الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 10الرجوع إلى "الفكر"

المعمرون الفرنسيون، وحركة الشباب التونسى

Share

- 4 -

رحمة : محمد مزالي والبشير بن سلامة

وكان المعمرون واثقين من حقوقهم فأرسلوا وفدا يمثلهم إلى وزارة الشؤون الخارجية حرصا على صونهم من عار الاختلاط مع الاهليين ضمن المجلس . واستغرب أوثمستان برنار ) Augustin  Bernard ) المختص في تاريخ المغرب وجغرافيته والذى لا يجوز آتهامه لمحبته للعرب " أن يحتج أعضاء المجلس الشورى على هذه المشاركة وأن يصل بهم الامر إلى القدوم إلى باريس نفسها لتقديم شكواهم التى لم تحظ بالقبول " ) 1 ( . إلا أنهم تمكنوا من تلافى الامر فى العاصمة الفرنسية بالذات . ولقد ظن الزاوش الذي تتبع بحماس كبير مداولات مجلس الامة الفرنسي أن التعاون أمر ممكن إذا ما خلصت النية واتصف العمل بالنزاهة . إلا أنه فشل فى تحقيق المراد رغم صدق عزمه . فقد صرح من أول جلسة أن الامر ) القاضي بتشريك الاهليين فى المجلس ( يعد " حدثا باقيا فى تاريخ الحماية " وان الشعار الذى يؤمن به هو : " لا حقد ولا تعصب " . ولكن أغلبية النواب الفرنسيين أقاموا الدليل على أنهم لا يعبؤون بمثل هذه المواقف المبدئية . وأفهموا التونسيين من دون مراعاة لشعورهم

أنهم ليسوا إلا مجرد دخلاء وقوبلت تدخلاتهم بردود فعل آبتدأت بهمسات الاستنكار وتطورت إلى صرخات الاستفظاع ومنيت خطبهم بالتلميحات أو الاتهامات الجارحة . وتجلى الخلاف فى مسائل العدل والجباية وخاصة التعليم الفرنسى العربى . وكان الرفض نصيب كل مقترحات الجانب التونسي . وخيبت هذه التجربة كل الآمال المعلقة عليها ولم تدم سوى عامين .

وتمكن جماعة الشباب التونسي في باريس نفسها من منبر العرض برنامجهم واستمع إليهم اناس كثيرون . وقرر مؤتمر المعمرين بمرسيليا أمام المسائل المعروضة على أنظاره تنظيم ملتقيات جهوية في المستقبل . وخص المؤتمر الذى انعقد بالمدرسة الحرة للعلوم السياسية من 6 إلى 8 أكتوبر 1908 بدراسة شؤون إفريقيا الشمالية ) 1 ( . وأدرك باش حامبة الفائدة من احتكاك الافكار بين

جماعة الشباب التونسي وممثلى المعمرين ) 1 ( . وسواء قبلت رغبات التونسيين أو رفضت فإن مجرد عرضها يعد " حدثا له أهمية كبرى " ) 2 ( . وكانت النخبة الاستعمارية موجودة ضمن الثلاثمائة منخرط ( وإن فى تمكن " الشباب التونسي " من إبلاغ صوتهم وبالخصوص فرض أنفسهم في مثل هذا المجلس لتتويجا لحركتهم وقد بلغوا بذلك اوج اشعاعهم في فرنسا . فبينما لم يظفر الجزائريون رغم مرور 78 سنة على استعمارهم إلا بممثل واحد فإن سبعة من النواب التونسيين وزعوا بينهم الخطب : وهم محمد بلخوجة " رئيس قسم حسابات الإدارة العامة للحكومة التونسية " المعروف بتبريزه فى اللغة العربية ، وخير الله بن مصطفى " مترجم محللف لدى المحكمة العقارية المختلطة بتونس " المطلع بصفة خاصة على شؤون التعليم ومحمد الاصرم مدير " الغابة " بإدارة الفلاحة بتونس والطاهر الاسود مجهز سفن ببنزرت والبشير صفر مدير الاوقاف " سابقا وثمايد سوسة " ولم يمض وقت طويل منذ أن أسندت إليه مسؤولية الساحل الكبرى مما حال دون مواصلة إلقاء محاضراته بالخلدونية ؛ وعبد الجليل الزاوش عضو المجلس الشورى والصادق الزملي " صحفى كانت مقالاته حول شؤون الشرق المنشورة بجريدة التونسي محل تقدير كبير .

ولا شك أن وجود هؤلاء هو الذي حمل أوجان ايتيين Egene Etienne على ضبط واجبات المؤتمر فى برقية " ملفتة للأنظار بشدة لهجتها " ) 1 ( أملى فيها أوامره " بالحرص الدائم على استبقاء السيطرة الفرنسية وتوطيد أركانها " وخاصة وجوب " التوسع فى تطبيق الطرق المستعملة وتحسينها على ضوء النتائج الحاصلة حتى الآن بالجزائر " . وشعر جونار (Jonnart ) ( بالحاجة إلى الحد من غلواء هذا الموقف المتحجر الذي لا يقرأ حسابا للأهالي فألقى سؤالا يتمائ مع مشاغل الشباب التونسي : " إننا غزونا الارض فهل نجحنا في غزو القلوب ؟ " ) 2 ( . وبين النواب التونسيون أن أعمالا كثرة لا تزال تنتظر الانجاز . وكثيرا ما أفحمت أجوبتهم المعمرين الذين لم يتهيئوا إلى مواجهة الإعتراضات ولاحظ كرنيار ذلك قائلا : " إن لهؤلاء السادة قدرة كبيرة على الصراع . إنهم يظنون دائما أن كلامنا موجه إليهم شخصيا وآننا على وشك مهاجمتهم " ) 3 ( وعندما اقترح " مرشال " تسليط القوانين الاستثنائية علعب كثر فيه الاشرار " قوط مرات كثيرة بهمسات الاستنكار الصادرة عن الاهليين التونسيين " ورد عليه الزاوش " فى لغة لا تخلو من فصاحة " بأنه لا سمح باتخاذ إجراءات عنصرية ولمح إلى صعاليك باريس . أما خير الله فقد أشار إلى المعلقات الموجودة بقطار مرسيليا المحذرة من سطو اللصوص من دون أن

