ها نحن على قاب قوسين او ادنى من تاريخ افتتاح موسم تمثيلى جديد ) * ( ، موسم سنه 1962-1963 . فهل عدلت الفرق عن الطرق القديمة وأعدت لنا مسرحيات جديدة أحيت فيها صفحات لامعة من تاريخنا الحافل الجميل
ومجدنا الاثيل ، او وصفت فيها بعضا من عاداتنا وتقاليدنا القديمة التى امتازت بها شخصيتنا ، او بسطت فيها آراء وافكارا من شأنها ان تساهم بها فى نهضتنا الحالية ، ومقاومتنا للتخلف ، وتعين على السير باكثر سرعة فى طريق التقدم والازدهار ، وعلى رغبتنا الملحة فى توحيد مغربنا الكبير ؛
أم هل قصر المؤلفون الجهد على اقتباس مسرحيات اجنبية قليلا ما تتصل بواقعنا فاكسبوها ظاهريا قالبا تونسيا فى اللهجة واسماء الاشخاص ليقدموها تحت عنوان مسرحيات شعبية
فان فعلوا ذلك ، فانا نكون مضطرين الى التصريح بانهم لم يأتوا باي قسط فى بناء صرح تونسنا الجديدة . ذلك لان عملهم هذا لايمت بصلة الى ما يجب ان نفهمه من عبارة " المسرح الشعبى " .
فليس المسرح الشعبى فى تأليف مسرحيات مضحكة باللهجة الدارجة او فى نقلها لتلك اللهجة عن المسرحيات الاجنبية وفى تقديمها أمام جمهور يشكو التخلف ، او فى بعض الاحيان غير شاعر بتخلفه - قصد ابتزاز ماله باضحاكه باي طريقة كانت .
فالمسرح الشعبى ينحدر من مبادئ اكثر رفعة وسموا وجدية ، ويتصل باسباب اكثر عمقا ، وله غايات اكثر اتساعا وطموحا .
المسرح الشعبى هو المسرح اليونانى ، الذى كان يتجمع فيه سكان مدينة كاملة ، كبيرهم وصغيرهم ، رفيعهم ووضيعهم ، فيثير أمامهم المشاكل الدائمة التى يتخبط فيها الانسان أمام مصيره ، وذلك بامثلة مستوحاة من تاريخ
أولئك السكان ، وعقائدهم وخرافاتهم الدينية ، او ليبسط امام هذه الجماهير المتجمعة ما تشكو منه من انظمتها السياسية والاجتماعية والاخلاقية . فهو المسرح الذى لا يخاطب درجة معينة من المجتمع ، بل يخاطب الشعب في جميع طبقاته فيما تتفق عليه من احساس وشعور وعاطفة وعقيدة ، وهو الذى يرفعهم عن حالتهم العادية باللفظ والموضوع . فهو المسرح المطهر للارواح ) كاتارزيس حسب عبارة ارسطو ( وهو المسرح الذى يهذب اخلاق الناس وهم يضحكون حسب قول هوراس ( Cagreat rideendo Moores ) ( Horce )
والمسرح الشعبى هو المسرح الذى انشأه شيعة الامام على كرم الله وجهه بعد ما بالغ الامويون والعباسيون فى مطاردتهم وتقتيلهم فكتبوا مسرحيات على نمط مسرحيات اسخيلوس واخذوا يقدمونها اولا بانجاد ايران ثم بالبلاد التى امتدت اليها يدهم ليحيوا بها فى نفوس ال مذهبهم وليبشروا بها حيث اتاحت لهم الظروف بذلك وكانوا يسمونها بالتعزيات
وهو مسرح " السير " و " الكرامات " الذى كان يطوف المدن والقرى والمداشر بالبلاد المسيحية لنشر دين عيسى فى مسرحيات يدوم عرضها اسابيع كاملة ويحضرها جميع السكان من اكابر النبلاء الى أقل السوقة
وهو مسرح عهد الملكة ايليزابات الذى كان يصف بصدق وحتى بشئ من الجرأة أخلاق المجتمع الانكليزى فى ذلك العصر وعاداته واذواقه
وهو بالاخارة المرآة التى تنعكس فيها حياة أمة بتاريخها ، وعقائدها . واخلاقها وعاداتها وتقاليدها .
