الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 6الرجوع إلى "الفكر"

الناظر والمستحق

Share

المستحق : عم صباحا يا سيدى الناظر ، كفيت شر المستقبل والحاضر ،

الناظر : حللت اهلا ، ونزلت سهلا ، فهل من مهمة أوديها ، او حاجة اقدر ان اقضيها .

المستحق : الحاجة معلومة من زمان ، فلا تحتاج الى تصريح وبيان ، ولنتكلم يا حضرة الناظر بصراحة تامة ، عسى ان تنتهى هذه المسألة الهامة ، اني  أريد نقودا وكفى ، ونبقى كما كنا على سلام وصفا ، فإن أنت الناظر حقيقة لا مجاز ، وانا المستحق الذى تصرف وحاز ، فما موجب حرماني مما ورثت ، وانى منذ آمنت بالله ما كفرت ، اللهم الا ان خرج الواقف وحرمنى من احسانه وبره ، ولما كان هذا مستحيلا ، سنه الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ، فما بقى الا أن القساوة بلغت من بني الإنسان ، حدا لم تصله الكواسر من الحيوان ، أنت تعلم علم اليقين ، بأنى - ولا ريب - من المستحقين ، وتعلم ايضا عجزى عن القيام بدعواى ، وايجاد سبيل لتقديم شكواى ، وانى فاقد العضد ولا أحد لى نصيرا ، فلماذا عتوتم عتوا كبيرا ، وانى يا فاقد الإحساس ، أرى غيرى من مستحقى الاحباس ، يعيشون عيشة الامراء ، وتبدو عليهم مظاهر الترف والثراء ، فما الذى صعد بهم الى قمة اليسار ، ونزل بى الى درك الخراب والدمار ، فهل من جواب ، يكون فيه فصل الخطاب ، نعم أنا الذى يعلم هذا الجواب لا سواى ، ويعلم اسباب هذه الرزايا، فأولائك تنظر إليهم نظراؤهم بعين العدالة والإنصاف ، وتشملهم بالرعاية والإنصاف ، اما هذا البائس المنكود ، والذكر المؤؤود ، فإن حظه العائر ، اوقعه فى مخالب احد الكواسر ، وانى للعصفور الصغير ، أن ينفلت من قبضة الجارح الكبير ، الا اذا سمح الزمان ، والله ، كل يوم هو فى شأن .

الناظر : ما هذه الحملة العنيفة ، وما معنى هذه الجمل السخيفة ، ولعمرى ان لم يكن ماقلته على سبيل المجون ، فقد صدق من قال ان الجنون فنون ، ألم يبلغك انك مدين ولك غرماء ، ملؤوا الارض صراخا

والسماء ، وتقاطرت منهم الاوراق ، حتى امتلا الدرج وضاق ، فارشدني يا هذا كيف يكون السير ، وهل يجوز التبرع بمال الغير

المستحق : الدين ، الغرماء ، الارض ، السماء ، الاوراق ، النطاق ، هل هذه الظلمات المرتبه ، تقتضى باحتمال الحاجة والمسغبه ، وخلاصة  القول يا حضرة المنطيق ، انك تسوقنى بتصرفك الى أسوإ طريق ، كيف لا وأنت تعتنى بغرمائي ، اكثر من اعتنائك بمصالحى بل بغذائي ، ولعمري ان هذا مما يدخل الريب الى القلب السليم ، ويثير غضب الوديع الحليم ، ويجرح الإحساس ، ويضيق الانفاس ، فهل يعقل يا أيها الرفيق ، ومن حل محل الوالد الشفيق ، ان يتمتع الدائن الغريب ، بما خصصه الواقف للوارث القريب ، ان هذا لهو البهتان ، بل عين الخلط والهذيان ، فهل تجد يا أيها المجتهد ، بل يا ايها العاهل المستبد ، قاضيا فوق هذه الارض ، ولو جبت طولها والعرض ،  يحرم المستحق ، لان للدائن بعض الحق ، ومع هذا فأنا لا أمانعك ان توفي هذه الديون ، فلست - كما زعمت بالمغفل المجنون ، ولكن بعد أن تكفيني غدائي ، ومسكنى ، وكسائى وقضاء جميع أو طارى (1) ، وما ينشأ عن الطوارى ، فلو ثبت الى نهاك ، وخشيت من صورك وسواك ، لعدلت يا أيها الحكيم ، عن هذا الرأى السقيم ، ولتبينت ثقل الامانة ، ولتبرأت من رجس الخيانة ، وليس هذا بالامر العظيم ، بل هو قسمة الربع بيني وبين الغريم ، فتكون قد قمت بالمهمة ،  واخليت الذمة ، وتركت الحيف والاعتساف ، وسلكت سبيل العدالة والانصاف ، وما هذا على النظار بعزيز ، اذا كبحوا جماح النفس عن هوى الذهب الابريز ، واقتنعوا بالجزء اليسير ، وطلبوا النجاة من السعير ، .

