الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 7الرجوع إلى "الفكر"

الفضيحة

Share

لست جميلة كما يجب أن يكون الجمال . . ومع ذلك كانوا يقولون لى : - إنك جميلة . . جميلة جدا . .

وكنت أقول مع نفسى وأنا أحس بالزيف فى كلماتهم ، إن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد تغرير ورغبة فى الوصول الى إطفاء شهوة عابرة ونزوة زائلة  وبعدها . . بعدها يحصل لي كما يحصل لأي امرأة أخرى تجلبها كلمات من عسل وتخلب لبها همسات مخدعة وجمل ظاهرها ورد ومضمونها شوك وعلقم . . لأن المرأة . . أى امرأة حتى ولو كان جمالها يفوق الوصف ويتحدى كل تعبير ، كما كان يقال لى نفاقا ، تصبح لا شئ . . باهتة وتافهة وسخيفة عندما تنتهى وظيفة الرجل منها أو عندما تنتهى وظيفتها مع الرجل ..

هكذا كنت أقول . .

ولكن بعضهم كان يعرف كيف يجعلني أنخدع فأقبل زوره وكذبه دون أن يترك لي مجالا من الوقت أفكر فيه وأحدد موقفي . . فكنت امتلىء شكا ووسواسا وبينهما رعشة تفاؤل . . وكلما قابلت المرآة أسألها اكتشفت أن جمالي كله تجمع فى ساقى الملفوفتين وخصرى  المثير وشعري المسترسل ولا شئ بعد ذلك منى ينطق بالجمال على الاطلاق . وكنت وقتها استحضر قولة صادفتها يوما ما فى كتاب لا أذكره الآن تقول :

- إن المرأة دوما ضعيفة . . فاذا كانت جميلة استغل فيها الرجل غرورها بجمالها وإذا كانت دون الجمال استغل الرجل فيها شكها فى نفسها .

عندنا نحن النساء جملة نرددها . . ونكاد نتفق عليها من غير أن نأتمر أو نعقد جلسات عمل . . وهذه الجملة هي : كل الرجال سواء . . وهذا خطأ .. إن بين الرجال من هم أشد قسوة وأضخم كبرياء . وبينهم من هم أقل تفاحشا  وأكثر رحمة . . وبينهم كذلك من يدفع ثمن غيره . . تماما مثلنا نحن النساء .

الشئ الذى يتساوى فيه الرجال - أو يكاد هو أن أى واحد منهم لا يرضى بانقاذ واحدة منا نحن جنسهم اللطيف ، كانت ضحية رجل آخر غيره . . لانه يحس فى ذلك اهانة ومذلة له ومساسا بشخصيته وكرامته . . أو لنقل بصراحة ، لأنه يحس فى ذلك تجريحا لكبريائه . . وهذا أيضا خطأ . . خطأ لأن المرأة منذ  بدأ وعيها وادراكها . . تهتم بشئ واحد لا ثانى له . . وهو البحث عن رجل نجد فيه نفسها . . وتجد فيه العطف والحنان فتعيش له وتحيا تحت رحمته الى  الأبد مخلصة مطمئنة . . فان هي وجدته انتهت كل مشكلاتها وكانت سيدة بيت . . وان حدث العكس فسرعان ما تنهزم وتتحول الى بضاعة من البضائع  المعروضة على قارعة كل طريق . . وفى كل زاوية وركن من زوايا وأركان  الشوارع . . لكل مار فيها نصيب مع اختلاف قيمة ذلك النصيب وأهميته ..

صحيح أننا لا ندرك قيمة الأشياء إلا عندما تتضخم وتكبر ..

وقد ندمع . . ونتأسف . . ونتألم ونتبرم تحت وطأة الضمير ولكن في وقت نصير فيه كل تلك الأشياء هوامش أو امتدادا طبيعيا لخطأ اقترفناه مهما كان ذلك الخطأ ومهما كانت الطرق المؤدية اليه أو الأسباب الدافعة اليه . .

على كل . . لمست بحاجة الى تعليل موقفي ٧٠٠ وبعبارة اشد وضوحا لست فى حاجة الى الدفاع عن نفسي والبحث عن مبررات مقبولة وأعذار جائزة بعد كل الذي حدث . . وبعد النتائج التى حصلت عليها والزوابع التى حصدتها في نهاية المطاف . .

ويكفى أن يشفع لى عند الآخرين أنني واحدة من ضحايا مجتمع يبيح لنفسه  أن يصنع الضحايا .

