الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 6الرجوع إلى "الفكر"

الصهيونية وجه اخر للعنصرية

Share

لقد صاغ ثيودور هرتزل وآخرون من القادة الصهاينة الوجه السياسي للحركة الصهيونية ، ثم كرسها مؤتمر بال 1897 ، حيث كانت بدايات نشوء الحركة الصهيونية ذات الاهداف العالمية المتلخصة فى السيطرة على العالم ساسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ، والاهداف المحلية التى تتلخص فى تجميع اليهود فى منطقة واحدة ليقيموا دولة دينية عنصرية بعدما ابتدعت الحركة الصهيونية أكذوية الشعب اليهودى معتبرة أن يهود القارات الخمس لهم من الصفات والمميزات المشتركة ما يصنع منهم شعبا . . وهكذا راحت الحركة الصهيونية تنمي النزعة العنصرية لدى اليهود وتغذى مناخ الحقد والشوفينية والكراهية للآخرين من بني البشر معتمدة على تعاليم لا يمكن لانسان متحضر أن يقبلها ، مثال ذلك ما قاله الحاخام يوضاسى : ) اليهود أحب الى الله من الملائكة وهو عنصر الله كالولد من عنصر أبيه فمن صفع يهوديا فقد صفع الله ) .

وقول الحاخام باربانيل : ) الشعب المختار فقط يستحق الحياة الابدية اما باقى الشعوب فمثلهم مثل الحمير ( . وقول الحاخام ابراهام اسحق :

( نحن لا نختلف فقط عن جميع الامم ونتميز عنها بل ننتمي أيضا الى نظام روحى اعظم واسمى بكثير ، ولكى نعرف انفسنا عن حق  علينا ان نعي عظمتنا والا سقطنا فى الحضيض ( .

وهكذا سعت الحركة الصهيونية الى تعزيز الانكماشية اليهودية والى بلورة وهم أن اليهود يشكلون شعبا ، ثم انهم يشكلون شعب متميزا لا يذوب ولا ينبغي أن يذوب في باقى الشعوب كما راح منظرو الايدلوجية الصهيونية يبذلون جهدا خارقا لتكريس اسطورة وجود عرق يهودى وجنس يهودى مميز وينشرون مجموعة قيم ومفاهيم تحاول تبرير التزوير الفاحش الذي جبلت عليه الفكرة الصهيونية اساسا ، فعملوا على طرح اطروحة مجافية

للتاريخ ، وعملوا على تصوير الدعوة الكولونيالية على أنها حركة تحرر قومى وجعلوا من العنصرية والشوفينية معادلا وموازيا لمفاهيم التقدم والارتقاء التاريخي ، فطوروا الافكار العنصرية لموسى هيس التى نشرها فى كتاب " روما والقدس ، قراءة فى القومية اليهودية " عام 1862 والذي قال فيه : ) ان شعبا واحدا فقط هو شعب اسرائيل استطاع بفضل عبقريته العجيبة أن يجتلى آيات السنة الالهية فى تاريخ الانسانية وكذلك فى المجالات العضوية للحياة (

والذى قال فيه أيضا : هذا الشعب المتحصن بغريزته العرقية وحضارته ورسالته التاريخية لتوحيد البشر كافة باسم مبدع الاكوان الخالد استطاع المحافظة على قوميته متمثلة فى دينه )

وهكذا انطلق هرتزل من هذا المفهوم للادعاء بأن الشعب اليهودى المزعوم يتضمن الاصطفاء لتأدية رسالة عالمية اذ قال فى كتابه " الدولة اليهودية " الدولة اليهودية ضرورية للعالم ولذلك سوف يتم خلقها (

ووفق هذه المفاهيم جاءت الحركة الصهيونية لتولد عند الجيتو اليهودى وهمين :

الاول : ان اليهود ليسوا مجرد فئة اجتماعية متمايزة بدينها فقط بل هى قومية أيضا . اذن استحال الوجه الدينى وجها قوميا .

