يذكر قراؤنا اننا كنا نشرنا في باب ) بريد القارئ ( بعدد صفر ١٣٨٩ ه رسالة من الشيخ محمد العابد الفاسي محافظ خزانة القرويين بالمغرب الاقصى ، موجهة منه الى الاستاذ السيد على حافظ حول شؤون تاريخية وعلمية وصحفية ، ومما جاء فيها رغبته فى ان تنشر بالمنهل كلمة حول شخصية الشيخ عبد الجليل برادة المدني . . وهو المعروف ) بالتضلع بالادب مع مشاركة في باقى العلوم الاسلامية المتداولة في عصره ( . . وقد احلنا هذه الرغبة العلمية الى الصديق مؤرخ المدينة المنورة واديبها الاستاذ السيد عبيد مدني ورجوناه ان يفضل بكتابة ترجمة وافية بالمرام لعبد الجليل برادة ، لنشرها بالمنهل وهو الجدير بذلك . . وقد افضل سيادة الصديق فبعث الينا بهذه المقالة القيمة عن شخصية عبد الجليل برادة ، صاغها قلمه الفياض صوغا ادبيا وتاريخيا ممتازا فهي تكشف عن عناصر تاريخ المترجم له من الفها الى يائها . . والى القراء نقدم فيما يلى مقاله الحافل :
تألق نجم الشيخ عبد الجليل بن عبد السلام برادة المدنى ) أو الافندي عبد الجليل كما كان مواطنوه يدعونه ، او عبد الجليل افندي كما هو مسجل فى السالنامات العثمانية ( - فى الثلث الاخير من القرن الثالث عشر الهجرى والربع الاول من القرن الرابع عشر فكان من أبرز أعلام المدينة المنورة علما وأدبا ووجاهة وازدوجت فى شخصيته سمات من الفضائل متعددة الجوانب والشكول ، ولم ينحجز صدى سمعته بين ساكنى المدينة وحدها بل ولا فى الحجاز وحده فقد تجاوزتهما الى آفاق أبعد مدى فدوت في الاوساط الاسلامية وتردد ذكره فى مجتمعات العلم واندية الادب . والشخصيات المبرزة لا تعرف معنى للاقليمية المحدودة
نشأ فى المدينة المنورة ودرس على يد فطاحل علمائها كالسيد اسماعيل البرزنجي مفتى المدينة الشافعي والشيخ عبد الغني بن ابي سعيد المجددى المدني وانتهز فرصة وجوده فى مصر فى احدى رحلاته فالتحق بالجامع الأزهر واخذ عن بعض علمائه .
وعنى باللغة العربية عناية خاصة فاعتد من كبار اللغويين . وأضاف الى ثقافته العربية روافد من اللغتين : التركية والفارسية فحذقهما وتضلع من ادبهما ومكنته رحلاته المختلفة الى البلاد العربية والتركية من الإطلاع على الاوضاع العامة للعالم الاسلامي ، وتناوح الاتجاهات فيه علميا واجتماعيا وسياسيا والاجتماع الى كثير من الاعيان ومناظرتهم في ضروب شتى من دقائق العلوم وروائع الادب . والى جانب هذا كله كان رحمه الله - كما يصفه عارفوه - حسن المحاضرة ، سريع البديهة عميق النقد ، سهل الخلق ، غزير الرواية وقد صدق الذى قال فيه :
ماز الفنون ) بمبرد ( من حذقه
فغدا ومن القابه ) براده (
ويقول عنه الشيخ عبد الرزاق البيطار الدمشقى :
قد اجتمعت به حينما شرف الى دمشق الشام بعد الالف وثلاثمائة بقليل وهو من المرض سقيم وعليل وبديهة النظر تدل على انه استكمل من السنين ما بين الستين الى السبعين فرأيت شهما جيد الكلام رفيع المقام جميل المقابلة جليل المعاملة لطيف المؤانسة شريف المجالسة طلق اللسان عليه مهابة وجلالة وشان ولم يطل بقاؤه في الديار الدمشقية بل بعد مدة قليلة توجه إلى وطنه المدينة المنورة من جهة اسكندرية ( بعد ان
اثنى عليه الثناء الجم ووصف مكانته العلمية .