* لست أدرى لماذا يحلو لنوع من الرجال - وهو النوع الذي عرفت - ان يضع دوما رفيقته المرأة فى قفص الاتهام ليمسح فيها تهم الخطيئة . . مع أن كل خطيئة قد ترتكبها المرأة عن طواعية أو مجبرة ، يكون سببها الرحل

نفسه . . فاما كان هو الدافع اليها أو كان هو الغاية منها . . فالمرأة لا تخطئ وحدها وانما تخطئ مع رجل ومن أجل رجل . .

ومع أنني لا أفهم في القوانين ولا يهمني أن أفهم فيها فاننى أكتفى بما قلته تحاشيا للاصطدام بالرجل وهو طبعا مخطط كل القوانين وان كان هو السبب الرئيسى باستمرار فى خرقها والخروج عن حدودها . .

والدى سامحه الله . . أول رجل أخطأ فى حقي . . لقد كان يهيننى  ويحتقرني ويصب على جام غضبه بدون اسباب سابقة . . وكان لا يخفى كرهه لى بين إخوتى وكلهم ذكور . .

وكان نصيبى منه . . كل نصيبي . . أن يصرخ فى وجهى كالمعتوه ويغرقني فى بحر شتائمه الذى لا يحد ، من أخمص قدمى الى أعلى قمة رأسى . . وكان يحمل يمناه الى فوق ثم يهوى بها على وجهى فى صفعة قوية كالبركان وكأنما يحس بلذة ونشوة عندما يفعل ذلك . . وكلما بحثت عن ذنب وجدت أن ذنبى - إن كان فعلا ذنبي - هو أننى بنت . . وكان عزائى الوحيد أن أبكى بمرارة .. إلا أن البكاء ليس حلا . . وهذا شىء أعرفه . . ولكن ما حيلتى والدموع وحدها كل السلاح الذى أملك . . إني مثل كل فتاة ضعيفة ومغلوبة على أمرها .. ومن ثم كان ضروريا أن أحتمى بالسلاح الأوحد الذي أملكه وهو كما أسلفت .. الدموع والنحيب . . ثم الصبر ..

* كنت كأي فتاة محرومة من عطف وحنان . . منذ وعيت أبحث عن ذلك العطف وذلك الحنان في أى وجه من الوجوه الغريبة التى أصادفها فى طريقي . . وفي أى كلمة من الكلمات التى أسمعها وفي كل جملة من الجمل التى أقرأها وفى أى شئ من الأشياء التى تحيط بى داخل البيت وفى المدرسة والشارع . . فكنت أتحسس كل وجه يقع عليه بصري . . وأتحسس كل كلمة تصطدم بها أذني . . وأتحسس كل سطر من السطور التى أقرأها برغبة أو بدون رغبة فى القراءة . .

فكانت كل كلمة عذبة تجعل قلبي يرتعش . . وكل همسة رقيقة تهز جذور احساسي . . وكل نظرة لطيفة تجعل شعورى يتفتح كزهرة لم تبرح بعد أحضان الشوك الذى تنمو بين جنباته . . فكانت البسمة التى لا تعرف طريقها الى 918        110

تغرى داخل البيت . . تغزو طريقها الى شفتى ثم لا تلبث ان تتقلص وتحتجب بنفس السرعة التى أشرقت بها . . فكان يحدث لي مثلما يحدث للمصباح الذي بنور فور الضغط على الزر ثم ينطفئ نوره فور اعادة الضغط على ذلك الزر من غير أن يفهم المصباح السر فى ذلك . . ومن غير أن يتحكم هو فى الزر . . ومع ذلك فكثيرا ما كانت ابتسامتى تؤول وتفسر بغير تفسيرها الحقيقي من طرف الآخرين . . والآخرون طبعا هم المشكل القائم فى حياتنا خاصة نحن النساء . .

* أمي . . لا كلام عليها فى هذا المجال . . فقد كانت دوما أضعف ارادة ومشلولة المواقف أمام تصلب والدى وكبريائه . . لا سلطة لها علينا ولا حتى حق التدخل لنا أو علينا . . مع أني كنت الوحيدة التى تحتاج اليها ، لأن اخوتى الثلاثة كانوا يكونون الامتداد الطبيعى لابى . . اى انهم كانوا يحرصون أشد الحرص على مضايقتى وخنق أنفاسى وحبس تصرفاتى . . وكان عذرهم في ذلك أنهم تعلموا من والدى . . وفلسفة والدى تقول إن الرجل هو كل شئ . . أما المرأة فينبغي كبتها والضغط عليها حتى لا تصمه بالعار وتمس كرامته بسوء وتسود ملف حياته . . ونسى والدى نظرية علمية مثبتة ، قرأتها وأنا صغيرة ، والنظرية تقول : إن الضغط يولد الانفجار . . وحتى اذا كان والدى لم يقرأ هذه النظرية ولم يعرف شيئا عنها لانه لم يدخل المدرسة فى حياته ، فان اخوتى تنكروا لتلك النظرية مثلما تنكروا لغيرها . . فكانوا مثله تأثرا بأسلوبه فرفضوا جل ما تعلموه ، أو إن جل ما تعلموه ظل حبيسا فى حجرة الدرس كما يحدث للهواء عندما يفسد فى غرفة لا يجد بها منفذا .

