نشر فى جريدة (( لسان الشعب )) فى عدد 23 نوفمبر 1927
(( أراد الصديق زين العابدين السنوسى أن يكتب ردا على ما نشر تحت (( ماذا فى الصحف المختارة )) فأخذ القلم وكتب المقالة الطويلة العريضة التى نشرت فى العدد قبل الأخير تحت عنوان (( الادب التونسى فى القرن 14 )) والتى ملأت ما يزيد عن العمودين . وليسمح لى القراء إذا أنا اغتصبت لهم موضعا يكفينى للرد على رده .
مقالة الصديق طويلة جدا وبالرغم عن طولها فانها لا تتجاوز قسمين أحدهما مختص به والثانى مختص بصديق الجميع السيد الشاذلى خزندار . أما هذا القسم الأخير وكل ما حشاه فيه مثل قوله : (( تلميذ يتحكك بأستاذه )) و (( هو - أى خزندار - طالما نشطه - أى أنا - وألح عليه أن يحضر دروسه العروضية )) التى لم أسمع بها قط ولم أسمع أى إنسان يتحدث عنها فضلا عن حضورى بها ، هذا القسم هو خارج عن الموضوع وليس من الحكمة أن أرد عليه ما دام محرره هو غير السيد الشاذلى خزندار وما دام محررا فوق إمضاء رجل طفيلى لا يبعد أنه يريد إثارة فتنة بينى وبين الصديق يريد أن يضحك لها وهو مشرف عليها من بعيد .
أما الفلسفة العجيبة المدهشة التى وجدها حول قولى إن خزندار لا شغل له فلا يسعنى إلا أن أضيف على ذينك النعتين . . أنها باردة أيضا .
وأما القسم الأول فيمكننى أن أعد النقط التى ذكرها السيد السنوسى لأجيب عنها بالترتيب :
بدأ مقاله بقوله إنه رآنى اهتز اهتزازا عنيفا فى فصلى السابق وزاد على ذلك بقوله إنه ما كان يهمه اهتزازى . وبعد قليل قال : (( وقد سرد - والضمير عائد على - أربعة الأشطار التى وجدها محرفة على زعمه )) ؛ ثم قال اننى لو انتصرت عليه ولم أتهكم على غيره (( لاغتفر هفوتى معه وتنقيصى منه ومن مجهوده الادبى مهما كانت أياديه على واعلانه بسمعتى )) .
هذا جل ما كتبه فى الموضوع وليسمح لى زين العابدين إذا أنا جاريته فى الأسلوب الذى اختاره فى المناقشة وخرجت على آدابها - إن صح أنى خرجت - كما فعل فى مقاله الطويل .
يقول الكاتب إنه لا يعنيه اهتزازى لما رأيته منه ومن الهجوم على كثير من قصائدى ولا سلاح له إلا (( الرقعة الصحيحة )) وتلك الرقعة الصحيحة هى التى
جعلته يجنى جناية ويقول الى المعتدى عليه أو على بنات أفكاره إنه لا يهمه اهتزازه . ولا عجب فى ذلك فهو ليس له بنات أفكار ليمكن لأحد أن يعتدى عليها ليذوق صاحبنا تلك اللذة . . . اللهم إلا قصيدة لا أتذكر منها الآن إلا قوله :
كاشفة عن ساق كاللبن الحليب
ويقول الكاتب إنى وجدت تحريفا ( على زعمى ) وهى صفة لا أدرى أى اسم فى العربية يطلق عليها . فهو يحاول بذلك أن يوهم القراء بأنه لم يقع تحريف بالمرة وإنما ( أنا زعمت ) وجوده . . . وليس لى أن أتعجب من ذلك أيضا لأن ذلك يدل على أحد أمرين إما على أن الكاتب لم يكن يدرى ما كان يفعل عندما كان يعبث بكلام غيره وهو فى افتقار لا أقول الى اللغة والقواعد العربية ولكنى أقول إنه فى افتقار حتى الى الرسم ، وإما يكون حقيقة لا يعلم أن هناك تبديلا وتغييرا وتكون هناك مشاركة لا أقول من المصحح ولا من غيره لأن الصديق زين العابدين يغضب إذا أنا شاركت معه غيره .
ويقول الكاتب أيضا إنى نقصت من مجهوده الأدبى وأن له الأيادى على وأنه أعلن بسمعتى ، أما مجهوده الأدبى فلست أنا الذى نقصت منه وإنما هو الذى نقص منه وأفسد سمعة مشروعه فجعل الأدباء الذين وصل لأيديهم الجزء الأول يلعنون المشروع وتونس وأدباءها بما أجازه لنفسه من فساد الاختيار وإفساد ما وقع اختياره عليه .
أما الأيادى التى له على فلا كلام لى عليها ما دام الرجل ( ذو الأيادى ) لم تقتصر أياديه على أنا فقط بل تجاوزت الكثيرين وفى مقدمتهم أحمد توفيق المدنى . وبعد ذلك هل لحضرة الكاتب أن يقول لى ما هى تلك الأيادى وهو أعاننى فى شىء سوى فى ذهابه معى الى بائع الورق عند طبع ديوانى واشترائه ورقا باسمه للعلاقة التجارية التى بينهما . إذا كانت هذه هى الأيادى فحقيقة ( لا يعرف الفضل إلا ذووه ) . وأما إعلانه بسمعتى فذلك ما جعلنى أكبر الرجل ليس لاعلانه بسمعتى ولكن لاقتداره على قلب الحقائق ٠٠٠
والآن لم يبق لى إلا أن أعرج على ما حاول الكاتب تكذيبى به فى قوله إنى أرسلت له جوابا صحبته ثلاث عشرة قصيدة وسمحت له فيه بأن يختار ما يروق له ورجوت إصلاح ما يراه واجبا . وهنا لا يسعنى إلا أن أطلب منه أن لا يحاول ذر الرماد فى العيون . فان القراء كلهم يعلمون أن عزم الكاتب على تأليف كتابه يرجع إلى ما قيل الطوفان وأن الجواب الموجه إليه قد مضت عليه قرون ويالها من قرون ، وأن القصائد الموجهة معه قد طبعت كلها فى الديوان وعندما ( صحت ) عزيمته - كما قلت فى أول مقالى السالف - سلمت له
نسخة من السعيديات وهى الى الآن بين يديه ومعلم فيها على القصائد والزهرات الواقع عليها الاختيار . وقولى له فيها أن يختار ما يروق له فليس معناه أن يبدل ولو حرفا واحدا مما يختاره . وأما قوله إنى كتبت له : (( والرجاء إصلاح ما ترونه مناسبا )) فذلك أمر موجب حيرة الناس أجمعين . . .
