اللعب بالمعانى (15) : (*)
ويشتمل على عدة طرق من التعبير والاساليب الفنية نذكر منها : الكناية ، التورية ، الاجابة بغير المطلوب ، والتعريض . .
ولعل هذا الباب أرقى أبواب النادرة جميعا ، وقد يمثل قمة فن النادرة لما يستلزمه ، فضلا عن جودة الطبع واصالته ، وسلامة الذوق الادبى ورهافته ـــ من براعة في حسن الاداء والصياغة ، وقدرة على التصرف فى الكلام الى ابعد غايات التفنن والاتقان .
وكأن هذا الباب مقصور ـــ أو يكاد ان يكون مقصورا ـــ على الخاصة دون العوام والسوقة ، و » الخصوص « الذي نعنيه انما هو من قبيل الامتياز الثقافى والتفوق الفكرى وهما ، بالطبع ، ليسا وقفا على طبقة اجتماعية دون أخرى . فاننا نجد مثل هذا النمط من النادرة غالبا ( وليس حتما ) يدور على السنة النخبة من المثقفين أو من هم فى حكم النخبة لما أوتوا من نادر الذكاء ولطافة الذوق وقوة البلاغة .
أ - الكناية :
" هى التعبير بجملة أو جمل يراد بها ما وراءها من المعنى المرتبط بمعناها الاصلى " (16) .
ويشترط فى الكناية ، وفى سائر صور " اللعب بالمعاني ما يشترط في كل فن رفيع من توسط واعتدال بين الوضوح السافر المبتذل وبين الغموض الشديد الممتنع . وهذا الشرط أوكد وأوجب فى النادرة منه فى الشعر والنثر لأنها بنت اللحظة الخاطفة واللمحة السريعة ؛ كما يشترط أيضا قوة الايحاء وطرافة التعبير ، ومن ثم ، حظ غير قليل من الابتكار والابداع ، اذ النادرة فى حقيقتها ، وكما يدل اسمها ، امتاع متجدد واطراف متصل أو لا تكون ، ولهى أشد تطلبا لصفة التجديد والابتداع من جميع الفنون الاخرى . فمن أهم شروط النادرة الجيدة أن تكون بكرا خالصة الطرافة ، قد استوفت حقها من الغرابة والبداعة .
وهي ، منظورا اليها بهذا المقياس النظرى المقارب ، منازل ودرجات . منها البسيط القريب المأخذ يتبادر الى الذهن معناه ، ولا يخلو ، على ذلك . من ظرف وفكاهة .
" أتى أشعب بفالوذجة عند بعض الولاة ، فاكل منها ، فقيل له : كيف تراها يا أشعب ؟ قال : امرأته طالق ان لم تكن عملت من قبل أن يوحى الله عز وجل الى النحل ! " (17) .
وتتمثل قيمة النكتة فى قوة المبالغة ، وما فيها من تفخيم للمعنى وتهويل واغراب الى حد العبث والمحال ( I' Absurde ) ، فى طرافة السياق (الاشارة الى آية من القرآن ) وجرأة الصياغة وما تنطوى عليه من تجديف وتمرس بالحقيقة الدينية .
وقريب من ذلك وهو يروى أيضا عن أشعب : " ذكر أشعب بالمدينة رجلا قبيح الاسم فقيل له : يا أبا العلاء أتعرف فلانا ؟ قال : ليس هذا من الاسماء التى عرضت على آدم ! " (18) .
وثمة لون من الكناية أخص ، وأدق مسلكا وألطف ، لما يستوجبه من يقظة الذهن وسرعة الخاطر وقوة البديهة والقدرة على حسن التخلص ، بفضل سعة الاطلاع ومتانة الثقافة .
جاء فى كتاب الظراف والمتماجنين : " وكان بين يدى معاوية ثريدة كثيرة السمن ورحل يؤاكله ، فخرقه اليه ، فقال : أخرقتها لتغرق أهلها ؟ فقال سقناه إلى بلد ميت " (19) .