يكون فى ذلك مدعاة لسن قوانين خاصة لدرء خطرهم ) 1 ( . ولما نجح كرنيار بعد مناقشة حادة فى رفض مشروع يخول التونسيين حق الترشح للبلديات المختلطة بـ 26 صوتا مقابل 24 غادر الزاوش وأصدقاؤه القاعة ولم يعودوا إليها إلا بفضل المهارة الديبلوماسية التى أظهرها الكاتب العام للحكومة التونسية ) 2 (

ولم يظهر جماعة الشباب التونسي في مظهر الرعايا المتخلفين بل أكدوا اعتزازهم بالانتساب إلى " جنس ودين وحضارة لا تقل شأنا من حيث المجد التاريخي والقدرة على الهضم عن أى جنس آخر أو دين من الاديان أو حضارة من حضارات الشعوب القديمة والحديثة " ) 3 ) . ولما عيل صبرهم من فرط ما طرق أسماعهم حول " البون الشاسع الذي لا يزال يفصلهم عن الحضارة الفرنسية " أثار خير الله تصفيق مواطنيه عندما صاح طالبا من رئيس الجلسة أن يمنح السيد كرنيار دقيقتين حتى يزودنا بتفسير مضبوط للحضارة الفرنسية . واقتصر جواب المعمر الذي كان حينذاك يحتل منبر الخطابة على لوم المقاطع " لتحويله مجرى المناقشة " ) 4 (

وكانت جماعة الشباب التونسي واعين بما أصاب العالم الإسلامي من انحطاط ومدركين مع ذلك لإمكانيات التجديد فطالبوا بأ يعامل الاهليون لا كمغلوبين بل كأصدقاء وشركاء : " هل نكلف فرنسا الجمهورية فوق طاقتها إذا طالبنا بالحرية والمساواة والاخوة . وتأتى المطالبة بالمساواة الإقتصادية في المقدمة . ذلك أن الفلاحة هي مورد البلاد الحقيقى الذى يحسن التعجيل بتدعيمه . والواقع أن طرد الفلاحين من أخصب الاراضى والتوسع غير المتناسب مع عدد المعمرين يفضيان إلى " نظام مبنى على الاستيلاء والمحظوظية والإقصاء المطلق للعنصر التونسي " مما يهدد بتفاقم الخطر المحدق بالاحباس الخاصة : "إنكم تريدون إقصاءنا إلى المناطق التى لا ينزل فيها الغيث النافع . عمروها أنتم إذا طاب لكم ذلك . إن لكم الوسائل المالية والمعارف التقنية الكفيلة بتطوير نظام الرى فيها . " وإنه يجب أن لا " يتحول المزارعون الاهليون الاحرار " إلى " مجرد عملية فلاحيين " فى خدمة المعمرين . لذلك طالب البشير صفر المؤتمر بدون جدوى بأن يعد كل إجراء يرمي إلى حرمان التونسيين من حقوقهم الطبيعية عملا ظالما غير مشروع وخيم العواقب من الناحية السياسية " ) 1 ( . ووصف النواب حالة الفلاح المسكين " المرهق بالاداءات . فريسة المرابين وكذلك ضحية المقدمين المنتسبين للزوايا " كما رثوا حال الخماسة المضطرين إلى دفع المجبة وغيرها من الضرائب الشخصية حتى لا يستهدفوا الجبر بالسجن ، بينما أعفى العملة الاجانب منها رغم أن أجورهم كانت أرفع . وطالب جماعة الشباب التونسي الدولة بتمكين

الاهالي من الحصول على الملكية الصغيرة ، وتعويض " المجبة " " بضرائب تستخلص على الثروات " وإحلال " العنصر الاهلي مقاما عادلا ضمن الحجرات الفلاحية الفرنسية " ونشر التعليم الإبتدائي والفلاحى بين الاهالي وإبطال العمل بالجبر بالسجن .

وإن مصير الصنايعية والعملة كان يستوجب نفس الاحترازات لان أغلبية الصنايعية أعرافا كانوا أم عملية آنحدروا إلى هاوية البؤس " . فالشغالون لا يتمتعون باى ضمان فى شغلهم ولا ينتفعون بالقوانين الاجتماعية المعمول بها في فرنسا وخاصة ما كان متعلقا منها بحوادث الشغل بل اصبحوا إلى جانب ذلك " فريسة الإدمان البشع على الخمر " الامر الذى كانت تشجع السلط عليه بالترخيص المتزايد في فتح الحانات . ولتلافى الحالة وجب تعميم التعليم المهنى والتجارى فى البلاد التونسية وإقرار العدالة الجبائية وتطبيق تشريع الشغل المعمول به فى فرنسا ، وتمكين التونسيين من دخول الحجر التجارية ، وإعانة صغار الصنايعية والتجار بالقروض وإتخاذ الإجراءات " الحازمة للحيولة دون آنتشار الخمر " ) 1 (