الناظر : أغاب عليك ايها الجهول ، ان جميع منابك غير معقول ، وانه لا يفي بعشر الدين ، فدع عنك هذا الهراء والمين ، وان تتقاضاه منى عين الاحسان ، وصدق الله ما أكفر الإنسان .

المستحق : العقلة ، ما العقلة وما ادراك ما العقلة ، العقلة هى سيف ابطال الاوقاف ، وناصرى الجور والاعتساف ، اذا تقلده الناظر ، أصبح المليك القادر ، لا يلين قلبه لكلام ، ولا ترهبه الاحكام ، وانها كلمة تسر الناظرين ، وتروع الضعفاء المستحقين ، يقولها صاحب مملكة

الوقف بارتياح ، فتنزل صاعقة تزهق الارواح ، ولكم أعمل هذا البتار ، في عوانق المستحقين الاحرار ، فراحوا ضحية الأثرة ، قتل الإنسان ما أكفره ، العقلة هي الموت الادهم ، والقضاء المبرم ، والسيف القاطع ، والسم الناقع ، واللص المختلس ، والوحش المفترس ، اما بالنسبة الى الناظر ، فهي من احسن المناظر ، فإن هذا الموت هو الحياة ، وهذا القضاء مكارم وهبات ، وهذا السيف شعار ، وهذا السم عقار ، فيامن يعيش بموتى ، ويتغذى بقوتى بحق من انشاك وبراك ، هل عهد اليك من اولاك ، بأن تضطهد المستحق ، وتبت للغريم الحق ، وان تكون لذلك خصيما شريرا ، ولهذا معاضدا وظهيرا ، فإن كان هذا فعليك ان تتبع ، فما حيلة الهر أمام السبع ، ولكن ما اظنها الامن جني اشواك نفسك الامارة ، ونفثات من جحيم أفكارك مختاره ، قل لي بربك ايها السلطان المستبد ، هل تزعم أنك باق على عرشك آلى الابد ، لا تتزع له أركان ، ولا يؤثر عليه الحدثان وانت لا تهدمك الاعوام ، ولا يفاجئك الحمام ، ولا تنتهي ايامك ، ولا تنكس اعلامك ، وهب بقيت الى النهاية ، متمتعا بهذه الغواية ، هل الت ناج من سقر ، لواحة للبشر ، بإلى وكأنز بك يا عبد المال وقد فقدت صبرك ، تنادى يا مال ادع لنا ربك فهل للغرماء لنجدتك استطاعه ، وهل يقبل منهم عدل او شفاعة كلا بل سيمسك بتلابيبك الواقف الذى خنت امانته ، وصرت عبارته ، وحدت عن تصريحه ، وعذبته فى ضريحه ، فقال خذه بيدك الى لظى ، وذكره في الطريق بما مضى ، ليعلم صدق الوعيد ، وان لبس بظلام للعبيد ، فكنماك يا سعادة الناظر ، ما شخصته من المناظر ، واعدل عن هذه الاباطيل ، واسلك سواء السبيل ، فإنك ان تركت هذه السخافات ، وفرغت من تلك الخراقات ، وقضت ما عليك للناس ، واخذت بالعدل والقسطاس ، وبذلت ما اكتنزته من المال ، وخشبت المغبة والمآل ، وخلعت درع الديون ، واتقيت غياهب السجون ، فإني أغض الطرف عما اقترفته الى حين ، وستجدني إن شاء الله من الصابرين ، اما اذا حدت عن هذا الطريق ، وسلكت سبيل التقتير والتضييق ، فأبشر بدنو ساعة المناقشة ، وبقرب بداية المناوشة ، ثم اشهار الحرب الضروس ، وان هذه أهول من حرب البسوس ، فإذا نقر في الناقور ، ونفخ في الصور ، وحضرت أعوان الحلومه ، منذرة بابتداء الخصومة فيومئذ يتعذر الخلاص ،

بل لات حين مناص ، وعندها ينادى المنادى من قريب ، قضى الأمر واتى اليوم الرهيب واقتربت ساعة الحساب ، ولكل اجل كتاب ، وها أنا ممهلك عشرين دقيقة ، لتجيب على هذه المشكلة الدقيقة فاما ان اصافحك واروح ممتلىء الجراب ، والا فانتظر يوم الوقيعة وساعة الحساب .