وهناك نمط آخر أعسر تناولا وأرقى منزلة لما فى العبارة من ايجاز شديد ثرى بالدلالة حتى لكأن العبارة نحتت نحتا ، ولهي أشبه بجوامع الكلم دقة وتماسكا واكتنازا ، هذا فضلا عما قد يكون فى النادرة من براعة فى التصوير الهزلى وقوة الايحاء .
ومثل ذلك تعليق لابن أبى عتيق على شعر لعمر بن أبى ربيعة مريب رأى فيه أثر الفسق والمجون ، فانكر عليه ذلك فى دعابة ساخرة : " يا عاهر ! هذا البيت يحتاج الى حاضنة . . " (20) .
ومثل ذلك ايضا : " قال رجل للعرجي : جئتك أخطب اليك مودتك ، قال : خذها زنى فانها أحلى واللذ ! " (21) كناية عن تحرر العاطفة ، فى نظره ، من كل
شرط وقيد ، ومن جميع الاعتبارات الاجتماعية والآداب المتعارفة ، وعدم ائتمارها بغير نازع الفطرة والمزاج .
ومما يروى فى باب النادرة المجونية الفكهة على ما فيها من افحاش وبذاءة :
" ... اختصم شيعى ومرجئ ، فجعلا بينهما أول من يطلع ، فطلع الدلال فقالا له : أبا يزيد أيهما خير الشيعى أم المرجئ ؟ فقال : لا أدرى الا ان أعلاى شيعى وأسفلى مرجئ " (22) يريد ان رأيه مع الشيعة وهواه مع المرجئة ، لما عرف به المرجئة من تسامح فى موقفهم من المذنب .
ويروى عن الدلال ايضا ما يبلغ قمة المجون والتصدى لحرمة الدين والعبث بقداسته وهو ، مع ما فيه من كفر وبذاءة ، من الظرف الاصيل لما ينطوى عليه من براعة الايهام والتمثيل وخفى الخداع والتمويه ، وتندرج هذه النادرة فى باب الهزل الجاد .
جاء فى الاغاني : " .. صلى الدلال المخنث الى جانبى فى المسجد ، فضرط ضرطة هائلة سمعها من في المسجد ، فرفعنا رؤوسنا وهو ساجد وهو يقول في سجوده رافعا بذلك صوته : سبح لك أعلاى وأسفلى ، فلم يبق فى المسجد احد الا فتن وقطع صلاته بالضحك " (23) يعنى بذلك ، وقد تقمص شخص العابد الخاشع باطلا ، استجابة جميع جوارحه وكيانه كله للعبادة ، واخلاصه التام فيها .
ب - التورية :
هى " .. تعبير الكلمة عن فكرتين منفصلتين ، احداهما قريبة الخطور بالبال ، لكنها غير مرادة ، والاخرى بعيدة الخطور بالبال ، لكنها هي المرادة " (24) .
وبينها وبين الكناية تفاوت نسبى يتمثل فى درجة الغموض والاخفاء ، فالتورية ، كما يدل اسمها ، تمتاز عن الكناية ، وكلتاهما من جنس التلميح بما فيها من ارادة التعمية والحرص على التضليل والمغالطة ، فاننا نحد - عامة - بين الدال والمدلول مسافة أوسع ونسبة أبعد مما فى الكناية .
وهي لذلك قد تتطلب من حضور الذهن وتوثب الخيال وقوة الحدس ما يمكن من التقريب بين المتباعدات والقفز بأقصى السرعة الى المعنى المراد قد تتطلب ، من هذه الميزات أحيانا ، أكثر مما تقتضيه الفنون الاخرى .
فصاحب التورية أشبه بالممثل ذى الوجهين لا ترى منهما الا القناع ، وذي التصرفين تجهد فى تخطى الظاهر منهما الى الباطن الخفى .
ومن لطيف ما يذكر في هذا الباب : " أكل أعرابي مع أبى الاسود الدؤلى ، فرأى أبو الأسود لقم الرجل كبيرة منكرة ، وهاله ما يصنع ، فقال له : ما اسمك قال : لقمان ، قال أبو الأسود : صدق أهلك في تسميتك أنت لقمان ( بفتح القاف ) " (25) .
