الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 10الرجوع إلى "الفكر"

" الفلسفة الجديدة " في فرنسا

Share

أ ) العرض :

من هؤلاء " الفلاسفة الجدد " ؟ وما هى فلسفتهم ؟

سؤالان أصبحا يطرحان بالحاح فى كل الاوساط داخل فرنسا وخارجها . وفى هذه الدراسة سأتعرض لاشهرهم ولا أقول : لأعمقهم لان عمليتا الغربلة واللفظ أو الترسيخ ( التأصيل ) لم تتوضح معالمهما بعد . كما سأحاول تنظير وتقييم محاور فلسفتهم وابراز قواسمها المشتركة . مع الملاحظ أنى لن أتعرض لا لموريس كلافيل ولا لـ " بـ . هـ . ليفى " لعدم تمكنى من أعمالهما . وسأكون موضوعيا فى هذه الدراسات .

1 ) فرونسوا شاتى     Francois CHATELET

نقد بشدة فى كتابه فلسفة الاساتذة " الصادر سنة 1970 الطرق التعليمية المستعملة فى مادة الفلسفة فى المعاهد الثانوية وفى الكليات المختصة متهما اياها بأنها ليست سوى ايديلوجيات برجوازية ، فرضتها البرجوازية وربطتها بمصالحها . ومواد الفلسفة منتقاة بحذق وبتعمد " لغاية فى نفس يعقوب "

كما نقد مدرسى الفلسفة الذين سقطوا فى الاحبولة التى نسجتها البرجوازية باحكام ، وطالب بتجديد الفلسفة وبتجديد طرق تدريسها .

2 ) جاك دريدا        Jaques DERRIDA

1 ) شهر بتغليب الفلسفة الغربية للمنطوق على المكتوب وبين ان هنالك رابطة جوهرية بين الظاهرتين مثل الرابطة الموجودة بين الروح والجسد . وحتى اذا تضاد المنطوق مع المكتوب فان هذا التضاد شبيه بالوجود بين الروح والجسد لان المنطوق لا كينونة مادية له الا بواسطة المكتوب .

2 ) والمنطوق تلاعب في الفرق أو تباين بين معاين ، مع أنه لا وجود لمنبع مطلق للمعنى ، وحركة الفرق هى التى توجد الذاتية وأخص خصائصها الفكر والشيئية الموضوعية بما فيها الحياة ، التى هى محاولة دائبة لتركيز الفروق بينها وبين الموت .

3 ) وقال بمادية الرمز وبأنه وعلى طول مساحة تاريخ الفلسفة وفي السيميائية البنيوية يحاول محو كل لا منطوق سابق ( واللا منطوق بالنسبة له ظاهرة لها حضورها فى كل حوار وتواصل بين الكائن والحياة ) .

4 ) وقال بتحوير جذرى للتعليم ليجعل من التحنط الذى يميز لغة الفلسفة سلاحا ايديلوجيا وسياسيا للصراع

3 ) جيل ديلاز        Gilles DELEUZE

1) استنتج من دراساته حول هيوم وكانت وسبينوزا ونيتشة بأن الفلسفة هى من ناحية مجرد طعم أو فخ للاعتراف بالشهوات والرغبات وهى من ناحية ثانية تشهير بالسلطة . وبأن نيتشة هو مخلص الفكر الحديث من قيوده كما حاول رد اعتبار ما جاءت به الفلسفة السفسطائية .

2 ) واستنتج من دراستين حول مارسيل بروست وساشر ماسوش ، بأن أدب الاول مثال يقتدى به لانه فكر متضارب مع الفكر الفلسفى لانه متحرر من أساليبه ومن منطقه ومن عقدته فى البحث عن الحقيقة ، وهو فكر غايته المتعة التى تحصل من مطالعته . وبأن أدب الثاني قلب الآية وجعل من العقاب لذة وهو استعمال منحرف للقانون صير من الذنب جزءا لا يتجزأ من ترضية اللذة (اشباعها) .

