الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 8الرجوع إلى "الفكر"

المصادر الكبرى لاتجاهات, الادب العربى المعاصر، ( 2* )

Share

سبق ان ان جلونا اهمية القضية الفلسيطينية كاهم مصدر ذاتى للتيارات الادبية العربية المعاصرة .

اما على الصعيد العربى القيادى ، فاكتفى بالاشارة الى الاتجاهين الاساسيين اللذين ظهرا منذ بداية الخمسينيات فى علاج القضية الفلسطينية :

أ- احدهما يعتمد المعطيات المعاشة ، والتحليل الصريح ، وتقدير شتى الملابسات فى وضع الخطة والتماس الحل ، ومواجهة الجماهير العربية بالحقيقة كي تكون على بينة من امرها فى اختيار انجع الطرق لخوض معارك التحرير ومواجهه احتمالات المستقبل ، واقناع الفلسطينيين واخوانهم في العروبة باولوية ابناء الارض المحتلة فى النهوض باعباء النضال التحريرى ، مقابل الدعم الادبى والمادى والجغرافى الذى ينبغى ان لا تتردد اية دولة عربية فى بذله مهما كانت التبعات ، وكيفما تنوعت المضايقات والزواحر .

ب - والآخر يقوم على المناورة السياسية ، واطلاق الشعارات المتطرفة ، والمغالاة في لغة التحدى ، وضرب الوعود المطمئنة ، للعرب والفلسطينين على حد السؤء ، بتحرير فلسطين ، واعادة ابنائها اليها ، واستسهال تحقيق الامرين معا مع المراوحة بين الهاب العواطف عند مخاطبة الجماهير العربية والتردد فى مواجهة الرأى العام الدولى والعالمى بين التطرف والاعتدال بحسب الظروف . .

ولم يكن سوى الزعيم الحبيب بورقيبة رائدا للاتجاه الاول الذى كان مفاجأة جريئة على الصعيدين العربى والعالمى :

صارح الراى العام العربى برايه فى علاج القضية الفلسطينية ، بعدما صارح القادة العرب بتصوره لابعاد المشكل ، ولم يجامل الشعور القومى فى تحليل الوضع العربى والدولى اللذين يكتنفان القضية ، كما لم يتهيب المناورين والمشاغبين والمستغلين فى اعلان عقم الطرق التى تعالج بها .

وجذب الرأى العام الدولى بطريقة عرضه لحقيقة الوجود الاسرائيلى فى فلسطين التى اندثرت فى مضاعفات الاشفاق على الاقلية اليهودية ، والتكفير عما تعرضت له من آلام الاضطهاد العنصرى

فلاول مرة يربط مفكر معاصر ، وزعيم سياسى الحركة الصهيونية بالحركات الاستعمارية فى ابشع صورها ، ويعني بابراز المظلمة الصارخة التى ابتلى بها شعب كامل فى ارضه ووجوده تحت ستار رفع مظالم سابقة جرت فى اراض اخرى وعلى ايد لا علاقة لابناء الارض المحتلة بها ابرازا يعتمد المفاهيم الدولية الجديدة ، وموازين العصر فى تحديد علاقات الشعوب ، بلغة نافذة ، ومنطق مؤثر ، واقيسة مقنعة مفحمة . . .

وقد افاض الزعيم التونسى فى تحليل نظريته التى ذكر بها الصهاينة انفسهم ذعرا شديدا .

وفيما يلى نقتطف بعض المقاطع التى تعطى فكرة واضحة عن الاسلوب البورقيبى فى تناول القضية الفلسطينية :

" . . . ارى انه لا يمكن حل المشاكل بطرق ملتوية . ولا يمكن حل هذا المشكل الا بمجابهة الامر بصورة صريحة فالامر يتعلق فى الواقع بمشكلة استعمارية ، وباستعمار من نوع جديد ، والقضية ليست قضية هيمنة شعب على شعب آخر ، بل انها فى هذه الحالة الخاصة قضية احلال شعب مكان شعب آخر . . . . واستندت اسرائيل على حق الغزو ، معلنة : اني هنا ، وسابقى حيث انا الان اقوى من الجميع ، على ان فرنسا استندت ايضا فيما يخص لجزائر على ذلك الحق منذ 130 سنة ، وانتم تعلمون الى اين ادى بها ذلك