واتخذ هو وبعض علماء المدينة وأدبائها ندوة اسبوعية يعقدونها كل يوم ثلاثاء فى بستانه - الأبارية - التى كانت تقع قرب المسجد النبوى الشريف من الجهة الشرقية الشمالية . وتحفل هذه الندوة بالصفوة المختارة من أقطاب الفضل والمعرفة من المدنيين وغير المدنيين ممن يرد من العلماء والادباء من الزوار الذين كانوا يدعونهم اليها لتبادل الفوائد ووشج أواصر الصلة الثقافية .
مدرسة في ندوة وحلبة فضل فى جامعة :
واستطاعت هذه الندوة التى كان الشيخ عبد الجليل من مناراتها الشامخة ان تعيد ذكريات المدارس العلمية التى أغرق تاريخ القرن الرابع الهجرى فى الاعجاب بها كمدرسة سيف الدولة الحمدانى والصاحب ابن عباد .
في عهد السلطان العثماني عبد الحميد اصدر الاديب المعروف ابو النصر السلاوى فى الاستانة كتابا كمجلة اطلق عليه اسم " عكاظ الادب " يعرض في كل جزء منه ما يقع عليه الاختيار فى كل موسم من آثار نوابغ الادباء وقد قال في مقدمة الجزء الاول : ) وحيث كان الغرض من وضع هذا الكتاب انما هو التنويه بفضل من عسى ان يكون قد احرز قصب السبق في ذلك من الشعراء والكتاب فها نحن نشير الى كل واحد منهم بما تقتضيه درجته الادبية لا بما تستدعيه اصول التشريفات والالقاب الرسمية ( .
وفيه يقول : ) وقد استعرنا لكل واحد من شعراء هذا الموسم اصحاب المعلقات وبعض المذكورين
من هؤلاء الأجلة الثقات بعض الكنى والالقاب . . (
فامرؤ القيس الثاني لنقيب الاشراف السيد توفيق افندي البكري
وابو العلاء الثاني لشيخنا الاستاذ عبد الجليل افندي برادة المدني
ونابغة العراق لصديقنا الفاضل جميل افندي الزهاوى
ونابغة مصر للأديب الفاضل احمد بك شوقي
وزهير البلاغة للاديب الفاضل محمد ولى الدين بك اليكنى
وصاحب المعجز للاديب الفاضل أحمد محرم افندي
وحسان الموصل لشاعر العراق المرحوم عبد الباقي افندي العمري
وشيخ الادباء للمرحوم أحمد عزة باشا الفاروقي الموصلي
ولبيد العصر للعلامة الفيلسوف يوسف ضياء الدين باشا الخالدي
ودريد الحكمة للمرحوم حسن حسني باشا الطويرانى
وابو الثناء للمرحوم الشيخ محمود قبادو التونسي
وصاحب عكاظ ، لمؤلف هذا الديوان ابي النصر السلاوى .
ويقول السلاوى ايضا : ) وذلك بعد عرض الكثير من هذه الآثار على فريق من أهل اللسان وشهادتهم لها باستحقاق مزية التقدم والرجحان
وها أنت ترى مستوى الشيخ برادة بين الفحولة الافذاذ من معاصريه .
ولما شجر الخلاف العلمي بين بعض علماء المدينة وبين الشيخ محمد محمود بن التلاميد التركزي الشنقيطي خاض الشيخ برادة المعركة ضد الشيخ التركزي وظهر فى مقدمتها على ما كان بين برادة والتركزي من مودة وصفاء ، وبعد ما تبادلاه من مدائح وتقاريظ . وقد كان التركزي نزيل برادة فى بيته بالمدينة عند قدومه اليها .