وكانت مسألتا العدل والتعليم الإبتدائى محل مناقشات حادة وكان الشبان التونسيون واعين تمام الوعى لما تشكوه محكمة " الوزارة " من عيوب كان ذكرها حسن قلاتي في مهارة فائقة : ونعني بذلك الرشوة المتفشية فى المحاكم الجهوية وعجز حكامها وانعدام سلم العقوبات لفقدان المجلة . بل هو نظام المشئة الفردية والتعسف وأحكام الوزارة " النهائية لفقدان كل إمكانية للتعقيب ، وطول

مدة الإيقاف التحفظى وإحالة الموقوفين في ظروف سيئة الغاية وتجاوز مثير للسلطة عند البحث السرى وخضوع العدالة لمشيئة الإدارة بواسطة وكلاء الحكومة ) 1 ( . وفي هذه النقطة اتفقوا مع المعمرين الذين كانوا يخشون هيمنة الإدارة لكن بينما كان ممثلو الجالية الفرنسية يعتبرون تعميم العدالة الفرنسية الحل الاوحد لاصلاح الوضع كان الشباب التونسي المتمسكون بتقاليدهم وبصلاحيات الباي يشكون تقاعس الإقامة العامة لانها لم تقم يأي عمل لإصلاح الوزارة " وخاصة تحرير المجلات وإنشاء محكمة التعقيب (2) . وكان المعمرون يأملون احداث ثلمة فى هيكل العدالة التونسية بمناصرتهم لليهود التونسيين فى مطالبتهم الرجوع بالنظر إلى المحاكم الفرنسية والطعن الشرعى فى نزاهة الوزارة " . وكان يساندهم في ذلك كل الصحافة الفرنسية الصادرة بالإيالة ومقررو المجلس الشورى وهيئة المحامين بتونس ورابطة حقوق الانسان . وردا على تدخل مريدخ سماجة مدير الجريدة اليهودية - العدالة - اقترح الزاوش " أن يسمح لليهود التونسيين الذين زاولوا التعليم الضرورى ونجحوا في الإمتحانات الرسمية بالمشاركة فى مناظرات الحاكمية الخاصة بالاهليين الامر الذي كان فى الواقع لا يتماشى مع صبغة " الوزارة " الإسلامية . وأمكن للتونسيين بهذه

الخزعبلة النجاح في رفض مقترح سماجة الرامى إلى سحب العدالة الفرنسية على اليهود التونسيين بأغلبية بلغت 22 صوتا . ) 1 (

واسترعى التعليم الإبتدائى اكثر من غيره من المواضيع اهتمام المؤتمر ) 2 ( . ولا نعرف نقدا أعنف مما وجهه خير الله للكتاتيب باسم كافة الشباب التونسي الذين كانوا يرومون الاستعاضة عنها بالمدارس الفرنسية العربية . إلا أن المقرر كان شديد التمسك بالماضى يتنازل عن ضرورة التكوين العربى الإسلامى الموروث وفقا لسنة طويلة المدى . لذلك وفق بين النزعتين ببعث الكتاب العصري ) 3 ( . وبقي القرآن أساسا للثقافة لكن كان " الطفل قبل ذلك يلقن القراءة والكتابة ومبادئ العربية " ثم يدرس القرأن الكريم ،

ويتعلم العبادات ومبادئ التوحيد والاخلاق ويتلقى فى نفس الوقت تعليما لائيكيا يشتمل على القراءة والكتابة وحفظ النصوص الادبية عن ظهر قلب شعرا ونثرا ويحتوى أيضا على النحو ، والحساب ، والحساب العشري ، ومبادئ الهندسة ، والجغرافية وخاصة جغرافية البلاد التونسة وفرنسا والتاريخ وفي المقدمة تاريخ تونس مسبوقا بلمحة عن تاريخ العرب وتاريخ فرنسا بما فى ذلك من اخبار العظماء عبر العصور . ويتضمن هذا التعليم كذلك دروسا فى الأشياء ( مبادئ الفيزياء والكيماء وعلم الحيوان والفلاحة وحفظ الصحة ) " . ولهذا الغرض كان في الإمكان آستعمال الكتب المدرسية " الممتازة " و " المشكولة " الصادرة فى مصر وسوريا .

وتمكن خير الله بإعانة الكاتب العام وجمعية الاوقاف من فتبح كتاب عصري في غرة ديسمبر 1906 أمه منذ الشهر الاول مائتا تلميذ . وحفت بهذه المحاولة ظروف مؤاتية إذ امكن تعيين مدير ممتاز وتوفر مكان لائق يتمثل فى دار تقليدية جميلة جدرانها مكسوة بالرخام والزليج . ورغم ذلك فإن معظم جماعة الشباب التونسي كانوا مناهضين لهذه المبادرة لاعتقادهم انه إذا كتب النجاح لهذه التجربة بفضل ما آستقام لها من إمكانيات استثنائية فإنها لن تفرز في غالب الاحيان سوى تعليم منحط . وكان باش حامبة أشدهم بأسا فى المعارضة . فاكد ان التعليم الخاص الموجود فى المدارس القرآنية العصرية من شأنه أن يبقى التلامذة فى مستوى ضعف بسبب قصور اللغة العربية على التلاؤم مع الافكار العلمية وهلهة الكتب المدرسية الواردة من القاهرة حيث " ترجم القوم كثيرا وقلدوا طويلا ولم يخلقوا شيئا " ) 1 ( خلافا للرأي السائد .