وفيما يخص فلسطين فاننا نجابه نفس المشكلة . ان العرب فرضت عليهم ظروف لا تختلف عن التى كان فيها اليهود اثناء الحرب العالمية الاخيرة ، فقد ارسلوا ايضا الى المعسكرات خارج وطنهم . . وما لم يقع فض المشكل الاساسى

فان شبح الحرب سيبقى مخيما ، وبعد اسبوع ، أو بعد شهر ، أو سنة ، أو عشرين سنة ، لا بد ان يعاد النظر في وجود اسرائيل مثلما كان الامر بالنسبة لوجود فرنسا بالجزائر . . . " ( 1 )

" . . . اننا ننظر الى اسرائيل باعتبارها دولة فرضت وجودها بالقوة وسمحت لنفسها بان تحل محل شعب لم يحمل فى الماضى مشاعر العداء لليهود متذرعة بانه كانت توجد دولة يهودية فى هذه الاصقاع منذ الفين وخمسمائة سنة ، لذلك نعتبر ان دولة اسرائيل لا تزيد عن ان تكون صيغة من صيغ الاستعمار . وقد كنا اول من تأثر لآلام الشعب اليهودى فى اوروبا الوسطى والشرقية ، ولكن هذه الآلام لا يمكن ان تكون مبررا لاراحة اوروبا من الفئات اليهودية التى نجت من المغامرات الهتليرية ، ولاقرارها بالقوة فى البلاد الوحيدة التى لم تضطهد اليهود البتة ، فنحن نعتبر ان هذه مظلمة ، وانه كان يتعين ايجاد حل اقل ظلما يكفل وضع حد لآلام شعب اسرائيل وبؤسه وتقتيله على ان يكون مغايرا للحل الذى اختير وتمثل فى فرض دولة اسرائيل فى منطقة يعيش فيها سكانها منذ الفى سنة بحجة ان الحياة اصبحت مستحيله بالنسبة لليهود فى المانيا وفي النمسا ، هناك اذن مظلمة نتألم منها تماما مثلما نتألم لو اختير عوضا عن فلسطين قطر مثل اللكسمبورغ ، او جزيرة ماجوركا ، او مدغشقر ، ليطرد منه سكانه ، ويحل محلهم سكان آخرون فهناك كثير من الاصقاع التى هى فى حاجة الى المهاجرين لاحيائها ، وكان فى الامكان ان يوجد حل آخر يراعى الرغبة الشرعية فى توفير امن اليهود وبالطبع يكون مراعيا ايضا لحق السكان العرب فى ان تكون لهم الحكومة التى يرتضونها ، فمن بين السكان بفلسطين طائفة من العرب اليهود ، والعرب المسيحيين . . . " ( 2 )

" ٠٠ ولئن كان الحماس ضرورة من ضرورات الكفاح لدفعه والابقاء على جذوته ، فان التضحية والاستشهاد هما اللذان يضمنان النتيجة المرجوة ، والفوز العظيم . انكم انتم اصحاب الحق ، فعليكم ان تكونوا الطليعة فى مقاومة الغاصب هنا على حدود الوطن السليب . . . ومع روح التضحية والحماس لابد من قيادة حكيمة تجتمع فيها خصال جمة ، من فكر ثاقب ، وتخطيط بعيد المرمى ، وتبصر بالاحداث ، ودراسة لنفسية العدو ، ومراعاة لتفاوت القوى بيننا وبين الخصم ، واعتبار لامكانياتنا الحقيقية مع ضبطها وتقديرها باكثر ما يمكن من التحرى والموضوعية حتى لا يؤول بنا الامر الى مغامرة ثانية تكون نكبة اخرى تعود بنا اشواطا الى الوراء ، ، فاذا اتضح لنا اننا لا نستطيع قهر العدو ، والالقاء به فى البحر وجب ان ننتهج الى جانب الكفاح المسلح طرقا اخرى تعتمد الحكمة والدهاء بما فى ذلك من كر وفر ، وترغيب وترهيب . . .

