يعتقد كثير من الناس ان المتحف مجعول لبعض السائحين ولبعض العلماء ذوى اللحية الطويلة ولم يشعر الناس بأهمية المتاحف الثقافية الا في هاته السنوات الاخيرة وذلك للجهود الكبرى التى بذلتها المنظمات المتحفية القومية والدولية لتكون المتاحف عبارة عن مدارس يطلع فيها الزائرون بانواعهم على عدة علوم مثل الطبيعيات والجغرافية والفلك والتاريخ بكيفية ملموسة محسوسة .
وانعقدت عدة مؤتمرات متحفية خاصة فى " بروكلين " وفي اثينة تحت اشراف منظمة اليونسكو وموضوعها دراسة الوسائل الفعالة لتقوم المتاحف بمأموريتها التثقيفية سواء أكان ذلك بالنسبة للاطفال أو الشبان أو الكهول والشيوخ .
ولهذا فان البلدان لم تؤسس متاحف اثرية وتاريخية وفنية فقط بل نرى متاحف لعرض وسائل النقل القديمة والعصرية والمزروعات والنباتات والحيوانات الحية والميتة والمعادن المحركات والملابس القومية والاجنبية وهناك متاحف للاسلحة وتاريخها وللمراكب البحرية والجوية والبريد وللالات الموسيقية ووسائل استعمالها وصناعتها وتوجد متاحف للعوائد والتقاليد القومية والاجنبية تعرض فيها مشاهد للحياة اليومية القديمة أو العصرية مثل ما نشاهد بمتحف قصر العظم بدمشق حيث عرضت اصنام ودم جالسه او واقفه او راقدة لنساء ورجال وأطفال لابسين ملابس القبائل البدوية أو القرى بأرياف ونراهم يعيشون بمنازلهم ومخيماتهم في مناسبات حياتهم الكبرى مثل الزواج والموت والحفلات الكبرى الموسمية
واهتمام الدول ببناء المتاحف التاريخية والعلمية والصناعية والفلاحية ها هو الا نتيجة شعورها بدورها التثقيفى وأصبح المتحف التكملة اللازمة للمدرسة - ولذلك أسباب .
1) المتحف وخاصة اذا كان منظما واذا كانت مجموعاته معروضة بكيفية معقوله بداغوجية يعلم الزائر بكيفية محسوسة ملموسة وهو مما يجعله
يهتم بالمادة التى يدرسها اكثر من ذى قبل اذا كانت وسائل التعليم نظرية محضة . فزيارة القسم القرطاجنى مثلا بمتحف باردو القومى تجعل الزائر يرى ويلمس أوانى فخارية ومعدنية شرب فيها القرطاجنيون وحليا ذهبية تزينوا بها وتوابيت دفنوا فيها وأصنام الهة والاهات عبدوها فيصبح كأنه يعيش معهم فى حياتهم اليوم اليومية وهو مما يجعله يتعلم تاريخهم بسرعة من غير أن يكلف ذاكرته جهودا قد تكون متعبة وقد تجعله يكره مادة التاريخ لآخر حياته .
وشاهدت بنفسى عدة طلبة وتلامذة لم يهتموا بالتاريخ الا بعد زيارة لمتحف من المتاحف أو لاثار مدينة عتيقة
ولهذا فانى أوصى كل زملائى معلمى التاريخ أن يغتنموا جميع الفرص لتنظيم زيارات لدور الاثار بعد دروسهم وأوجه مثل النصيحة لمعلمي الطبيعيات والجغرافية والجيولوجية وغيرها من العلوم اذا وجدوا متاحف فيها مجموعات تتعلق بالمادة التى يدرسونها
2) المتحف مدرسة فنية واستعماله نافع للغاية لتكوين العمال الاختصاصيين والفنيين والمهندسين ولهذا فان كثيرا من البلدان قد جمعت فى متاحف خاصة جميع انواع المحركات وآلات العمل سواء أكان فى حجمها العادى أو فى حجم مصغر وزيارة مثل هاته المتاحف الفنية نافعة للغاية للاختصاصيين الذين يتمكنون من الاطلاع على معلومات فى وقت لا يتجاوز ساعة أو ساعة ونصف وذلك من غير العناء والتعب اللذين ينشان عن مطالعة كتب نظرية طويلة
وزيارة المتاحف الفنية نافعة للغاية للأطفال الصغار بالاخص اذا وجدوا محركات والات مصغرة يلمسونها تحت رقابة أعوان المتحف وكثيرا ما وقع أن أطفالا شغفوا بالكهرباء والميكانيك وأصبحوا فيما بعد مهندسين عبقريين اثر زيارة متحف فنى وعلمي مثل متحف الاكتشافات Palais de la decouverte بباريس .
3) المتحف مدرسة للذوق السليم وذلك لان زيارة متاحف الفنون المستظرفة القديمة والحديثة احسن وسيلة تجعل الطالب فى فن الرسم والنحت يشعر بواجباته ومسؤولياته لدى أمته وتقوم متاحف الفنون الجميلة عند الفنانين المبتدئين بدور مقياس لعبقريتهم وبراعتهم وناقد صامت نزيه يجعلهم يترددون مدة طويلة ويتأملون قبل عرض انتاجهم
والمتاحف تقوم بدور كبير فى تحسين ذوق العموم بصفة عامة اذ يجدون فيها
عدة أفكار جديدة لتزين منازلهم من غير ارتكاب اعتداء فظيع على الجمال والذوق السليم كما نشاهده يا للاسف فى عدة منازل رغم الاموال الطائلة التى أنفقت على بنائها وتزيينها .
4) المتحف التاريخي والأثرى احسن مدرسة لاشعار الناس بماضيهم القومى واطلاع التونسى بكيفية محسوسة على ما صنعه اجداده من اشياء جميلة فى العصر القرطاجنى والرومانى والاسلامى أحسن مشجع له ليعمل وينتج سواء اكان ذلك فى الميدان الصناعي أو فى ميدان الفنون المستظرفة وكلما وقعت فى بلاد من البلدان نهضة تاريخية وبذلت مجهود لحفظ اثار الماضى وعرضها فى المتاحف شاهدنا نهضة فنية جديدة - فازدهار الفنون الجميلة باوربا فى القرنين الخامس والسادس عشر في عهد " النهضة " ما هو الا نتيجة دراسة انتاج اليونان والرومان القدماء في النحت والرسم وصناعة الاوانى الخزفية والفضية والبرنزية
ومما يسر هاته الدراسة الجهود التى بذلتها السلط الاوروبية لجمع الرسوم والمنحوتات العتيقة في القصور والمتاحف ،
5) المتاحف وخاصة متاحف الفنون الجميلة من أحسن الوسائل للتقارب بين الشعوب ونسيان الحقد المبنى عن الجهل . فاذا اطلع الاجنبي على معروضات متاحفنا التونسيه وعلى انتاج أمتنا منذ عصر القرطاجنيين فهو يحترمنا ويفهم ان كل امه ساهمت وسوف تساهم فى تشييد الحضارة العالمية وكذلك زيارة التونسى للمتاحف الاجنبية مثل " اللوفر " و " بريتش ميوزم " ومتاحف رومه والقاهرة ونيورك أحسن وسيلة ليطلع على مساهمة الشعوب الفرنسية والالمانية والايطالية والمصرية والعراقية والاميريكية وكل شعوب العالم فى بناء المدنية
ولهذا فان منظمة اليونسكو سعت وما زالت تسعى لتكون المتاحف مراكز للثقافة العالمية الحقيقية المبنية على التعارف بين الامم والاحترام المتبادل .
