الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "المنهل"

الشيخ محمد البشير الابراهيمى

Share

) أنسنا بالاجتماع بفضيلة هذا الاستاذ الكبير وسمعنا من خطبه وأحاديثه وقرأنا من مقالاته ما استدعي الاعحاب والتقدير وهذه الكلمة أثر من آثار تقديره ونفحة من نفحات بيانه (

ربعة القوام ، ابيض اللون ، مشرب بحمرة قد وخط الشيب فوديه ، ووخط لحيته الخفيفة ، وتجلى بريق الأيمان القوي ، والصراحة والصرامة والكفاح فى عينيه الدعجاوين ، وسرت خطوط الحوادث واحداث الزمان ومصاولاتها الى جبينه وتهدج صوته نتيجة كفاحه الطويل المرير فى سبيل اصلاح بلاده ورفعتها وانهاضها وانعاشها ، واعادة مجدها العربى الاسلامى الذاوى ، باسباب الاستعمار والاستثمار . . ذلكم الرجل المنطيق الذي يعيد لنا سيرة " سحبان وائل " فصاحة وارتجالا وسمو بيان ، هو علامة الجزائر بل المغرب ، بل العرب والاسلام ، رائد الاصلاح ، والحجة فى علوم اللغة والدين والاجتماع ، فضيلة الشيخ محمد البشير الابراهيمى رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، ونافخ الروح القوية المشتعلة لبعث الحماسة العربية والاسلامية والعلمية فى ابناء الجزائر العرب المسلمين ، وفاتح " مائة وثلاثين " مدرسة عربية اسلامية ما بين صغرى وكبرى فى اصقاع ذلك القطر العربى الشقيق النائي . وهي المدارس التى بلغ عدد طلابها ما يربو على الاربعين الفا من ابناء الجزائر ، يتوجها معهد ثانوى عتيد هو ) معهد عبد الحميد بن باديس ( الذي شاده اخوانه ، واطلقوا عليه اسمه ايفاءا ووفاءا لاعماله ، وتنويها بها ، وقد نهضت هذه المدارس الكثر بمهمتها على خير وجه فى احياء التراث العربى ومد القطر الجزائرى بمثقفين من خيرة ابنائه النجباء . بالثقافة الاسلامية العربية المنهضة المنعشة

- وليست هذه الرحلة التى قام بها الاستاذ الابراهيمى اليوم فى ربوع العالم الإسلامى بالرحلة الاولى ، ولا الأخيرة له ، ان شاء الله . فقد سبق ان قدم إلى المدينة

المنورة من الجزائر بلاده ، ابان شبابه وجاء يومذاك اليها وهو مستكمل للأدوات العلمية وتمده حافظة عجيبة ، وذاكرة اعجب ، ولازم اذ ذاك الشيخ محمد العزيز الوزير التونسي ، واخذ عنه علم الحديث ، وكان قيم مكتبته القيمة . التى تلاشت الآن مع الاسف البالغ ، وكان الاستاذ الابراهيمي يلقى دروسا على شباب المهاجرين ، ولو لم تعاجله الحرب العالمية الأولى لتكونت بمساعيه ومساعي رفاقه ) ومنهم الاحياء ( - حركة اصلاح شاملة . لدروس المسجد النبوى الشريف .

اما رحلته الحاضرة فقد كانت بادىء ذى بدء الى باريس ، فمصر ، فالباكستان ، فالعراق . فالمملكة العربية السعودية ، وقد حظى بمقابلة جلالة الملك المعظم فى الرياض ونال من جلالته كل عطف ، وجاء الى مكة المكرمة حاجا ، وحظى بمقابلة سمو ولى العهد المعظم ولقى منه كل عطف ، وجرى له مع سموه الكريم احاديث قيمة فيما يهم العرب والاسلام .

ويهدف الاستاذ فى رحلته الى دراسة احوال المسلمين وتوجيههم الى ما فيه صلاحهم وصلاح اسرهم وامتهم التى قال الله تعالى عنها فى كتابه المجيد : ) وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون ( ، وفى تحقيق ذلك كما يسعى له الاستاذ تحقيق للجامعة الاسلامية فى دائرة الدين الاسلامى الحنيف .

ويزمع الاستاذ ان يواصل رحلته الى سوريا ، وتركيا ، وايران ، وامارات الخليج العربى . وهو عازم اذا ما تهيأت له الوسائل ان يستكمل رحلته حتى تشمل الهند ، وباكستان الشرقية ، وبورما ، وسيام ، وجاوى ، وفي طريق ايابه سوف يعرج على السودان المصرى ، وبذلك تنتظم رحلته شتى آفاق العالم الاسلامى قاطبة .