3 ) وفى كتاب " الرأسمالية والفصام " ، الذى كتبه بمعية فيليكس قاترى ناديا بتحرير مد أو دفق اللذة والرغبات واباحة المحرمات التى فرضتها النظم

الاخلاقية الغاشمة على " الآلة المشتهية " ( يعنى الانسان ) وقالا بأن رأس المال ينزع تلقائيا لتحرير هذا المد كلما شعر باقتراب استحواذ حالة الفصام على " الآلة المشتهية " وهو يستعمل لذلك اسلحة كابسة كالملكية الخاصة ، والدين ، والوطنية ... وأخيرا التحليل النفسي الذي قالا بتعويضه بالتحليل الفصامى .

ميشال سيراس     Michel SERRES

يعتبر من المجددين فى الابستملوجيا ( نظرية المعرفة ) ومن الذين حاولوا المزج بين العلم والفن وتتلخص أهم أبحاثه فى :

1 ) قوله أن أهم ظاهرة علمية اليوم هى " تجديد الفكر الجديد " برجوعه الى منابع العلم الاولى ، لقد كان الى فترة قريبة لكل علم موضوعه ومنهجه ونتائجه ومرتبته ، وضمن العلوم يوجد علم رئيسى كالرياضة . أما اليوم فقد بدأ الفكر العلمى يتحرر من قيوده وأصبحت العلوم كما كانت علما واحدا موحدا هدفه اعطاء تفسير أشمل لكل مظاهر الكون .

2 ) يعتبر أن هنالك سلبية خطيرة تعانى منها العلوم اليوم هى استغلالها عن طريق التقنية للتدمير

3 ) قال انه منذ ما قبل التاريخ الى العصور الحديثة كان الانتاج هو النشاط الانسانى الاساسى وهو غاية كل ذكاء . لكن هذا النشاط فقد أولويته التى اكتسبتها تقنية أخرى لا تقل ضرورة وهى تقنية وسائط الاعلام والمواصلات .

4 ) وأخيرا قال بأن المشروع الذى حاولت الحضارات التى زالت تحقيقه هو تثبيت المتحرك ، فانجر عن ذلك القول بالحقائق الثابتة ، وهذا المشروع قضى على الفلسفة بدورها بجعل قضاياها ثابتة ( مثل الله والانسان والكون والجوهر والعرض والمادة ... ) وتثبيت هذه القضايا أضفى عليها صبغة قدسية .

5 ) جون فرنسوا ليوتار           Jean - Francois LYOTARD

1) يعتقد ان اللذة تعمل في كل شئ بما فى ذلك القول والادراك  وبأنها حاجة ليس فى الامكان تحقيقها الا حلما أو تخيلا . واللذة تتحقق فى الاثر الفنى ( الشعر والرسم ... ) على شكل انحرافات ، فهى تنحرف بالمعنى وبالرمز وبالاصطلاح الى آخره والدليل على ذلك الشعر السريالى ورسوم بيكاسو وبولوك .

2 ) ان المهمة الاصلية للشعر الاصيل هي من ناحية بناء جديد للكلمة ومن ناحية ثانية تطويع المقروء وجعله مرئيا ومن ناحية ثالثة مساعدتنا على التتبع مباشرة لعمليات الخلق التى تتكون فى اللاشعور بصفته منبعها .

3 ) قال فى كتاب تحت عنوان " الاقتصاد الشبقى ( الشبق = ليبدو ) أنتجه سنة 74 أن الجسد ليس سوى قشرة رقيقة زائلة وزائفة من الرغبة وهو عبارة عن شريط شبقى متفاوت الكثافة ليس فى الاستطاعة التمييز بين ظاهره وباطنه . وأن كل العمليات والملكات النفسية ( بما فيها عملية التفكير ) كلها غرائز جنسية . وبأنه لا يوجد فارق - أو فرق - بين النزوات والرغبة

4 ) قال لابد من أن نعمق ونضاعف تدهور القيم الذى يميز حضارة اليوم للمزيد من اضعافها فيسهل تحللها مما يساعد الطبقة الدنيا على النهوض من كبوتها ويكون ذلك بواسطة سياسة توجهها نخبة وأدوات الاضعاف تكون بلا موضوع مضبوط ولا برمجة محكمة بل هي الخديعة والمضايقة والازعاج ...

