها فى يوم من الايام
واذا كان اسم الادب الشعبى لا يصلح أن يطلق على الشعر الملحون فكذلك اسم الشعر الشعبى لا يصلح أيضا أن يطلق على الشعر الملحون ، لان وصف الشعر بالشعبى يحدد الموضوع ويقصره على هذا الشعر المجهول المؤلف الذي توارثته الاجيال بالرواية الشفوية أى الذى تغنى به الناس طويلا وتناولته الروايات بالتبديل والتغيير والتهذيب بما يناسب روح الشعب وفن الشعب ويدخل فى هذا الباب هذه الاغاني التى نسمعها أحيانا يرددها الناس مثل الاغانى التى ترددها الامهات لاطفالهن ومثل بعض ( تعليلات ) الاعراس والختان
أما الشعر الملحون الذي نريد أن نتحدث عنه اليوم فهو أعم من الشعر الشعبى اذ يشمل كل شعر منظوم بالعامية سواء كان معروف المؤلف او مجهولة وسواء روى من الكتب او مشافهة وسواء دخل فى حياة الشعب فاصبح ملكا للشعب Domaine Public او كان من شعر الخواص ووصف الشعر بالملحون اولى عندى من وصفه بالعامى فهو من لحن يلحن في كلامه أى انه نطق بلغه عامية غير معربة . أما وصفه بالعامي فقد ينصرف معنى هذه الكلمة الى عاميه لغته وقد ينصرف الى نسبته للعامة فكان وصفه بالملحون مبعدا له من هذه الاحتمالات .
نشأة الشعر الملحون
أشرت فى السابق الى بعض الاراحيز المنظهة بلهجات غير فصيحة فى العصر الجاهلى وأنا أعتبر هذه اللهجات مبدأ للحن الذى حدث فى اللغة فهى لهجات خاصة فصيحة عند أهلها وان اعتبرناها نحن غير فصيحه الا انها غير ملحونة واللحن الذي نريد التحدث عنه هو
النطق باللغة العربية الفصيحة بلهجة غير معربة أعنى مخالفة قواعد الاعراب المعروفة فى العربية الفصحى .
وهذا اللحن لا نستطيع تحديد الزمن الذي حدث فيه اذ أن الروايات التى وصلتنا تقص علينا أن اللحن فى اللغة قد سمع فى عهد النبىء صلى الله عليه وسلم وفي العهود التى تلت ذلك العهد بيد أننا نرجح أنه دخل اللغة الفصيحة وهي لغة الحجاز التى نزل بها القرآن الكريم منذ العهد الذى اختلط فيه العرب بالفرس والروم والاحباش سواء من طريق التجارة أو طريق النفوذ السياسي وهذا الاختلاط سابق لعهد النبيء على أننا نؤمن بان هذا اللحن كان قليلا جدا بحيث لان يؤية له وكان اللحن موضع سخرية سامعيه وتندرهم مما جعل المتحدث بالفصحى يحافظا على قواعد النطق الفصيح ويحاذر سقطات اللسان ويدلنا على سقوط مكانة اللاحن عند العرب ما روى أن النبييء صلى الله عليه وسلم سمع متحدثا لحن فى كلامه فقال لاصحابه - ارشدوا أخاكم فقد ضل - وروى أن عمر رضى الله عنه كان يحذر من اللحن ويؤدب عليه وروى أيضا أن الخليفة الوليد بن عبد الملك الاموى كان يعبر في شبابه باللحن في كلامه مما جعل والده يشتد فى تعليمه الفصاحة وتقويم لسانه خوفا من عدم رضى العرب بخليفة لحان
وبالرغم من اختلاط العرب بالامم المجاورة من فرس وروم وهنود واقباط وبربر أيام الفتوحات الاسلامية الاولى فان اللحن بقى قليلا كامل مدة الدولة الاموية التى كانت تحافظ على العصبية العربية فتخصص الدواليب الحكومية والمراكز السياسية بالعرب ولكن هذا اللحن انتشر كثيرا أيام الدولة العباسية التى شركت الفرس والترك فى الحكومة ويظهر ان هذا التشريك كان له أثر في انتشار اللهجات العامية وظهور الشعر الملحون .