وفي احدى زيارات الاستاذ برادة للاستانة سنة ١٣١٥ ه كان كدابه معنيا بالاجتماع بامثاله من الافاضل واتحافهم بالشوارد النادرة " ومن هذا الامتاع الروحي ما اقتطف لك بعضه مما ذكره الشيخ البيطار الدمشقى " :
وحينما كنت في الآستانة سنة الف وثلثمائة وخمس عشرة كان حضرة المترجم بها ايضا ، وكنت اجتمع به كثيرا واجلو الغم بمذاكرته وبديع محاضرته ، وكان متقن اللغات الثلاث متبحرا بها فمرة تلا علينا بيتين بالفارسية وافاد بأن معناهما ان هذا العالم قبل ايجاده كان مستريحا من النعم والنقم ، وان الله تعالى ما اوجده الا لتحمل الالم والاكدار والسقم ، وطلب مني رد هذا المعنى الى العربية فلم استطع الا موافقته ومسايرته ومطاوعته . . . ونظم هذا المعنى حضرة الفاضل الكامل محى الدين باشا الجزائري شبل الامير عبد القادر . . (
وقال : ان الشيخ برادة شطر ما قالاه ثم خمس التشطيرين ايضا .
ولم يصل الى علمي أن له مؤلفات وليس بعيدا ان يكون له شئ من ذلك لم يبلغني خبره . وقد كتب أو أملى تعليقات جوهرية هامة على كتاب خلاصة الوفا للسيد السمهودى .
ودرس عليه واستفاد منه عدد غير قليل من الاماثل . وفي طليعة هؤلاء الشيخ ابراهيم اسكوبي ، والشيخ محمد العمري ، والشيخ عمر حمدان ، والسيد الكتاني ، والشيخ عبد الله غازى المكى مؤلف افادة الانام بذكر اخبار بيت الله الحرام ، والشيخ ابراهيم بن حمدي الخربوتى ، والسيد عبد الهادى الخوقندى .
ومما قاله فيه ابراهيم الاسكوبي المدني في جواب بعث به اليه :
على شيخنا عبد الجليل تحية
دواما فلا احصى مكارمه وصفا
قليل لكف منه اهدت رقيمها
على كل حرف لو نقبلها ألفا
سترى فيما تقرؤه من شعر الشيخ بردة انه يجمع بين الجزالة والرقة مع دقة التعبير . ونراه فى المطول منه ربما جنح أحيانا إلى استعمال الالفاظ الفخمة ، واختيار الكلمات اللغوية الرنانة ، وينتهج في بعضها دروب الشعراء المتقدمين مع الحرص على العناصر التى تتألف منها القصيدة وانسجامها . كما نراه في مقطعاته يميل الى السلاسة ويسترسل فى التبسيط . ويتجلى لنا فى كل شعره انه كان ذا أخيلة خصبة ، وطبيعة شعرية سليمة من التكلف . وله معان مبتكرة فيها كثير من الطلاوة
ويقال : ان له أشعارا بالفارسية وبالتركية .
ولم نظفر من نثره الا ببعض تقاريظ وما في معناها . واسلوب التقاريظ في العصر الذي كان يعيش فيه يتركز على المحسنات البديعية والسجع وانتقاء التراكيب الفضفاضة في الغالب . ولكن الشيخ برادة استطاع ان يسبل عليها شيئا من القوة بحسن بيانه وامثاله المختارة .
