الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 7الرجوع إلى "الفكر"

الى القارئ ، الغزو الثقافي الامبريالي الصهيونى

Share

عندما يصل هذا العدد بين يدى القارئ الكريم يكون مؤتمر الغزو الثقافي الامبريالي الصهيوني المنعقد بتونس من 29 مارس الى 3 أفريق 1982 قد أتم  اشغاله واستمع الى عدد كبير من الادباء والمفكرين العرب الذين قدموا من كل  انحاء العالم ليتداولوا في المحاور الهامة المدرجة فى جدول الاعمال وهي خمسة :

- الخصائص القومية للشخصية العربية - الغزو الثقافي الامبريالي الصهيونى والاستلاب الفكرى في الوطن العربي . - الجذور التاريخية للغزو الثقافي - الغزو الثقافي الصهيونى للامة العربية فى الوقت الحاضر - مواجهة الغزو الثقافي في الوطن  العربي

ويصادف انعقاد هذا المؤتمر الاحتفال بيوم الارض وهو المناسبة التى يتضامن فيها العالم مع الشعب الفلسطيني المكافح وخاصة فى الاراضى المحتلة حيث تجري احداث خطيرة يواجه فيها الحكم الصهيونى انتفاضة شعب مصمم على  ازاحة نير الاستعمار التوطينى والتهجيرى البشع .

ولا يخفى على القارى الكريم ان موضوع الغزو الثقافي الامبريالي الصهيونى  هو امتداد للاستعمار بأشكاله الذي عرفته الشعوب العربية فى اواخر القرن  

التاسع عشر إلى الخمسينات من القرن العشرين وانه ما يزال يستهدف مقومين اثنين من الكيان العربى : الارض والشخصية . بل ان الاستعمار الصهيوني قد اضاف الى جانب العنصر التوطيني عنصرا جديدا لم تعرفه الشعوب  المغلوبة على أمرها سابقا وهو الوجه التهجيرى الذى كنا عقدنا له فصلا على  صفحات هذه المجلة منذ عشر سنوات . فالاستعمار التوطينى التهجيري لا  يزال إلى اليوم في منتهي الشراسة وهو فى الواقع صورة اخرى للاستعمار  الجديد المتخفي الذي يستهدف الدولة الحديثة الاستقلال والذي لم يقلع - ازاءها  عن روح الهيمنة واقرار التبعية السياسية والاقتصادية وذلك بالاحاطة  بالدول وبالحكومات والابقاء على الانساق الاقتصادية الاستعمارية

واذا كان الوجه الاول من الاستعمار المستهدف لمقوم الارض بهذا التشعب  والتشابك والخطورة فان الوجه الثاني المستهدف ضرب الشخصية العربية  الاسلامية ثقافيا اشد شراسة وأحكم خطة وأخفى طرقا وأشنع اساليب  وخطورة هذا النوع من الغزو كامنة في انه لا يظهر للعيان بل يستهوى الكثير  من أبناء العروبة فلا يفطنون الى انه السم فى الدسم

وخطورة المسألة ناشئة عن التباس حاد أضر بالامة العربية الاسلامية منذ النهضة الاولى وهو التوفيق أو التمييز بين الاصالة والمعاصرة اى الى أى حد  تمسك الشعوب العربية الاسلامية باصالتها وأى اصالة ؟ وكيف تدخل باب  المعاصرة ؟ والى أى حد تنسجم هذه الشعوب مع شعوب العالم في أوربا  وأمريكا وهما القارتان اللتان اعطتا الوجه الحالى الغالب للدنيا .

بهذا الالتباس وهذا التعثر وهذا التردد ، بقيت الامة العربية الاسلامية على هذه الحال من التشتت والاندحار امام القوى الغالبة وخاصة  الصهيونية منها التى تعد راس الحربة والعدو الظاهر المباشر للعرب جميعا .

والمؤسف اننا الى الآن والمعركة على اشدها لم نتبين الخط الصحيح الذي يجب ان يقبل من الجميع والذي يحز فى النفس اننا الى الآن نتغرغر بالشعارات  

ونتشاتم كالصبيان ويشمت البعض فى البعض كعهد الجاهلية ويصرخ شعراؤنا صراخ النائحات فى الماتم ويدغدغون عواطف الجمهور بنصف  الكلمات وارباعها وهذه البلبلات لم تنشا الا عن الاحجام عن الاصداع بالواقع  ومعالجة القضية فكريا ونظريا والابتعاد عن الاحكام الظرفية الآنية

لهذا فان مؤتمرا مثل الذى ينعقد فى تونس حري بان ياخذ الامر بجد وان يقول كلمته بوضوح لينير الشباب المتطلع الى قوله الحق التى بها يمكن له ان يفتح طريق المستقبل بدون العثرات والعراقيل والكوارث التى صحبت هذا  الجيل فى طريقه المتشعب المتشابك .

واذا كان الامر واضحا بالنسبة الى الدفاع عن الارض والتصدى للعدو  الصهيونى فان قضية الغزو الثقافي تحتاج الى استراتيجية طويلة النفس تتعدى ربما هذا المؤتمر الذي سيكون فضله فى تجلية الآراء والافكار والتعمق  فيها والابتعاد عن كل مهاترة وحماس مفرط وعاطفة حاجبة للحقائق  

ولعله يكون من الاسلم والوفق والاجدى ان تجتمع خلال انعقاد المؤتمر  ثلة من المشاركين المرموقين ليعدوا توصيات فيها الجواب عن قضية الغزو  الثقافي الامبريالي الصهيونى وشرحها للجميع حتى لا يفهم منها أنها دعوة الى  التقوقع ومعاداة للغرب وللشرق لان الامبريالية فى الواقع متعددة المشارب والجهات ولان الرجال الإحرار والمفكرين النزهاء موجودون فى العالم اجمعه بما  فيه اوربا وأمريكا ويمكن التعويل عليهم

وإن الذى نخشاه من هذا الملتقي ان نخرج بتوصيات فيها اعتداد بالماضى  والحاضر وتغرغر بالامجاد وتحد لكل الدنيا وشموخ ما بعده شموخ وادانة ما  بعدها ادانة لكل ما هب ودب ونكون فى ذلك قد ارضينا فى انفسنا عاطفة   جياشة وخيالا مجنحا وأطفانا بالكلمة رغبة ملحة للظفر بحقنا والوصول  الى الغاية المرجوة .

أما الذي نؤمله فهو التوصيات الشجاعة التى تصدع بالواقع المر وتحلله  بكل صدق وجدية ولا تقف عند ذلك بل توضح الرؤية للجماهير وللسياسيين  ايضا وتقول هذا رأينا في التعامل مع الثقافات الغالبة فى العالم وهذه خطتنا للكشف عن حقيقة حضارتنا وتصورنا للتواصل بين الثقافات والامم وهذه  سبيلنا في مكافحتنا للظلم والهيمنة وهذه طريقنا لكسب الصداقات فى ارجاء  المعمورة خدمة للقيم الانسانية الخالدة وكفاحا صلبا من أجلها

ان الذي نؤمله هو تحليل جرئ للوضع من ذاك الصنف الذي صدع به الرئس الحبيب بورقيبة سنة 1965 في اريحا واصبح كل العرب الآن  يجزمون بصدقه ونجاعته .

هذا ما نؤمله ولنا عودة إن شاء الله فى عدد قادم بعد التعرف الى وقائع هذا المؤتمر .

اشترك في نشرتنا البريدية