واول ما وصلنا من هذا الشعر يرجع الى العصر العباسى الاول وعلى التحديد في خلافة المعتصم بن الرشيد في اول القرن الثالث للهجرة فقد روت لنا الكتب نظما عاميا للخليفة المعتصم نفسه فقيل انه طلب يوما كلب صيد من أحد قواده الاتراك المسمى - أشناس - فارسل اليه هذا كلبا اعرج فرده المعتصم اليه ويظهر أن أشناس كان لا يعلم بعرج الكلب وظن أن هذا العيب أصابه عند الخليفة فكتب أشناس الى الخليفة
الكلب أخذت جيد مكسور رجل جبت
رد جيد كما كلب كما كنت أخذت
فاجابه الخليفة بقوله :
الكلب كان يعرج يوم الذى به بعثت
لو كان جاء مجبر اجبر رجل كلب أنت
ولا يخفى ما فى بيتى الخليفة من تعريض ومن محاولة تقليد لهجة غلامه التركى .
وانتشر اللحن بعد ذلك انتشارا كبيرا لا فى الاطراف البعيدة للدولة العربية بل حتى فى الجزيرة العربية نفسها وهكذا ظهر الشعر الملحون عند القبائل العربية المختلفة ووصلتنا منه نماذج ترجع الى القرن الرابع للهجرة سواء فى القبائل التى تعيش فى الشرق او فى الاوساط العربية التى كانت تعيش فى افريقية او فى الاندلس .
وهذه النماذج منها ما سماه مؤرخو الادب بالقصيد الزجلى كشعر الاعراب الوافدين على افريقية من هلال وسليم ومنه ما سموه بالزجل كالشعر الذي روى عن الاندلسيين واشبه فى موازينه الموشحات .
أقسام الشعر
وما دمنا بصدد الحديث عن هذا اللون من الشعر المسمى بالملحون فلنتعرض الى ذكر بعض أقسامه عند القدماء ولو باشارة خاطفة .
ان الشعر بصفة عامة يفرعه أصحاب هذا الفن الى سبعة فروع او أقسام منها ثلاثة لا تكون عندهم الا باللغة الفصحى وهى القريض والموشح والدوبيت وذلك بغض النظر عن الخرجة المعروفة فى الموشحات الاندلسية التى تكون أحيانا عامية او من لغة أجنبية والفروع الاربعة الباقية منها ما يكون عاميا صرفا ومنها ما يكون خليطا بين العامية والفصحى
1- واول هذه الاقسام - المواليا - التى يقال ان أول من اخترعها أهل مدينه واسط بالعراق كانوا يتغنون بها عند قيامهم باعمالهم وقبل ان أول من تغنى بها هى احدى جوارى البرامكة كانت تنديهم اثر نكبتهم بهذا اللون من الشعر العامى وتختم انشودتها دائما بقولها يامواليه ومن هنا جاء اسم هذا النوع . ويقول النقاد ان هذا النوع ينظم غالبا عل البحر البسيط وتركب كل مقطوعة منه من أربعة أشطار أو اغصان متحدة القافية مع التزام الحرف السابق للروى فى الغالب مثل :
بوم الهوى كل من لوردف ينفش بو
وكلما جاز على عاشق تحرش بو
وفى المطر كل من لو ساق يدهش بو
وتهلك أذيال من ساقو نبت عشبو
وكلمة بو الاخيرة بمعنى به وترون انه التزم حرف الشين قبلها في الاشطار الأربعه ومعنى الاشطار ان كل من لها ساق جميلة تعريها في 738
المطر فتفتن بها الناس أما من طال شعر ساقها فلا تعريها ولو خسرت ذيل كسائها .