6 ) جون ماري بنواست         Jean - Marie BENOIST

كان أستاذا بلندن أثناء انتفاضة 68 وبالتالى لم يشارك فيها بل اكتفى بمتابعتها عن طريق وسائط الاعلام ثم نقدها فى كتابه " مات ماركس " سنة 70 وكان ملخص نقده هذا هو

1) أن المتسبب في اخفاق هذه الانتفاضة هو هذا البعث المثالى أو الاسطورى لادوات ( لغوية ) من العلامات والرموز الاستعارية والمقدسة تعدتها الاحداث وفقدت قيمتها أقحمت ضمن العلامات والرموز الماركسية - اللينينية التى أصبحت هى نفسها غير صالحة .

2) بين تأثير الفكر الغربي على أقطاب الماركسية وكان ذلك كما يلى بالنسبة لماركس فانه :

أ ) اختلس تحاليل كتابه " رأس المال " من كبريات الفلسفات الغائية وتبعا لذلك بقى فكره مرتبطا بادراك أو تصور شامل للغاية الاخيرة للتاريخ

ب ) أن الثورة المعرفية التى نادى بها لم تعد متماشية مع الواقع العلمى المعاصر بل أصبحت مجرد فرضية شيئية محنطة من تربصات أو فواضل القرن الماضى ؟ اما بالنسبة للينين فانه أخذ تقسيمه - وهو أهم أطروحاته - للمادة والفكر رأسا عن بارمينيد الذى يقول بأن الكون كمادة ، واحد ، متصل ثابت ، وخالد أبدى ، أما بالنسبة لماو فان فكره ليس سوى رافد من روافد

الفكر الماركسى اى انه نتاج فرعى للثقافة الغربية والفرق الوحيد هو ان الفكر الماوى - ككل فكر صينى وبعض الفكر الغربى - غير قابل للتجزئة بسبب تأثره بطريقة الكتابة الصينية التى تفرض على الفكر الذى تتضمنه أن يتمحور حولها .

7 ) كاستوريايس كارناليس         Cornelius CASTORIADIS

قال هذا الفيلسوف :

1 ) بأن هنالك تضاربا وغموضا بالنسبة للفكر الماركسى الذى صح فى فترات تاريخية ثم أخل فى اخرى . وبأن الماركسية أصبحت اليوم مجرد ايديولوجيات القصد منها حجب الحقيقة لا انارتها . وبأن زلة ماركس الفادحة هي تقسيمه للنظم الاجتماعية الى بنياويات دنيا ( سفلى ) وأخرى عليا اى بجعلها متضادة .

2 ) وقال بأن تطور المجتمعات غير مرتبط بقوى الانتاج وبان الحتمية الاقتصادية هي التى قضت على الصراع الطبقى وشلت تحركات الطبقة الشغيلة التى هى الوسيلة والغاية لكل ثورة حقيقية . وبأن المشروع الثورى ككل استنباط اجتماعى هو متجذر فى الوهم الجماعي ( اى انه خيالى ) .

3 ) واعتبر ان كل التحاليل التى اقترحت لتفسير ظاهرة المجتمع وظاهرة التاريخ كلها منقوصة وجزئية لانها كانت دائما تعتمد على معطيات خارجية لا صلة لها بالظاهرتين المذكورتين . وان كل هذه التحاليل التى هى بالتبعية وموروثة - انطلاقا من افلاطون وانتهاء بماركس - انطلقت كلها من الانسان لا من الظاهرتين نفسيهما ، وبالتالى عجزت عن استخلاص نوعيهما وخصوصيتيهما .