الثاني : بما أن اليهود يشكلون قومية مثل القوميات الاخرى فان لها الحق فى أرض مستقلة تحقق عليها ذاتها القومية وتحقق بالفعل ذاته انها قومية

من هنا راحت الحركة الصهيونية تعمق المشكلة اليهودية من أجل تبرير وجود الايدلوجية الصهيونية . فعندما سعت الحركة السياسية فى اوربا لدفع الفكر اليهودى المنعزل نحو مناخ جديد يتمثل فى القيم القومية التى نمت فى القرنين الماضيين ، كانت تلك المحاولة فرصة تاريخية ليهود اوربا الذين عانوا كثيرا من محاربة الكنيسة لهم فى اواخر العصور الوسطى نتيجة تعاملهم بالربا ، واستغلالهم اشتغالهم بالتجارة ، من أجل انهاء حالة الانكفاء الذاتى والتقوقع حول الذات التى جعلت اليهودى يعتبر نفسه متميزا عن الآخرين له جزيرة خاصة بلا جسور . . لكن الصهيونية التى كانت في حقيقتها تعبيرا عن طموحات للبرجوازية اليهودية الكبيرة المتلاحمة مع القوي الاحتكارية الرأسمالية اضاعت هذه الفرصة على يهود اوربا اذ عملت على

تسخير واستعمال يهود العالم ليكونوا موالين لها بعد حقنهم بمفاهيم عنصرية مشوهة .

لقد كان اليهود بالنسبة للحركة الصهيونية مادة بشرية خاما ضرورية لاقامة مشروع . وهذه المادة الخام تزداد فعالية كلما اصبحت انعكاسا دقيقا للايدلوجية الصهيونية أى أنها قوة تستمد حركتها وإرادتها من الخارج وليس من ذاتها . . وهكذا يستحيل اليهودى المحكوم برؤية صهيونية الى قناع للايدلوجية الصهيونية يمكن استعماله وتسخيره من قبل قيادته بالشكل الملائم وبسهولة كبيرة .

ان الايدلوجية الصهيونية كنظام ميتافيزيقى لا ترى فى اليهود محصلة لظروف الحياة الاجتماعية والتاريخية وانما جوهرا أصم غير قابل للتحول او التغير ، فهي ترى أن لليهود صفات خاصة مغايرة للآخرين تشكل يهوديته أى انها تنطلق من مفاهيم عنصرية لا انسانية . فترى اليهودى لا يتحدد بالتاريخ والمجتمع بل هو خارج نطاق التاريخ والمجتمع ، ومن هذا المنطلق تجعل مقولتها ) شعب الله المختار ( نقطة انطلاق فى حملتها التضليلية زاعمة ان اليهود ليسوا شعبا كالآخرين لكنهم ) أعلى درجات تتويج الخلق الالهى ( وبذلك فان احتكاكهم واندماجهم بالشعوب الاخرى يشكل وصمة للجوهر اليهود فالعزلة ضرورية لحماية نقاء جوهر ) شعب الله المختار ( .

هذه المقولة تقود تلقائيا الى مقولة ميتافيزيقية اخرى هى التناغم والتجانس بين اوساط اليهود ، فالصراع الطبقى مثلا الذى يحكم كل المجتمعات لايمكن ان يحكم ) الشعب اليهودى ذلك ان  الصراع الطبقى مبدأ التناقض فى حين أن ) الشعب اليهودى  يشكل وحدة منسجمة لا تناقض فيها ( على حد قول مارتن بوير . يضاف الى هذه المقولات العنصرية مقولة لاهوتية هى ) أرض الميعاد ( عبر عنها روشفالد اذ قال : ) ان اليهودى لا يستريح ولا يتخلص من اغترابه الا عندما يعانق أرض الميعاد ، وان هذه الارض تلعنه ما دام غائبا عنها ( .