2 - القسم الثاني من الملحون هو - الكان وكان - وقد ابتكره أهل بغداد وخصصوه بنظم الحكايات والخرافات ولذلك سموه بالكان وكان وقد انتشر هذا النوع بين الناس فاستعملوه فى مواضيع اخرى وافتتن به الصوفية والوعاظ فنظموا شطحاتهم ووعظهم على أوزانه . والقصيد من هذا النوع يحتفظ دائما بوزن واحد فيكون الشطر الاول فى الغالب أطول من الثاني مع التزامهم بجعل الحرف السابق للروى حرف علة مثال ذلك :
تاقاسي القلب مالك تسمع وما عندك خبر
ومن حرارة وعظى قد لأن الاحجار
أفنيت مالك وحالك فى كل ما لا ينفعك
ليتك على ذي الحاله تقلع عن الاصرار
تحضر ولكن قلبك غايب وهنك مشتغل
فكيف يا متخلف تحسب من الحضار
3 - القوما وهذا النوع أيضا اخترعه أهل بغداد يتغنون به فى ليالى رمضان لايقاظ الناس الى السحور ومن هنا جاء اسمه وهذا النوع قسمان القسم الاول يتألف دوره من اربعة اغصان ثلاثة منها متحدة القافية والرابع تهمل تقفيته وهذا الرابع هو الغصن الثالث مثاله قول صفى الدين الحلى :
لازال سعدك جديد دايم وجد ك سعيد
ولا برحت مهنا بكل صوم وعيد
فى الدهر أنت الفريد وفى صفاتك وحيد
فالحق شعر منقح وأنت بيت القصيد
والقسم الثاني من القوما يتركب دوره من ثلاثة أغصان متفقة القافية أما ميزانها فمتدرج الاول أقصر من الثاني والثانى أقصر من الثالث مثاله قول الحلى ايضا :
أى قلب دعهم
إيشء ترى أوقعك معهم
انكف عنهم قبل ما تظهر بدعهم
لولا طمعهم
بان قلبي ما يدعهم
ما خالفونى واظهروا فى بدعهم
وهذه الاقسام الثلاثة من الملحون ما زالت معروفة فى الشرق العربي الى اليوم على الاخص النوع الاخير من القوما الذى ابدع فيه المرحوم محمود بيرم التونسى ما شاء له الابداع . أما عندنا فى المغرب العربى فيوجد بعض أشباه للنوعين الاولين لكن اسماءها تختلف فالموالنا مثلا تشبه لحد ما نوع العروبى عندنا والكان وكان تشبه فى ميزانها القسيم المثنى أما القوما فلا اعرف نظيرا تنوعها الثاني فى موازيننا وغالب ما عندنا من الشعر الملحون يرجع فى موازينه الى الزجل الاندلسى وإلى القصيد الزجلى الاعرابي .
4 - النوع الرابع من الملحون عند النقاد هو الزجل والزجل في اللغة الصوت وقد ابتدعه الاندلسيون ويمتاز هذا النوع بتجدد اوزانه وتعدد قوافيه ويقسمه النقاد الى قسمين القسم الطبيعي المعتاد وهو الذي يستخدمه اللغة العامية استخداما مطلقا والقسم الثاني هو الذي يجمع بين الفصيح والدارجه ويسميه الزجالون بالمزنم أى المستلحق للزجل لا الاصيل وهذا النوع يحتقره الزجالون
والزجل الاندلسى ليس شعرا شعبيا بالمعنى الصحيح لانه من انتاج طبقة على حظ عظيم من الثقافة ولغته خليط بين فصيح وعامى في الغالب وهو متاثر بالقصيدة والموشحة الفصيحة وهو بعبارة ادق صنو الموشح ورفيقه حتى في تاريخ نشأته وقد حدد الدكتور الاهواني في كتابه الزجل فى الاندلس نشأة الزجل باواخر القرن الرابع الهجرى وهو ما يشير اليه أغلب مؤرخ الآداب . أما ابن خلدون فيرى أنه نشأ بعد الموشح وعلى غراره ولذلك ماثله غالبا فى اوزانه . وصفى الدين الحلى يرى انه امتداد طبع للقصيد الفصيح الذي عقبته القصيدة الزجلية المنظومة على عروض العرب ولو ان لغتها عامية وعقبت القصيدة الزجلية هذه الازجال المختلفة القوافي والأوزان فقال " اول ما نظموا الازجال جعلوها قصائد مقصدة وابياتا مجردة على عروض العرب بقافية واحدة كالقريض لا تغابره بغير اللحن واللفظ العامى وسموها القصائد الزجلية ثم عدلوا عن الوزن الواحد الى مقطوعات مختلفة القوافى والاوزان " .
ورأى الحلى هذا مردود لانه من المتفق عليه ان الازجال مختلفة القوافى والاوزان أول ما عرفت في الاندلس في زمن لم يعرف فيه المغرب العربى ولا الاندلس القصيدة الزجلية التي جلت الى المغرب مع اعراب هلال وسليم منتصف القرن الخامس اللهم الا ان يقال ان الحلى قصد من كلمة الزجل الشعر الملحون بصفة عامة وسيأتي
أن الملحون المعروف اليوم يرجع فى موازينه الى هذين اللونين أى الى القصيدة الزجلية والى الزجل الاندلسي .