وبالنسبة له ان الظاهرة الاجتماعية ليس فى الامكان أن تكون الا كحدث تاريخي أى كصيغة زمنية منظمة وعلى هذا أسماها المشكل التاريخي " وقد حدد المجتمع بأنه تنظيم ذاتى " للاجتماع التاريخي " لكن المجتمع يجهل هذا التنظيم الذاتى فينتج عن ذلك استلاب آلى يفسره بقوى خارجية عنه مثل الله والطبيعة والضرورة الى آخره . وهو يعتبر أن التغيير الذاتي للتاريخ ممكن الحدوث لكنه لا يهم الا الظاهرة السياسية .

4 ) وهو يعتبر ان " القول " و " الفعل " وهما أخص خصوصيات الانسان ، وسائط أساسية منظمة ومنظمة لكل ما هو نظرى وتطبيقى . " والقول " ليس هو كذلك بالنسبة لمجموعة تتعايش مع بعضها الا اذا توفرت امكانية تصوره واستيعابه واستعادته وتقليده بصفة مستمرة وعن طريق الجميع اى اذا تجذر فى اعماق الخيال الجماعي . كما انه لا يوجد الا بوجود آلة صالحة " لفعل " شئ ما .

8 ) كلكسمان اندرى       Andre GLUCKSMANN

1 ) في كتابه " الطباخة وآكل اللحم البشرى " اعتبر انه لا فرق بين الحياة فى مجتمعات اليوم وبينها فى المعتقلات النازية او السوفياتية وبأن المعتقلات هى المرآة الحقيقية التى تعطينا صورة مطابقة للاصل عن فكرنا وتاريخنا وبأن النماذج الاكثر تعرضا لحياة المعتقل هى الطبقات الدنيا .

2 ) وقد ندد بالماركسية معتبرا اياها من أخطر الانظمة السياسية الطفيلية والقمعية وقال بأنها مجرد سلاح للاستحواذ على السلطة والاحتفاظ بها ضد الطبقات التى تدعى الدفاع عنها وهى لا تفهم أبسط مشاغلها وهمومها

3 ) قام بمقارنة بين النظام السوفياتى وجمهورية أفلاطون فاستنتج فى كليهما :

أ ) أن العارف يستبد بالعالم وينظم التاريخ

ويبقى رجل الشارع بدون سبيل فى متاهات النظريات التى تقدم له فوقيا من طرف السياسى .

ب ) ان اللغة والقانون والدساتير والبداغوجية هي من استنباط الحكماء - الحكام لكى يتسلطوا بها . فالنظام السوفياتى ركب معجما لغويا خاصا به لتغطية الحقيقة ولاحتكار الخطاب بتعاون مع نخبة خائنة وجبانة مما أجبر الطبقات الدنيا التى لا تحسن هذه اللغة على السكوت وصيرها عاجزة عن معارضته . فالمفردات الاساسية للماركسية التى هى : الثورة والاشتراكية والملكية المشاعة ليس هنالك ما يشبهها بين مفردات أفلاطون لكن الوظيفة التى تقوم بها هذه هي نفس التى تقوم بها تلك

3 ) يعتبر ان تفصيل قاموس خاص تم التسلط به ( كوسيلة لغسل الأدمغة مثلا ) متوفر على مساحة الساحة الغريبة لكن مقاومته اصبحت متوفرة بدورها وبالاخص مقاومة المنطق الذي يبرر التعسف

4 ) وأخيرا قال بأن النقد الاجتماعى كان من مهام الملحدين ، أما اليوم فعليه أن يكون من طرف المتمردين عن الماركسية لانهم وحدهم الذين يعرفون " من أين تؤكل الكتف "

