في العدد السابق لهذا اطلع القراء على المقال الوجيز المركز الطريف الذي كتبه الاستاذ سمير شما عن " دور ضرب النقود الاسلامية ، وهو هونا يأتينا بمزيد من التفصيل فى مقاله هذا المتمتع الموسع عن والنقود الاسلامية ، منذ كانت حتى العصر الحاضر .
لم تكن للعرب قبل الاسلام نقود خاصة بهم ، بل كانوا يتعاملون بدنانبر البيزنطيين الذهبية ، وبدراهم الفرس الساسابية الفضية يتبايعون بها ويشترون ، كانها نقودهم المحلية . وكانوا يتعاملون ايضا بنقود عليها نقوش حميرية كانت ترد الى الحجاز من الجنوب العربي ، وان تكن باعداد قليلة واستخدمت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد ابي بكر رضي الله عنه العملتان : البيزنطية والفارسية ، فلم يغيرا منها شيئا . وزوج الرسول صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه ابنته فاطمة على ٤٨٠ درهما .
أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سك دراهم سنة ١٨ ه على نقش الكسروية وشكلها واعيانها ) صورها ( ولكنه نقش على بعضها عبارة : " الحمد لله " وعلى البعض الآخر : " محمد رسول الله " وعلى ثالث : " لا اله الا الله وحده " . وأصدر عثمان رضي الله عنه بعض الدراهم منقوشا عليها : * الله اكبر "
وذكر المقريزى أن معاوية ) ٤١-٦٠ ه ( ضرب نقودا ذهبية وفضية عليها صورته ، متقلدا سيفا ، الا ان المسيحيين لم يقبلوها
وتعددت عمليات ضرب الولاة المسلمين للدراهم الفضية فى البلدان المفتوحة ، ولكن كل الدراهم الاسلامية الاولى خضعت للتأثيرات الفاوسية وحافظت على الشعارات
الساسانية ، وحتى على بيت النار وصورة الملك الساساني .
ولما اختمرت في بحر سبعين سنة من الحكم الاسلامي فكرة تعريب العملة وفكرة الاستقلال النقدى ، واستقرت الامور السياسية للامبراطورية الاسلامية وتركزت السلطة كاملة فى يدى عبد الملك بن مروان ) ٦٥_٨٦ ه ( بعد ان قضى الحجاج بن يوسف على حركات المقاومة ، رغب الخليفة الأموي فى ان تستكمل الدولة سيادتها ، فرأى ان بقاء العملة اجنبية أمر لا يتمشى مع السياسة العربية والسيادة القومية ، فبدأ حركة الاصلاح النقدى الى جانب الاصلاح الاداري فأمم دور السمك ، وعرب النقود التى تتداولها كافة الشعوب الأسلامية . وقد ضرب عبد الملك دنانيره الاولى ، عام ٧٤ ه ، وخرجت الى الاسواق ، فلم ينكر المسلحون من امرها شيئا ، بل كان الصحابة فى المدينة يتعاملون بها ، فلم ينكروا منها سوى ان في نقشها صورة " . وكانت الصورة تمثل الخليفة ونقشت تقليدا للعملة البيزنطية التى كان استعمالها سائدا فى الشرق الادنى ورغبة فى أن لا يجد الشعب فرقا كبيرا بينها وبين سائر العملة التى عرفها من قبل . وبذلك يكون عبد الملك قد قلد نقد معاوية . ولكنه في أواخر عام ٧٧ ه حذف من الدنانير صورته . وقد اثار ظهور هذه الدنانير خلافا شديدا بين الدولة الاسلامية الناشئة والروم الذين وجدوا في ذلك خطرا على عملتهم كنقد دولي ، فاشهر يوستانيانوس امبراطور الروم ، الحرب في سنة ٧٤ ه على المسلمين وتتالت الغزوات الى أن انتصر العرب في النهاية ، واستقر الأمر للعملة الاسلامية في جميع البلدان الاسلامية ، ولم
تعد تدور في فلك النقود البيزنطية أو الفارسية .
وتهتم الشريعة الاسلامية بالنقود في ميدان العبادات والمعاملات ، وذلك لاتصال النقود بالزكاة والصداق والدية وغيرها . والوزن الشرعى للدينار الاسلامي منذ تعريبه هو ٤,٢٥ غرامات . وعياره فى الغالب % ٢٣ . قيراطا .