وأما عن وظائفه الحكومية والرتب التكريمية والأوسمة التى حصل عليها فيوضحها لنا ما تمكنا من الاطلاع عليه من السالنامات ( العثمانية الرسمية :
ففي ) سالنامة ( ١٣٠٥ كانت وظيفته مميزا في الخزينة النبوية ، ورتبته ) ثالثة ( وفي ) سالنامة ( ١٣٠٦ الوظيفة : رئيس كتاب ، والرتبة ) متمايز ( . والوسام ) مجيدى ٤ ( وفي ) سالنامة ( ١٣٠٨ كسنة ١٣٠٦ وفي ) سالنامة ( ١٣١٨ : رئيس كتاب ) الرزنامجه ( والرتبة : ) اولى ثانية سي ( وقد نالها في ١٠ شوال ١٣١٥ والأوسمة ) عثمانى ٣ ( ) مجيدى ٢ ( وفي ) سالنامة ( ١٣٢٠ كسنة ١٣١٨ .
ويقول بعض من ادركوه : ان مديرية الحرم الشريف النبوى شغرت مرة فصدر الامر بتعيينه مديرا .
هذا عدا ما كانت الحكومة تنيط به من أعمال في بعض المجالس واللجان والهيئات .
وفي اخريات ايامه اقام فرمكة المشرفة بضعة اشهر وفي عودته منها وافاه الأجل
المحتوم في " الفريش ( على نحو خمسين كيلو مترا من المدينة تقريبا .
وحمل جثمانه ودفن في البقيع . رحمه الله
وكان ابيض اللون نحيل الجسم ذا لحية مستديرة بيضاء .
واعقب خمسة من الاولاد هم المشايخ : سعد الدين ، ومحمد سامي ، وحسين وعلاء الدين ، واحسان ، والثلاثة الاولون منهم كانوا شعرين مجيدين وقد سار اولاده جميعا الى رحمة الله ، واعقبوا ابناء لا يزال بعضهم موجودا حتى الآن .
وقد أطلعني الشيخ سعد الدين المتوفي بالمدينة فى غرة شوال ١٣٥٦ على مجموع خطى فيه جملة طيبة من اشعار والده الشيخ عبد الجليل ، وشعره هو . ومختارات اخرى ونقلت عنه ما أردت .
لئن خفيت علينا معرفة تاريخ ولادته بالضبط فعلينا ان نتقرب اليها بالتخمين ، مستأنسين بما جاء فى تواريخ تقريظه وبتتبع ما أرخ به بعض الحوادث في شعره ، وبما ذكره الشيخ البيطار بانه زار دمشق بعد الالف والثلثمائة بقليل . . وكان عمره يتراوح بين الستين والسبعين على ما قدره ، وبما علمنا عنه من انه من المعمرين فنقول : ان ولادته كانت في الأربعينيات بعد المائتين والالف تقريبا أو نحو ذلك ، واما وفاته ففي المحرم ١٣٢٧ ه .
من الممكن ان اعود الى الكتابة عن الشيخ برادة بعد الحصول على ما غاب عني الآن
من مذكرات كنت كتبت فيها شيئا عنه وعن شعره منذ زمن .
شئ من شعره :
قال في الحرب العثمانية اليونانية يمدح السلطان عبد الحميد ويهنئه بالنصر في ١١ تموز ١٣١٣
كذا فليكن ما يحرز المجد والفخر
كذا فليكن ما يجمع الفتح والنصر
كذا فليكن ما يبلغ السؤل والمني
كذا فليكن ما يدرك الثار والوتر
كذا فليكن سعى الملوك مقدسا
يرافقه نسك ويتبعه اجر
كذا فليكن قهر الاعادى وهكذا
تخاض المنايا والحديد لها جسر
حديث عن اليونان يضحك باكيا
ويطرب محزونا ويلهو به غر
اماني نفوس في الدجى حلموا بها
وبالعكس في تعبيرها طلع الفجر
همو دبروا امرا لأمر وفكروا
فعاد عليهم ضلة ذلك الفكر
فعاثوا وجاسوا في البلاد بجهلهم
وعم على جيرانهم منهم الغدر
صبرنا وكم عنهم عفونا فلم يفد
و عن مثلهم لا يحسن العفو والصبر
فقام امير المؤمنين بردعهم
بباس شديد لا يقوم له الصخر
فبادرهم منه عصور غضنفر
كذا الليث يخشى من بوادره الهصر
مشيد اركان الخلافة فخرها
عظيم بني عثمان - يا حبذا الفخر
منها :
غزاة لعمر الله قد نال خيرها
وسالمة رغم العبادة
بفتكته البكر التى شاع ذكرها
وافضل فتكات الملوك هي البكر
ومنها
ومن اين للمزن الكنهور جود من
بكلتا يديه ديمة صوبها النبر
لك الرأي بالحزم السديد مؤيد
تعاملهم بالمكر ان لزم المكر
فداو مريض الجهل بالحلم ان يفد
والا فداء الشر يحسمه الشر
ورايك سيف ما المست شباته
بأمر عصى الا استطاع له الامر
ومن اين للسيف الحسام مضلاؤه
إذا خامر الالباب من حادث ذعر ؟ !