واعتبر المحافظون هذا الشك في قيمة الثقافة الشرقية بمثابة الكفر الصريح . فاحتج كل الذين ناصروا كتاب خير الله بن

مصطفى العصرى احتجاجا شديدا على مواقف باش حامبة ونعمان . وأيدهم فى ذلك المعمرون بكل حماس لان غايتهم كانت ترمي إلى استبقاء الطفل فى مستوى الكتاب القديم كما أيدتهم الإدارة التى كانت تسعى أكثر فأكثر إلى إقصاء التونسيين عن الثقافة الفرنسية . ورأى المهيمنون فى الكتاب العصرى أخف الضررين لانه من شأنه أن يضع حدا لاختلاط التلامذة ومنافسة الاهليين المتكونين فى المدارس العمومية . وبينما كانت فرنسا حريصة على نشر لغتها عبر العالم كانت جاهدة في الحد من آستعمالها فى الميدان الثقافي بالبلاد التونسية . ولئن تعرض كرنيار لهذا الموضوع في المؤتمر بلهجة أقل حدة مما أبداه فى تونس فقد كان كلامه واضحا لا لبس فيه . إذ قال : أما أنا فإني أرفض المدرسة الفرنسية العربية ويساندني فى ذلك الاغلبية الساحقة من المعمرين وكذلك المجلس الشورى الذي قال كلمته فى هذا الموضوع " . وحتى إذا اضطر إلى التسليم بوجودها فى المدن الكبرى فإنه لا يقبلها فى القرى . وصرح بإنه من أنصار التعليم بالعربية المعتمد على تفسير متحرر للقرآن والتدرج فى تبيان مقاصده وملاءمته مع حاجات الاستعمار الامر الذى مر شأنه أن يعلم الاهالى " أن محبة الرومى ممكنة " . وكان برنامج شارتى المدير الجديد للتعليم يقضي بأن يتلقى الاطفال تعليما مهنيا وفلاحيا بالخصوص .

وكانت جماعة الشباب التونسى تجد نفسها فى موقف حرج بسبب مبادرات خير الله . فاهتدت إلى حل وسط وسط إذ استحسنت الكتاتيب العصرية بصورة انتقالية حيثما انعدمت المدارس الفرنسية العربية مع المطالبة فى نفس الوقت بتأسيسها حتى في الاماكن التى لا يمكن أن يؤمها فيها سوى الاهلين وذلك آعتبارا لقيمتها التربوية . وحصل الاتفاق فى آخر الامر حول وجوب نشر " المدارس

الإبتدائية فى المراكز التى يوجد فيها أوروبيون بشرط ان لا يتجاوز الطفل الاهلي السابعة من عمره " وضرورة تعميم الكتاتيب العصرية فى غيرها من الجهات ( 1 )

أما فيما يخص الفتيات فإن الزملي كان معارضا لتعليمهن الفرنسية بقدر ما كان مؤيدا لتعليم الفتيان إياها " لفرط تعلق المسلم بتقاليده وعاداته ولغته وهى جميعا عماد شخصيته " والفضل فى هذا للأم . وفعلا فإن " المرأة هي أحد المكامن التى لا تزال الشخصية المغربية معتصمة به " ) 2 ( ، كما لاحظ عالم اجتماعي مقدر . ولاحظ أحد أصدقاء الشيخ الثعالبى أن : "القومية سر تحافظ عليه النساء " اللائى بقين " المقوم الاخير لهيكلنا

الاجتماعى " . لذلك رفض الزملي التجربة التى نجحت في القيام بها " شرلوت إيزنشنك ( Charlotle Eigenschnck مدرسة الفتيات المسلمات " لو يز روني مييي " والسبب هو سهو المسؤولين عن اللغة العربية المقام الاول فى برنامج التدريس وهي أكثر نفعا بالنسبة للمرأة التونسية من معرفة آية لغة اجنبية اخرى قل أن تجد الفرصة لاستعمالها " ( 1 ) . ولم يكن المقرر ليتصور مصيرا المرأة سوى " حياة منزوية بالضرورة " و " دورا يقتصر على تسيير شؤون المنزل وتربية الاولاد " لذلك اقترح أن يكون تعليم الفتيات باللغة العربية " وفقا لمنهج منطقي وعملى " فى مدارس جديدة وأن يضطلع بالتدريس معلمات ينتدبن من سوريا ويطبقن برامج " مستوحاة جزئيا لا كليا من المدارس العثمانية في سوريا . " ولئن رضى بتدريس لغة أجنبية فإنه " يستحسن أن نكون الفرنسية " وذلك بصورة تكميلية فإنه كان يرى ان " الساعات المخصصة لها تكون أوفر نفعا لو استعملت لتدريس الاخلاق

والادب والتاريخ الإسلامى . وهكذا ترى أن جماعة الشباب التونسي كانوا في هذا الميدان محافظين راسخ المحافظة (1) .

