الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "الفكر"

الوحدة التونسية الجزائرية واثارها، وما لاقت من احداث

Share

الوحدة بين تونس والجزائر شقيقتها عريقة فى التاريخ لا يمكن ان نتحدث عن سائر اطوارها واثارها ونتائجها بالدقة التى ينبغى توخيها لان البحث فى جذورها واعماقها يحتاج الى اسهاب من شأنه ان يتطلب المجلدات الضخمة . وحسبنا فى هذه العجالة ان نستخرج العبرة ونجدد الذكرى . والذكرى تنفع المؤمنين وتحرك الهمم الخاملة والعزائم النائمة الى النضال والكفاح وتهيب بها الى تدارك ما فات بعد ان عرفت الاخطاء وتوصلت الى اصل الداء لا سيما وهذه الوحدة منذ القدم كانت شاملة للاقليم والجنس والدين واللغة . ومن المتعذر ضبط اماد تاريخها المتغلغل فى احشاء الزمن فضلا عن الاحاطة به . والواقع ان اول من ابرزها وصيرها حقيقة ملموسة وجلاها فى اروع صورها واظهرها فى اجمل مناظرها واحكم نظمها هو الاسلام الخالد الذى وحد الصفوف ووجه القوى الى كل خير بل ما كاد يرسخ فى بلاد المغرب الكبير حتى توحدت فى اوج العزة جهود هذه الشعوب التى تهافتت على الاعتزاز بمكانتها واعتصمت بكرامتها وحافظت على استقلالها فى كبرياء وعزة اسلامية ، وبذلك تبوات اعلى مكانة فى العالم القديم وتذوقت الشمم بعد الانحناء والحرية بعد الاستعباد والطموح بعد الخمود واشربت قلوبها حب الاوطان بعد الزهد فيها واقامت للعربية وادبها سوق رائجة وسرعان ما اصبحت لغة التثقيف والدين والتاريخ وشارك التونسيون والجزائريون والمغاربة فى بث حضارة الاسلام فى جزر البحر الابيض المتوسط وجنوب اروبا . وبالرغم عن حرص المسلمين الاولين على هذه الوحدة فقد تسربت الى الادمغة فى القرن الثانى للهجرة نحل ( خارجية ) و ( شيعية ) واراء شاذة استطاعت ان تحد من حد الوحدة نوعا ما وتكون دويلات صغيرة بالجزائر وتونس والمغرب تحدث عنها التاريخ الى ان غمرها السيل الاعظم سيل العبيديين الذين استندوا الى هذين الشعبين فى تحقيق خطتهم الرامية الى توحيد العالم الاسلامى تحت رايتهم والقضاء على العباسيين بالمشرق فلاقوا كل اعانة من تونس والجزائر وانتفعوا بهذه الوحدة ايما انتفاع وقد استطاع العبيديون ان يحققوا بهذه الوحدة جميع اهدافهم اذ كانت تمدهم بجميع الامكانيات الى ان بسطوا