ومنذ سنة ٧٧ ه التى تم فيها تعريب الدينار الأسلامي تعريبا كاملا ، اختفت الصور من نقوشه ، واتخذ طرازا عربيا خالصا وظهرت عليه العبارات التى تشير الى شهادة التوحيد والرسالة المحمدية وتاريخ العرب . وأمر الخليفة عبد الملك بن مروان بان تسحب من التداول جميع الدنانير المضروبة قبله عن طريق بيت المال ليعاد سكها على الطراز العربى الجديد الذي قرره . وربما كان هذا هو السبب في اننا لم نعثر على قطعة واحدة من دنانير معاوية التى اشار إليها المقريزى فى كتابه شلور العقود في ذكرى النقود
واصبح الدينار الاسلامي المعرب تعريبا كاملا عام ٧٧ ه يقرأ عليه ما يلى :
مركز الوجه لا اله الا الله وحده لا شريك له
هامش الوجه : محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله .
مركز الظهر : الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد
هامش الضرب : بسم الله ضرب هذا الدينر سنة سبع وسبعين
فلس عبد الملك بن مروان
الوجه : صورة الخليفة واقفا متقلداسيفا بقوله : لعبدالله عبد الملك امير المؤمنين الظهر : دائرة على عمود فوق ٣ درجات -
حوله : لا اله الا الله وحده - محمد رسول الله
على الجهة اليمني : عمان على الجهة اليسري : نجمة
درهم فضى ساساني - عربي عام ٧٣ ه
- ضرب اردشير حزه - على الوجه : حول الطوق : لله الحمد بالبلهوى : عمر بن عبيد الله
درهم فضى اموي - دمشق عام ١٠٠ ه
الوجه : المركز : لا اله الا الله وحده لا شريك له الطوق : بسم الله ضرب هذا الدرهم بدمشق سنة مئة .
الظهر : المركز : الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد الطوق : محمد رسول الله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
دينار ذهبى اموى - عام ٩٤ ه
الوجه : -
المركز : لا اله الا الله وحده لا شريك له الطوق : . محمد رسول الله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله
الظهر : - المركز : الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد الطوق : بسم الله ضرب هذا الدينر سنة اربع وتسعين
وضربت النقود الذهبية فى دمشق وانحصر انتاجها فى دار السك هناك ، ثم سمح بضربها فى الفسطاط بمصر ايضا . ولكن لم يذكر ذلك على الدينار فى أوائل عهده
وأما الفلس النحاسي الذي يظهر عليه اسم الخليفة الاموي كما تظهر عليه صورته وهو واقف يقبض بيده على سيفه وحول الصورة كتابة نصها : ) لعبدالله عبد الملك امير المؤمنين ( فقد سك قبل تاريخ سك الدينار الا ان الفلوس التى تحمل العبارات الاسلامية وحدها يرجع اقدمها الى سنة ٩٠ ه .
وترجع أقدم الدراهم الفضية الاموية المعربة تعريبا كاملا الى سنة ٧٩ ه ضرب * دمشق " و الكوفة والى سنة ٨٤ ه ضرب واسط " وكلها تحمل اسم دار السك التى ضربت فيها .
ولما تغلب العباسيون على الأمويين عام ١٢٣ ه - انتقلت السلطة من دمشق إلى بغداد ولكن الدينار الذهبى ظل يضرب في دمشق والفسطاط فترة طويلة بنفس العبارات التى سجلت على الدنانير الاموية فيما عدا تاريخ الضرب ، وذلك حتى علم ١٩٨ وبعدها بدأت تذكر سماء دور اليك على النقود الذهبية لاول مرة فى عهد الخليفة العباسى المأمون ، فظهرت العراق . مصر على الدنانير
سنة ١٩٩ ه ، وبعد ذلك توزع ضرب الدنانير في عدة مدن حتى اصبحت الدنانير -تضرب فى اهم حواضر الولايات الاسلامية بعد عام ٢١٢ ه .
ومنذ عهد الرشيد ) ١٧٠-١٩٣ ه ( حدث تطور هام في نظام النقود العربية حيث امر الخليفة هارون الرشيد أن يكتب اسمه واسم ابنه الامين على الدنانير ، ووهب حقوق الضرب كذلك لوزرائه وللولاة وعمال المال ، وأصبح الوالي يظهر في أسفل الكتابة المركزية على أحد وجهى الدينار منذ عام ١٧٠ ه . وفي زمن المأمون اضيفت الآية : (لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله " . في هامش اضافي على بعض الدنانير
ولما ضعفت الدولة العباسية وضعف الخلفاء ، واستقل بعض الامراء في الاقاليم وبدأوا ينقشون اسماءهم على الدنانير ظل الكثيرون منهم ينقشون اسم الخليفة ايضا لتظل الدنانير مقبولة لدى افراد الامة الاسلامية .