واعتبرت الجالية الفرنسية مواقف التونسي " فى مؤتمر شمال إفريقيا تحديا لا يمكنها السكوت عنه ، وخاصة تقرير البشير صفر حول الاحباس الذى اثار حفيظة المعمرين فلم بتجاسروا على التعبير عن غضبهم الشديد أثناء المؤتمر ولكنهم ألقوا المسؤوليه على عاتق المقيم العام . " وحيث أن هذه الوثيقة مناوئة للاستعمار الفرنسي ويبدو انها حررت لإثارة عواطف الاهليين عليه وحقدهم نحوه " وحيث أن تلميحات البشير صفر وهو الموظف السامي يمكن أن تعتبرها بعض الاوساط ملزمة للحكومة إذ من المستبعد أن يسمح " ثمايد " لنفسه بإصدار مثل هذه الوثيقة دون رخصة من رؤسائه " فإن الحجرة الفلاحية " ترجو من السيد المقيم العام أن يتولى الدفاع عن الاستعمار الفرنسي وان يتبرأ من أقوال "ثمايد " سوسة ) 2 ( وكأن كرنيار أراد أن يخفف عن نفسه ما

كفها فى باريس من عناء لتظاهر بالاعتدال فأطلق العنان لما يضمره من احتقار للمطالب التى قدمتها جماعة الشباب التونسي إلى المؤتمر فقال : " ذهب الخيال بالسيد الزاوش المشغول دائما بمناوشة الجالية الفرنسية إلى مطالبة مؤتمر إفريقيا الشمالية بإحلال العنصر الاهلي مرتبة أقرب إلى العدالة فى الحجر التجارية لكن لاية غاية ؟ لتلقين المعمرين الفرنسيين مبادئ الثقافة العربية ولا شك ؟ ولو كلف السيد الزاوش نفسه مشقة الإسترشاد لدى أهل الذكر لعلم أن الاهالى يحتلون بعد رتبة عادلة وهى رتبة 'شاوش ، " ) 1 ) .

وآل الامر أثناء النظر في ميزانية دورتى 1908-1909 للمجلس الشورى الذى أصبح لا يلتئم إلا مرة واحدة فى السنة إلى تفاقم الخلاف بين الفرنسيين والتونسيين حتى بلغ أحيانا حدة قصوى وأصبح من المتعذر تذليله . ( 2 ) ووضع كرنيار الذى كان ماهرا فى نصب الاحابيل مسألة العدالة التونسية على بساط النقاش من جديد مع العلم أن التونسيين كانوا متمسكين بها رغم أعترافهم بنقائصها . فتناسي عنصريته الفعالة ضد اليهود وتزعم مرة اخرى قضية سحب العدالة الفرنسية عليهم . الا يتناقض المقترح الذي قدمه الزاوش إلى المؤتمر مع مقتضات الامر المؤرخ في غرة جانفي 1909 الذى يحرم اليهود من ممارسة أية خطة ضمن المحاكم الاهلية مما يترتب عنه ضمنيا أن للدين دخلا في إصدار الاحكام ؟ وطرحت هذه المسألة مام الرأى العام . فانعقد اجتماع أول يوم 9 أكتوبر 1909 فى

ملعب سباق الخيل حضره 5.00 شخص استجابوا للدعوة التى وجهتها إليهم الجريدة اليهودية " العدالة " وأكدوا انهم لا يريدون الرجوع بالنظر إلا إلى " المحاكم الفرنسية " ( 1 ) ومن جهة اخرى جمعت لجنة يراسها المحامي أحمد الصافى الذى أصبح فيما بعد أحد زعماء حزب الدستور القديم 10.000 شخص في قاعة البالماريوم احتجوا على منح اليهود " امتيازا على حساب السكان المسلمين " ) 2 ( . ولو فرضنا أن الارقام وقع المبالغة فيها من الطرفين لاغراض دعائية فإنه أصبح من المتعذر على التونسيين الاعتراض على رغبة الإسرائلين كما يؤكد ذلك كبار قضاة الوزارة . أما الإقامة العامة فقد أحجمت عن تغيير الوضع السائد خشية أن تكون هذه العملية خطوة أولى نحو تجنيس سبعين ألف من اليهود التونسيين

وكانت مسألة الجباية أشد الازمات حدة ( 3 ) . فقد التمس التونسيون في مؤتمر إفريقيا الشمالية الاستعاضة عن المجبة باداءات أخرى توظف بحسب الثروات خاصة أن المجبة لم ينزل بها القرآن . فقد أسسها محمد باي سنة 1856 بعنوان مال الاعانة رغم معارضة شيخ الإسلام . وكانت مضاعفة مقدارها سنة 1864 سببا من اسباب تمرد القبائل . وفي سنة 1903 أصبحت 25،85 فرنك بعدما تأثرت الحكومة من الحملة الصحفية التى شنها كرنيار فحذفت الضرائب

الشخصية الموظفة على الاوروبيين الذين يستعملون الطرقات أكثر من غيرهم وعوضت النقص الحاصل بزيادة ثلاثة فرنكات فى معلوم المجبة .

واستنكرت باريس هذا الاداء الذى كان يثقل كاهل العملة الاهليين وخاصة " الخماسة " الذين لا يتجاوز دخلهم السنوى 200 فرنك والعملة الفلاحيين الذين يتقاضون من فرنك إلى 1،20 فرنك يوميا . وصرح ألابيتيت ) (Alapetite ) مدينة ليون أن الإيالة التونسية " بلاد يفترش الفلاحون فيها الارض ويخربون أديمها بمحاريث خشبية ولا تتجاوز كنوزهم بعض الخرفان ورغم ذلك يدفعون الاداء الفردى وهى ضريبة لا يمكن إلا أن يثور عليها أكثر الفلاحين الفرنسين ثروة " ) 1 ( ، ولطالما احتج مقررو الميزانية على هذا الاداء الجائر والمجحف ولكن بدون جدوى . واعتبر وزير الشؤون الخارجية في آخر الامر أن الإصلاح قابل للتحقيق عمليا " إذا ما قبلت أصناف السكان التونسيين الاخرى الاداءات التى ستشملهم مثل الاهليين " .

