النضال والد كل شئ ومليكه . فهو ينجب بعضهم كالالهة والبعض الآخر كالبشير ويجعل البعض عبيدا والبعض الآخر احرارا . هيراقليطس من كتاب الكون
الشخصيات
- عمر بن عثمان ) 1 ) - عمر بن عثمان ( 2 ) - ضرغام - زينب - الراوى - معمر فرنسي ) 1 ( - معمر فرنسى ( 2 ) - صاحب جريدة - جماعة من أهل الحل والعقد - خماسة - شاعر - رجل أبكم
الطور الأول - - المشهد الأول -
الركح غارق فى الظلام . تظهر فى آخر الركح مشاعل تنير رويدا رويدا المكان بضياء باهت شاحب . تسمع اصوات خافتة متداخلة تعلو شيئا فشيئا ينفصل عن الجمع ويلوح بمشعله فى الفضاء تتحلق حوله المشاعل وتشكل نصف دائرة . يرقص داخلها رقصة عنيفة الايقاع
الراقص : يالي جسمك من طين وروحك من ضوء افتح علينا الابواب يا عارف بالغيب ويا قارىء الكتاب الجمع : يا سيدى !
( رقص ) الراقص : النار فى الصدر حمات واللشفة فى اللحمة حفات البحر من الرزية حمل الجمع : يا سيدى !
( رقص ) الراقص : نهارنا ليل وليلنا نهار اشرق علينا واغسلنا من العار القادومة ما تحوك فى جبل الجمع : يا سيدى
( رقص ) يظهر الولى فى آخر الركح ، هو رجل ذو قامة خيالية . شعره مرسل على كتفيه . لحيته منسابة على صدره ، عليه جبة رثة فضفاضة وبيده عصا غليظة يخر الجمع سجدا يتقدم الولى بخطى وثيدة ويقف وسط الركح تضرب البنادر وتضوع البخور .
رجل 1 : ( ٢ ) عام كدب ، عام اخبار ، عام نذاير عام اللى بات الوطن كامل حاير عام روامــــــــــــه عام تسعة التسعين عام يتامى عم شاب مولود انولد فى عامه عام انكفخ من كان ليه دباير
رجل 2 : عام الفده عام تسع وتسعين عام يتامى عمام بضع كاسح مر ما يتعدى عام ان حبيب العز عني غاير
رجل 3 : عام محله عام اللى فيه الوطن خاض بكله عام نيفرو خش الجنوب احتله ونصب عليه الكفر حكمه جاير عام ان لقوا الاحرار فيه مذله شى قدره الرحمان هنة صاير
المشهد الثاني
تنطفئ الاضواء على الجمع . الولى بمفرده على الركح . عمر بن عثمان : إنا رجل عادي بسيط تافه ولدت كأية نبتة برية فى عزلة الفراشيش القاحلة فجلدتني الشمس بسياطها واطعمتنى الارض من ملحها وعقمها فشببت على الشدة وانستها واصبحت طبعا فى . واخذتني الدنيا اليها فلم أر قط والله امرأة أقبح منها ولا نفسا تضاهيها عقوقا
فرغبت عنها ونسيتها . لم يزل بي هذا العزوف عن الدنيا حتى اصبح جبلة فى انا رجل فقد مسكين معذب فى الارض . لا املك من الدنيا الا وجه ربي ولا ارغب فى أى من لذاتها
انظر من اعلى مكمنى فاري قوما يضربون في الارض دونما مستقر بحثا عن مشرق جديد . أراهم يهيمون على ارض ملقاة على مدى البصر هى كجسد امراة بور لم يمسسها قط ماء .