دينار ذهبي عباسى - المأمون عام ١٩٨ ه الوجه :
المركز : لا اله الا الله وحده لا شريك له لمطلب
الطوق : محمد رسول الله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله
الظهر : المركز : الامام محمد رسول الله المأمون الطوق : بسم الله ضرب هذا الدينر سنة ثمان وتسعين ومئة .
وعندما استولى الفاطميون على مصر فى عهد الخليفة المعز لدين الله ، ظهرت الدنانير المعزية تحمل صبغتهم المذهبية الشيعية منذ سنة ٣٥٨ ه ، وظهرت بعد الأشارة إلى الرسالة المحمدية ، عبارة : " وعلى افضل الوصيين ووزير خير المرسلين * ، وهي اشارة الى على بن ابي طالب رضي الله عنه ، كما ظهر لقب المعز " الامام " و " امير المؤمنين " وزينت الدنانير فبدت بشكل دوائر تحيطها حلقات من خطوط بارزة على وجهى الدينار ، واصبحنا نقرأ فى هذه الدوائر على الدينار :
دينار فاطمي - معد - مصر ٣٥١ ه
- الوجه :
المركز : لا اله الا الله محمد رسول الله . الطوق الداخلى : وعلى افضل الوصيين ووزير خير المرسلين
الطوق الخارجي : محمد رسول الله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
الظهر : المركز : المعز لدين الله امير المؤمنين . الطوق الداخلى : دعا الامام معد لتوحيد الاله الصمد .
الطوق الخارجي : بسم الله ضرب هذا الدينر بمصر سنة احدى وخمسين وثلثماية
الوجه : ١ - محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلة ولو كره المشركون . ٢ - وعلى افضل الوصيين ووزير خير المرسلين ٣ - لا اله الا الله محمد رسول الله
الظهر : ١ - بسم الله ضرب هذا الدينر بمصر سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ٢ - دعا الامام معد لتوحيد الاله الصمد ٣ - المعز لدين الله امير المؤمنين
ولما قضى نهائيا على دولة الفاطميين وقامت دولة الايوبيين ، حصل نقص فى الذهب والفضة ، ولكنهما عادا يزدادان تدريجيا حتى ذكر ان ما خلفه الملك الكامل الايوبي من الذهب وحده . كان ستة ملايين من الدنانير وقد كبرت الاتهم الفضية فى ايام الايوبيين الى جانب الدنانير الذهبية ، واصبحت هى
النقود الرئيسية ، وتحول النظام النقدى فى زمن الأيوبيين من نظام المعدن الفردى الى نظام المعدنين .
وفي عهد المماليك ظل نظام المعدنين ساريا وكثرت العملات الفضية وكذلك الفلوس النحاسية ، وان يكن الذهب قد ظل مدة طويلة في عهدهم قاعدة النقد ، الا انه خضع لتغييرات متعددة من حيث العيار والوزن والحجم .
وجاء العثمانيون بعد المماليك وتسلموا الشام بعد السلطان الغورى . ومن جملة ما بني عليه السلطان سليم الاول حملته على المماليك ، ادعاؤه انه وقف عند حد الشرع الشريف فى حربه مع المماليك ، واستفتي المفتي على جمال افندي في : هل يجوز نقش آيات كريمة على الدنانير والدراهم مع العلم بان النصارى يتدولونها هم وبقية الملاحدة من اهل الاهواء والنحل . . فيدنسونها . . فأجاب المفتي : بأن الإمة التي ترفض الإقلاع عن ارتكاب هذا العار جاز ابادتها . . ولذلك تغيرت العبارات على النقود فأصبحت العملات العثمانية تحمل الألقاب الفخرية للسلطان العثماني مثل : " ضارب النضر ، صاحب العز والنصر ، في البر والبحر " . أو " سلطان البرين " ) أى بر آسيا واوروبا ( وخاقان ) اى رئيس ( البحرين ) أي المتوسط والاسود ( .
وظلت هذه النقود تتداول في الامبراطورية العثمانية إلى ما بعد الحرب العالمية الاولى ، عندما اصبحت لكل قطر عربي وقطر اسلامي
انسلخ عن الامبراطورية العثمانية ، عملته الخاصة .
دينار اخشيدي - فلسطين ٣٤١
الوجه :
مركز : لا اله الا الله وحده لا شريك له أبو القسم بن الاخشيد
الظهر :
مركز : لله محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله المطيع لله
هامش خارجي : لله الامر من قبل ومن بعد ويؤمنذ يفرح المؤمنون بنصر الله
هامش داخل : بسم الله ضرب هذا الدينر بفلسطين سنة احدى واربعين وثلثماية
هامش : محمد رسول الله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
) جدة ( .