وكانت الجالية الفرنسية فى مجموعها تعارض هذا الحل وذهب بها الامر إلى التهديد بالامتناع عن دفع الاداء . فكانت تعلن أولا أن الفلاح لا يحمل في الواقع ما لا طاقة له به حتى أن كرنيار أكد في مقال واحد من جهة انه إذا كانت المجبة ثقيلة الوطأة " فإنه كلما صح عزم الاهلي على الشغل استطاع دفعها " ) 2 ( ولاحظ من جهة اخرى ان يطالبون " المساكين " بادائها

مرتين أو ثلاثا . وتقول ثانيا : إن حذفها يقضي برض اداءات جديدة على الاهالى لمواجهة العجز الحاصل من التنقيص في مقدارها : إن المعمرين محسنون ولكنهم ليسوا أولياء صالحين ولا يمكن أن نطالبهم بأن يضحوا بأنفسهم فى سبيل الغير فيتحملوا قسط الاهليين من الاداءات " ) 1 ( . وأوصى المجلس الشورى فى جلسة 12 ديسمبر 1908 استجابة لاقتراح كرنيار بألا يوظف على الفرنسيين أي أداء لتعويض المجبة كليا أو جزئيا ) 2 ( .

وكان المعمرون يقترحون فى دهاء ان أن تشمل المجبة المحظوظين المعفين منها أى القياد والخلفوات والمشائخ والأمناء والايمة أعوان جمعية الاوقاف والمدرسين وخاصة سكان المدن الخمس وهي تونس العاصمة والقبروان وسوسة والمنستير وصفاقس . وكان التونيسيون يحتمون بالتقاليد ويحتجون بغلو المعيشة فى المدن الا أن ذلك لا يسكر في الواقع توظيف هذا الاداء على سكان الكاف ونابل وباجة وقفصة . وهكذا كانت البرجوازية التونسية تتصدى لامتيازات الفرنسيين ولكنها تأبى التخلى عن آمتيازاتها .

واقترح نواب الاهالى فى المجلس الشورى ، تسديدا للعجز الناتج عن حذف المجبة تعويضها بأداء على الماشية وبضريبة شخصية قدرها 5 فرنكات توظف على كل ذكر راشد سواء كان اوربيا أو أهليا وأداء على مختلف متوجات الارض من مناجم ومقاطع .

فما كان من الإدارة التى كان همها مقتصرا على التنقيص من معلوم المجبة فقط إلا أن تباطأت في البت في المسألة نظرا لمعارضة الحالية الفرنسية التى قامت قيامتها من جراء الحملات الصحفية . فلم تقدم مشروعها إلا قبل اختتام دورة 1909 بيومين . وانخفض معلوم المجبة من 25،85 فرنكا إلى 15 فرنكا . واقترحت إدارة المال مقابل ذلك إضافة صنتيما إلى أصل الاداء الموظف على الاهالي دون سواهم ؛ وتعميم العشر أى جعل الاداء الموظف على ماشية ) 10 هكتارات ( من الشعير ) من 28 إلى 38 فرنكا ( والماشية م القمح ) من 60 إلى 67 فرنكا ( ينطبق على الجهات التى كانت تدفع 30 فرنكا على كل ماشية كأداء قار ، كما اقترحت مطالبة قبائل الجنوب التونسي بدفع الاداء بعد أن كانت معفاة منه إلى ذلك الوقت واقترحت أخيرا زيادات مختلفة في معاليم التسجيل والتنابر وتصدير زيت الزيتون وبيع الكحول .

ورضى النواب التونسيون بالإجراءات التى ارتأتها الحكومة مع لفت النظر إلى أن وطأة الاداءات الجديدة تقع بالخصوص على البرجوازية وصار الملاكين الاهليين . وعلى العكس من ذلك عارض نواب المعمرين المشاريع التى لها انعكاس على الاوربيين والاهليين معا ورفضوا جميع الاجراءات الحكومية من دون أن يقدروا إلى اى حد كان فى امكانهم أن يذهبوا في تطرفهم . فأثاروا بذلك غضبا شديدا فى البرلمان ووزارة الخارجية والإقامة العامة . وشهرت جريدة الزمان فى شدة بغرور المعمرين المستند لا علم القانون ولا على قوتهم بل على حسن آستعداد الوطن الام ) 1 (

واعتبر رفض الإعتمادات الإضافية المقدرة بستة آلاف فرنك المخصصة لاعوان البريد التونسيين ) 1 ( دليلا على أنانية تأباها الإنسانية كما اعتبر بيان المعمرين العلني الذي صرحوا فيه بأنها ينوون " إعلان العصيان الجبائى ، وتنظيم المقاومه " عزيمة على التمرد ) 2 ( . وتسابق المرشحون والجرائد فى توجيه الاحتجاجات والتهديدات أثناء الحملة الإنتخابية لسنة 1909 حتى أن ألابيتيت صرح أمام النواب يوم 26 جانفى 1912 قائلا : " شاهدنا مزايدات بين أنصار الهيمنة الفرنسية وبعض الفرنسيين المتمتعين بالحصانة فاصبح شعارهم : لا تصويت لفائدة من يرضى بتوظيف صنتيم جديد على الفرنسين لتخفيف العبء على الاهليين ) حركات مختلفة ( . واخذ الغضب مأخذه من الدوائر العليا حتى فكرت في حذف المجلس الشورى لا أكثر ولا أقل . أما الحل الذى ارتأته الاقامة العامة فقد كان أكثر براعة . ذلك أن المقيم آستند إلى الامر الواقع المتمثل فى أن القسم الاهلي في المداولات مشاركة وهمية ولست في حاجة إلى بيان السبب " ) 3 ( فحمل الباى على إصدار الامر المؤرخ فى 27 أفريل 1910 القاضي بأن يجتمع كل قسم على حدة وينتخب لجنته المالية . وتأسف 16 نائبا فرنسيا من بينهم لوكور كربنتيمي ( Lecore - Curpentier ) و صديقه كورتولان  Curlelin ) الذى سيخلفه فيما بعد على رأس الدبيش (La Depeche Tunisienne   سوروساك surresseque من أن " التعاون بين العنصرين الفرنسي والاهلي في جلسات مشتركة أصبح أمرا غير ممكن . وسجلت