وللزجل الاندلسي مثل الموشح لونان . الاول - ما له طالع وادوار تختم بخرجات تتفق قوافيها مع قافية الطالع ويسمى الكامل مثال ذلك قول ابن قزمان الاندلسى :
صرت عازب وكان لعمرى صواب لس نزوج حتى يشيب الغراب
أنا تايب يالس نقول بزواج . ولا جلوه ولا عروس بتاج
لارئاسه غير اللعب بالزجاج والمبيت بره والطعام والشراب
واللون الثاني - ما كان له ادوار تختم بخرجات الي مكبات متحدة القافية الا انه بدون طالع ويسمى الاقرع مثاله قول مدغليس الاندلسى
ورذ اذا دق ينزل وشعاع الشمس يضرب
فترى الواحد يفضض وترى الآخر يذهب
والنبات يشرب ويسكبر وترى الآخر يذهب
وتريد تجى إلينا ثم تستحى وترجع
ولا يخفى عليكم قرب الشبه بين الزجل خصوصا اللون الاول منه وبين بعض أنواع الملزومة عندنا . والشبه يعظم بين الزجل والنوع المعروف عندنا اليوم ( بالمحزوز ) الوارد الينا من المغرب او الجزائر والمحزوز من بقايا الزجل الاندلسي بلا ريب ولا تزال لغته هى لغة الزجل الى اليوم .
اما القصيدة الزجلية التى وردت الينا مع اعراب هلال وسليم فى منتصف القرن الخامس فهي عبارة عن قصيد نظم على عروض العرب اتحدث قوافى ابياته الا أن لغته عامية دارجة وقد روى ابن خلدون فى مقدمته كثيرا من هذه القصائد واثني على بلاغتها ، وكثير منها قريب الشبه فى ميزانه بنوع القسم المثني عندنا فمن هذا النوع قول مدغليس على عروض البحر الخفيف
إنما حقا لش وصلت ضعيف قال لي دار مادار لك إذا اود عوك
لما جالي الفراق ودعتهم لبسونى النحول كما لبسوك
ذكر الله من قد ذكرت بخير كذا يضا سمعتهم يذكروك
قلت من حق يذكروني الملاح قال لي كيف لانعم وينتظروك
قلت إن كان ترجع لهم عن قريب قل لهم عنى يضا إن سألوك
وله ايضا عن عروض بحر الرمل
الهوى حملني مالا احتمل تريد الحق لس لمن يهوى عقل
ومنها فى المدح
لامليح إلا الذي نعشق أنا ولا قايد إلا ذا المولى الاجل
أبو عبد الله الذى أسس لوجاه بن صناديد تبنى واحتفل
ولو هيمه قيد عليت فيوق الهمم فهو لا يرضى الثريا عن نعل
وأريد هنا أن أشير الى هذه اللهجة التى وردت فى هذه الازجال والتي لا تزال اثارها موجودة بتونس اليوم فكلمات لس ولو بمعنى ليس وله وبدأ المضارع المسند الى المتكلم بالنون تعشق هذه كلها لا تزال موجودة في اللهجة التونسية وهى آثار اندلسية لا شك فيها
الشعر الملحون فى افريقية
لم تعرف افريقية القديمة فى اول عهدها بالعرب الا الشعر الفصح لان الدين دخلوها من العرب كانت لغتهم لا تزال سليمة من العطب والدخيل فاول من نظم الشعر العربى فى هذه الرقعة من الارض جماعة من جند عبد الله بن ابى سرح قائد الغزوة الافريقية الاولى سنة 27 ه وفي مقدمة من وصل الينا نظمهم من جنود تلك الحملة عبد الله بن الزبير قاتل جرير او جرجيوس صاحب سبيطلة .
واستمر قرض الشعر الفصيح طوال القرون الاولى من الاستقرار العربي بافريقية ولم يدخل على الالسنة تحريف ولا على اللغة تغيير ولا على الشعر تبديل لان السكان الاول كانوا من الجند ومن الفقهاء والامراء وردوا من الجزيرة العربية من قريش ومن اليمن ومن العراق والشام ، ولم يقع الامتزاج والاحتلاط الذى يؤثر عادة فى اللغة بينهم وبين البربر والروم سكان البلاد بحيث بقيت اللغة البربرية سائدة خارج العواصم كما بقيت آثار اللغة الاتينية معمولا بها فى بعض المصالح كمصلحة ضرب النقود فقد بقى لنا نقد من عهد الامير موسى بن نصير فى اواخر القرن الاول للهجرة عليه كتابة باللاتينية .