نفوذهم على ارض الكنانة وقرروا النقلة اليها من المهدية سنة 362 ه فكان الجزائريون والتونسيون فى الجيش والادارة والمدرسة هم المشرفين والمنفذين ومن تتبع كتب التاريخ فى اواخر القرن الرابع الهجرى بمصر يلمس هذه الحقيقة النيرة . فقد حل بمصر والشام واليمن من رجالنا الوف كانوا مناط الرجاء ومظهر العمل والنشاط . ولما انتقل العبيديون الى مصر من افريقية تلقف الحكم عنهم بافريقية او تونس ابناء زيرى الصناجى وزادت الوحدة بين تونس والجزائر استحكاما ومتانة على عهودهم التى انتشرت فيها الحضارة الافريقية الاسلامية اعظم انتشار وتضخم ذلك الملك المجيد تحت لواء الوحدة وانبت من كل زوج بهيج . ولما بلغت هذه الدولة الصنهاجية عظمتها واقتعدت غارب العز الاقعس وتوقلت ذرى العز ايام باديس بن المنصور المتوفى سنة 406 ه منيت بالانشقاق والتفرق فثار حماد على ابن اخيه باديس واقتطع منه الجزائر ما بين جبل اوراس الى تلمسان واختط القلعة الحمادية بالجزائر المعروفة بقلعة بنى حماد الصنهاجى بجبل كتامة واستقل عنه . فكان ذلك بداية النهاية بعد العظمة والتحليق فى آفاق السعادة وانتشار افانين الحضارة وضخامة السلطان واطراد الرقى . وآل هذا النزاع الاثيم بين العم وابن اخية بتونس والجزائر الى تصدع خطير وتخلف فادح وشقاء بالغ وعناء مؤلم تجرعت هذه الشعوب فيما بعد مرارته وتذوقت الوان البؤس والتعاسة من جرائه وآلت الحالة فى القرن السادس الهجرى الى انقسام شائن وتصدع مخيف اعاد به الثوار بافريقية شقيقتها عصر ملوك الطوائف بالاندلس وتكالب الزمان على شواطئ الجزائر وتونس وهددوا البلاد بالاحتلال . وكان الزمن يتمخض عن امبراطورية اسلامية افريقية وفعلا دفع بالامبراطورية الموحدية التى دعا اليها المهدى بن تومرت المتوفى سنة 524 ه ودعم اركانها وابرز كيانها واعلى مكانها عبد المؤمن بن على المتوفى فى سنة 658 فوحدت من جديد بين شعوب المغرب الكبير بما فى ذلك طرابلس وبرقة وشبه جزيرة الاندلس توحيدا عتيدا كان فى شرخ امره وعنفوان فتوته يقوم على دعائم حصيفة وسنن حكيمة وانظمة رائعة لم يتمكن المؤرخون من درسها الى الان وبذلك حفظت الوحدة بين هذه الشعوب زمنا وتعاظمت الصلة الثقافية والاقتصادية والعسكرية لابعد حد الى ان انحرف الخلف من ابناء عبد المؤمن عن الجادة وآثروا شهواتهم على الحكمة واتخذوا الهوى رائدهم وتنكروا لكل صالح فاخذت الوحدة تتصدع اركانها وينتثر عقدها شيئا فشيئا فاعلن الحفصيون استقلال تونس وقسما من الجزائر بجاية وقسنطينة وبون وما اليهما عن الامبراطورية الموحدية على عهد ابى زكرياء

يحيى بن عبد الواحد الحفصى المتوفى سنة 647 ه . والتهم الخلل الامبراطورية الموحدية واخذ يتحيفها من اطرافها فكان الحفصيون يغرون بهما الشعوب الخاضعة لنيرهم ويمدونهم بالمال والعتاد وفى طليعتهم بنو مرين الذين استطاعوا فيما بعد ان يجهزوا على الامبراطورية الموحدية ويقضوا عليها القضاء المبرم سنة 674 ه . باحتلال عاصمة عرشها مراكش باعانة الحفصيون الذين تنكروا للمستضعفين من ابناء عبد المؤمن العابثين وكان الحفصيون بتونس آنذاك يتوقلون اعلى الذرى فى افاق العظمة والمجد والمرينيون يدينون لهم بالطاعة ظاهريا يسرون حسوا فى ارتغاء الى ان تمكنوا من البلاد . واخذ الحفصيون فى الانحدار من عليائهم فادركهم ما ادرك الصنهاجيين من التفرقة والانقسام حول انفسهم فاستقل قسم منهم بثغور الجزائر وبقى القسم الآخر بتونس فى اواخر القرن السابع للهجرة فتمزقت الوحدة التونسية الجزائرية من جديد وعانى التونسيون والجزائريون الآما ودفعوا ثمن هذا الاستهتار بين الحفصيين غاليا .

وبدا لبنى مرين ان يستعيدوا هذه الوحدة من جديد بما لديهم من امكانيات خطيرة عسكرية وثقافية واقتصادية فاقبل ابو الحسين المرينى على تونس ، يجر وراءه الدنيا بما حوت واعلن انضمامها الى الوحدة من جديد . ولكن هوج السلطان ابى الحسن وافلاسه فى ميدان السياسة جره الى ارتكاب اخطاء كانت وبالا عليه وعلى قومه بعد ان حاول ان يجعل للعلم بالشمال الافريقى دويا هائلا لا نظير له فى التاريخ حتى انه حمل معه الى تونس اربعمائة عالم من علماء المغرب للتعرف وربط الصلة بين علماء المغرب والجزائر وتونس ورحب به التونسيون وقال له اديبهم الذائع الصيت ابو القاسم الرحوى قصيدا بارعا جاء فيه :

اجابك شرق اذ دعوت ومغرب

          فمكة هشت للقاء ويثرب

وناداك مصر والعراق وشامه

         بدار فصدع الدين عندك يشعب

الى ان يقول :