جماعة الشباب التونسي أن هذه الظاهرة " تشرفهم " ) 1 ( ولا شك أن المحتجين الذي كانوا أنفذ بصيرة أدركوا أن القسم الفرنسى خسر الجولة لتطرفه . فأنشئ مجلس أعلى للحكومة لترجيح الكفة بين القسمين وتكون من عشرة وزراء فرنسيين أو رؤساء مصالح ومن ثلاثة نواب ينتخبهم القسم الفرنسى وثلاثة نواب ينتخبهم القسم الاهلي الامر الذى أصبح من شأنه أن يسمح للاقامة العامة تحقيق أغراضها بما توفر لديها من أغلبية . وبذلك آلت معارضة المعمرين المطلقة إلى تعزيز جانب السلطة المركزية ) 2 (

ووجدت المعارضة المكبوتة فى المجلس مجالا للظهور فى الشارع . وبلغت جامع الزيتونة نفسه شجعها على ذلك اضراب الطلبة المصريين بالازهر فى نوفمبر 1909 . ولم تمر أربعة أشهر حتى وجه 800 طالب من الجامع الاعظم عريضة إلى الحكومة طالبوا فيها بضبط جداول أوقات من شأنها أن تضع حد الغيابات المدرسين المتكررة ، وبتدريس التاريخ والجغرافيا تدريسا مجديا ، والحق فى اجتياز امتحان بعد ثلاثة أعوام لا سبعة ، وإعفائهم من المجب والخدمة العسكرية ) 3 ( . وبالرغم عن أن الحكومة سارعت بتأليف لجنة بحث فإن الطلبة أضربوا عن الدراسة يوم 15 مارس 1910 وتظاهروا فى الشوارع . ولئن استنكر باش حامبة هذا الإضراب فى أول الامر فإنه أيده عندما بلغه أن عددا كبيرا من المدرسين كانوا بالمرصاد لاى تغيير . وانتهى الإضراب بصورة عادية في 28 آفريل

عندما أطلقت الحكومة سراح ثمانية من الطلبة المسجونين واكدت استعدادها للآتجاه نحو الإصلاحات المطلوبة . وتجمع فى بطحاء الصادقية يوم 13 ماى ألفان من الطلبة فكان ذلك بمثابة اجتماع شعبى كبير تناول أثناءه الكلمة عدد عديد من زعماء الحركة الإصلاحية التونسية المشهورين مثل الزاوش والزمرلي وكان النجاح الاكبر من نصيب الثعالبي الذي تكلم باسم باش حامبة " فانتقد تحجر قسم من المدرسين وتآسف من فقدان دروس الفلسفة والماورائيات ، وانعدام الاجتهاد فى تفسير القرآن ، ورغم أن الشيخ الثعالبى أكد أن الإسلام " دين تقدم وعلم " فإنه لم يعرها أهمية كبرى خلافا للزاوش . وقد كشف إضراب طلبة الجامع الاعظم وهم ضحايا ثقافة غير متلائما مع العصر عن ازم لم تزدها الأيام إلا تفاقما

واكتست المظاهرات طيلة سنتين متواليتين صبغة جديدة زيل لطابعها الشعب وزادت الخلاف حدة بين المعمرين وجماعة الشباب التونسي . مما أدى بكرنيار بعد حوادث الزلاج ) نوفمبر 1911 ( التى مات فيها خلق كثير وأدخلت الرعب فى نفوس الاوربيين المل أن يلقي مسؤولية الكارثة على الزاوش ) 1 ( . ومن ورائه النيل من زعماء الحركة الاصلاحية المناوئين لاستيطان الفرنسيين والمتهمين برغبتهم في جعل الحماية شبيهة ببارودة فى الهند حيث لا يوجد الا موظف إنقليزى واحد وهو المقيم . ولما لم يقدر الزاوش على اقناع ولي الامر بفتح بحث إدارى ولا إحالة على التحقيق ، قام