- - : وتذكرنا جولة الاستاذ الابراهيمي هذه الشاملة لمتباعد الآفاق . بالرحلات العظيمة التى قام بها اسلافه الاماجد فى اقطار الارض . من علماء المغرب والاندلس ، فقد تابع مثل هذه الرحلات نفر منهم من المغرب الى المشرق ، لاقتباس انواره ، ثم من المشرق الى المغرب لاشاعة هذه الانوار فى ديارهم ، تدعيما لنهضتها ، وتنظيما لكيانها . وحفظا

لبنيانها من التصدع والتاريخ يعيد نفسه . وان اختلفت بعض وجوه هذه الاعادة ، وإنه ليبدو لنا ان ابن خلدون ، وابن بطوطة ، وابن جبير ، والمقري ، واضرابهم من اعلام المغرب العربى ، جمعوا فى رحلاتهم القيمة جمعا فى شخصية هذا الشيخ الجليل " البشير ومثلهم معه ومثله معهم كما قال المتنبى فى رائيته البليغة :

-

نسقوا لنا نسق الحساب مقدما          وأتى " فذلك " اذ أتيت مؤخرا

وقد يفوقهم الشيخ البشير فى سمو الاهداف . . ولوجوده فى الزمن الاخير حيث انطفأت كثير من مشاعل النور الاسلامي فهو يروم بعزمه الجبار وهمته التي لا تعرف الكلل والملل ان يشعل هذه للصابيح من جديد ، وان يشعلها جدا حتى تعود الى قوتها ولمعانها وحتى تعود اليها نضرتها وبريقها . وهو مطلب ، لم يكن اولئك . يستهدفونه وانما كانوا يهدفون الى التوسع فى العلم لهم ولاقطارهم على السواء ، وحسبهم هذا فى ذلك الزمان . . واذن فلنا ان نقول فى الشيخ البشير ورحلته هذه الجامعة كما قال الشاعر :

-

) كم ترك الاول للآخر . . (

وقد سمعنا عن علم الاستاذ كثيرا ، وعن جهوده كثيرا ، وقرأنا له عشرات المقالات فى جريدة البصائر الغراء وقرأنا له فيها نفثاته الحرى ، وهمساته الغراء ، وسجعاته الوضاءة العميقة الاهداف ، السامية الابانة والاوصاف ، فزالت عن عيوننا الغشاوة الموقوتة حيال القطر الشقيق ومستقبله . وقد علمنا ان فى الكنانة سهاما مفوقة . وفى الثكنة قوادا حصفاء شجعانا ذوى همم صادقة . وقد سررنا بلقاء الشيخ فى هذه الرحاب الطاهرة ، بعد ان سررنا بالغ السرور بما كنا نقرؤه عن الحفاوة التى تلقاه اينما حل واينما ارتحل ، فى ربوع مصر وفى العراق ، وفى باكستان . وقد حل ضيفا مكرما بين ظهرانينا ، واستقبل فى هذه البلاد المقدسة بالتقدير والاحتفاء ، وحظينا بالتحدث اليه مرارا فى منزل مضيفه الاستاذ الشيخ محمد نصيف بجدة اولا . ثم فى فندق مصر بمكة المشرفة ثانيا . . ذلك الفندق الفخم الرابض فى ) حي اجياد ( الجميل

والقائم بين الحدائق الغن وباسقات الاشجار ، حيث انزلته الحكومة ضيفا مكرما ، وقد قبسنا من اضواء توجيهاته وفى ذلك الفندق وبالحفل الذى اقامه الاخوان المسلمون عقب الحج سمعنا الشيخ خطيبا مفوها . قوي النبرات بليغ العبارات . لا يتمتم ولا يفافئ فى ارتجاله العربى الأخاذ . وقد طرق موضوعات عالية عويصة وتغلغل فى الحقول الاجتماعية لاوضاع العالم الاسلامي الراهنة . فحلل الداء المستعصى تحليل الطبيب الحاذق ووضع الدواء والترياق على طرف التمام . . وكان خطيب الميدان المجتلي . وانسى خطابه كل خطاب . وغطى بيانه على كل بيان وهتف له الحاضرون عن بكرة ابيهم ومن اعماقهم وايقنوا بان هذا هو الخطيب المصقع المجلى . والمصلح الخبير بالأدواء والدواء وقد رأينا من فضيلة الاستاذ كم سبق ان قلناه علما شامخا من اعلام مصلحى العرب والاسلام فحيا الله الشيخ البشير فى العلماء العاملين واحياه . واكثر امثاله فى المصلحين التقدميين وبياه .

اشترك في نشرتنا البريدية