العمامة هي : شقة من النسيج ثلاث حول الرأس بعد طيها على قدر معين او تبرم مثل الحبل ، ومن العادة ان تلف العمامة فوق القلنسة أو الشاشية ونحوهما ، وكل دور من العمامة يدعى الكور ، وجمع عمامة : عمائم و (العمائم تيجان العرب ) ويقول : عمم - الرجل أى سود وقدم ، وقال العجاج :
(وفيهم اذا عمم المعمم ) وكان العرب اذا سودوا رجلا عمموه عمامة حمراء واذا قيل أرخى فلان عمامته فالمعنى : انه صار فى رخاء وخير وأمن ، وقال بعضهم :
القى عصاه وأرخى عمامته ، وقال : ضيف ، فقلت : الشيب ، قال أجل .
والعمامة زى اسلامى عربى ، لم يكن فى تقاليد عرب الجاهلية حسبما نفهم مما رواه الامام على كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال :
( ان العمامة حاجز بين المسلمين والمشركين ) (1) وروى أبو خارجة عنبسة بن ابي خارجة (2) - ان مالك بن أنس رضي الله عنهما انه قال : ( ومما يقوى العمامة عندى ان الميت يعمم ، والعمامة والاحتباء والانتعال من
عمل العرب ) . قال أبو خارجة : فقلت لمالك : (هل كانت العمة في الجاهلية ؟ ( فقال مالك : (كانت العمامة فى أول الاسلام ؟ ) (3) .
اهتم المسلمون على مر العهود بالتعمم واعتبروا العمة زيا رسميا لهم فى الحضر والسفر اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام واصحابه من بعده .
وقلد المسلمين فى هذا الزى جل من احتمي بهم وصار فى ذمتهم مثل اليهود والاقباط وغيرهم ، غير ان عمائمهم كانت تخالف عمائم المسلمين
ولم تنفرد العمامة فى تقاليد اللباس عند المسلمين بل شاركتها القلنسوة والشاشية والغفارة فى المغرب والاندلس والكوفية والعقال فى الجزيرة العربية وبلدان الخليج العربى والعراق والكلوتة والطربوش فى مصر وغيرها مع ان العمامة واصلت الوجود فى كل الاقطار العربية والاسلامية وان اثر عليها التطور فى العهود الاخيرة واخذت تختفى تحت تأثير المدنية الغربية وغزو البدلة الاوربية التى لا تنسجم معها العمامة وتوجب اتخاذ غيرها من انواع ألبسة الرأس أو الاستغناء عن ذلك وحسر الرأس كما نرى .
تقاليد العمامة بتونس :
من المحقق ان لكل شعب تقاليده الخاصة به يتوارثها أفراده ويحافظون عليها فى اعتزاز ، وان غزاها التطور ، وأخذت المتاحف تشملها .
وللعمامة فى تونس تقاليد كانت متبعة تبتدى من تسميتها ، اذ هي عندنا تدعى : (الكشطة) بفتح فسكون ، وكان يلبسها رجل العلم منذ شروعه في حضوره مجالس العلماء ، والرجل الشعبى من ليلة دخوله على عروسه وندر من كان يلبس العمامة قبل ذلك اللهم الا اذا كبر وشاخ ... هكذا كانت التقاليد .
واشتق من الاسم (الكشطة) تكشط - يتكشط - المتكشط - والجمع اكشط ويدعى لف الكشطة ( رمى ) واختص برميها الحلاق ، ويقال : (الحلاق الفولانى ماهر في رمي الكشطة ) وكان الحلاق يتعاون مع غلامه فى برم الكشطة أو
طيها ، ثم يشرع فى لفها على رأس زبونه بعد ان يكسيه الشاشية ويسوى ذؤابة الحرير السوداء ، وكلما كور العمامة يضغط على الكور بكفه ليلتحم مع الكور السابق وتبدو العمامة جميلة منتظمة .
وكان بدكان كل حلاق (زمالة) وهي عبارة عن مرفع صغير مستدير توضع عليه العمامة عندما يشرع الحلاق فى حلق رأس الزبون .