بقضية ثلب ضد خصمه الذي اقتصرت حجته على الشائعات الرائجة بين الاهالي ) 1 ( . ومع أن رئيس المحكمة صرح بأن الزاوش " رجل خير " وأثنى على شجاعته وأن وكيل الجمهورية أكد على ما كانت تستحقة مواقفه من التنويه ، فإن المحكمة قضت للمتهم بعدم سماع الدعوى اعتمادا على أن شخصية الزاوش بالنسبة لكرنيار تعتبر في مرتبة ثانية وأنه كان ينظر أولا وقبل كل شئ إلى المصلحة الفرنسية ، وعلى أنه نتيجة لذلك لم يقم الدليل على نية الإساءة في المقالات المذكورة أعلاه ، ولا على أنها حررت بدافع من الحقد " ) 26 أكتوبر 1912 ( . وحتى المصاريف القضائية فقد ألزم بأدائها الزاوش مما جعل الرأى العام فى ريبة من براءته ، خاصة وأن كرنيار واصل اتهاماته بنفس العنف . واعتبرت جماعة الشباب التونسي هذا الحكم الذي أملته الحالة السياسية والذى من شأنه إبراء ذمة الثالب والتنويه بشأن المتضرر برهانا على أن العدالة لن تنصفهم في الإيالة ما دام واحد من المهيمنين طرفا فى القضية . أما دائرة الإستئناف بالجزائر التى لم تكن مضطرة إلى مراعاة رأس المعمرين فى تونس فقد حكمت على كرنيار بالف فرنك كتعويض للضرر ومصاريف القضية وحمل المصاريف عليه مع أشد الحيثيات قسوة إزاء طيشه ، وسوء نيته وإضمار الإساءة لكنها رفضت نشر الحكم فى الجرائد التونسية نظرا للظروف المحيطة بالقضية . فلم يكن له

بسبب ذلك صدى يذكر ) 1 ( . وهكذا كان من المستحيل لاسباب خارجة عن نطاق القانون أن ينصف واحد من الشباب التونسي إذا كان خصمه أحد المعمرين ) 26 جوان 1913 (

وقد نالت الحملة الصحفية التى تلت حوادث الزلاج الدامية من السمعة التى كان يتمتع بها جماعة الشباب التونسي لدى الرأى العام الفرنسي كما كان لها انعكاسها على سياسة الإقامة العامة واغتنمت الإدارة فرصة الإضراب على الترامواى فى العاصمة ) 9 فيفري 1912 ( الناتج عما كان يشعر به التونسيون من عداء نحو الإيطاليين المفضي إلى المطالبة برفع الاجور فاعتبرت مساندة جماعة الشباب التونسي للحركة المناوئه للشركة صاحبة اللزمة ، مؤامرة سياسية . ورد بااش حامية على الكاتب العام للحكومة بقوله : " إنى اتساءل لماذا يراد الزج بفرنسا في أمور لا علاقة لها بمصالحها . إن فرنسا بالنسبة إلينا أسمى من أن ينالها أحد بسوء ولكن لن نرضى إذا ما

ناقشنا أعمال إدارة الحماية أو شركة خاصة مسؤولة عن مصلحة عمومية كما هو الشأن اليوم بأن يعترض علينا بدعوى أننا نكسر شوكة فرنسا فى هذه البلاد " ) 1 ( . وفى فجر 13 مارس 1912 نفي باش حامبة والقلاتي ونعمان والثعالبى خارج الإيالة بمقتضى أمر على ( 2 ) . وقد امكن لهم الرجوع إلى تونس بعد بضعة أشهر إلا باش حامبة الذى لم يستطع التغلب على ما كان يقاسيه من مرارة عميقة وآثر المنفى فى استنبول وقد جاء فى رسالة له بعث بها إلى رئيس الصادقية : أقطع صلتى بصفة نهائية مع البلاد التونسية . إن من الاشجار شجرة يمكن كسرها ولكن يستحيل أن تنحني ، فاعذرني إذا انا كنت شبيها بها " ( 3 ) . وإن الرجل الذي تزعم سياسة المشاركة قام فيما بعد بدور رئيسي فى تكوين الجيش التركي الذي كان من المفروض أن يحتل ليبيا وتونس وتوفى باش حامية باستنبول فى 1918 بينما كانت الامبراطوريا العثمانية تنهار انهيارا ) 4 ( . وقد فشلت سياسة التعاون فى نطاق النزاهة والكرامة التى طالما دعا إليها ولم يكن ذلك بسبب تطرف جماعة الشباب التونسي بل نتيجة لمعارضة المهيمنين

وضعف الإدارة . واحتجبت جريدة " التونسي وواصل جمع من المخلصين عملهم فى نطاق السرية طيلة ستة اعوام . وتأكد ولاء الرعيل الاول من الوطنيين التونسيين أثناء حرب 1914 وتجرع الحزب الدستورى الذى خلف حزب الشباب التونسي سنة 1919 خيبة التجربة السابقة بالخصوص ، مما حمله على اللواذ بموقف الرفض المطلق والعقيم . ومرت الاعوام حتى أطلت سنة 1933 * فاستأنف الحزب الدستورى التأونسي الجديد الذي خلقه الحسب بورقيبة الحركة التى كانت جماعة الشباب التي بدأتها ، لكن على نطاق أوسع وبطريقة جديدة .

) انتهى

اقرؤوا فى الأعداد القادمة - الاستعمار والتعليم الحر على عهده " بقلم : محمد الهادي العامري - " من أحرق رؤما " شعر : نور الدين صمود - " نحتاج إلى مؤرخ مؤمن " بقلم : أحمد جغام - " بقايا رجال " بقلم : مصطفى التواتى - " قصة الانسان " شعر : عبد السلام خروف - عندما تقطع الحبل " مسرحية ، بقلم : عبد الجبار الشريف - " الى ناقد اتباعي " بقلم : محمد كمال مدائنى - " النوافذ " قصة ، بقلم : محمود طرشونة - مذكرة ذبابة على جدار أفريكا " شعر : أحمد الحباشة - " لافتات قف " شعر : عبد الواحد الكحلاوي - " وأضحك رفضا " بقلم : محمد مصمولى - " ثبت يدا " شعر : الطاهر الهمامى غير العمودى والحر " هذه الزيتونة " بقلم : محمد على اليوسفى

اشترك في نشرتنا البريدية