9 ) دولى جون بول     Jean - Paul DOLLE

1 ) تساءل فى كتابه الاول " الرغبة والثورة " كيف بامكان الانسان أن يتحمل من القهر ما لا طاقة له به بدون ان يثور ؟ ولماذا لا تصبح الثورة هى القاعدة فى عالم لا معنى له ؟ وحاول ايجاد الجواب عن طريق ماركس ولينين وستالين - فتبين له أن فضيلة ماركس الكبرى هى اعتباره للانسان كظاهرة مادية تطمح لتحقيق ضروريات مادية أهمها المتعة . وانه بواسطة الحزب الشيوعى حرر الرغبات من عفالها وتبين له أن لينين اعتنى أكثر بالناحية العلمية للماركسية ، أما ستالين فانه حاد عن الثورة التى بشر بها ماركس وحولها الى نظام يحكم بالرصاص والشرطة .

واستخلص أن الماركسية لم تعد قادرة اليوم على تحقيق الثورة لانها تقهقرت من على الحلبة منذ أربعين سنة بسبب دكتاتورية الاحزاب الشيوعية ازاء الطبقات الدنيا .

2 ) استنتج أن الثورة لن تنجح الا اذا كانت ثقافية لان هذا النوع من الثورات يجتث كل ما هو عقيم ومحنط من أعماق أعماق الانسان ، ثم ان الظاهرة الثقافية وهى أهم ظاهرة انسانية اطلاقا اذا ما تحكمت فيها الشعوب تحكمت بالتالي فى مصائرها . وهو يشترط في الثورة أن تحرر الانسان من رغباته لا أن تؤكدها .

3 ) وأخيرا أظهر متأسفا ، أن التوحش ما زال يطبع تفكيرنا فمثلا الحرب وهتلر وستالين هذه الوصمات التى اعتقدنا انها انتهت ، عادت من جديد بأكثر حدة وقال بأن الثقافة بمفهومها الغربى تعانى الآن من ازمة ضيق وشدة وهى بصدد افراز الكراهية والبغضاء وهذا هو عكس وظيفتها . وقال بالرجوع الى الفن والشعر والرقص والضحك لاستنباط فلسفة حديدة .

10 ) بودريار جون        Jean BAUDRILLARD

1) بين ان الطرق السلفية بما فيها الماركسية لتحليل الظاهرة الاجتماعية  لم تعد صالحة ، لان الظاهرة الاجتماعية أصبحت من ناحية تتميز بثورة شاملة

في مفاهيم القيم ومن ناحية ثانية فقدت القيم مكانتها كمصادر عمل

2 ) وبين أن الرمز هو المسيطر على عالم اليوم فالحاجيات المادية ( المنزلية مثلا ) لم تعد تباع قصد الاستهلاك او لتلبية رغبات أو للمتعة بل أصبحت تباع كطابع أو كموضة أو كاسم شركة أو كعنوان على التقدم والذوق السليم وقد لعبت الطرق العصرية للبيع والدعاية والاشهار الدور الاكبر فى غرس هذه الوضعية . ونتج عن ذلك أن مجتمع اليوم أصبح مجتمع عرض للاسماء والعناون لا لحاجيات حيوية .

3 ) وقال : إن الطفرة التاريخية والاجتماعية التى هى نتيجة للرأسمالية خطمت الاقتصاد ودحرحته الى مرتبة هامشية . والرأس مالية من الصعب أعضاء عليها بثورة اقتصادية مضادة لانها ترتكز على منطق رمزى للمبادلة هو منطق مبادلة الهبة . فالشغل هبة والاستهلاك هبة والامن هبة الى آخره ، فالشغل مثلا يوهب للاجير كما توهب الحياة للعبد

4 ) وقال : إنه للقضاء على كل انواع السيطرة لابد من التحدى والتضحية ، ويكفى زرع متاريس هنا وهناك فى الشوارع لزعزعة اى نظام كما وقع اثناء انتفاضة ماى 68.

11 ) كريستيان جامبلى وكى لاردرو Jambet CHRISTIAN Guy LARDREAU

بعد فشل انتفاضة ماى 68 وفشل الثورة الثقافية الصينية حاولا بناء فكر جديد يبعث الامل فى قلوب الطبقات الدنيا وينادى بعالم خال من كل سيطرة واستبداد .

