نشرت كلمة موجزة فى عدد سابق من جريدة البلاد السعودية ، عن الوفاء قلت فيها: "إن الولاء من خير ما تتحلى به الامم من خصال حميدة نافعة ، ولكن الوفاء المطلوب المثمر مفقود الأثر فى زماننا الحاضر إلا ما ندر أو هو لا يوجد إلا حيث توجد الغول والعنقاء".
غير أن الأستاذ عبد القدوس الأنصاري صاحب مجلة (المنهل) الغراء كتب إلي يقول: "إن للوفاء صحيفتين أحداهما بيضاء ناصعة والأخرى سوداء قاتمة ، وقد صورتم الصحيفة السوداء أبدع تصوير في جريدة البلاد السعودية فهل لكم ان تصوروا لنا الصحيفة البيضاء على صفحات مجلة المنهل؟".
لهذا رأيتني ملزما أن ألبى ، شاكرا ، طلب الاستاذ الانصاري ، فاكتب عن هذا اللون النادر النفيس من ألوان الوفاء وإن كان الزم لم يسعفني ولم يسعف كثيرين من أمثالى بتجربته ولا تذوق طعمه ، وكيف للانسان ان يكتب ويحسن الكتابة عن نمط سعيد لم ينعم به ؟ .
أيها القارئ الكريم :
إذا ساءتك الصفحات الأخيرة من الزمن بعد ما شاخ وهرم ، فارجع ولو مليا إلى اوائله عندما كان شابا ميمون الطلعة ، فلعلك واجد فى مبادئه ما لا تجد في اعقابه .
ستجد فيما المعت اليه فى جريدة البلاد السعودية عن اميرة اليمامة صاحبة (اليتيمة) ماندر أن يقع مثاله على نوالى الاحقاب ، ولست أدري إن كنت قرأت القصة أو لم تقرأها؟ ولكن الرواية تقول: "إن الأميرة بعد أن استيقنت
مقتل صاحبها الشاعر الكندى؛ لبست ثوب الحداد وامتنعت عن الخطاب ومنهم الملوك والأمراء ، وفاء لمن جاء يقصدها من أقصى الجزيرة ، ليهدى إليها خلاصة ذهنه ، وعصارة خياله ، وبقيت على ذلك الحال حتى ماتت،.. ثم وفاء " السموءل بن عاديا " وقصته مشهورة في التاريخ وفي الأدب ، فقد فضل عن عزم ورضى تامين ، ان يري ابنه العزيز وفلذة كبده يذبح امامه وهو يراه بعينه على ان يضيع وديعته التى استودعه اياها امرؤ القيس من دروع وعتاد حتى ضربت به العرب المثل فى الوفاء وحفظ الذمام ، وحتى قيل فيه :
ضحى السموءل بابن وهو مهجته فقصد الوفاء ولم يلف بمكتئب
لم يرض خفر ذمام في وديعته واختار فقد كريم فاخر الحسب
هذان مثلان فريدان من أمثلة وفاء العرب في الزمن السابق ندلك أيها القارىء الكريم على محاسن أخلاق اسلافنا العرب الامجاد التى كانوا يتحلون بها عن سجية أصيلة فيهم محببة اليهم .
اما وفاء زماننا الحاضر فانه (على ندرته وقلة المتحلين به من احفاد أولئك السلف الصالح) يتمثل فى شخصية مولاى صاحب الجلالة الملك المعظم "عبد العزيز السعود" ادام الله عليه نعمته ، فقد وفى أيما وفاء لأناس كانوا معه فى طلوع شمس عهده السعيد ، وأخلصوا له اخلاصا نادرا وأبلوا فى سبيله بلاء حسنا - أمثال المرحوم خالد بن لؤى ، وآل سليم أمراء بلدة عنيزة الحاليين ، واسماعيل بن مبيريك امير رابغ الحالى ، وخادم جلالته الأمين المخلص معالي وزير المالية عبد الله السليمان الحمدان . هؤلاء الرجال الافذاذ وأمثالهم الذين خدموا جلالة الملك والوطن بامانة واخلاص وولاء فأحسن لهم جلالته الجزاء وبادلهم الوفاء
وهذا اللون الجميل من الوان الوفاء ممدوح مثمر لأنه أتى من الناحيتين من الأعلى للأدنى ومن الأدنى للأعلى ولأنه لم يضع ولم يأت من ناحية واحدة
