ان البلاد التونسية (*) تعتبر من بين البلدان المتخلفة الماسكة زمام أمرها بنفسها وهي نسبيا بلاد صغيرة من حيث مساحتها وعدد سكانها وثروتها الطبيعة متوسطة . انها ايضا بلاد فتية اذ نصف سكانها لم يبلغوا عشرين سنة من العمر مع العلم ان 32 من بين 100 مولود جديد يموتون قبل بلوغ السنة الاولى و 20 يموتون قبل بلوغ سنة التاسعة عشر ومعنى ذلك انه فى سنة 1950 - 52 في المائة لم يبلغوا سن العشرين . ان هذا الشباب مهدد الا ان كثرة الولايات تضمن دائما تعويض الهالكين ويكفى التأكد من ذلك ان ينظر المرء حوله .
واذا نظرنا إلى المرأة التونسية وجدناها كثيرا ما تشكو وتئن وربما طاب لها ذلك . ان مشاكل كثيرة تعترضها طبعا ويدفعها الحياء الى التظاهر بالابتسام والمرأة الصريحة تقول لك ان لى عدد كذا من الاولاد واترقب مولودا آخر فاذا قلت لها ماذا تترقبين لانهاء ذلك أجابت أعتقد انه المولود الأخير . ويتحدد الحوار في السنة الموالية وقد تفر المرأة من عناء الجواب قائلة تلك ارادة الله ، انه القدر . ولكن هذه المرأة تسعى دائما فى الحقيقة لاجتناب الحمل وتتفضل أحيانا عجوز باقتراح بعض الوسائل وهي تستر خبثها واقول تستر خبثها لانى رأيت الابتسامة تضئ وجه امثال هذه العجوز عندما تعلم ان العروس حامل منذ الاسابيع الاولى بعد الزواج . ان هذه العروس منذ ان حملت دخلت جيش النساء المتعذبات . لم تمض أسابيع على زواجها واذا بها تنفذ حكم القدر . ويسليها القوم عندما يرثون لحال العائلة المحرومة من الاطفال ويشفقون عليها ايضا في نفس الوقت الذى يهنئونها فيه بالحدث السعيد ويعلمونها التجلد ، لقد انتهى عهد الشباب . يجب ان تقرأ حسابا للاشخاص(المحترمين) الذين هم حولها ويجب عليها ان تتكلم وان تعترف وان تنتصح ، لقد انتهى عهد الحياء ايضا . وكذلك طبيبها المتأثر بالقانون
الفرنسى فهو الحيطة نفسها والحذر بالذات : عليها اذن ان تعول على نفسها اما ميزانية العائلة المتوازنة بعد عناء كبير فانها يجب ان تبقى متوازنة أيضا بالنسبه الى ثلاثة أشخاص ثم لخمسة ثم لستة ثم لعشرة وربما لـــ 12 واليوم ايضا بساعاته المحدودة يجب أن يكون كافيا للقيام بشؤون العائلة كلها على تزايد اعضائها الا ان طيبة القلب وربما خشية سوء العاقبة تمنعان ربة المنزل من الوقوف عند هاته الاعتبارات الانانية واذا بها تشمر على ساعد الكد وكثيرا ما تعجز عن ذلك ويقسو القدر فاذا هي حامل من جديد وعوض ان تنتظر من الزوج اعانة ما تدفعه الى البحث عن شغل يوفر مداخيل كافية .