1 ) وقد قالا بأنه على امتداد التاريخ لم توجد أطروحة واحدة هادفة ومطلقة بل تميز كل عصر بأطروحته أطروحة السيد وأطروحة المتمرد .

2 ) وقد حاولولا ابراز تماثل من الثورة الثقافية الصينية والهرطقات التى سادت فى العصور المسيحية الاولى والتى أسمياها بالثورة الثقافية المسيحية ومضمون هذا التماثل هو أن الثورتين كان هدفهما بعث ثقافة مضادة للثقافة الرسمية السائدة بتغيير العالم عن طريق تغيير الادمغة . فنجد عند الثورتين ارادة واحدة للقطيعة مع كل سلطة ( حتى الابوية ) وتنكر للمتعة وبالاخص الجنسية وانكار للتفرقة بين الجنسين ورفض للشغل وهذه المواقف تترجم تمردا مطلقا على كل الموروثات وبالاخص الاخلاقية منها . ويشترط المؤلفان فى

المتمرد أن يكون ملاكا فى تصرفاته ( كرفضه للجنس وللشغل )

3 ) وقد قالا بأنه على مسافة أحقاب عديدة كانت القاعدة هى قمع رغبات الطبقات الدنيا وكان البديل هو حماية وهمية لهم من المفروض أن يعتبروها كنعمة لا يستحقونها لكن منذ عصر النهضة بدأت هذه الطبقات تحرر رغباتها باسم القوانين الطبيعية لكن نجاحها كان نسبيا لانها تناست هدفها الاسمى الذي هو التمرد واعتنت اكثر بالبحث عن اللذة أى لم تتقمص بجد دور "الملاك" ( وهو اسم كتاب لهما )

ب ) التنظيم :

أولا : مضامين أعمالهم

مجمل أعمالهم هو : ١ ) محاولة وضع فلسفة جديدة تعتمد على قاموس وعلى معطيات الالسنية وعلم الدلالة والانتروبولوجية والبنيوية . مع رفضهم لك معطيات الاقتصاد السياسى ، والسياسية وعلم النفس وتجنبهم الكلام فى المواضيع والقضايا الفلسفية الكلاسيكية وأخيرا كلهم ضد الطرق التعليمية التقليدية . 2 ) أهم المحاور التى طرقوها أو عالجوها بصيغ يعتبرونها جديدة هى : أ ) علم يبحث فى النفس أسموه بعلم نفس اللذة أو الرغبة ب ) المنطق بمحاولة اكتشاف العلاقات الموجودة بين النظرى والتطبيقى . ج ) الابستمولوجيا محاولة رسم نظرية للمعرفة متضادة مع كل ما سبقها . د ) الاقتصاد السياسى محاولة وضع طرق جديدة للثورة وأنظمة سياسية مثالية ، كما أبرزوا بعض الشروط التى لا بد أن تتوفر عند الثورى ، ه ) علم الاخلاق : بحثوا عن معنى الحياة واقترحوا دستورا أخلاقيا يطفو فوق كل سياسية .

ثانيا : قواسمهم المشتركة

ما يميز هؤلاء " الفلاسفة الجدد " عن غيرهم وما يقرب بينهم هو : 1) كانوا كلهم من المساهمين أو النظريين أو المنظرين لاحداث ماى 68 واتخذوا كلهم الاحداث المذكورة كمراجع عمل وكمنطلق لتأملاتهم . وكلهم وقفوا منها وقفة محاسبة للنفس بعد فشل الانتفاضة وشكوا كلهم فى الماركسية وشككوا فيها بعد ما كانوا من معتنقى هذا المذهب ( الاتحاد الماوى أو الترتسكى فى الغالب ) .