وليس مطلوبا من المواطن العربى الا ان يتخذ الهدف النهائى قبلة انظاره ، وان يتحمس له . اما الزعيم المسؤول عن نجاح المعركة فعليه التثبت فى الطريق ، واختيار المسالك بما فيها من منعرجات قد يضطر لسلوكها اجتنابا للعقبات ، وتفصيا من العراقيل ولو طال به السير . . . " ( 3 )

" . . ان اسرائيل فى نظرنا ليست الا ظاهرة من ظواهر الاستعمار التوطينى ، فكل مستعمرة لها وضعها الخاص والميزة الاسرائيلية متغلغلة فى النفوس ، سيما وهي تثير بعض الحيرة لدى عدد من اعداء الاستعمار الذين لا يتطرق الشك الى مواقفهم . . . "  ( 4 )

اما الاتجاه الثانى في علاج القضية الفلسطينية فقد تنازعه عدد من قادة الحركات السياسية فى المشرق العربى - قوميين عرب ، وقوميين سوريين ، وبعثيين ، وشيوعيين . .

وقد ظهر عليهم كافة الرئيس المصرى جمال عبد الناصر الذى استطاع ان يحرك النخوة العربية ، وينعش الآمال القومية بتحديات صريحة لاسرائيل والدول الكبرى التى تسندها ، ومهاجمة ما كان يسميه بالرجعية واذناب الاستعمار .

ولطالما اعلن تصميم بلاده على خوض المعركة لتحرير فلسطين ، واعادة شعبها اليها ، وفيما يلى نماذج من تصريحاته :

" . . . اقول لاسرائيل ، ومن يهددون باسمها ، لقد كانت اسرائيل تعتقد انها هزمت الجيش المصرى فى سنة 1948 ، فهى تهددنا الآن معتمدة على هذه الخرافة - اليوم اقولها - ان الجيش المصرى لن يختلف عن الجيش قبل ذلك . ان الاساليب التى ساعدت على هزيمتنا فى الماضى قد اختفت ، ولن تعود ابدا . . اننا اليوم اذا دخلنا المعركة نستطيع تعويض ما فات . . واننا لم نهزم مطلقا فى فلسطين سنة 1948 ، وانى كنت فردا فى هذا الجيش من أول يوم فى المعركة حتى آخر يوم ، فرايت بعينى كيف كان اليهود ينسحبون منهزمين . . . " ( 5 )

" ٠٠٠ واليوم ونحن نعرف انفسنا لن ترهبنا اسرائيل ، ولن يرهبنا من يؤيدون اسرائيل ، ، ومن يساعدون اسرائيل لاننا نؤمن بانفسنا ، ونعرف قوتنا فى هذا الايمان . وكما هزمنا الدول الكبرى واسرائيل فى الماضى فاننا بعون الله نستطيع ان نهزم اسرائيل ومن يعاون اسرائيل فى المستقبل . . . " ( 6 )

". . . اننا لن نتجاهل حقوق شعب فلسطين . . . لان هذه الحقوق هى حقوق امتنا . . كما لا ننسى او نتجاهل اطماع اسرائيل فى بلادنا ، ولن

ننسى او نتجاهل اطماع الاستعمار . ان الشعب العربى مؤمن بان القوة هي السبيل للوقوف فى وجه اطماع اسرائيل ، والقوة هى السبيل فى الحصول على حقوق شعب فلسطين . . . " ( 7 )

" . . . ان عبء الدفاع عن قضية فلسطين ضد اطماع اسرائيل ، وتهديد اسرائيل ، ومن هم وراء اسرائيل ، وفي نفس الوقت المحافظة على حقوق شعب فلسطين ، واستعادة حقوق شعب فلسطين يقع على عاتق الجمهورية العربية المتحدة . . . " ( 8 )

" . . . يقولون اليوم ان اسرائيل تصنع قنبلة ذرية . . فاذا كانت اسرائيل تستطيع ان تصنع قنبلة ذرية . . فاننا نستطيع ان نصنع قنبلة ذرية . . إذا تأكدنا من ان اسرائيل تصنع قنبلة ذرية ، فيكون معنى هذا بداية الحرب بيننا وبين اسرائيل . اننا لن نمكن اسرائيل من العمل على انتاج قنبلة ذرية ، لابد ان نهاجم قاعدة العدوان ولو جندنا اربعة مليون حتى نقضى على قاعدة العدوان . . . " (9 )