كهانته شق سطيح بجنبها
يحار له زيد ويعيي به عمرو
سمعنا بان الجبن فيهم سجية
ولما التقينا صدق الخبر الخبر
لقد تركوا الاوطان والأهل عنوة
واجلاهم القتل المبرح والاسر
وما وقفوا في ماقط ) ١ ( الحرب لحظة
ولا ثبتوا كلا ولكنهم فروا
وادهم بالدهم الجياد دهاهمو
فحاصوا كحمر الوحش صادفها نمر
و ) ترحالة ( عنها ترحل جمعهم
ودكدك من انحائها السهل والوعر
وغصت ) غلوص ( بعد ذاك بريقها
فما ساغ لولا ان تداركها البحر
ولا ريس في لاريس بعد انهزامهم
رئيس فهم فوضى كانهم الحمر
و دوميكة ( تدعو ) ابتنة ( جهدها
لتنجدها . هيهات اشغلها عذر
وقال مؤرخا بناء المنارة المجيدية فى المسجد النبوى الشريف
منها :
منارة لم تطاول رفعة وبها
يحق للدهر يوما لو بها باهي
فريدة ان بدا شكل يماثلها
فانما ذاك حقا عكس مرآها
ودت نجوم السما لو انها انتظمت
في جيدها ) لبة ( تزهى ثرياها
بغاية الابتهاج الفكر ارخها
منارة بالبهاء تم مبناها
١٢٧٥ هي
وقال في بعض العلماء : منها :
لعمري لقد بينت سنة أحمد
واوضحت بل حققت طرق الاوائل
ورضت لنا منها صعابا تذللت
فامست لدينا باديات المقاتل
مجاهل علم قد سلكت طريقها
فلم تبق من بيدائها من مجاهل
ومنها :
فمن رام قولا غير ما قد نقلته
تعنى وخانته وجوه الدلائل
ومن قال قولا غير ذلك لم يصب
وهيهات أن يحظى ببغية أمل
فما الحق محفوظا تصك نصوصه
وجوه الخصوم مثل تلفيق باطل
وقال يخاطب القاضي عياضا فى
قضية علمية :
يا ابا الفضل ان يكن ساء قول
لجهول من شانه الازدراء
منها :
ليس يدري بانه ليس يدري
وله الحمق عادة والمراء
كل من رام ان يخطئ قولا
لك فى ذاك الغبي والخطاء
يا ابا الفضل انت للفضل اهل
ولك الفضل شيمة والوفاء
ولك الفخر بالمشارق اضحي
شاهدا والشفاء نعم الشفاء
ومساعيك بالماثر لمست
ما لها فى قبيلها اكفد
لك بحر من العلوم عميق
لم تكدر صفاء ذاك الدلاء
ولقد قام نصرة لك عنا
عند دعواك معشر خشند
نصروا الحق بانتصارك حتى
لاح ما فيه للعين خفد
الخ
وقال يجيب أحد الأفاضل على قصيدة مدحه بها : منها :
قواف سمت عن ان تحاكى واصبحت
على كل شعر بالفصاحة تفخر
يقوم لها غيلان عند سماعها
ويسجد كعب والكميت يكبر
ومن مقطعاته قوله
مما لقيت من الانام ومكرهم
اصبحت افرق ان ارى انسانا
لا انظر المرأة خوفا ان ترى
عيني بها من عكسها انسانا
وقوله :
الحرص اتعبنا واتعب قبلنا
هذا الانام وليس عنه مرغم
قسما لاكثر ما نراه لازما
هو في الحقيقة زائد لا يلزم