وعدم الاختلاط بين العرب والبربر استمر مدة الخلفاء الاموين بحكم العصبية العربية التى كان يعتنقها هؤلاء الخلفاء .
وفى فترة الفتن أواخر الامويين وأوائل العباسين كثر الاختلاط بن الاخوين العرب والبربر الا ان هذا الاختلاط قد جعل اللغة البربرية تطغى على العربية لان الواغلين فى تلك الفتن كان اكثرهم من البربر وانكمشت
العربية على نفسها داخل القيروان وبعض العواصم بحيث لم تسد فى البلاد لهحة عربية دارجة الا عند قدوم الهلاليين من الشرق وتغلبهم على البلاد وسيطرتهم على السكان بكثرتهم فتعرب البربر واندمجوا فى القبائل الواردة وتكلموا لغتها التى جلبتها معها من الصعيد
شئ من التاريخ :
لم يترك لنا التاريخ أى أثر لشعر منظوم باللغة الدارجة ( الشعر الملحون ) قبل منتصف القرن الخامس للهجرة أى قبل الزحفة الهلالية سنة 443 ه
وبالرغم من اعتقادنا ان لغة التخاطب فى ذلك الوقت قد دخل عليها شىء من التحريف فى الاعراب ، واختلطت ببعض الالفاظ الدخيلة من البربرية والرومية فاننا لا نشك أن الشعر كان نظمه مقصورا على الفصحى وان الاساليب والصور لم تتخط ما هو مستعمل فى بغداد وقرطبة ، واستمر ذلك حتى الزحفة الهلالية ، فاذا بنوع من الشعر التونسى المنظوم بلغة أولئك الاعراب يظهر للوجود .
شعر الاعراب :
وشعر اعراب بنى هلال وسليم لا يختلف فى الواقع عن الشعر الفصيح فلغته عربية فصيحة اختلطت بشيء قليل من اللهجة الدارجة التى لا تعدو التحريف الجزئى للكلمة الفصيحة فى النطق وفى الاعراب ، أما موازين الشعر فبقيت هى نفسها الموازين المعروفة .
وكثرة عدد اولئك الاعراب وتغلبهم على افريقية وانتشارهم فى مناكبها عرب البلاد واذاب او كاد - العنصر البربرى الاصيل فى العنصر العربى المتغلب فسادت لغتهم وانتشر شعرهم ، ولم يبق - بعد نحو قرن من استقرارهم بالبلاد - مكان للشعر الفصيح الا فى الحواضر حيث توجد الثقافة ودواليب الحكومات
وليس معنى هذا ان اولئك الاعراب ، كانوا لا ينظمون الشعر الفصيح اولا يفهمونه ، بل المقصود انهم ينظمون الشعر على طريقتهم المعروفة في احيائهم ، كما ينجح بعض شيوخهم الى النظم باللغة الفصحى عند ما يضطر لمخاطبة رجال الحكومة أو المثقفين ، وقصيد عنان بن جابر شيخ قبيلة مرداس من بني سليم الذي خاطب به أبا عبد الله محمد بن الحسين حاجب أبى زكرياء الحفصي الاول في القرن السابع للهجرة معروف لمن درس الادب التونسي وهو من أمتن القصائد الشعرية الفصيحة
يقول فى هذا القصيد :
خليلى عوجا بين سلع وحاجر بعوج عنا جيج نواج ضوامر
قلاص خماص شازبات عرامس
مواض نواض مرقلات عوابر
طوال الهوادى عند كل تنوفة
هملعة الاطراف هدل المشافر
وعوجا على دار لنا فى جنابها
أفانين لهو دائم غير دائر
ومنها :
ولما رأيت السود قد بان وانقضى
دعوت وتسار الشملوق تغزو ضمائرى
ألا أيها الغادي على متن ضامير
سليم القرى عبل الذراعين فاطر
يزف زفيف الحاضبات وينثنى
كحثف لحتها لافحات الهواجر
ومنها :
بعثت ( أبا عبد الإله ) بدائعا محبرة منظومة كالجواهر
ومنها :
رأيت رجالا من رياح ومالك وعوف ودباب وزعب وماجر
لهم مرقب دوني وقد كنت قبلهم
بيسيفي ورمحى فى الوغى وعشائرى
وسلمست أرض الشرق لا عن مجاعة
ويممت ارض الغرب لا عن تخماير
إلى بلد لا يعرف الذل أهليه