وإذا كان لا بد من قول الحق كاملا . . فان أمي حاولت جهد الامكان والمستطاع الدفاع عنى والتدخل لصالحى ولكنها كانت لا تفلح . . وكانت فى كل مرة تحاول خلالها ذلك تتكبد الكثير من الشقاء وتتعرض الى الضرب والتهديد بالطلاق والطرد من طرف سيدنا آدم الغريب العنيف ، أقصد والدى . . ولذلك كثيرا ما كنت سببا فى إثارة خصومات حادة ونزاع يقيم الدنيا حولنا ويقعدها . . نزاع يستغرق اياما طويلة وقد يمتد الى أسابيع  وشهور يتحول أثناءها بيتنا الى جحيم لا يطاق بسبب الصمت الرهيب الذى  يطبق على كل شئ حتى حركات الأوانى . .

وكلما حدث ذلك ، وكثيرا ما كان يحدث ، كنت أنا وأمي نعيش فى عزلة عن أبي واخوتى . . رغم أن بيتنا ضيق ، فليس هناك إلا مسافة قصيرة تفصل

بين جهاته وأركانه وبين حجرتين هما كل ما يتكون منهما هذا البيت الذي يثن تحت قدمى والدى المستبد العاصف ..

وكنت أنا وأمى نحتل الحجرة الصغرى ومعنا شقيقى الأصغر قبل أن يتم الصلح بين أبى وأمي وقبل أن يصدر والدى عفوه عليها . . فقد كان دوما هو الذي يبدأ بمحاورتها وكان ذلك يعنى عودة المياه الى مجاريها . . وكنا جميعا حتى أمي ننتظر ذلك العفو والصفح منه كلما حدث نزاع بينهما أومشادة تؤدى الى انفجار ثورته العارمة . . وكنا كلما عادت المياه الى مجاريها نحس بنوع من السعادة والفرح . . فنعود جميعا أنا واخوتى الى الاجتماع والرقاد فى حجرتنا الصغيرة المشتركة ، فى حين تعود أمي الى مشاركة والدى فى غرفتهما الكبيرة المزدانة جدرانها بصور ملونة للامام على ابن ابى طالب وبعض الأئمة ومشايخ الدين القدامى . .

كنت في ذلك الوقت تلميذة فى السنة الثانية من الدراسة الثانوية . . كنت قد بدأت فى استيعاب الأشياء وإدراك الأمور . . وبدأت أجتر الايام مثلما تجترني . . وبدأت أحشر نفسى فى اختبارات ذاتية استكشف بها خبرتى ومقدرتى وأوازي بين عقلي وقلبى . . وبين مشاعرى وأفكارى . .

بدأت أحس أن السعادة حلم يراودنا ويزورنا بين حين وآخر . . وان الشقاء . . كل الشقاء أن نحلم بشئ لا نصل الى تحقيقه ولا نتمكن من ممارسته . .

لست بحاجة الى القول إنى كنت تلميذة مجتهدة ومواظبة إلى أبعد حدود الاجتهاد والمواظبة . . ومستقيمة كما تكون الاستقامة . . ولكن . . سرعان ما تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن ، فقد ماتت أمي بعد عشرة أيام  من الترنح والألم والأنين والتبرم . . بعد عشرة أيام بلياليها كنا جميعا خلالها مرضى لا نعرف لذة النوم ولا لذة الأكل أو الشرب . .

لقد أصابها مرض فجائى ولكنه كان قاسيا وعنيفا . . مرض لست أعرف حتى الآن نوعه وأسبابه . . ولا أين كان مستقرا داخل جسدها الذي كان يتلوى وتتصاعد منه حرارة قوية . . خصوصا وأن أبى لم يستدع لها طبيبا ولا حملها الى طبيب بل تركها بين مخالب الألم تئن وتزفر الى أن فارقت الحياة . . فشعرت عندها أني أزداد كرها لأبي . .

بعد ثلاثة أشهر ونصف شهر بالذات والتحديد . . من يوم وفاة أمي ، كان بيتنا يستقبل سيدة أخرى . . زوجة والدى الجديدة . .

كانت كثيرة الكلام والثرثرة . . سريعة الانفعال والغضب . . معجبة بنفسها وبجمالها . .