وأكثر من ذلك فان ما تزعمه الحركة الصهيونية عن وجود امة يهودية عالمية تتكون من كل يهود العالم ايا كان انتماؤم المجتمعي والجغرافى يتجاوز حد التزوير ومحافاة المنطق والعلم الى حد القول بأن هذه الامة المزعومة تشكل ضمير البشرية وهي ارادة إلهية تتدخل فى الفترة الملائمة لتكبح البشرية عن اتخاذ مسلك خاطئ ، وضمن هذا الاطار فان كل من هو غير يهودى يشكل نقيضا وقامعا لليهودية

فهل نستغرب بعد اذن نتيجة الاستفتاء الذي اجراه أحد اساتذة علم الاجتماع بين طلاب المدارس الصهيونية الذين تتراوح اعمارهم بين تسع سنوات واربعة عشر سنة فكانت النتيجة أن 6 % من بين 1066 طالبا قابلها هذا الباحث قد ايدوا الافناء الكامل لكل الفلسطينيين المقيمين فى فلسطين المحتلة ، ما دام حابوتنسكى الذى يعد من أكبر رواد الحركة الصهيونية قد قالها بصراحة

سوف نطرد العرب من فلسطين وشرق الاردن ونقذف بهم الى الصحراء العربية وسنقيم الدولة اليهودية على ضفتى الاردن ( . . وما دام اسرائيل زانجوبل مؤسس المنظمة اليهودية للاستيطان قد اعلن أن ) من واجب اليهود أن يضيقوا الخناق على سكان فلسطين العرب حتى يضطروهم من الخروج منها ( . . وما دام مناحيم بيجن الوزير الصهيونى السابق وقائد عصابة الاراغون الارهابية الصهيونية قد قال بصراحة فى كتابه " الثورة " الذي طبع فى نيويورك عام 1951

) ان قصص مذابح منظمة الاراغون التى كنت اقودها قد ادت عندما تناقلها العرب الى فرار 635 ألف عربي فرارا جنونيا ( . .

ونعود الى ارض الميعاد التى عبأت الحركة الصهيونية اليهود من أجل أن يقيموا عليها دولتهم . . الا تتهاوى أكذوبة أرض الميعاد عندما نجد أن هرتزل وغيره من قادة الحركة الصهيونية قد ترددوا طويلا فى اختيار هذه الارض ففكروا مرة بقبرص وآخرى بالارجنتين وثالثة بأوغندا ورابعة بسيلان قبل ان تلتقى مصالحهم مع مصالح الحركة الاستعمارية العالمية فى أواخر القرن الماضي حول ضرورة خلق كيان صهيونى على أرض فلسطين . . هل كان هذا الكيان مجرد ملاذ لصهاينة من اربع وتسعين دولة فى قارات العالم الخمس يتكلمون اثنين وسبعين لغة مختلفة ؟

ان هرتزل نفسه لم يخف حقيقة هذا الكيان عندما قال في كتابه الدولة الصهيونية :

سنكون لاوروبا هناك قطعة منها مهدا أوروبيا فى وجه آسيا ، سنكون الحصن المتقدم للمدنية ضد البربرية ( .

فاتفق هرتزل بهذا المفهوم مع شافسبورج الذي كتب الى بالمرستون وزير خارجية بريطانيا مقترحا ) فصل الوطن العربي الى جزئين افريقي وآسيوى يخلق دولة يهودية تحميها بريطانيا ( . وقد زاد من أهمية خلق هذه الدول افتتاح قناة السويس

ومثل هرتزل كان ماكسل نورادو واضحا اذ قال : ) لم يكن على الحركة الصهيونية الا أن تظهر والا لكانت بريطانيا مضطرة الى خلقها ( . وعلى نفس المنوال قال موسى هيس قبل ذلك ) ان فرنسا لا يسعها الا ان تأمل بأن ترى طريق الهند والصين فى يد ناس مستعدين للسر معها حتى الموت ، وهل هناك شعب اخر مهيا لهذه المهمة غير اليهود ( .

اذن ليس سرا أن بدايات خلق الكيان العنصرى الاستيطانى الاستعماري الصهيونى فى فلسطين قد كانت مطابقة لبدايات خلق الكيان العنصري الاستيطانى الاستعمارى فى جنوب افريقيا ، وأن الفكر الاستعمارى الذى اخترع اصطلاح ) غير البيض ( هو نفس الفكر الاستعمارى الذى اخترع اصطلاح ) غير اليهود ( .