الناظر : لقد ثبت عندى انك مجنون لا ريب ، حقيقة لا رجما بالغيب ،  ولو لم أحسبكم (2 ) من ذوى المجانة ، لما صبرت على هذه الإهانه ، فقل لي بربك يا أيها المجذوب ، ما هذه الطريقة وما هذا الاسلوب ، وما لك تكرر كلمة الحساب ، معززة بالشتيمة والسباب ، أجهلت أم تجاهلت أنك امضيت المحاسبة الاخيرة ، من مدة يسيرة ، ألم توافق عليها قبضا وصرفا ، وامضيت مصدقا لما فيها حرفا حرفا ، وشهدت عليك العدول دون قيد واحتراز ، بحال المعرفة والجواز ، ولعمرى تجاوزت حدا ، وجئت شيئا ادا ، واضعت على وقت الثمين ، وصورتنى كإبليس اللعين ، وانذرتني نارا تلظي ، لا يصلاها ألا الاشقى ، فويل لك أن كنت من الكاذبين ، فإني أخاف الله رب العالمين ، فإن كفاك هذا الإعتراف ، فلم يبق أمامك الا الانصراف ، وسلتقى كما قلت في الوقت المعلوم ، وعند الله تجتمع الخصوم .

المستحق : أما الانصراف فلا بد منه ، واما الخصام فلا محيص عنه ، فإن تر ان امضائى يخول لك الحق ، فأنا ما اراه الا حبرا على ورق ، واراك افضت القول ، في اكبار شأن العدول ، واهمية ذلك الحساب ، كان فيه فصل الخطاب ، وترى انك بعبارات شهودك القاصره قد تخلصت من تبعتى في الدنيا والاخره ، فتبا لهذه الافكار ، وسحقا لهذا الإبتكار ، نعم اني حضرت في حضيرة عدولك ، وسمعت بعض ابوابك وفضولك ، ولكن وايمن الله ما تبينت منها حرفا ، ولا تصورت لهاكنها ولا وصفا ، بل طفقت عدولك الاخيار ، تقلب تلك الاسفار ، وقد مكثوا زمانا طويلا ، يرتلون آياتك ترتيلا ، مندفعين لا يقفون وقفا ولا يحترمون نحوا ولا صرفا ، فظهرت آياتك المعجزة ، ولكن على الضعفاء والعجزة ، وستفسر امام القضا ، ومنزلها ، على جمر الغضى ، فيال الله كم من ترميم ، ومن معاليم وتقويم ، ومن خشب ومسمار ، ومن حص وآحجار ، ومن مفاتيح واقفال ، وسلالم وسلال ،

وفأس ومسحاة ، ومعاول مختلفات ، وثمن اسفار ، ومصاريف أسفار ، ومن ترميم آبار ، وتقليم اشجار ، وعدة وبعير ، وذرة وشعير ، وضريبة انزال ، وأجور عمال وغرامة النظافة ، ومعاليم الصحافه ، وتضمين مكاتيب ، وتجديد أنابيب ، وصف من العربات ، قد سود بياض الصفحات ، وسد الطريق ، وتدفق من كل فج عميق فكأنك رممت البلاد ، أو اعدت ارم ذات العماد ، أو بلغت في سفرك المتعالى ، الى مجاهل القطب الشمالي ، وتجرعت كأس الابتعاد ، واتبعت خطة السندباد ، ولا ريب أن لك رحلة مخطوطة ، يحسدك عليها ابن بطوطة ، فما أقدرك على الاختراع ، وما اسرع شهودك الى الانصياع ، فقد كتبوا ما أمليته ، ورتلوا ما أوحيه وحيث لم يكن هناك منازع ، ولا مروءة عندكم ولا وازع ، تجرأتم على الإحباس ، وعبثتم بمصالح الناس ، أنا ما كنت عاجزا عن فهم توراتك ، ولا قاصرا عن تحليل آياتك ، ولكن لما كان بيننا من المؤاخاة ، تركتك تقص تلك الخرافات ، ولا اعيرها أدنى اهتمام ، بل أمر عليها مر الكرام ، وذلك لانى تمنحنى الكفاية ، وتواصل الجراية ، وكنت عليك اتغاضى لانني قانع بما اتقاضى ، ولاجل هذا منحتك رضائي ، وجعلت تحت طلبك امضائى ، اما وقد غيرت السنن ، وقلبت ظهر المجن ، وتصرفت في النقد والعين ، وتسلحت بالحجز والدين ، وتحالفت مع الغرماء ، وموهت على العلماء ، وتحصت بالعقل ، واجريت مزن المقل ، وآمنت الغائلة ، فعبثت بالعائلة ، واوصدت الباب ، وتسترت بالحجاب وزعمتنى من الاموات ، الخامدى الاصوات ، واتبعت نفسك الاماره ، وقسا قلبك فكان كالحجارة لكنني اليوم غير ما عهدت وخلاف ما حزرت ، بل ادهي من الرئبال واسرع من الغزال ، واسبق من الرياح ، واروع من الاشباح ، وأخبث من شيطان ، وألسع من ثعبان ، واجرى من أرنب ، واروغ من ثعلب ، وأغرى من الدن ، واسرع من الجن ، وأخدع من غادة ، واثبت من العادة ، واخطر من النهر ، وأغدر من الدهر ، ولم أعد ذلك الخمول ، المتمسكن الخجول ، الوديع المصارح ، واللطيف المتسامح ، المعنى عن الخطل ، المقتنع بالاقل ، ولسوف تأتيك انبائي فلا تطمع بعد اليوم بإغرائى ، وهذا يوم لا تفيد فيه الملامة ، ولا تقبل فيه الندامة ، وسأقول لك فيه لقد غرك الامل ، واليوم سبق السيف العل .