" . . . فحقوق شعب فلسطين تتطلب العمل الدائم المتواصل ، والاتحاد الكامل والاستعداد ، وعليكم ان تتصلوا بالفلسطينيين في كل بلد للعمل من اجل قضيتكم واولادكم ، ويجب ان تقضوا على الخلافات بينكم لا من اجل جمال عبد الناصر ، وانما من اجل فلسطين ، ومن يستخدم هذه القضية من اجل موضوع شخصى يكون قد خرج على المبادئ الاخلاقية ، وخرج عن الاهداف لان قضية فلسطين لا يمكن ان تستخدم من اجل اهداف سياسة او اهداف شخصية ، وقد قلت ان بهذه القضية هى اصعب قضية فى العالم . . . ومن بقول انه وضع خططا لحلها انما يخدعكم ، فامامنا قضية معقدة ، ويجب ان

نستعد لها بكل القوى المعنوية والمادية . القوى المعنوية اساسها الاخلاق والوحدة ، وحدة الكلمة ، ووحدة الصف . والقوى المادية ان نعمل كل ما يمكن عمله حتى لانصاب كما اصبنا فى عام 1948 . . . " ( 10 )

" . . النهارده الوضع يختلف عندنا هنا . . احنا اصحاب الحق فى بلدنا ، احنا ارادتنا هي اللى تنفذ ، ، نستطيع ان احنا نسلح انفسنا زى ما احنا عايزين ، نستطيع ان احنا نبنى المصانع . . . نستطيع ان نبنى فى بلدنا القوى الذاتية التى تمكنا من ان نقضى على العدوان الصهيونى . . فى سنة 48 كان الوضع يختلف . . . " ( 11 )

" . . إذا كانت اسرائيل بتقول انها لن تسمح لشعب فلسطين ان يعود احنا بنقول انه لابد لشعب فلسطين ان يعود الى بلاده ، ويستعيد حقوقه كاملة غير منقوصة ، اذن احتمالات المستقبل حرب مع اسرائيل . واحنا اللى نفرض وقتها ، واحنا اللى نفرض مكانها . يجب ان نكون قادرين على ردع اسرائيل حتى يستعيد شعب فلسطين حقوقه ، ولكن لا نكرر مأساة سنة 48 . اذن يجب ان نقوى فى جميع المجالات الاقتصادية ، وفي جميع المجالات العسكرية ده سبيلنا الى المستقبل . . . " ( 12 )

في هذه المقتبسات غنى عن أى تعليق ، طالما تكررت مأساة 1948 بشكل أفضح ، ونتائج ازرى بكرامة العرب جميعا .

والانكى من ذلك ان لغة ما بعد انكسارنا فى مغامرة جوان 1967 لم تتغير فى جوهرها عنها فيما قبل الا بفارق وحيد فرضه الواقع المحزن هو اختفاء عبارات التهديد والوعيد ، والفاظ التحدى والاستفزاز . .

اما تطويق الفلسطينيين ، وشل حركة الفداء ، وقمعهم عن ممارسة النضال الثورى ، وتصفية قواعدهم فتلك شواغل اساسية لدى بعض قادتنا لاضير من الالتقاء فيها مع دولة العدوان على صعيد واحد ( 13 )فوا أسفاه ! ويا خجلتاه !

ان أهمية القضية الفلسطينية ، وعلاقتها بمصير الوجود العربى ، وادبنا جزء من هذا الوجود ، يفرضان الالحاح على استجلاء ابعاد هذا المصدر الملابس لادبنا حاضرا وآتيا ، بل لتاريخنا الراهن . وغدنا المقبل . بل ليس من الاخلاص الوطنى ، ولا من الوعى القومى اضاعة الفرصة على الادباء الشبان دون اطلاعهم على حقيقة الموقف التونسى من القضية الفلسطينية ، وهم يتطارحون الآراء فى الربوع التونسية ، بخصوص موضوعين اساسيين فى اشغال المؤتمر هما :

- اثر الاتجاهات الادبية العربية المعاصرة فى خدمة المستقبل العربى - الادب العربى والصراع ضد الصهيونية والامبريالية العالمية.

اشترك في نشرتنا البريدية