ومما جاء على لسان سكينة بنت الحسين : " ومروا بها فى طريقها على منزل فقالت : ما اسم هذا المنزل ؟ قالوا : جوف الحمار ، فقالت : ما كنت لادخل جوف الحمار أبدا ! " (26) .
ج - الاجابة بغير المطلوب ( أسلوب الحكيم ) (27) :
وهذا ضرب من اللعب بالمعاني فكه لطيف لما فيه من براعة في التمثيل والقيام بدور المتجاهل المتغافل ، يظهر سوء الفهم فيجيب مخاطبه فى غير نسق سؤاله ، متطرقا الى موضوع آخر لا يمت بصلة الى مغزى كلامه ، واذا الحديث بينهما أشبه ما يكون " بحوار الصم " ، وكأنهما يسلكان خطين متوازين لا يكادان يلتقيان ، لان أحدهما يأبى الا أن يفر فرارا من الآخر وهو يجتهد في اللحاق به ، أو هو ، على العكس ، يحور منحى صاحبه سعيا فى تقريبه اليه لا ينى بغير وجهته الاصلية ، توحيدا للغاية وحرصا على اللقاء والانسجام .
ومثال ذلك : ما فعله القبعثرى بالحجاج ، اذ قال له الحجاج متوعدا : لأحملنك على الادهم ( يريد القيد الحديد الاسود ) . فقال القبعثرى : مثل الامير يحمل على الادهم والاشهب ( يعنى الفرس الاسود والفرس الابيض ) . فقال الحجاج ، أردت الحديد . فقال القبعثرى : لأن يكون حديدا خير من أن يكون بليدا ( ومراده تخطئة الحجاج بأن الاليق به الوعد لا الوعيد ) " (28) .
وأخص ما فى هذا الحوار من فكاهة يتمثل فيما يشبه الكر والفر ، أو ما يتجلى في فن المبارزة من براعة فائقة في اتقاء ضربات الخصم la parade et I'esquive والتوصل بفضل الدفاع .. مجرد الدفاع الذكى والقدرة على التحرز والاحتباط والصد والامتناع الى زعزعة موقفه واضعاف قواه . الحجاج يقصد شيئا واذا القبعثرى يحمل كلامه على غير بل عكس معناه ، محولا مغزى الكلام من الضد الى الضد .. من الوعيد الى الوعد .. من النقمة الى الصفح والاحسان .
ومما يروى أيضا عن الحجاج :
" قال الحجاج لرجل من الخوارج : أجمعت القرآن ؟ - أمفرقا كان فأجمعه ؟ - أتقرأه ظاهرا ؟ - بل أقرأه وأنا أنظر اليه ؟ -أتحفظه ؟ - أخشيت فراره فأحفظه ؟ " (29) .
د - التعريض :
التعريض الطف أصناف " اللعب بالمعانى " وأدقها لانه ( خلافا للكناية والتورية .. (30) أقرب الاصناف اليه .. وما تختصان به من ازدواجية الدلالة وتلازم طرفيها ) يقوم على معنى واحد يهتدى به وحده ، وبفضل السياق لا غير ،
الى ما وراءه من مقصد أو مقاصد ، مما يعسر عملية الافهام والتبليغ ، ويستدعي غالبا نظرة أشمل وانفذ ، لارتباط هذا المعطي الواحد ، فى كثير من الاحيان - بباعث أعم مما فى الكناية والتورية ، وأوثق صلة بوضع الجماعة ، أو بالشخصية شخصية الفرد والجماعة .. فى سيرتها ومواقفها ورد فعلها وآرائها منه بالاحداث الخاصة والمناسبات الطارئة .
وليس معنى ذلك أن التعريض ينحو منحى العموم دائما فى دلالته ، وانما كثيرا ما يتجاوز منطلقه الخاص - فكرة كان أو حادثة جزئية - فيدرجهما في اطار أعم وأوسع ، مقربا بذلك بين معنيين ( أو أكثر ) جد متباعدين ، فتمتد من ثم مسافة ما بين الدال والمدلول وتطول .