وأمعن فيهم النظر فأرى قوبهم يركب ضعيفهم وارى أخطبوطا هائلا يلف حولهم أصابعه ويشدهم اليه شدا فلا يعود لهم معه حول ولا قوة واذا سئلت : لم هذا التفاوت بين العبد واخيه ؟
وها ان هذه المآسي أقدار مقدرة أم انها مصائر موضوعة وضعا ؟ تنتابني الحبرة وتستبد بي أياما حتى أفزع من نفسى واكفر بها . لكنى رجل عاجز لا قدرة لى الا على التقرب من ملكوت الرب العلى العظيم منه استمد سلواى واليه أتوق وفيه افنى
يقولون لى : صوت 1 : لقد دخل " الفرنسيس " ديارنا فداسوها واعملوا فينا السلاح قتلا وتشتيتا
عمر بن عثمان : فأقول : اللهم احمدك على انى لم اكن فى الارض فتزهق روحى على ايدى كفرة مناجيس واصلى مائة ركعة
يقولون لى : صوت 2 : لقد افتكوا أرضنا وداسوا حرماتنا وتغلغلوا فينا فأصبحنا غرباء فى بلادنا واولاد حسين يرمقوننا من علياء قصورهم ولا يتحركون
عمر بن عثمان : فأقول : الحمد لله الذى رأف بى فلم يجعل لى فى الارض مصلحة تقيد حريتى وتنزلنى الى الدرك الاسفل
يقولون لى : صوت 3 : لقد قيل لنا فى المنابر ان " الفرنسيس " ضيوف عليكم جاؤوا لاعانتكم فأكرموهم وأحسنوا وفادتهم ففعلنا ولم يكونوا كذلك عمر بن عثمان : فاصمت وأتنسك فى الجبل اياما
يقولون لى صوت 4 : لقد اغتصبوا نساءنا وانتهكوا اعراضنا عمر بن عثمان : فأقول :
الحمد لله الذى رأف بى فلم يجعل لى من من بينهن زوجة واصلى مائة ركعة كاملة
يقولون لى : صوت 5 : ما معنى ان يولد الانسان ويكدح ويكدح ويموت عمر بن عثمان : فأقول : لا أدرى
يقولون لى : صوت 6 : ما معنى ان ينصب قوم أنفسهم علينا أئمة وسادة وهم ليسوا منا ولا عنا معبرين
عمر بن عثمان : فأقول : لا ادرى يقولون لى :
الاصوات باجمعها : لقد طفح الكأس وحميت النار فى الصدر ماذا نفعل ماذا نفعل ماذا نفعل ؟ عمر بن عثمان : ) بعصبية ) لا ادرى لا ادرى لا ادرى .
المشهد الثالث
عمر بن عثمان في موضعه فى وقفة جامدة يدخل الراوى
الراوى : قد تتساءلون من هو هذا الرجل ؟ ان التاريخ لا يذكره الا ويمر عليه مرورا سريعا وكانه يتجاهله او لا يقر له بفضل ، او بقيمة . لكنه رغما عن ذلك يعتبر احدى الشخصيات العديدة فى تاريخ هذه البلاد التى كان بامكانها ان تغير مجرد التاريخ . . او لنقل تمهد لتغييره .
فعلا كان بامكان هذه الشخصية المائلة الآن امامكم ان تلعب دورا حاسما فى انجاح حركة غضب ظهرت يوم 26 افريل 1906 في بلاد الفراشيش احتجاجا على اغتصاب امرأة . اذن كان الامر يتعلق بجريمة اغتصاب وبغضب شعبى تهيات له الفرصة للانفجار . وبالفعل فان الذين ذهبوا الى المراقبة المدنية الفرنسية " بتالة " ليحتجوا لم يكونوا افراد عائلة المرأة المغتصبة فقط ، بل آلاف من الاهالى يحملون على اعناقهم ثقل بلاد اغتصبت الف مرة ومرة وفى عيونهم بريق غامض هو كالنار الكامنة في جوف البركان او كالريح التى تداعب البحر قبل ان تنفخ فيه وتهزه هزا
لكن سرعان ما انطلقت النيران من نوافذ المراقبة المدنية آتية من فوهات بنادق ومسدسات المعمرين الذين اشتموا من هذا التحرك رائحة العاصفة
وتحدث الفرنسيون انذاك لتغطية هذه المجزرة عن " تمرد لقطيع من الاهالى يقوده ولى مراوع محتال طماع دجال جبان يأمر بتقتيل العزل تحدوه نعرة دينية لنشر تعاليم الدين الاسلامى "
ولى ؟ أمر غريب ! من يكون هذا الولى يا ترى ؟ ) يدور الراوى حول عمر بن عثمان ويتفحصه ( قد تجدون مثلى انه من غير الطبيعى او لنقل من غير المألوف في ما ورد الينا حتى الان من اخبار الاولياء ان يقود احدهم انتفاضة شعبيلة ويتبنى قضية تحرير لارض مغتصبه بعد ان عاش كغيره فى ظل باى أو فايد أو خليفة او داخل كهف فى اعلى جبل بعيدا عن الدنيا عن البشر بعيدا عن الارض
هناك فعلا عموض فى هذه القضية ... غموض يكتنف هوية هذا الرجل وافكاره وموافقه ويجعل الاخبار التى تنسب اليه قيادة حركة الغضب هذه ضد نظام الحماية محل نظر ..