لقد قامت الحركة الصهيونية نفسها بنجاح فى اطار المشروع الاستعمارى مثلما فعل رودس وغيره من طلائع الاستيطان العنصرى فى افريقيا ، ولهذا لم تتطابق الصهيونية مع الاستعمار فى المصلحة المشتركه فحسب بل تطابقت معه فى الفكر العنصري والاساليب الارهابية . .

ولم يكن ضحايا العنصرية الصهيونية شعب فلسطين الذى اقتلع من وطنه وأبعد عنه بالارهاب والقهر والعنف فقط ، وانما أيضا اليهود انفسهم بالاضافة إلى الضحابا المحتملة والمرشحة والتى تشمل كل الشعوب العربية والافريقية وشعوب العالم الثالث . . لقد كان من اليهود من انتبهوا منذ البداية إلى أن اليهود انفسهم سوف يكونون ضحايا الصهيونية فعندما ناقشت الحكومة البريطانيا أمر اصدار وعد بلفور سنة 1917 الذى تضمن تعهد الحكومة البريطانية بدعم المشروع الاستيطانى الصهيونى القاضى بانشاء كيان استيطانى فى فلسطين ، كان معظم اليهود البريطانيين ضد هذا الاتجاه الخطير وقد عبر عنهم أودين مونتاجو الوزير اليهودى الوحيد فى الحكومة البريطانية انذاك عندما قال :

أن الصهيونية تهدد حقوق اليهود المتساوية ومركزهم في بريطانيا العظمى والبلاد الاخرى بادخال اليهود اللاإرادى واللاختيارى فى التكوين المزعوم للشعب اليهودى الذي يعمل الصهاينة من أجله . . ( .

ولم يتردد مونتاجو فى اصدار بيان عنوانه ) لاسامية الحكومة الحاضرة ( وزعه على زملائه الوزراء وقال فيه :

أن اسجل رأيي وهو أن سياسة حكومة صاحب الجلالة هي سياسة لا سامية من حيث نتيجتها . . انكم ستجدون سكانا فى فلسطين يطردون سكانها الحاليين ويأخذون أفضل ما في البلاد ( . وختم بيانه قائلا : ) انه اذا ساعدت الحكومة البريطانية الحركة الصهيونية فان فلسطين ستصبح فتو العالم ) .

ومثله قال اليهودى سلفن لوبرى ) اننى لست صهيونيا ولا أشاطر الصهاينة آراءهم ولا أجد أى مبرر لقيام دولة يهودية ) .

وكذلك فعل ما يناش حين قال : إن اليهود لا يمكن أن يشكلوا امة والقول بعكس ذلك هراء لان تسعة أعشار اليهود العقلاء يعارضونه ( .

الا ان الحركة الصهيونية التى كانت افرازا للحركة الاستعمارية والعنصرية قد طغت على معارضيها من اليهود واسكتت معظمهم بالارهاب والقمع ، ومضت متحالفة مع الاستعمار العالمي في تنفيذ مشروعها الاستيطانى فى فلسطين فهل كان باستطاعة هذا المشروع عندما قام الا أن يعزز ويصعد من الروحية العنصرية للصهيونية ؟

لقد كان الارهاب الجماعى هو الوسيلة الاساسية التى استخدمتها الحركة الصهيونية لاقتلاع شعب فلسطين من وطنه وغرس المستوطنين الصهاينة مكانه بعدما غذت روح الحقد والعنصرية لدى هؤلاء المستوطنين . . ولم يخف قادة الصهيونية هذا فها هو مناحن بيجن فى كتابه " الثورة " يقول :

( لقد كان الارهاب الطريق الوحيد الفعال لتأمين الاهداف القومية فى فلسطين وقد اشبعت الاساليب الارهابية رغبة جارفة مكبوتة عند اليهود للانتقام ) كما قال فى نفس الكتاب

لقد ساعدتنا مذبحة دير ياسين على انقاذ طبرية وحيفا بصفة خاصة ، ولم يبق من العرب الذين كانوا يقطنون المنطقة وعددهم 800 ألف سوى 165 ألفا ( .