لذلك كان التعريض أوسع مجالا من سائر أساليب " اللعب بالمعاني " الاخرى ، وأبعد مدى وأثرى دلالة وأعمق ، فكأنه ، بالنظر الى كافة الانماط الاخرى ، بمنزلة الذروة لطافة أداء وبلاغة تعبير وقوة ايحاء .
وليس المقياس الفني للتعريض مقدار خفاء الدلالة وغموضها وحده ، وإنما يتمثل أساسا فى لطف الاشارة (31) ، وحظها من الطرافة والابتكار .
وقد تتجلى هذه الطرافة أحيانا على مستوى اللفظ .. مجرد اللفظ والتعبير .. فى انتقاء العبارة الاوجز والادل على المعنى المراد بخاصية الايحاء فيها ، كأن يكون التعريض في النادرة بسيط التركيب ، ميسور الفهم ، قريبا من التصريح
وهو ، على ذلك ، حاد صارم شديد الوقع واللذع ، فى منزلة عالية من البلاغة .. غاية القوة والمضاء فى اقتصاد لا مزيد عليه .. منتهى التأثير بأبسط أداة .
ومثل ذلك ما جاء على لسان أبى الاسود الدؤلي : " قال رجل لابى الاسود الدؤلى : أشهد معاوية بدرا ؟ فقال : نعم ، من ذاك الجانب " (32) .
وعلى العكس من ذلك فقد يكون التعريض خفيا لا يتيسر ادراك مغزاه لمن ليس له المام ببعض خواص المتندر عليه وحقيقة موقف المتندر من المعرض به ، وليس فى النادرة مع ذلك طرافة حق ولاحظ من ابتكار ، وان لم تخل من ظرف وفكاهة .
جاء فى الاغاني : " قال : وبعثت سكينة الى صاحب الشرطة أنه دخل علينا شامى فابعث الينا بالشرط . فركب معه ، فلما أتى الى الباب أمرت ففتح له ، وأمرت جارية من جواريها فأخرجت اليه برغوثا . قالت : هذا الشامى الذى شكوناه . فانصرفوا يضحكون " (33) .
نجد فى هذه النادرة ، وهى من معابثات سكينة التى تشبه ، فى ظاهرها . مزاح الصبيان وبعضا من ألاعيبهم ومعاكساتهم ، موقفا سياسيا من مواقف المعارضة والتحدى للسلطة ، عبرت فيه ابنة الحسين عن ازدرائها لاهل الشام ، فسددت من خلال ذلك طعنة خفية الى الاسرة المالكة ، وقد خصتها بالذم والثلب تحت ستار العموم والشمول .
ولا يمكن فهم النادرة الا باستحضار القرينة وهى ، أولا ، ما بين أهل البيت وبين بنى أمية وأهل الشام عامة من عداوة ، وهو أمر بسيط متعارف ، ثم ، وهذا مفتاح النادرة ، ما يعير به الشام من كثرة البراغيث فيه بالنظر الى الحجاز . وهكذا قد استخدمت سكينة منقصة مما يذم به البلد فوظفتها للمس من السلطة ، والتحقير من شأنها ، فى أسلوب من الدعاية والتشهير ظاهره دعابة " بريئة " وعبث صبيان ، وباطنه جد صارم وسم زعاف .
ومن أبلغ صور التعريض وأطرفها ، وأوفرها ابتكارا وأحقها بميزة الابداع تلك التى تقوم على جمع المعانى والاحداث المتباينة المتناقضة .. يؤلف الظريف بينها تأليفا أو يقرب بينها .. ربطا لبقا ساخرا ومقارنة لطيفة مفاجئة .
جاء فى الاغاني : " .. قال عمر بن عبيد الله لعائشة بنت طلحة وقد أصاب منها طيب نفس : ما مر بى مثل يوم أبى فديك . فقالت له : اعدد أيامك واذكر
أفضلها . فعد يوم سجستان ويوم قطرى بفارس ونحو ذلك . فقالت عائشة : قد تركت يوما لم تكن في أيامك أشجع منك فيه . قال : وأى يوم ؟ قالت : يوم أرخت عليها وعليك رملة الستر ، تريد قبح وجهها " (34) .