وقوله :
جميعها محاسن
من فرعها الى القدم
وكل عضو حسنه
يقول للقلب : هلم
وقوله :
اريد على غفلة انني
اراه فابدى له ما استكن
فكيف اريه اضطراب الفؤاد
وذاك إذا ما رآه سكن
وقوله :
صاح : ان الزمان لمعة برق
فاغتنم فرصة الزمان وبادر
وافعل الخير ما استطعت فما
انت عليه في كل وقت بقادر
وقوله :
سنارة ( لطيفة
فى كف طفل يلعب
يلثمها بثغره
والنار فيها تلهب
فنصفها منعم
ونصفها معذب
وقوله :
قال مجيبا للذي
سال عن حالي وسيره
لا تسل عن حال من
امره في يد غيره
وقوله :
يقولون لو ابعدت عنه فقد ترى
انينك يا هذا يشق عليه
فقلت : بعادي عنه ليس بنافع
وقلب الذي منه الانين لديه
وقوله : وكتبها على مجموعة من شعر للشيخ محمد شكرى المكى (
نظم شكري فائق مستحسن
يستحق الشكر منى والثنا
يدخل الأذن بلا اذن كما
يطرب السامع من غير غنا
وقوله :
لئن شاكنى دهري بشوكة خطبة
بباطن رجلي ثم عني ازالها
فليس لحالي راحما غير انه
رأى عين غيرى موضعا فاحالها
وقوله
أرى كل ما تحوى مجالس انسنا
جنودا لدفع الهم سلطانها الشاهى
ولا عجب ان لم تتم بدونه
فما تم امر للجنود بلا شاه
وقوله :
ناولت ذات البها المرأة أوهمها
بان فيها لها شكلا يحاكيها
وعندما ابصرت فيها محاسنها
جارت وصالت على عشاقها تيها
وقوله :
ان كان بختى عن الدنيا تقاعد بي
فان لى همة من دونها القمر
وان تك الكف عن ادراكها قصرت
فالرجل عن دفعها ليست بها قصر ) ١ (
وقال مشطرا البيتين اللذين ترجمهما الشيخ عبد الرزاق البيطار بطلب من الشيخ برادة فى الاستانة :
البيتان للشيخ البيطار :
كان ذا العالم في غيب العلم ،
ذا هناء من نعيم او نقم
وما براه الله الاللعنا
والدواهي والنواهى والسقم
التشطير :
كان ذا العالم في غيب العدم
ثابتا فى ذاته منذ القدم
غافلا عن كونه فى كونه
ذا هناء من نعيم ونقم
- ٨
وقال مشطرا البيتين نظمهما محى الدين باشا ابن المجاهد الكبير الإمير عبد القادر الجزائري في الموضوع نفسه :
البيتان :
قد كان هذا الخلق قبل ظهوره
فى راحة من رحمة وعناء
فاراد باريه لسر قد خفي
اظهاره للسقم والبلواء
التشطير :
قد كان هذا الخلق قبل ظهوره
فى عالم الاعيان والاسماء
متنزها عن كل وصف غافلا
فى راحة من نعمة وعناء
فاراد بارية لسر قد خفي
ايجاده فكساه ثوب بهناء
لكنه جعل الاله بحكمة
اظهاره للسقم والبلواء
هذا ولعل في الذي قدمته من شعر الاديب الكبير الشيخ عبد الجليل براده غناء .
) المدينة المنورة (