2 ) كلهم أعلنوا القطيعة بينهم وبين الفلاسفة الاكلاميين التقليديين ابتداء من افلاطون وانتهاء بهيفل ولم ينج من هذه القطيعة الا نيتشه ، ولم تتمثل هذه القطيعة فى اعتبار هؤلاء الفلاسفة غير صالحين للانارة والتوجيه والاقتداء فحسب بل صوبوا عليهم نيران عواطفهم - بالسلب - وكان شعارهم " خلف

نعرف " مدعين انهم غير قصر وأانهم اصبحوا يفكرون بأنفسهم خارج كل ما هو تقليدى وسلفى ورسمي وبأن التراث الفلسفى ساعد على عبوديه الانسان وكان دوما مرتبطا بالمصالح البرجوازية .

3 ) كل تنكروا لفرويد .. وحاول بعضهم ابدال التحليل النفسى بصيغ أخرى .

ثالثا : النقد :

وبادئ ذى بدء ألاحظ بأن نقدهم لقضايا الفلسفة والاقتصاد السياسى وعلم النفس أو غيرها هو من حقهم كما هو من حق كل من اراد ذلك .كما  أوافقهم على أن القضايا الفلسفية أصبحت متخشبة وأن قضايا الاقتصاد السياسي وبالاخص الماركسية أصبحت مجرد ايديولوجيات محاطه بها من القداسة وأن قضايا علم النفس ( بما فيها الفرويدية ) أصبحت مجرد ركح للتآويل والتخامين . أما ما لا أوافقهم عليه هو أنهم حاولوا الهدم والتقويض لكنهم عجزوا عن البناء وتقديم البديل الاكمل لان الموهبة الحقيقية تنقصهم ، وأن نقدهم كان بدافع من العاطفة - بالسلب - اى لم تتوفر فيه الشروط العلمية بما فى ذلك الموضوعية لان المنهجية النقدية العلمية تنقصهم .

ولسائل أن يسأل ما هي هذه " الفلسفة الجديدة " التى أتوا بها ؟ وردى على ذلك هو ، أنه ليس في الامكان القول بأنهم أتوا بفلسفة جديدة " لاننا لا نجد لاى منهم فكرا منظما أو نظاما فكريا به يستطيع تفسير الظواهر تفسيرا شاملا يرتكز على منهجية شديدة ودقيقة ، ولا يصنف الظواهر بهامشية ويأخذ هذه ويترك تلك .

وحتى اذا كنا معهم أكثر تسامحا فاننا نعتقد انهم لم يأخذوا كجماعة اى مشكل وتوصلوا الى حله حلا جماعيا مرضيا ( مثلا اتفقوا كلهم على فساد الماركسية لكن أحدا منهم لم يقدم البديل وكذلك فعلوا مع فرويد ) وتبعا لذلك فانهم كلهم تنقصهم شمولية الاحكام المنطقية وهى احدى ركائز الفلسفة التى لا غنى عنها . ولسائل ثان أن يسأل ما هو هذا الاقتصاد السياسى الجديد الذى أتوا به ( وان لم يصرحوا بذلك ) ورد على ذلك انهم لم يساهموا بشىء فى هذا القطاع لا على مستوى النظرية ولا على مستوى التطبيق لقد اتفقوا على مهاجمة ماركس وأتباعه كمضمون وكمبنى ( لانهم قالوا بأن القاموس اللغوى الماركسى أصبح معدوم الصلوحية ) لكن ما هو البديل ؟ أنا على كل حال لم أعثر الا على اقتراحات غير عملية تخص ثوريا مثاليا أن لم أقل خياليا ، ونظاماما سياسيا مثاليا أن لم أقل أمثل (أفضل ) ، وطرقا للتمرد غير صالحة الا للانبياء والاطفال او الشياطين .