أمام القضاء

القاضي : تكلم ايها الرجل ، فقد حضر الناظر وابتدأ العمل ، واقتصر إن فى  الكلام فتنة فى شهر الصيام .

المستحق : اصلح الله القاضي الجليل ، صاحب العرفان والمجد الاثيل ، إني  اشكو هذا الناظر الضليل ، عما أتى نحوى من الاباطيل ، فقد تصرف في اوقافى ، تصرف العابث الجافي ، ولم يؤثر عليه احسائي ، بل اصر على حرمانى .

القاضي : - مقاطعا -  أهذا هو الاختصار ، ان في خلق الله اسرار ، فاسلك أصلحك الله سبيل القضية وبين دعاويك بطريقة مرضية ، اما إذا اتبعت تلك الطريقة ، فسيفاجننا الاقطار قبل الوصول الى الحقيقة .

المستحق : أصلح الله القاضي هاك الاقتصار ، على الحقيقة مع الاختصار ، اني ذو سعة اطفال ، كبيرهم لا يتجاوز العشرة احوال ، عنهم وليدة  ضعيفة وحليلية عفيفة ، وخادمة بسيطة ، وحماة سليطة .

القاضي : مقاطعا -  قسما لو استمررت على هذه الطريقة ، وابتعدت بها  عن الحقيقة ، وتماديت على هذه الحالة ، فإني مطردك لا محالة .

المستحق : ولما رأيت أن الخطب تناهى ، التجأت الى شريعة طه ، وزعمت ان سأسمع قولا حقا ، واقععد مقعدا صدقا ، وانتصف من هذا المتسلط ، فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط ، واتبع شريعة التنزيل ، واهدنا سواء السبيل .

القاضي : تا لله لم افهم من هذه القضية ، الا بعض حالتك المرضية ، واسراك المكنونة ، وأفراد عائلتك المصونة ، وكونك من المستحقين ، وناظرك  من الظالمين ، وعلى كل حال ، فما قولك أيها الناظر فيما قال .

الناظر : اني اوافق على أن عائلة سعيدة ، ووليدة وخادمة رشيدة ، وحماة شديدة واما كوني من الظالمين ، وعلى ضلال مبين ، فعليه أن يبين افعالي ، ليتحقق ضلالي .

القاضي : - للمستحق - اني أراك فى ادعائك مرتابا ، وبعيدا عن محجة

الصواب ، فأقلل من اسهابك ، واختصر في خطابك ، وقل هل وافقت على حسابك ، وهل اتصلت بجميع منابك .

المستحق : اعلم ايها القاضي الهمام ، حامي شريعة الإسلام ، ان هذا الناظر من ذوى الثراء ، وكل الصيد فى جوف الفراء ، وهو قادر أن يسعفني بماله ، ولا يتغير شئ من حاله ، ولكنه يأبى الانفاق ، بخلا وخشية املاق ، مع أن له من مال الاحباس ، ومن ودائع الناس ،  ما يبعد عني شيح الاعسار ، ويقرب الى طيف اليسار .