زوجة أبي شابة جميلة وجذابة . . اذا وقفت الى جوار والدى حسبتها احدى بناته فهو يكبرها بفارق كبير من السنوات حتى أنى كنت أتساءل مع نفسي كيف قبلت الزواج منه .

ونسي البيت بمن فيه سيدته الأولى . . أمي . . وكنت الوحيدة التى تحتضن فى قلبها وعقلها وشعورها صورها وذكرياتها . . وكلماتها وحركاتها . . فكان ذلك يعذبني كثيرا خاصة عندما أسند رأسي على الوسادة لأنام . . ومع ذلك فلم أكن أحس بشئ من الكراهية لزوجة والدى الجديدة التى احتلت مكانة  أمي عند بقية الموجودين معى بالبيت . .

كان بيتنا كما سبق أن أشرت الى ذلك اشارة سريعة ، يتكون من حجرتين ومطبخ . . وهو بيت يأتى فى نهاية صف طويل ممتد من البيوت التى هى فى شكله وعلى نسقه . . فى حي شعبى يضم أكبر عدد من سكان المدينة ومعظمهم فقراء وعاطلون . .

كانت الحجرة الكبرى لابى وزوجته الشابة الجميلة . . والحجرة الصغيرة تضمنى أنا واخوتى الثلاثة . .

الذي حدث بعد زواج أبى بأيام معدودة . . أني بدأت أحس كلما انتصف الليل او انقضى جله ، بيد تمتد نحوى من الظلام . . يد مرتعشة تحط على جسدى وأنا غارقة فى النوم أو سابحة بأفكارى فى أوهام ومتاهات عميقة  الغور . . فكنت لا ألبث أن أقفز مذعورة وبى رغبة فى الصراخ . . ثم أنير المصباح الكهربائى - الذى لا تتوفر عليه كل بيوت حينا - فلا أجد من حولى  شيئا غير اخوتى الثلاثة . . كل واحد منهم في مكانه . . نائمون فى طمأنينة  وسكون . . فأعود الى النوم رغم ما يساورنى من شكوك ويتم خوف شديد ٠٠

وبعد ليال تكرر أثناءها الحادث تأكد لى أن اليد التى تمتد الى لتلمس جسدى ليست وهما وليست مجرد شعور . . كانت يد أخي أحمد .

أخي أحمد أكبرنا سنا . . لقد أصبح الآن شابا فى الخامس والعشرين من عمره . . إنه نسخة طبق الأصل من أبى فى قسوته بل حتى فى ملامحه وأوصافه واعتماده على القوة والعنف ..

كنت أخشى أحمد وأخاف منه مثلما أخاف من أبى بل انه أحيانا يكون أشد رهابا من أبى . . وقد ازداد خوفى منه عندما عرفت أنه صاحب اليد التى تمتد نحوى كل ليلة . . كنت أتصوره يخنقنى . . يمزق جلدى بأظفاره الطويلة التى قلما يعنى بتقليمها . . فكنت أتبع بكل احساسي حركات يده المرتعشة وهى تتلمس جسدى . . ثم تنتقل الى صدرى . . فتزحف بعد قليل الى شفتى ثم تلبث أن تستقر فوق خصرى . . كنت أحس بشئ كالماء الساخن ينزلق فوق أعضاء جسدى . . تأتى بعده موجة الارتجاف تكسو بدني من فوق الى تحت ومن  نحت الى فوق فكنت احاول كبت انفاسى وأنا أتظاهر بالنوم العميق . . وبعد ذلك صرت أبدى شيئا من المقاومة بطرق غير مباشرة طبعا خجلا من ( أخى ) .. فكنت ألف جسدى كله فى الغطاء . . وأدفع عني يد أخي كلما امتدت الى .. ولكن أخي أحمد لم يتورع من الاستمرار فى فعلته التى جعلت كيانى  يضطرب . . وهكذا وجدتنى أغرق فى حيرة عنيفة . . فى عذاب . .

منذ ذلك التاريخ . . تغيرت نظرة أحمد الى . . أخي أحمد . . تغير موقفه منى . . رغم ما كان يبدو عليه من اضطراب كلما تقابلنا نهارا بالبيت أو  خارج حدود البيت . . لقد صرت شيئا له أهميته . . يجد من بدافع عنه . , ويناصره داخل البيت . . أخي أحمد فى الذمة . . وكنت أتساءل بيني وبين نفسي . . هل هو أحمد . . أم أنه تغير الى انسان آخر . . ؟ ! انسان هادئ ولطيف . . وكنت أقول انه فعلا أحمد ولكن فى صيغة اخرى غريبة . .

- يتبع -

اشترك في نشرتنا البريدية