ان الارهاب لم يكن مجرد اسلوب مارسته الحركة الصهيونية لتنفيذ مخططها الرامي الى اقامة كيانها الاستعمارى الاستيطانى فى فلسطين وانما كان ولا يزال السمة الاساسية لتركيب الحركة الصهيونية ولجوهر كيانها الاستيطانى والتعبير الواضح عن الطبيعة العنصرية الصهيونية ، هذه الطبيعة

التي تشكل محور تركيب المؤسسات الصهيونية . . وهذا ما جعل الكثير مر المفكرين اليهود يرون ما رآه المفكر اليهودى وليم زوكس مان حين قال :

) ان المرء يصعق بسبب ضخامة الكراهية والحقد التى تفيض كالنهر الذي لا تستوعبه ضفتاه فى كل الصحافة الصهيونية وعلى لسان كل الخطباء الصهاينة ) .

من هذه الكراهبة وذلك الحقد قد جعلا من القتل الجماعى والطرد والابعاد ومحو اربعمائة قرية ومدينة فلسطينية تماما عن الوجود ونسف ما يزيد عن عشرين ألف منزل للمواطنين الفلسطينيين في مختلف المدن والقرى الفلسطينية ، ومحاولة تصفية الشعب الفلسطيني عبر القهر والمذابح الجماعية التجسيد المنطقي لنزعة العنصرية الصهيونية والشوفينية والتمييز والاستعلاء وانكار حقوق الآخرين بل انكار وجود الآخرين . . . ألم يملأ القادة الصهاينة العالم ضجيجا وهم يقولون : ) ليس هناك فلسطينيون على الاطلاق ( ؟ . . ان الحركة الصهيونية هى حركة الغاء الآخرين ، كل الآخرين

ان التفرقة العنصرية التى يمارسها الكيان الصهيونى لا تجد شبيها لها في العالم لقسوتها وتميزها ، ففضلا عن أن قيام اسرائيل اصلا عام 1948 على أساس ديني عنصرى يشكل ظاهرة شاذة وغير طبيعية فى التاريخ ، فان النظام الصهيونى لم يقتصر على منح الحقوق للمستوطنين القادمين من شتى انحاء العالم وحرمان اصحاب الوطن الفلسطيني الاصليين منها بل راح يعامل الفلسطينين رسميا ويموجب قوانين معلنة كمواطنين من الدرجة الثالثة . . وكان طبيعيا أن لا يقتصر الاضطهاد والتمييز والارهاب على العرب الفلسطينيين بل أن يشمل أيضا اليهود الشرقيين ، فالتمييز يولد التمييز ، والتفرقه تولد التفرقة . .

لقد أصبح اضطهاد الاشكننازيم أى اليهود الغربيين امرا يهدد مشروع المجتمع الصهيوني المصطنع فى فلسطين المحتلة بالانفجار من الداخل

ألست ظاهرة غريبة أن لا يكون فى الوزارات المتعاقبة فى اسرائيل سوى يهودى شرقي واحد في كل وزارة رغم أن اليهود الشرقيين والافارقة يشكلون حوالى 65 % من يهود الكيان الصهيونى ؟

اليس غربيا أن يكون معدل الدخل السنوى للمستخدم اليهودى ذى الاصل الغربي 14400 ليرة اسرائيلية في حين يكون هذا المعدل للمستخدم الذي يتمتع بنفس المؤهلات ويؤدى نفس العمل 10،700 ليرة اسرائيلية ، أما

المستخدم العربي الذي له نفس المؤهلات ويؤدى نفس العمل فمعدل دخله السنوى 8،600 ليرة اسرائيلية

أليست ظاهرة ملفتة للنظر أن تكون نسبة اليهود الشرقيين والأفارقة من نلاميذ المدارس الابتدائية فى الكيان الصهيونى 60 % من مجموع التلاميذ فى حين تصبح نسبتهم في المرحلة الثانوية 33 % من مجموع التلاميذ ؟

