الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 4الرجوع إلى "المنهل"

المتاحف والاثار (*)

Share

سيكون حديث الليلة عن (المتاحف والآثار بمصر) .. وحديث المتاحف والاثار حديث شيق اذ هو حديث عن أدق عجلة تفتقت عنها ادمغة بناة المدنية الحديثة للاتصال الصحيح المباشر بحضارات الاجيال السحيقة .

(لا مستقبل لمن لا ماضر له) كلية تلوكها الالسنة دون ان يعي كثير من السامعين اكثرها وعيا دقيقا شاملا لما تقصد اليه من مغزى واقعي عميق ويتمثل ما تقصد اليه كما يبدو لى فى معنى حافل تشتمل عليه كلية واحدة هى (الاقتباس) فمنذ خلق الله الانسان وعلمه البيان وألهمه المدنية والبسه ثوب الحضارة اقنبس مظاهر المدينة ومخابر هاجيل متاخر من جيل متقدم وهكذا دواليك حتى الآن فمن يعرف ماضيه حق المعرفة كان اجدر بالنهوض بمدنيته والسمو بها فى حاضرها وفى مستقبلها ، لانه بمعرفته لوجوه التقدم واسبابها فى مدنية الماضيين يسعى لاستكمال هذه الوجوه فى حضارته وبمعرفته لوجوه التاخر والاضمحلال وعوامل ذلك يسعى لتجنبها وتجنيب حضارته لمهاويها ان تقع فيها فيؤول الامر به وبها الى الدمار مثل ما آل اليه امر الماضيين سواء بسواء .

وقد كانت السبيل إلى معرفة الماضي واستقصاء حضاراته محصورة الجوانب  الكبرى على علوم الاخبار وحدها وهو ما يسمى بالتاريخ . وهذا التاريخ برهن يتناقضه وبكثرة تزييفه للحقائق وغمطه لبعضها واعراضه عن بعض وتشويهه لبعض  - على أنه غير ثقة ولا اهل بالثقة ان يمنحها لتكون كملته القول الفصل فى مدنيات الاولين وحضاراتهم ووجوه تقدمهم واسباب تاخرهم

وتقلص ظلالهم واندثارها . فمن دأب التاريخ الخبرى ان يساير العواطف المظلومة والظالمة ، وان يكون ميالا مع الرياح ادا مالت ، وان يجارى القوى الغاشم والجبار المستبد والطاغي الصائل فيلبسهم رداءا فضفاضا براقا من العدل والانصاف والخير والحلم والاتزان ويحكم أنه مسجل ومكتوب يبقى ذلك آمادا وآمادا فاذا انقضى العصر الذى اكتوى بنار ذلك القوى الغاشم جهلت الاجيال التالية حقيقة امره الذى كان عليه ، واذا حاولوا معرفة ماضيه فلن يجدوا غير هذه الاسفار التى تمجده وتظهره فى اجمل مظاهر الرأفة والعدل والكمال البشرى وبذلك تنعكس الحقائق وتبدل الاوضاع فيصبح القبيح حسنا والظالم عادلا والجبار المستبدذا انسانية وشفقة لا تبارى . وكم ضحم التاريخ المكتوب من اشياء فى غاية الضآلة ؛ وكم ضأل من اشياء فى غاية من الضخامة ، تبعا للعواطف والاهواء والمصالح المادية والمعنوية الموقونة .

ولدقة انام الآثار دعانا الله جل وعلا في الذكر الحكيم الى السير فى جوانب الارض كى نشاهدها ويأخذ العبرة لحاضرنا ومستقبلنا من لسانها الذى لا ينطق بالافتراء فقال تعالى: (او لم يسيروا فى الأرض فينظروا  كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم اشد منهم قوة وآثارا فى الارض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق) وتنصب العبرة والاستفادة من الآثار فيما يريده الله ، منا على الاتعاظ الديني والخلقى اللذين هما فى الحقيقة مقياس صادق اذا رجحت كفته فى الامم والحضارات عاشت وسادت وسعدت ؛ واذا شالت كفنه فيها كان مصيرها مصير اولئك الذين اهلكهم الله بذنوبهم بما كانوا مترفين . ومن دلائل اهمية الآثار فى الاعتبار قوله تعالى عن فرعون : (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية). وقد ادرك الاولون ناحية هامة من نواحي أهمية الآثار الا وهى الاعراب عن مزاياهم والاشادة بامجادهم وانتصاراتهم وبطولتهم وعظمتهم حتى تعرفها الاجيال المقبلة وحتى يمتد عمرهم بذكرهم فشادوا الاهرامات والمسلات وبنوا الابراج الضخمة والقلاع الفخمة والاواوين الرائعة والمدائن المعلقة والمنارات الشامخة والصروح الباذخة ، فكانت ابلغ ناطق خالد بعظمة الباتين وبمدى تقدم حضارتهم . ومن عجب ان يقص علينا البارىء

جل وعلا مدى طغيان فرعون ومدى طموحه حينما يقول لوزيره هامان : (يا هامان ابن لى صرحا لعلى ابلغ الاسباب : أسباب السماوات فأطلع الى آله موسى) . كان هذا فى الآماد السحيقة فى القدم من اجيال البشرية ، واذا بنا نسمع اليوم فى المدنية الحديثة ما يشبه هذا .. ان القوم فى اوربا وامريكا يبنون اليوم ناطحات السحاب ذوات المائى طبقة وما فوقها ، ثم هم بدؤا يحاولون بما انشاؤه وبما ينشؤونه من صواريخ وطائرات ان يصلوا الى اسباب السماء وان يكتشفوا القمر والمريخ وما فوقهما وما بينهما . اليس التاريخ يعبد نفسه ؟ فقد أظل العالم اليوم اذن عصر رهيب، الا وهو عصر الصواريخ والذرة وما وراء الذرة والصواريخ من مدمرات ومبيدات للبشرية توصل رجال الحضارة الحديثة الى استخراجها من الكون بإرادة الله وبتقديره . "وانا لاندرى اشر اريد بمن فى الارض أم ارادبهم ربهم رشدا ؟" .

اشترك في نشرتنا البريدية