ولسائل أن يسأل ما هى هذه المساهمة التى ستدفع علم النفس " خطوات يكون بفضلها فى مصاف العلوم الصحيحة ، وجوابى عن ذلك : إن هذه المشاركة رقيقة تكاد تنقطع ، لقد غلبوا اللذة والشهوات والرغبات على كل الغرائز الاخرى وجعلوا منها الحل والربط لكل التصرفات واعتبروها مكيفات وأسس الشخصية . كما قالوا بتعويض التحليل النفسى بالتحليل العصابى . هذا كل ما هنالك . فلا قوانين ولا نظريات ولا تحاليل صائبة وعميقة . ولسائل رابع أن يسأل ما هي هذه البداغوجية الجديدة التى أتوا بها ؟

وردى على ذلك هو بالفعل ثاروا كلهم على الطرق البداغوجية والوعظية التقليدية وخصوصا فى مادة الفلسفة لكنهم كالعادة وكغيره من المحاور لم يوفروا البديل . وأخيرا لسائل أن يسأل عن مشاركاتهم فى اثراء المنطق والابستمولوجيا وعلم الاخلاق ، وهنا نجدهم لا يملون الكلام الملاك ، مثل ما نادوا به فى ما يخص الاخلاق بأن امنيتهم هى ايجاد اخلاق تعلو السياسة وهذه رغبة الخاص والعام منذ بدء الخليقة الى ان يأخذ الله الارض ومن عليها . وبايجاز أن كل ما قدموه هو مجرد وجهات نظر بسطوها بكل حرية وفى اتجاهات متعددة مع العلم أن أفكارهم متباينة وفى بعض الاحيان متضادة ومتنافرة - أى ليس مضمونا بل فى فهم هذا المضمون واقتراح تفسيره أو حتى طريقة البحث فيه . لكن المضامين الجوهرية أو القضايا الاساسية التى تعرضوا لها كان يجمعهم فيها عدة قواسم مشتركة عددنا أهمها .

رابعا : دوافع شهرتهم :

أما أسباب شهرتهم فهى ترجع على حسب ما نعتقده :

1 ) الى مواقفهم السياسية الملتزمة بالتذبذب فقد كانوا أول ذى بدء ماركسيين ثم انقلبوا وتعددت مشاربهم واختياراتهم فمنهم من يعتبر نفسه من أقصى اليسار ومنهم من يعتبر نفسه من اليمين ومنهم من يعتبر نفسه من اليمين الجديد وقد سخط اليسار الفرنسى عليهم لانهم لم يكفهم التنكر لماركس بل شنعوا به وجاء هذا السخط على لسان أقطاب الحزب الاشتراكى ومن بينهم فرنسوا ميتران ، وأقطاب الحزب الشيوعى ومن بينهم لوران سالينى . وتحرج اليمين منهم ظاهريا - لان جيسكار ديستان استقبل ممثلين عنهم - بسبب مناداتهم المكشوفة للتمرد على الرأسمالية مقترحين لذلك كيف هذا  التمرد .

2) خلو الساحة الفرنسية من مميزين وممتازين من أمثال سارتر ومرلو بونتى وجبريال مارسال وبشلار جعل هؤلاء يبرزون .

3 ) الدعاية الواسعة النطاق التى قامت بها وسائط الاعلام اليمينية وبعض النقاد الكبار دون ما تشهير بهم . وهذا الاعتناء الخاص من اليمين يرجع الى أن هؤلاء الشبان كلهم من انتفاضة 68 وبالتالى فان ثقة الاوساط الطلابية وجماهير الشباب فيهم كبيرة فوقع استعمالهم بمنهجية ودون وعى منهم ضد اليسار ونجحوا فى مهمتهم . وكان بريق الشهرة الخاطف لمعتنقى هذا التيار هو المتسبب فى جلب المنتمين اليه بدون اقتناع فى الغالب ونوجز ما قلناه :

ان " الفلاسفة الجدد " هم الآن فى موقف تسليط شعاع مزيف عليهم ، لا فى موقف اشعاع حقيقى . وهم مستقطبون لا يستقطبون الشاذلى الساكر - توزر

اشترك في نشرتنا البريدية