أليس قيام منظمة الفهود السود بين اليهود الشرقيين والافارقة فى الكيان الصهيونى بأعمال العنف والمقاومة المستمرة ضد السلطة الصهيونية وضد اليهود الغربيين المسيطرين على مقادير الامور فى الكيان الصهيونى هو رد فعل طبيعي على سياسة التمييز العنصرى التى يعانون منها ؟

اليس القرار الاخير بعدم السماح لليهود الزنوج والملونين بالهجرة الى فلسطين المحتلة بحجة الحيلولة دون انضمامهم الى الفهود السود عنوانا واضحا لهذا التمييز ؟

ثم اليس التمييز بين اليهود وغير اليهود فى شؤون التوظيف والعمل الزراعي والعمل الصناعي وحتى استئجار المنازل يشكل ظاهرة لا تنتمى الى خلق القرن العشرين ؟

لقد حاول الصهاينة تصوير الكيبوتس وكأنه آخر كلمة فى قاموس الاشتراكة ومنتهى التقدم فى التطبيق الاشتراكى ، وفى نفس الوقت يتفاخر الصهابنة بانه لا يحق الدخول فى الكيبوتس الا لليهود . . اية اشتراكية هذه التى تقوم على العنصرية . . اية اشتراكية هذه التى تستولى على أرض المزارع الفلسطيني ثم تستأجر صاحبها للعمل بها كعامل زراعي . . أية اشتراكية هذه التى لا تسمح للسكان العرب بممارسة العمل النقابى

ثم أى نظام فى العالم غير نظام الصهيونية يحدد اماكن اقامة المواطنين اصحاب الارض الاصليين ولا يسمح لهم بالتنقل الا باذن من الحاكم العسكرى ويحول بينهم وبين زراعة ارضهم أو التصرف بها ويمنع معظمهم من حق التعليم وحرية العبادة والخدمات الصحية

هل يستغرب أحد بعد ذلك أن يكون الكيان الصهيونى العنصرى عبر تاريخه متعاونا مع منظمة الجيش السرى فى الجزائر ( o.a.s . ومع المستعمرين فى الكونغو وموزامبيق وزمبابوى وناميبيا وجنوب افريقية ، ومع كل بقايا وصنائع الاستعمار فى العالم ؟

اليست الروح اللا انسانية التى عبرت عنها جولدا مثير رئيسة وزراء الكيان الصهيونى السابقة حين قالت

) ان أكثر ما يقلقها هو الاطفال الفلسطينيون الذين يولدون كل صباح أليست هذه الروح هى الاب الشرعى للمذابح الجماعية والاعتداءات اليومية الصهيونية ضد العرب والتحالف الوثيق بين الكيان الصهيونى وبين الانظمة العنصرية المختلفة ؟

وبعد اسمحوا لى أن استعرض معكم بعض ما قاله الدكتور اسرائيل شاحاك استاذ الكمياء العضوية فى الجامعة العبرية فى القدس ورئيس لجنة حقوق الانسان فى الكيان الصهيونى فى كتابه ) العنصرية فى اسرائيل الذي نشر مؤخرا فى باريس ، ففي هذا الكتاب ما يغنيني عن الكثير مما يجب أن يقال حول العنصرية الصهيونية . . يقول شاحاك :

) اننى انفي أن الادارة الاسرائيلية فى الارض التى احتلت عام 1967 إدارة انسانية بل أصر على انها من اقسى النظم الادارية فى العصر الحديث واكثرها قمعا واضطهادا . . لقد كان أول عمل قامت به سلطات الاحتلال هو تنظيم عملية طرد واسعة النطاق للفلسطينيين من وطنهم . . وليست هناك الان عائلة فلسطينية واحدة لم تعان من تلك السياسة بخسارة أب أو أم أو أخ أو اخت ، متعرضة بذلك الى آلام انسانية يصعب وصفها . . ان السكان الذين ولدوا فى القدس وعاشوا فيها طوال حياتهم محرومون من حق العودة الى مدينتهم والعيش فيها . . ان الاحزاب السياسية ممنوعة فى تلك الاراض منعا تاما وحتى الاتحادات كاتحادات الحرفيين والطلبة والنوادى الثقافية ممنوعة أيضا ، والفلسطينيون محرومون من حق التظاهر والاضراب ويستحيل على الفرد منهم أن يغلق دكانه كتعبير عن الاحتجاج . . وفوق ذلك كله فان اسرائيل تنتهك بلا حياء كافة مواثيق جنيف فى الاراضى المحتلة ، لنأخذ على سبيل المثال نسف البيوت والعقوبات الجماعية الاخرى ، فعندما تعتقل سلطات الاحتلال متهما وقبل احالته للمحكمة وحتى قبل صدور قرار بتوقيف احيانا يصدر أمر بنسف الدار التى يسكنها ، وقد تكون الدار دار اهله وقد لا تكون ( .

