ارتحل المستشرق السويسرى بيركهارد الى جزيرة العرب عام ١٨١٤ م وكتب عن مشاهداته في كتاب له مطبوع بعنوان رحلة الى جزيرة العرب " وقد اطلعنا على نسخة منه فعهدنا الى الاستاذ عبد الرحمن عثمان المدرس بمدرسة العلوم الشرعية بالمدينة بترجمة القسم الخاص منه بالمدنية للمنهل فتفضل بذلك وها نحن ننشر ذلك في هذا المقال وما يليه
تقع المدينة المنورة في نهاية الصحراء العربية الكبرى بالقرب من سلسلة الجبال التى تخترق هدا القطر من الشمال الى الجنوب ، والتي هي تكملة لجبال
لبنان . وقد ذكرت سابقا فى ) جريدتى ( عن جزيرة العرب ان السلسلة الجبلية الواقعة شرقى البحر الميت تهبط الى العقبة ، ومن ثم تمتد على شاطئ البحر الاحمر الى اليمن ( فتقترب احيانا من هذا البحر وتتخلل آونة سهلا تسميه العرب ) تهامة ( . وفي اليمن مكان معين بهذا الاسم . كما ذكرت في تلك الجريدة ان الجهة الشرقية لهذه الجبال الممتدة على جردان والبحر الميت والخليج المسمى بعربة والى العقبة - هذه الجبل هي اعلا من جبال الجهة الغربية ، ولهذا كان سهل جزيرة العرب الفسيح الذي يبتدئ من غرب هذه الجبال مرتفعا عن سطح البحر ارتفاعا عظيما .
وقد لاحظت هذه الملاحظة نفسها فى رحلتى الى الطائف بعد ان اجتزت الجبل المسمى بكرى ، الذى يكون جزءا من تلك السلسلة كما يلاحظ هذا الأمر ايضا فى المدينة ، فان الجبل الذي صعدناه فى قدومنا الى المدينة من مكة ، قد نظرنا اليه من الساحل فاذا به قمم شامخة ولما وصلنا السهل المرتفع الواقع بالقرب من المدينة بدت لنا عن يسارنا تلك القمم كمحض تلال ، ترتفع عن السهل الشرقي ثلث ارتفاعها عن الساحل الغربى .
تمس آخر تموجات هذه الجبال المدينة من ناحية الشمال . والأرض منبسطة من الجانب الآخر ولكنها غير مستوية تماما فالجبل المسمى ) احدا ( - وهو جزء من السلسلة يدخل قليلا فيها على بعد ساعة من المدينة . ويقع بالنسبة لها من شمال الشمال الشرقى الى الشمال الشرقي وعلى بعد ثمان او عشر ساعات من ذلك تبتدىء سلسلة تلال منخفضة تمتد نحو الشرق ، يقع عليها الطريق الى نجد كما توجد مثل هذه التلال وعلى البعد ذاته من جهة الجنوب الشرقي . وفي الجنوب تنبسط الارض على مد البصر . وفي الجنوب الغربى يدخل فى السهل فرع من السلسلة الاصلية ويسمى هذا العرع جبل ) عير ( ويقع على بعد ساعة او ساعة ونصف بالنسبة لجبل احد .
وقد بنيت المدينة فى اخفض جزء من السهل لأنها تتعرض للسيول القادمة
من الجبال الغربية ، وتتعرض للسيول الاتية من الجنوب والجنوب الشرقي والتي تكون فى موسم الامطار مستنقعات عديدة يبقى فيها الماء راكدا حتى يتبخر تدريجيا .
والبساتين والأشجار والاسوار التى تكثر في السهل تعوق سير الهواء الطلق . وتحيط تلك البساتين ومزارع النخيل التى تتخللها الحقول - بالمدينة من ثلاث جهاتها تاركة جهة واحدة مكشوفة للنظر وهي الجهة التى تقع بها طريق مكة حيث طبيعة الارض صخرية غير صالحة للزاعة .
تنقسم المدينة الى قسمين : المدينة الداخلية ، والضواحي . والمدينة الداخلية على شكل بيضوى ، محيطه نحو ٢٨٠٠ خطوة ينتهى فى نقطة قامت عليها القلعة فوق مرتفع صخري بسيط .
ويحيط بالمدينة والقلعة سور حجرى سميك ارتفاعه بين الخمسة والثلاثين والأربعين قدما ، عليه ما يقرب من ٤٠ برجا ويحيط به خندق من عمل ال سعود قد ردم فى كثير من الجهات . ويكون هذا السور المحكم الكامل من كل الوجود خطا دفاعيا ذا خطر عظيم لجزيرة العرب ، حتى ان المدينة تعتبر دائما الحصن الأخير الاساسي للحجاز وقد بني هذا السور لاول مرة فى سنة ٣٦٠ ه .
وحتى ذلك التاريخ كانت المدينة مكشوفة تماما ، فكانت معرضة يوميا لغارات البدو لمجاورين ، وجدد بناؤه بعد ذلك فى ازمان مختلفة ، واهم تجديد كان له فى سنة ٩٠٠ ه وقد كان احتفر حوله خندق فى سنة ٧٥١ ويقول ) سامي ( ان بنايته الحالية بابوابها كانت بامر سليمان بن سليم في نهاية القرن السادس عشر الميلادي . ) للبحث صلة (

