غيرى يحرجه التلفظ بهذا ويحجم عن الامضاء اسفله ويتحاشى السخط والاستنكار واللوم العنيف . الله اكبر ! اكررها لا تحديا لقوم ضلوا السبيل فوقفوا الفوز فى هذه الدار والفلاح في الآخرة على من ردد كلمات قد لا يفقه فحواها حينا وقد ينافق تتلاوتها احيانا . ولا ترحما على من كفاه عمله الصالح واخلاص العقيدة فى الحق ترحم المترحمين .
بل اصدع بها تكبيرة هي الشهادة على ان ذوى الفضل على العالمين لا ينبغي ان يغبنوا اجرهم . والله وعباده - شهيد ان فقيد الفكر والفلسفة والعلم له على الاسلام والمسلمين اياد يأبى الله وعباده والحق ان ينسى فضلها او ان يبعث بها العقوق فتنكر ويعرض عن ذكرها فتصبح بين الانام نسيا منسيا.
غيرى - ولا شك - سيعد للويس ماسينيون مواقفه الحاسمة فى وجه العدوان للأسلام والمسلمين معلنا بين ارجاء اوقر معاهد العلم والتعليم او على صفحات اكثر الصحف السيارة رواجا صوت العدل والحق المبين.
غيرى - ولا ريب - سيذكر ابناء العروبة كم مرة رفع العلامة الراحل صوته فى سبل الاسلام والعروبة بينما الاسلام والعروبة فى غفلة عن كيانهما وشغل شاغل عن صالحهما . غيرى يستوقفه من الفقيد تفانيه فى سبيل شعب مشرد عن الاوطان او مملك مغرب عن عرشه او امة مناضلة للكرامة والحياة.
غيرى يحن الى صوت هذا الداعى الغريب الشأن يعلو صخب المعارك الهوج تذيبها العداوة والبغضاء والصلف المقيت فيدعو الى الاخاء الروحى والمناجاة الزكية في صلوات تجمع شتيت المذاهب والملل فى معبد يجثو فيه الانسان فى محض انسانيته امام الاله الصمد فى مطلق الوهيته فينضم الى صوته الملهم الحيران اصوات الامم الحبرى وتلتقي عبادتهم الصاعدة من بين ضبابات الغرب
القصى بنداء محمد اقبال المرتفع من مهد الحكمة الازلية الخالدة من بلاد الشرق. فيصعد من الارض باسرها تسبيح الانسان كانسان جرد صلاته فاخلصها الى الله لا يريد منها الا الشهادة . غيرى - نعم - تحركه من حياة لويس ماسينيون آيات الاخلاص والتفانى فى سبيل الحق والخبر وحب الانسان. غيرى . اما انا فقد هبت بى هذه الخطرات فما الهمتني او ابيت عليها الهامها وان كانت في ذاتها زوابع عصفا اذ ان الرجل كان فى كفاحه بطلا بما اوتى من قوى اليقين . اعرضت عن هذا وذهبت بى الهواجس مذهبا آخر فنظرت الى العالم الباحث وذكرت ما كنت سمعت منه او قرأت له فاكبرت فيه من بين ما اكبرت لا صفته عالما بل كونه مستشرقا .
ولعلى لم أكن لاكبر فى الاستاذ لويس ماسينيون من بين ما هو جدير بالإكبار فيه صفته مستشرقا ولا ان افكر فى ان هذه الخلة من خلاله العديدة جديرة بان تذكر فى تأبينه دون غيرها لولا حدث ضئيل فى ذاته لغي : هو نبأ قرآته منذ قليل فى غضون اسطر منسية من اواخر صفحات عدد شهر جويلية - تموز 1962 من مجلة " الفكر " التونسية رددت فيه صدى استجواب محلة اخرى لاحد ابناء العرب المشتغلين بالنشر من بين ما يشتغلون به .
واخذت افكر بعد قراءة هذا " الصدى " ( او الصدا ؟ ) فأتساءل هل يجمل بأهل الشرق ان يقفوا من عمل المستشرقين موقف العقوق فينعون عليهم حركتهم وينادون بأفول نجم الاستشراق ويطالبون - او كأنهم - بأن يترك المستشرقون للشرقيين امر القيام باحياء تراثهم ؟ ماذا يضر الشرق ان يتابع الغرب بحثه عن مآثر الشرق وانواره ؟ وهب ان من العرب من وصل الى درجة اتقان ما سنه اهل الغرب من اساليب اكتشاف التراث ونشره وتحقيقه فهل لعاقل ان يرى الاستغناء عن مساعدة المعين الدائب معك بلبنته في بناء صرح مجدك ؟ على انك تقصد بتشييده الى العز والفخار بينما لعله لا يقصد هو من ذلك الا الى العلم المجرد النزيه . وبعيد ما بين رجل قام
بواجبه نحو تراثه يعمل من اجله فلا شكر وبين رجل اقبل على تراث غيره فقصد الى اجلاء غشاوة النسيان عنه وصدا القرون لا يحدوه فى ذلك الا حب العلم والفن والمعرفة الزكية . وهذا هو العالم الحق لو فكرنا لا ذاك الآخر
ثم لو اتجهنا بالنظر الحصيف الى حب الاوطان وخدمة مجدها واعلاء صيتها بين الانام لتبينا ان الباحث فى تراث بلاده لا يزيد على القيام بالفرض ولا يهئ لقومه المقام بين اهل العلم فهذا المقام لمن تجرد عن الفرض والجزاء والنيل القريب فكان همه خدمة الانسان وفتح الافق البعيد امام الفكر البشرى . بذلك يبرهن ان قومه تجاوزوا الضرورى الى الكماليات . بذلك يفرض قومه على الاقوام فى حقل الحضارة العالمية وينبوا هو مكانه بين قادة الفكر البشرى . بذلك لا بغيره . افتحه حقه من ذلك . وبأى مشيئة ؟ والعلم بين الناس مشاع ليس لاحد ان يحتكره دون غيره ولعلها اعظم ميزة يمتاز بها العلم.
فهل يجمل بنا ان نمنعهم . . . بل ماذا اقول ؟ وليس فى استطاعة انسان ان يمنع من ذلك انسانا . اذن ما معنى التلفظ بالمنع ؟ او الهم بالمنع ؟ او نيته وترجيه ؟ اهو مجرد مظهر من مظاهر داء طغي على الشرق يسمونه " الديماغوجيه ". براءى فى زى الذب عن القومية فلا يزيد على التعمية وطمس الحقائق وجر الوبال على هذه القومية . ام هو غير الديماغوجية ؟ فماذا يكون اذن ان لم يكن جهلا فادحا بالعلم وسننه البدائية وجوهره المبين ؟
هل يشعر الشرق بالرزية التى اصابته منذ سنوات فى تراثه ومجده بموت جان صوفاجى Jean Sauvaget وليفى بروفنصالLevi Provencal ووليام مارسى W . Margais وجورج مارسي G . Margais ولويس ماسينيون Louis Masignon رحمة الله عليهم اجمعين ؟ ان كان لا يشعر بذلك - لا قدر الله - فرحمة الله على الشرق.