كرام العشايا من هلال ابن عامر
وقد رد به عن قصيد وافاه من ابن ابى الحسين المتوفى سنة 671 ه يعاتبه فيه على مغاضبته للدوله الحفصية وفراره بحيه الى منازل بني عامر بالمغرب الاقصى ، واول قصيد ابن الحسين هو :
سلوا دمنة بين الغضا والسواجر
هل استن فيها واكفات المواطر
ودونكم يا للرجال - تحية -
يخص بها عني عنان بن جابر
فتى ما دعته زلة فأجابها
فكيف طوى كشحا على نفس غادر
وقد كان بينى يا عنان وبينكم
بواطن صناها بحفظ الظواهر
ومنها :
عزيز علينا يا عنان ضلالية
حدث بك لا تلوى على زجر زاجر
تبصر ولا تحمل على النفس غيها
أعيذك من كرات دهر جواسير
الحلقة الرابطة بين الفصيح والملحون
قلنا ان شعر اولئك الاعراب لم تختلف موازينه عن الشعر القديم وهو في الواقع الحلقة التى تصل بين الشعر الفصيح وبين الشعر الملحون الحديث لا فى لغته وصوره فقط ، بل حتى في ميزانه أحيانا ، فاننا نجد من شعر أولئك الاعراب ما ينطبق ميزانه على بحر من بحور الشعر الفصيح وما ينطبق ميزانه على نوع من التقسيم المثنى المتركب من غصنين المعروف عندنا فى الشعر الملحون اليوم .
فما يقارب الفصيح فى ميزانه قول خالد بن حمزة شيخ الكعوب من اولاد ابى الليل من سليم اعراب تونس ومن ابناء القرن الثامن للهجرة ما رواه ابن خلدون في المقدمة .
يقول وذا قول المصاب الذي نشا
قوارع قيعان يعاني صعابها
يريح بها حادى المصاب إذا انتقى
فنونا من انشاد القوافى عرابها
مغربلة من ناقد فى غصونها
محكمة القيعان دابي ودابها
وهيض تذكرى لها يا ذوى الندى
قوارع من ( شبل ) وهذا جوابها
ومما يقارب ( القسيم ) فى ميزانه ما رواه ابن خلدون أيضا فى المقدمة من قول الشريف شكر بن هاشم فى عتاب وقع بينه وبين ماضى بن مقرب شيخ بني قرة من هلال :
تبد ى لي ( ماضى ) الجياد وقال لي
أيا شكر ما احناش عليك رضاش
أيا شكر عدى ما بقى ود بيننا
ورانا عريب عربا لابسين نماش
وتستطيع ان تتحقق من ان ميزان نوع من ( القسم ) المعروف اليوم هو ميزان مقطوع الشريف ابن هاشم من قراءة هذا المثال من شعر أحمد البرغوثى :
حبيب ان زرع لي في الضمير الحسيفه
من غير لا درتش معاه احساف
نحساب ما عندى حبايب كيفه
ونحساب حبه ما معاه اخلاف
خطيت قدره فوق رأس حديفه
ثقة فوق م الاكتاف
تطور الشعر :
والتغير الذى ادخلته الزحفة الهلالية على الشعر في ألفاظه واعرابه قد يعزز بورود الازجال الاندلسية على افريقية فى القرن الخامس والقرون التي تلته مع بعض العائلات والعلماء والادباء الراحلين الى الشرق لقضاء في فريضة الحج او لطلب العلم فى العواصم الشرقية فهؤلاء هم الذين جلبوا معهم الزجل الاندلسي إلى افريقية وإلى الشرق .
كما تعزز هذا التغيير بورود الوان من الملحون البغدادي مع القوافي التى تجوب أطراف الدولة الاسلامية واستمر هذا التغير متدرج العصور ، ومع تقادم العهد بالعربية الاولى واختلاط اللهجات وانتشار الجهل وتقلص الثقافه ، الى أن وصل الى ما نعرفه اليوم من تغير كامل في موازينه والفاظه ، حتى اصبحنا لا نستطيع رد الموازين المختلفة اليوم الى أصولها القديمة ، وغدت الفاظه دارجة بعيدة فى لهجتها عن اللهجة العربية الفصيحة اللهجة ولا اقول اللغة لان أغلبها عربى باق على أصله ولو أنه غير معرب
- يتبع -