تلك هى الوضعية من الناحية العائلية وصعوباتها المادية . الا انه عندما يكبر الاولاد يشعر الاباء بصعوبات التربية وكم من بينهم يهربون من مسؤوليتهم فتعتمد الام على صرامة الاب الذى كثيرا ما يعتبر غريبا عن المنزل مهمته فرض النظام ولو فى الظاهر . واعتبارا بذلك تقسم الام انها لن تزوج ابنتها فى سن مبكرة حتى لا تقاسى كثرة الأولاد وتقسم أيضا انها ستثقفها حتى تقدر على السيطرة على الموقف فى العائلة وتقسم انها ستهيئها كي تقدر على القيام بوظيفة او شغل ما فيتيسر لها ان تتحرر . وقد لاحظت ان بعض الاوساط تعرف كيف تجتنب الحمل ولاحظت ان اخوتها فى تلك الاوساط يتمتعن بقدر كبير من الحرية وان لهن شخصية وانهن لا يرزحن تحت عبء عدد الاطفال المتكاثر وان لهن من الحيل والوسائل ما يتمكن به من الافلات من عبودية المادة وان رؤية طفلين او ثلاثة يتجولون لابسين ثيابا نظيفة ومتمتعين بصحة جيدة ومشمولين بالعطف والتقدير لمن شأنه أن يفتح الافق حيث عالم جديد وقيم محببة الى النفس محترمة .
وهناك أشخاض كثيرون يؤثرون ازدياد عدد التونسيين بسرعة ملاحظين ان 4 ملايين عدد ضئيل بالنسبة للامم الاخرى والجواب المعروف هو ان الاولوية يجب ان تكون للكيف لا للكم وان البلاد التى تروم الخروج من التخلف في حاجة الى اطارات اى اشخاص مكونين تكوينا صحيحا وقادرين على مسك زمام مستقبل البلاد بأيديهم .
وبعضهم يلاحظ ان نسبة وفيات الاطفال كبيرة واذن فلا موجب لتحديد الولادات والجواب هو انه بالرغم عن خطورة هذه النسبة فان سرعة ازدياد عدد السكان بتونس كبيرة جدا .
وان هذا الحل الذي نسميه حلا ديموغرافيا سوف ييسر النمو الاقتصادى والنمو الاقتصادى من شأنه أن يقلل من نسبة وفيات الاطفال . حذار اذن من الوقوع فى هذه الدائرة المفرغة .
ومن الناس من يؤثرون التفكير المطلق ولا يقبلون بحال استعمال الوسائل الكفيلة بتحديد النسل لكن اذا كانت مصلحة المجتمع وتوازن العائلات تقضي بتحديد النسل واذا وفرت قلة الاطفال فى العائلة الواحدة المجال للام كي تعتنى اعناء أكمل باولادها وتستعد لذلك الاستعداد المطلوب ما هو المبدأ الذي يستند عليه القوم ليخشوا تحديد الولادات ؟ ان الخطر الوحيد هو شيخوخة الامة المهددة بالانقراض ومن واجب العالم الديمغرافى فى هذا المقام ان يمدنا بتدقيقات اكثر فى شأن ظواهر العمران وربما امدتنا احصائيات 1960 بمعطيات جديدة ولا باس ان يدرس الشباب فى برنامج الجغرافيا البشرية مثل هذه المشاكل ، اما اطباؤنا وصيادلتنا فمن واجبهم ان يعرفونا بقيمة مختلف الوسائل المستعملة لتحديد النسل والتى يزداد عددها يوما بعد يوم . فقد احدثت مصحات فى بعض بلدان الغرب امجرد اعداد المرأة لنصح قادرة على تحديد نسلها ولتتعلم أسباب الوقايه من الاضطرابات الناتجة عن سوء الاستعمال ومن ملاءمة بين الوسيلة المستعملة وحالة المرأة البدنية ، ان المراقبة الطبية فى هذه المصحات واجبة وكثيرا ما يستعملون في غير وجل اسلوب (اوجينو) وقد انعقد يوما بالهند اجتماع ضم نساء اميات وحاولت المسؤولة ان تشرح لهن هذا الاسلوب فسلمت لكل واحد منهن آلة تحتوى على كويرات وكان يكفى ان توجه المرأة كرة منها كل يوم من اليمين الى اليسار لتعرف بالضبط ما هى المدة التى تكون فيها عقيما فارتاحت الحاضرات لهذه الطريقة البسيطة الا ان البعض منهن وضعن دفعة واحدة جميع الكويرات على اليسار ليصبحن جميعا عقيمات حالا وقد اثبت الفحص الطبي انهن حملن ذلك الشهر ، واذن فان الوسائل المستعملة لا تنجح بسهولة وبسرعة ولابد من ممارسة طويلة وصبر كبير وتربية وتثقيف لبلوغ الغاية .