وبالفعل فدل روايته لهذه الانتفاضة ولكل نظرته الى هذا الولى . . حسب اختلاف المصالح وزاوية النظر بطبيعة الحال .
يقول احد المعمرين الفرنسيين : معمر 1 : " لقد آل الامر بالاهالى فى الظرف الحالى وفى أماكن كثيرة الى ان يقتاقوا من الخبيزة والطلاغودة مما يبرر سهولة وقوع هؤلاء الجياع المساكين فى مخالب مشوش كان يحمل المحتل مسؤولية مصائبهم " .
الراوي : اما عن الطريقة التمدينية التى اتى بها الفرنسيون والتي اوهمت التونسيين طيلة ربع قرن منذ انتصاب الحماية بانها تحمل رسالة حضارة ودعوة الى التقدم فقد ظهرت فى هذه الحادثة عارية الوجه واضحة النوايا محددة الوسائل استمعوا الى هذا المعمر الفرنسى الذى يشكو من عدم تقبل التونسيين بالترحاب لهذه الطريقة التمدينية :
معمر 2 : " اننا نوجد هنا ، نحن ورثة الثورة الفرنسية العظيمة ، لتبليغ هذه الشراذم الجائعة رسالة حضارة . ولن يثنينا اى شئ عن القيام بواجبنا التمدينى هذا . انى لا استطيع أن أعد كل الرصاصات التى رميتهم بها . واذا
مال هؤلاء " السكوات " ) ٩ ( الاجلاف نحو اليسار فان رصاص بندقيتى يقوم مقام السوط . اني امدنهم بهذه الطريقة انهم لا يفهمون الا هذه اللغة " . ) 1 (
الراوي : وما هو موقف " أهل الحل والعقد " المستنيرين بنور الحقيقة المؤمنين بالله وبالرسالة التمدينية التطهيرية الحضارية للقوات المسلحة الفرنساوية ! هذا أحدهم بصدع برأيه السديد وبحكمه الفصل فى هذه القضية . تفضل سيدى الشيخ .
الشيخ : بالله عليك لا تفضحني انى اكتب بامضاء مستعار فى جريدة الصواب " الغراء واعمل بالحكمة القائلة " لا تدخل يدك للمغاغر لا تلسعك اللفاعى " و " واللى خاف نجا " و " أم الخواف لا تفرح لا تحزن " .
الراوى : نعم الحكمة الشيخ : العفو ! " اذن بينما كان الناس منصرفين بهمة وحماس تحت رعاية سيدنا اتقاه الله واطال علينا نعمته الى ما يفيدهم ماديا وأدبيا اذ ورد عليهم ذلك الخبر المحزن الذى تلقته الامة التونسية بزائد الاسف والاستياء . ومفاده ان اعراب الفراشيش الخائضين فى أبحر العماية اعلنوا التمرد والعصيان تحت زعامة درويش مغربى اسمه عمر بن عثمان - قبحه الله وقبح سعيه - !
وبمجرد تظاهر اعراب الفراشيش بهذه الحركة العدوانية الخبيثة امام لمراقبة المدنية حتى اصلاهم عملية الفسفاط الذين جلبتهم المراقبة المدنية نارا حامية من افواه البنادق مشفوعة بقراطيس تلك المادة المتفرقعة وهي اقوى تأثيرا من رصاص " دمدم " الذي حرم استعماله مؤتمر " لاهاى " فى الحروب
وقد اراد عملية الفسفاط بهذا العمل خدمة الانسانية والشفقة على النوع البشرى لا طمعا فى الألقاب الشرفية من طرف الدولة البهية وانما مقصدهم مبنى على ان الاعراب فى عيشة تعسة فالاولى بهم ان يلتحقوا بالرفيق الاعلى !!
ولا يخفى على العاقل الحصيف انه لو كان هؤلاء الاعراب على بينة من دينهم لما نزعوا للثورة والعصيان مهما كانت الاسباب . " ) 1 (
الراوى : هذه رواية سيدنا الشيخ الجليل لانتفاضة اخوانه الجياع الذين بلغوا حدا من البؤس واليأس لم يعد لهم معه الخيار الا بين أمرين : الثورة او الموت .