هذه النادرة من أجود ما يستشهد به فى باب الهزل الجاد ، ظاهره مدح وباطنه ذم وازدراء . ومن أظرف ما يلاحظ هنا ازدواجية السخرية ، فان عائشة بمقارنتها لايام زوجها ( أى وقائعة الحربية وما أبداه فيها من صبر وبلاء حسن) بيوم دخوله على رملة وكانت ، كما قيل ، قبيحة الوجه ، قد سخرت بهما معا ، اذ استخفت بهذه الايام وهونت من شأنها بمجرد المقارنة والموازنة بينها وبين
حادثة بغيضة لا فخر فيها ولا امتياز .. حادثة سلبية لم يثمر الصبر فيها سوى الخيبة والحرمان ، هذا عدا الطعن فى ذوقه الفني وقيمة اختياره .
إن سجل النادرة الحجازية ، كما قد رأينا من خلال بحثنا . ثرى عريض تعددت أصنافه ، واختلفت وتباينت أشد ما يكون الاختلاف والتباين ، وبلغ الكثير من نماذجها مستوى الجودة والابداع ، وذلك بفضل عوامل عدة متشابكة متضامنة ساعدت على نشأة هذه النادرة وازدهارها .
منها الثقافة العربية طريفها وتليدها ، وخاصة ما امتاز به العرب من موهبة بلاغية ممتازة . وقد كان هذا التراث الحى النامى وجه الاصالة فى هذا الفن ودعامته وبمثابة النسغ فيه .
ومنها تأثير الموالى العريقين فى الحضارة ، ولا سيما أهل الفن منهم ، فقد كانت بيئة المغنيين ، وخاصة المخنثين منهم ، منطلق النادرة ، وأخصب تربة لها وأثراها .
وقد أكد هذا التأثير نزعة القوم الى الترف والتحرر الاخلاقي والفكرى والتفتح لمباهج الحياة ، وهي شروط كان لابد منها لكى يتوفر الجو النفسي الاجتماعى الملائم لبروز النادرة بوجهها الجديد الذى عرفه أهل الحجاز فى القرن الاول ، وصيغتها المبتكرة الطريفة التى أحبوها الى حد الشغف ، وحرصوا أيما حرص ، تشجيعا بالجهد والمال ، والعطف والعناية ، على انمائها واثرائها .
وكانت ثمرة هذه العوامل والجهود اضافة فن جديد الى مجموعة فنون القول الاخرى التى عرفها العرب وحذقوها ، ونعني بها الشعر والخطابة والامثال .. فن قائم بنفسه ، وان كان يستمد ويتغذى من غيره ، قد برزت معالمه وتحدت ،
وأصبح ينافس الفنون الاخرى ، ويستدعى اعجاب معظم فئات الشعب ، حتى أهل الصلاح والتقوى والزهد منهم ، فضلا عن المثقفين من أهل النعمة والترف . ولعل من أبلغ الشواهد على رقى هذا الفن ونضجه ظاهرة الاحتراف ، على ما قد يكون فيها من سلبية فلقد ظهرت ، الى جانب المثقفين المطبوعين على قول النادرة من الهواة وفضلهم عظيم لا ينكر ، جماعة تفرغت أو أريد لها أن تتفرغ للتندر ، وسخرت له جميع ما لها من امكانات .
وقد كان ، لا ريب ، لهذه الجماعة من أهل الاختصاص ، فضل كبير فى انطلاقة النادرة الحجازية ، وما تم لها من " قفزة نوعية " وفى اثرائها واكسابها خصوصيتها التى عرفت بها واشتهرت بين الاقطار الاسلامية الاخرى حتى أصبح يضرب المثل بظرف الحجاز ( والنادرة من أخص مقومات الظرف وأهمها ) ، ويحتذى الناس ، جهدهم ، على مثاله ، يرون فى ذلك تمام بهجة العيش ، ونموذجا أعلى لفن الحياة .