القاضي : وحق من خلق الإنسان من علق ، اني ما فهمت حقيقة هذا المستحق ، فقل لي هل وصلك مالك كله ، اما القرض والاستجداء فليس هذا محله .

المستحق : اعلم ايها القاضي الهمام ، حامى شريعة الإسلام ، ان هذا الناظر ارتج الباب ، واسدل الحجاب ، وحرمنا من التمتع بالنظر لوجهه الكريم ، وان ذلك لهو الفوز العظيم ، ولما كنت على مذهب الجماعة ، موقنا أن أرى وجه ربى بعد قيام الساعة ، عجبت من هذا الاحتجاب ، حتى كدت افقد الصواب ، فلقد طال الانتظار ، وعيل الاصطبار ، وداخلني بعض الريب ، وطفقت ارجم بالغيب ، وفارقتني الإلطاف ، فملت الى صاحب الكشاف ، وصرت حول حياض الاعتزال اذود ، وقلت فى نفسى لقد صدق محمود ، فإن من بين البشر من لا يرى ، فكيف بمن خلق الكون والورى .

القاضي : ما موجب هذا التخريف ، وما معنى هذا التجديف ، وما الجاك الى هذا الحال ، حتى لجأت الى الإعتزال ، ولو لم تكن بك جنة لما اعتزلت مذهب أهل السنة .

المستحق : اصلح الله القاضى الحكيم ، وهداه الى صراطه المستقيم ، اني ما أثبت بهذا البيان ، الا حكاية عما أصابني من الخذلان ، وما تجرعت من مرارة الإحتقار ، وما تحملت من مشاق الانتظار ، فاترك هذه اللهجة الشديدة ، فما أتيتك للبحث فى العقيدة ، ولا أنا طالب من الهداية ، بل المؤازرة والعناية ، وعلى كل صفة وحال ، فهل أحرم من الاستحقاق بالاعتزال .

القاضي : عجل بذكر حاجتك ومرماها ، قبل أن تلفحنا النار بلظاها ، وقل هل اطلعت على حسابك ، وتوصلت بمنابك .

المستحق : عدنا ثانيا الى الحساب ،بعدما أملنا ايصاد هذا الباب ،  أليس هو سيف خصمي الذي انتضاه ، ولا حول ولا قوة الا بالله ، نعم ياسيدى القاضي أمضيت الحساب ، ولكني لم اقبض المناب ، بل قبضة الدائنون ، وانا لله وانا اليه راجعون ، فارتاح لهذا الناظر الامين ، وارجعني بخفى حنين ، ولعمرى لو شاء لما كان له مصادقا ،  ولا انقده دانقا ، ولتركه يغدو ويروح ، حتى يسلم الروح ، ولكن ابى الا أن يكون المنعم ، فقض عليه بقضائه المبرم ، فلا ايمان صده ، ولا ضم رده ، ولا استقامة ولا عفة ، بل لامر ما جدع قصير انقه ، واني يا حضرة القاضي شممت من هذه المرافعة ، رائحة التحيز والمخالفه ، ولهذا انسحب من هذا المكان ، فقد ذهبت قضيتي في خير كان ، ولكن يا سيدى الناظر لا يغرك هذا الانتصار ، ولا ربك هذا الاندحار ، فإني وان تقهقررت منهزما مذموما ، ورجعت مدحورا محروما ، فإن الحكومة مفتحة الابواب ، وقابضة على النواصي والرقاب ، نعم اني خرجت فارغ اليمين ، ولكن ستاتيك انباثي بعد حين ، ويفاجئك الإنذار المسطر ، وتأخذك الصيحة وانت لا تشعر يوم لا تجد فيه ملتجا ، أنت والقاضي سوا .

الا يا ناظر الاوقاف مهلا                   فإنك من عداد المنظرينا

الى يوم الحساب تساق قهرا                ولا مال يقيك ولا بنونا

هناك نلتقى من دون ريب                  لدى الديان دون الداثنينا

هنالك تشهد الاغضا بحق                  هناك الله يجزئ الظالمينا

فكم اضرمت في الاحشاء نارا             وكم فجرت من عين عيونا

لعمرك ما ارتديت الفضل لكن             خلعت عواطفا ونبذت دينا

الناظر :

اجد ما ذكرته ام مجون                         ومس ما اصابك ام جنون

اتزعم لا أبالك ان فضلي                       عليه قد قضى الطمع المشين

اذا كنت البرئ فلا خبت نار                    احتشاء ، ولا كفت جفون

اشترك في نشرتنا البريدية