أما رواية صحيفة " لا تينيزى فرانساز " فانها تختلف عن ذلك :
صحافى فرنسى : " تعتقد الاوساط العليمة ان حركة التمرد هذه ليست ذات صبغة سياسية ولا دينية
هنالك شىء غامض يكمن فى هذه الحركة لم نتوصل بعد الى الكشف عنه . " ( 2 )
الراوى : وكما تعلمون ايتها السيدات ، ايها السادة . . قضت الحماية الفرنسية والى جانبها المتعاطفون معها من الاهالى المستنيرين بنور " العلم والحقيقة " اكثر من خمس وستين سنة لمعرفة هذا الشئ المبهم الذى لم تتمكن من ادراكه والوقوف على حقيقته
على كل اين الحقيقة فى كل هذا ومن هو فى آخر الامر عمر بن عثمان : هل هو رجل فهم ان الايمان اجتهاد وجهاد فمزق جبة التنسك والخنوع واللامسؤولية وتبنى قضية تحرير أم انه مجرد كبش فداء قدمته السلطات الفرنسية لتحميله مسؤولية قيادة حركة غضب لم يقدها ولا فكر في قيادتها
هذا لا يهم . الامر الثابت فى كل هذا هو ان عمر بن عثمان شاء ذلك أم لم يشأ وجد نفسه فى قلب حركة غضب كان عليه ان يندمج فيها بكل جوارحه وان يحول الشعلة الى شرارة والشرارة الى ثورة ...
أليس ذلك هو واجبه وهو الولى المجتهد فى التقرب من الله المنارة التى نهدى الناس فى الظلمة الصوت الذى يجب ان ينطق بالحق عندما يسود
الباطل العقل الذى تأمل وعرف وفكر وادعى فى الدنيا معرفة وفي الدين نفقها أليس هو البصيرة المستنيرة بنور الرشاد والمعرفة التى يرقب الناس في حلكة ليلهم ومضة من ومضاتها تهديهم سبيل النضال والحرية أو على الاقل هذا ما نفترضه
ما هو موقفه من منزلة قومه الذين أضناهم البؤس واستبدت بهم الحيرة وادلهم امامهم الافق ؟
المشهد الرابع
) اثنان من الخماسة من بلاد الفراشيش (
الخماس 1 : يجب ان نفعل شيئا . الخماس 2 : اى اشئ ؟ لقد زرعنا البطاطة فاضطررنا لبيعها فى تربتها وهما اننى اصبحت الآن اقتسم مع بقرتي الحشائش البرية و " الطلاغودة " ! ) 1 (
الخماس 1 : ) باحثا عن كلماته بحركات عنيفة (
لا ليس هذا أريد أن أقول يجب أن نفعل شيئا ليس كالذى نقوم به كل يوم . . شيئا يكون كالرعد أو البرق أو العاصفة الجبارة التى تحطم كل شئ وتحمل الناس على اعادة بناء ما تحطم وعندها عندها يتبينون انهم يبنون شيئا جديدا يجلب الفرحة والفخر .
الخماس 2 : لا أفهم . . هل تعنى اننا يجب ان نحطم بيوتنا بايدينا . . هذا حرام ولا يرضى عليه سيدى !
الخماس 1 : سيدى لا يرضى الا على ما يرضيه ولا يرضيه الا ما ينفعه
الخماس 2 : ) يضحك ضحكة بلهاء ( هذا كلام صحيح سوف لا اخبر سيدي بشئ ! الخماس 1 : كلما يمر فرنسى امام " الدوار " وينظر الى نسائنا نظرة فيها
صلف واستعلاء واستخفاف يخفق قلبي خفقانا شديدا مدويا ويركض كالجواد الجامح فيعبر هذه الحواجز التى تحجب عنى الهواء والشمس والسماء ويدخل الديار والبيوت ويهتف هتافا مزمجرا :
" أيها الناس ان الكلاب لا تنتبح والطيور لا تطير والجنين يدق بطن أمه برجليه عندما يمر جنود الكفار امام دياركم فأين انتم ، ، اين انتم ، أين انتم . خذوا أسلحتكم ولتحيا الثو ...
الخماس 2 : ) يكمم له فمه ( لا . . لا . . لا تقلها .
(يلتفت يمنة ويسرة . فى هذه اللحظة يدخل جنديان فرنسيان يمران أمامهما يرمقانهما باشمئزاز ( .
متمما جملة مرافقه ) . ولتحيا فرنسا .. فرنسا ) يحيى الجنديين تحية عسكرية . يخرج الجنديان ( .
يتبع -