وما تونس الا بمصر مروع

               وفى حرم امست لديك تسرب

وما اهلها الابغاث لصائد

              وبالعز منك استنسروا وتعقبوا

وقد كنت قبل اليوم كهف زعيمهم

                 فها انت كهف للجميع ومهرب

الى ان يقول :

تملكت شطر الارض كسبا وشطرها

            وراثا فطاب الكل ارثا ومكسب

بجيش على الالواح الماء يمتطى

             وجيش على الضمر السوابق يركب

وجيش من الاحسان والعدل والتقى

            وذاك لعمر الله اغلى واغلب

فيا عسكرا قد ضم اعلام عالم

             به طاب فى الدنيا لنا متقلب

واعليت قدر العلم اذ كنت عالما

              ففيه وفى طلابه لك مارب

كم كاتب لا ينكر الطعن رمحه

             خبير بايام الاعارب معرب

فهاهو فى الاقوال واش محبر

            وها هو فى الامثال ثاو مجرب

ومن ساحب بردا من العلم والتقى

            عليه ذيول الداودية تسحب

وجاهدت فى الرحمن حق جهاده

           فراهب اهل الكفر باسك يرهب

اخفق ابو الحسن على المرينى فى اعادة الوحدة شراخفاق واطرد من تونس شر طرد بعد ان هزم شر هزيمة سنة 750 وقد تصدعت الوحدة التونسية الجزائرية من جديد وبقى قسم من الجزائر يعيش مع تونس متحدا معها الى حلول القرن العاشر الهجرى حيث تكاثرت الاحداث واستهدفت المملكة الحفصية للغارات الاجنبية وظهر الاسبان بتونس والجزائر يقض مضاجع سكانها ويعبث بها فسادا وتفرقت القوى ونامت هذه الشعوب فى ميادين الجلاد وعبثت بهم يد الجلاد وكاد الياس ينسف ما بقى من آثار نفيسة وآمال فى المستقبل ضئيلة لا تكاد اشعتها المتضائلة تضئ شيئا من آفاق الرجاء فى مستقبل تونس والجزائر وعلى العكس من ذلك المغرب الاقصى . فقد تمكن السعديون بثورتهم الدينية

وبواسطة الهاب الشعور المتخدر وموالاة الدعاية للانقاذ فكان لها ابعد الاثر فى النفوس التى امتشق اصحابها الحسام ووقفوا فى وجوه خصومهم من البرتغال وقفة رددت صداها التواريخ كانت نتيجتها اجلاء الاعداء عن المغرب بارهاف الحد لهم فى النضال . وتحرك الاتراك وهم آخر الشعوب الاسلامية ظهورا فى الميدان السياسى العام الى هذا المغرب يحدو رعيلهم الامل حب الغنيمة ومدافعة الاعداء وتدفع بهم الغيرة الدينية الى الانقاذ فبسطوا سلطانهم فى القرن العاشر الهجرى على الجزائر وتونس وطرابلس بعد ان اطردوا الدخيل منها وفتكوا بالاسبان بتونس سنة 981 ه وعوض ان يوحدوا بين هذه الشعوب ويعيدوا لها مجدها الغابر مزقوها واهملوها وقسموها وتركوها غنيمة باردة تتهارش عليها رؤساء الانكشارية ويعيشون بها فكانت ادارتهم شوما وسلوكهم سيئا واصبحت هذه الاقطار على عهودهم ميادين فوضى وكان عصرهم عصر تقهقر وانحطاط عام خفت فيه كل صوت وانطفا فيه كل اشعاع ثقافى وبذلك مهدوا للمستعمرين الذين كانوا آنذاك فى يقظة ان يقتحموا الجزائر وان يتربصوا الدوائر بتونس والمغرب ويهتبلوا الفرص ما دامت الاعين نائمة والاوهام سائدة والتفرق على اشدة والجهل ضارب بحرانة والشعوب لحم على وضم فتم لهم فى هذه الظروف القاسية ما ارادوا من استيلاء على هذه الاقطار وعبث باممها واستعمار لامكانياتها وتمزيق لوحدتها وتمثيل بأهلها وتنكيل بمناضليها الى ان تحركت صارخة وثارت هائجة واعولت مستنجدة وانبرت مجاهدة فتخلص جانب عظيم وآلت هذه الشعوب التى وحدها الدين واللغة والتثقيف والتربه ان تخلص البقية من الخصم مهما عتا وتطرده من الاوطان مهما تجبر وطغى

ومن يعش ير وبعدئذ يراب الصدع ويجتمع الشمل وتعود الوحدة باذن الله

اشترك في نشرتنا البريدية