وكل من يلبس الكشطة كان له بحجرة نومه زمالة فوق الجدار المجاور لسرير نومه وكان الناس يتباهون بكبر العمامة ، وفي القرن الماضى " العمائم التى يلبسها أهل صفاقس أكبر من مثيلتها فى مختلف المدن الشرقية وتشبه الى حد ما لباس الرأس الذى كان سائدا بالقسطنطنية " (4) .
ومما يذكر فى هذا المجال ان الشيخ المفتى عبيد اللومي الصفاقسى (1056 ه) كان له عمامة ضخمة جدا ، وذات يوم كان مارا يسوق العطارين بالعاصمة اذ سمع أحدهم يقول لمجالسه : (عمامته محشوة قطنا ؟) فرجع اليه الشيخ وقال له : ( بل هي محشوة علما فاسالها تجبك ؟ ) فاعتذر القائل وصفح الشيخ (5) .
وكان طول العمامة الكاملة خمسة أمتار وعرضها 40 صنتم ، ونصف العمامة نصف المقدار المذكور وربعها ربعه ، وكل شخص يتعمم بما شاء .
والعمامة تتخذ من الصوف أو القطن أو الحرير ، ويختلف لونها باختلاف مقام لابسها كما سيأتى .
ومن الامثال الشعبية ، يقال لمن كان عصبي المزاج سريع الانفعال :( فلان كشطة واربط) ؟
العمامة البيضاء :
كان علماء تونس عامة وفقهاؤها يعتمون بعمائم بيضاء اللون فى عرض اصبعين أو أكثر أو مبرومة ، ومنهم من كان يتعمم بــــــ ( كشطة قلمانى ) وهي
بيضاء (مقلمة ) بلون ذهبي وتدعي ايضا (كشطة زيتة ) وتمتاز عمامة كبار العلماء والقضاة بالكبر ، ومنهم من كان يعتم بـــــ (الملوسة ) وسيأتي الحديث عنها .
وكان اصحاب الحرف كالنجارين والحذائين والحاكة وباعة الاسماك ومن فى حكمهم يعمون أيضا بالعمائم البيض بها زخارف بيضاء وتدعي ( عمامة منقوشة ) .
العمامة الصفراء :
العمامة الصفراء نوعان : - صفراء غير داكنة كلون التبن وهى من الحرير موشاة وتستورد من الهند او من المشرق العربى ويعتم بها الوجهاء وكبار التجار والولاة ومن فى حكمهم ، منهم من يلبسها مطوية فى عرض ثلاثة أصابع تقريبا وتدعي (كشطة محلولة ) ومن العادة لاتلاث هذه العمامة على ذؤابة الحرير بل تبقى ( النوارة سائبة ) ومنهم من يبرمها كالحبل .
- والنوع الثاني : الصفراء الداكنة وهى موشاة ايضا ويلبسها فى الاكثر بعض أهل جزيرة جربة وقرقنة ، وبعض جهات الساحل التونسي . ومما يروى ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يصبغ ثيابه بالزعفران حتى العمامة (6) .
العمامة الخضراء :
كان يلبس العمامة الخضراء الشرفاء أى الذين ينتثبون الى البيت العلوى وهم المنحدرون من سلالة الامام على بن أبى طالب رضي الله عنه ولابسها يدعى (الشريف) وكان فى القديم - حسبما ورد فى عقد آل الهنتاني - يثبتون علامة الشرفاء وتدعى (الشنيار) وهو اخضر اللون ، وهذه العلامة استحدثها سلطان مصر وسورية الملك الاشرف سنة 773 ه اذ أمر في هذا التاريخ بأن يجعل كل شريف عصابة خضراء مستديرة من الصوف على بعض لفاف عماته (7) .
وكان من العادة احترام شعار الشرف لذلك كان الذى يلبس عمامة خضراء لا يجلس بالمقهى ولا يدخل بها الى المرحاض .
العمامة الحمراء :
لقد ورد نصان أدبيان تاريخيان يثبتان انتشار العمامة الحمراء فى العهد الصنهاجى بتونس ، أحدهما يثبت ان الذى كان يتعمم بها فى أعلى مستوى بينما الثاني في مستوى شعبى متواضع ...؟ وهذا فى نظرنا ان دل على شىء فانما يدل على ان العمامة الحمراء في العهد الصنهاجى كانت تعتبر زيا حضريا عصريا متبعا ، مع اننا لا ننسى بأن العرب كانوا إذا سودوا عليهم احدا يعممونه عمامة حمراء كما سبق ذكره .