اما ما نقدمه نحن ، تحت هذا العنوان المغرى فما هى فى غالب الاحيان الا نسخ مشوهة لمواضيع اقتبسناها من الجار او حتى من بعيد . فلا عمق فيها ولا جدية فهى مريحة لا غير وهى من نوع المسلاة الوضيعة .
فقيمة الضحك تعرف من تربية الانسان ، ودرجته الثقافية ، والبيئة التى يعيش فيها والعادات الاجتماعية . فبها تختلف سهولة الضحك وطبيعته وقيمته .
" فانك ترى قبائل وأمما كاملة تضحك بسهولة عجيبة وتعيد الضحك مرات متوالية لنفس السبب ، كما يضحك الاطفال ، بينما ترى غيرها من الجماعات تعير نفس السبب مجرد ابتسامة وكثيرا ما تعيرها قصد المجاملة لا غير ) فيليكس قاف - كتاب الضحك والمسرح الفرنسي (
وهذا ما يفسر لنا نجاح بعض المسرحيات الخالية من كل معنى ومن كل ذوق جمالى واعادتها المرات العديدة أمام نفس الجمهور
فليس هذا ما نريده من مسرح شعبى حرى بهذا الأسم لا سيما فى ظروف مثل الظروف التى تجتازها الآن جمهوريتنا الفتية . بل نرى من الواجب ومن المتحتم ان نضرب حدا لهذا النوع من التمثيل الذى انهمكت فيه بعض الفرق لما وجدته فيه من ارباح ، وان نكذب ذلك التصريح الذي يفوه به بعض المسؤولين وحتى بعض المؤلفين المعروفين كلما وقع الحديث فى هذا الموضوع بما ان الجمهور ميال الى المآكل الشعبية فلنشبعه " باللبلابى " . فتصريح كهذا من مؤلف او من قائد فرقة يعتبر فى نظرنا خيانة مؤتمن ، لان وظيفة الفن المسرحي في بلاد كبلادنا - ونعنى ببلادنا عموم اقطار المغرب العربى . هي اولا وبالذات وظيفة توجيهية ، تربوية
والفن المسرحي درجات ترافق سن الانسان من طفولته الى كهولته وحتى إلى شيخوخته ، شأن الكتاب ، والمجلة ، والاشرطة السنمائية ، وحتى اللعب
فاذا اردنا ان يكون لنا مسرح قوى الاركان ، وجب علينا ان نجعله فى خدمة الشعب فى عموم طبقاته ومراحل حياته .
يجب ان يكون لنا مسرح للاطفال . ولا فرق لدينا بين صغير السن وصغير العقل . يجب ان نحدث المسرح المدرسي ، والمسرح الطالبى ومسرح الكهول والا نهمل فى آية مرحلة من هذه المراحل صبغة التوجيه التى تقتضيها هذه الفترة من حياة بلادنا . فالمسرح اعادة حياة او خلق حياة . فهو العالم الصغير الذى تحيا فيه صور مثالية ، فى جمالها او قبحها من صميم حياة ذلك الشعب فى ماضيه وحاضره ، وهو المخبر التوجيهى الذى تقع فيه التجارب على مرآى ومسمع من الناس ليتبينوا من سلوك اشخاص معينة وجدوا انفسهم فى حالات وظروف معينة وليحكموا على ذلك السلوك ويقروا مدى فعاليته فى عالم الواقع بعد اختباره فى عالم الخيال . فهو كغيره من الفنون اصطدام قيم لخلق قيم جديدة ايجابية او انكارية واذا نجحت التجربة فى عالم الخيال أصبح معمولا بها فى عالم الواقع . فالتجربة فن ما دامت تجرى فى عالم الخيال وهى صناعة اذا وقع العمل بها فى عالم الواقع
فهذا ما نطلبه من مسرحنا . وهذا ما نطالب به مؤلفينا . وعلى هذه المبادى نريد بناء مسرحنا الشعبى الذى يعود بالنفع على أمة تريد السير بسرعة لتلتحق بركب الحضارة حسب تعبير الرئيس الجليل
اما المساخر التى عهدناها من قبل ، فقد جاء الوقت للاعراض عنها
وهذا عمل جبار لا يمكن انجازه الا فى مستوى حكومى ، قومى ، لانه يتطلب تعديد المسارح ، وتكوين فرق وتشجيع المؤلفين كى يمكن استعمال الفن المسرحي للغايات التى بيناها وما ذلك على حكومتنا الشعبية النشيطة المخلصة بالامر العسير .