وبالعكس من ذلك نجد في الولايات المتحدة بعض المصحات المختصة فى معالجة العقم وفي كلتا الحالتين فان الغرض هو تحرير الفرد ، هو ان تكون الأمومة مقرونة بالسعادة وان يكون الطفل مرغوبا فيه عوض ان يكون عالة .
لم نصل في تونس بعد الى المرحلة التى يجب ان ندرس فيها برنامجا عمليا لتحديد النسل . المهم اليوم هو خلق تيار فى الرأى العام يساعد على ذلك ولا أشك في أن النساء وخاصة الصغيرات السن منهن يرحبن بذلك وقد لا يوافق ازواجهن وقد يحرصون على ان تبقى نساؤهن فى حالة عبودية
ولسان حالهم يقول : إذا كانت المرأة لا تلد فماذا عساها تفعل وقد سمعت اما انجبت سبعة أبناء تقول انه ليعز على الانسان ان يرى ابناءه يغادرون المنزل العائلي الواحد بعد الآخر وعندما قيل لها : يجب ان تجد هذه المرأة شغلا اخر لا يعتمد فقط على تربية الاولاد أجابت المسكينة : لا أبدا بل يجدر بها ان تباعد ما بين الولادات ثم تلد دائما الى بلوغ سن الخمسين . وربما خشيت هذه المرأة الشيخوخة او بالاحرى ان يعتبرها الناس دخلت الشيخوخة اذ من علامات الشيخوخة عند النساء التوقف عن الولادة .
ان المرأة التونسية تعتبر منذ زمن بعيد انها خلقت لتتزوج ثم لتلد وتعتبر أيضا ان المسؤوليات الحقيقية فى الحياة ليست من نصيبها هي فلابد من وقت طويل لتقتنع بأنه يمكنها ان تتحمل مسؤولية حياتها عوض ان تخضع لها ان البشر منذ غابر العصور حاولوا دائما ان يحددوا من نسلهم ولم تكن المسألة تهم الدولة فى الماضي وكانت النساء تتهامسن حول السر فى تحديد النسل معرضات أنفسهن الى الهلاك . وقد امكن للانسان بفضل تقدم العلوم فى جميع الميادين ان يتعلم كيف يقهر الموت . الا انه من الضرورى أن تتمكن البشرية من التغذية ومن حل المشاكل الناتجة عن تزايد السكان . لذلك رأينا بعض الحكومات تخصص في التخطيطات الكفيلة بتوفير أسباب الازدهار الاقتصادى والاجتماعى برنامجا لتحديد النسل بينما تترك بعض الحكومات الاخرى الحرية التامة للمنظمات الاجتماعية . ان الحكومة الفرنسية عندما سجلت انخفاضا فى نسبة الولادات حرمت الوسائل المستعملة لتحديد النسل ومنعت الاجهاض بقانون 1920 ويوجد فصل في القانون الجنائى يقر نفس الامر بنفس الصيغة منذ ذلك التاريخ بينما الفرق واضح بين البلادين من جميع النواحى واذا طالب بعض الفرنسيين اليوم بالغاء ذلك القانون فباسم تحرير الفرد كما يقولون اما بالنسبة لنا نحن التونسيين فان ذلك يكون من أجل تحديد نمو السكان والاعتبارات الاقتصادية واذا ما وجد تيار مناسب فى الرأى العام ووقعت دراسة مضبوطة للظاهرة الديموغرافية فى تونس ودراسة طبية للوسائل المناسبة فانه لا شىء يمنع البلاد التونسية من المضى - من غير تشاؤم - نحو عهد الرفاهية والازدهار لجميع المواطنين .
وان المرأة التونسية تعلمت بفضل سياسة الرئيس الحبيب بورقيبة الرشيدة البصيرة كيف تلعب دورها الاجتماعى بجد فالواجب يدعو الى ان نعينها على القيام بدورها .