ويستمر الدكتور شاحاك قائلا : ) ان الحوار الذى يجرى بين الحكومة الاسرائيلية وبين الليبراليين الكاذبين يقتصر على مدى جدوى هذه الاجراءات ، ففي اسرائيل لا يسمح لاحد أن يقول أن اعتقال طفل برئ وايقاع عقوبة قاسية به هو تصرف وحشي وهمجى ، فقول كهذا يرتقى الى درجة الطعن

والقذف والتجريح ، إذ انه يجعل الفلسطينيين وغير اليهود بشرا كاليهود تماما بينما يهتم الليبراليون الكاذبون بمصالح اليهود فقط . فيطرحون على انفسهم السؤال اللاانسانى التالي : ) هل اضطهاد الفلسطينيين مضر أم مفيد لصالح اليهود ؟ . . (

ويتابع الدكتور شاحاك قائلا : ) ان الاستيطان اليهودى داخل الارض المحتلة بحكم طبيعته يشكل طردا لاهل الارض وتمييزا ضدهم ويخلق نظاما من الابارثيد . فالارض التى تصادر أو تستملك بالقوة أو الخداع من اجل الاستيطان تتحول إلى أراض لا يسمح لغير اليهود بالسكن فيها سواء فى الوقت الحاضر أو المستقبل . أى أن هذه الاراضى تنتزع من اطارها الجغرافي الطبيعي لتتحول الى قواعد امبريالية نموذجية تخدم المصالح الاستراتيجية للدولة الكولونيالية ) .

وبعد أن يتحدث الدكتور شاحاك عن الارهاب الجماعى والفردى الذى نمارسه المنظمات الصهيونية والحكومية الاسرائيلية قبل وبعد قيام دولة اسرائيل وعن تفاخرها وتلذذها بممارسة هذا الارهاب وتمجيدها له ، وعن اغتيال القادة للفلسطينيين فى اوروبا والعواصم العربية وقصف المخيمات الفلسطينية والمدن والقرى العربية بالنا بالم والقنابل الموقوتة والاسلحة الاخرى المحرمة دوليا يصل الى القول

انها مسألة العنصرية اليهودية فمعظم اليهود يؤمنون أن اليهود وحدهم هم البشر وانهم وحدهم أهل للثقة ) .

ثم يقول الدكتور اسرائيل شاحاك : ) لكل ما تقدم فاننى لا اخشى لا فى هذا الميدان ولا في ميادين أخرى أن أقارن بين ما هو جار الآن وبين ما جرى للشعب الالماني في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين ، ولا اخشى أن أعلن بأن يهود اسرائيل ومعهم معظم يهود العالم يمرون بعملية تحول نازية )

ان ما قاله هذا الاستاذ الجامعي اليهودى قد أكده الصحفى البريطانى مايكل آدمز فى صحيفة الغارديان حين قال :

ان الموقف الاخير لشعوب العالم في الامم المتحدة حين قررت أن الصهيونية شكل من اشكال العنصرية ، اسهام عالمي في تصحيح مسيرة التاريخ ولسوف يتعزز أكثر نضال كل الشعوب المحبة للعدل والسلام والحرية وصولا الى اتمام تصحيح هذه المسيرة وخلق العالم الافضل الذى نناضل جميعا من أجل خلقه .

اشترك في نشرتنا البريدية