النص الأول :
قال أبو اسحاق الرقيق القيروانى اثر انتصار مخدمه الامير باديس الصنهاجي في احدى غزواته بالمغرب وقد اجتاز وادى (شلف) سنة 406 ه . وعرضت لى أبيات بعد ان صعدنا من الوادى ، وقد لقينا به مشقة شديدة غير ان حلاوة الظفر والفوز بالسلامة انسى ذلك وهى :
لم انس يوما بشلف راع منظره وقد تضايق فيه ملتقى الحدق
والخيل تعبر بالهامات خائضة من سافح الدم مجرى قانى الفلق
وقد بدا معلما باديس مشتهرا كالشمس في الجو لا يخفى عن الحدق
تعلو عمامته الحمراء غرته كانه قمر فى حمرة الشفق (8)
ان ابراهيم الرقيق يثبت لنا ان الامير باديس كان يعتم بعمامة حمراء .
النص الثاني :
قال ابن الرشيق الشاعر الناقد يتغزل فى غلام يعتم عمامة حمراء :
يا من يمر ولا تمـــــــ ــــــر به القلوب من الفرق
بعمامه من خده أو خده منها استرق (9)
فمن هذين الوثيقتين نتحقق شيوع لبس العمامة الحمراء في العهد الصنهاجى . بينما فى العصور المتأخرة اختص بلبسها الفلاح والجمال والحمار وان شاركهم غيرهم فبقلة .
ومن الملاحظ ان الجمال فى القرن الثالث الهجرى كانت عمامته من الصوف وكبيرة .
العمامة السوداء : فى عهد غير بعيد كان اليهود بتونس يلبسون العمائم القطنية السوداء اللون .
العمامة الحفصية : قال القلقشندى : ان السلطان الحفصى بتونس كان يعتم بعمامة ليست بمفرطة فى الكبر بحنك وعذبة صغيرة (10) .
وروى عن ابن سعيد انه قال : ان له عمامة كبيرة من صوف وكتان فيها طراز من حرير ولا يتعمم أحد من أهل دولته قدرها فى الكبر ، وذكر ان عذبة عمامته تكون خلف اذنه اليسرى وانها مخصوصة به وبأقاربه . وكان رجال دولته امتازوا بصغر العمائم وضيق القماش (11) .
الملوسة : الملوسة نوع من العمائم التى كانت خاصة بالعلماء وتبدو تركية الاصل
فعلماء مدينة تونس فى القرن الثالث عشر الهجرى وعدولها كانوا يلبسون الملوسة والطيلسان ، ويبدو ان العدول كانت مفروضة عليهم اذ ورد ان احدهم - وكان بشع الخلقة - استقلها ولم يقدر على تركها مما جعله يستنجد بعالم عصره الشيخ ابراهيم الرياحى ليتشفع له فى ذلك لدى الشيخ محمد بيرم الثالث ليعفيه منها ، فالقى الشيخ ابراهيم أبياتا بين يديه منها :
كبرت عليهم انها لكبيرة منصوبة علما على التمييز
وأشار لقبح من لم يخلق رأسه لحملها :
فعلى فريق منهم هى مثلة ولبعضهم زلفى الى التبريز ؟؟
فعفاه منها (12)
ثم صارت الملوسة شعار أهل المجلس الشرعى باختلاف قليل بين الحنفي والمالكى فى شكلها الاسطوانى ( 13 ) .
الزمالة : الزمالة عمامة فارسية الاصل وهى ذات لف مشحوط لطيف ، جاءت مع الاتراك وكان يلبسها القائد التركى (خير الدين بربوس) المشهور بغزواته وعلماء الاتراك ، ثم صار علماء تونس أو بعضهم يلبسونها عوض العمامة في الاعياد (14) والزمالة كانت من شعار من يتولى رتبة خزندار فى الدولة . وصار الناس ينحتونها من حجارة الكذال ويجعلونها شواهد فوق قبور العلماء (15) .
