الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 8الرجوع إلى "الفكر"

الى القارئ, الطريق مـــازالت وعرةَ

Share

لقد تحدثنا فى نفس هذا الركن منذ أشهر عن ضرورة اعداد موسوعة  عربية  (*) علمية ذات طابع علمي وعالمي يمكن ان تعطى لأهل العربية آخر ما  استحدث فى العالم من علوم ومعاف وتطلعهم بصورة موضوعية على كل  الحضارات والثقافات ، من دون غمط لدور الامم كلها فى تقدم المعرفة الانسانية  ومن غير الوقوع فيما وقعت فيه اغلب الموسوعات الغربية من شعور بالتفوق  والاعتداد المفرط بالحضارة الاوربية .

وفعلا فقد سرني أن اطلعت أخيرا على ما بدأت فيه الشقيقة سوريا من الشروع فى اعداد الموسوعة العربية الكبرى وقد كونت لهذا لجنة للاشراف تعد اثنين وثلاثين شخصية عربية مرموقة من بينهم الاستاذ محمد مزالى مدير هذه المجلة ، وتم ضبط الغاية التى تسعى اليها هذه المجموعة وتتلخص في 》 إطلاع القارئ العربى على خلاصة ما وصل اليه الفكر الانسانى المعاصر في شتى المجالات العلمية والفنية والفكرية وفي جلاء كنوز التراث العربى الاصيل وإظهار خصائصه والتعريف بأوابده وفي وصل حاضر الامة العربية بماضيها وإبراز شخصيتها الحضارية 《.

وتفطنت اللجنة الى أنه من الواجب التنسيق مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم من أجل تمويل الموسوعة وإعطائها الصفة العربية الرسمية وكذلك التنسيق مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب فى الكويت قصد توحيد الجهود والتعاون لاخراج موسوعة عربية موحدة .

وضبطت اللجنة عدة توصيات تطبيقية للدخول فى مرحلة الطبع ابتداء من  سنة 1981 ومنها أنه من الواجب الاعتماد على التأليف أساسا لتحقيق الموسوعة  وحصر الترجمة فى أضيق الحدود الممكنة والاستعانة بالحاسب الالكتروني  لتصنيف المواد وتنسيقها وتقاطعها وضبط معجم المصطلحات .

ونحن لا يسعنا إلا أن نبارك هذه الخطوة متمنين لها تضافر الجهود للوصول  الى النتيحة المرجوة على أننا نعتقد أن الموسوعة العربية يجب أن تتجه الى العالم  وتكون فى موادها مفيدة لكل الاقوام عند ترجمتها الى اللغات ذات الانتشار  الواسع مثل الانڤليزية والفرنسية والاسبانية وغيرها لأن القصد من هذه  الموسوعة يحب ألا يقتصر على أهل العربية لتزويدهم بأهم العلوم والمعارف  بل يجب أن يتجه أيضا الى من لا يعرفون عنا إلا القليل .

وعلى كل فانى أوردت هذا الخبر لا لدراسته وتمحيصه بل لغرض آخر أبسطه بعد أن أذكر خبرين آخرين الاول يتعلق بالبرغوثة الالكترونية والثانى يتحدث عن اللهجة التونسية .

فلنتحدث عن البرغوثة الالكترونية (**) والقفزة نحو المجهول يقول الخبر  انه لن تمضى سنوات قليلة حتى لا يحتاج رؤساء المؤسسات والأجراء الى  التحول إلى مكاتبهم ويقتصرون على استعمال طرف خفيف الحمل لناظم الآلة  Terminal d' ordinateur portatif وذلك لربح الوقت والاقتصاد فى البنزين  والاكتفاء بمساحة قليلة للمكاتب . وتصلح هذه الاطراف للمعاقين وللعاملات  اللائي لهن أطفال صغار جدا .

وستتولى أقمار صناعية عملاقة نقل نسخ الرسائل من مدينة لطبعها وتوزيعها فى مدينة أخرى بسرعة فائقة . وتنقل التلفزة الجرائد والمجلات المصورة مباشرة إلى المنازل إذ يكتفى كل واحد بالضغط على زر ليختار ما يقرأ . وهكذا فان ما كان من قبيل الخيال فى الخمسينات من إنسان آلى ومعامل تسير بصورة آلية وراقنات تعمل بالصوت وسيارات تسير بالناظم الآلي أصبح كله واقعا يدخل فى حياتنا العملية بفضل الالكترونية المصغرة التى باتت في نظر الجميع أهم تقنية ثورية فى القرن العشرين .

ويتمثل هذا الاختراع فيما يسمى Microprocesseur أو البرغوثة الالكترونية  Puce électronique     وهي عبارة عن لوحة صغيرة جدا غير سميكة لها مساحة تقدر بنصف سنتمتر مربع ويعد التوصل إلى ضبطها بصورة نهائية وادخالها فى الاستعمال اليومي - وهو أمر ليس بالبعيد - فى مثل أهميـة اختراع العجلة فى تاريخ الانسانية بحيث أن هذا الناظم الآلة المصغر المدمج في " برغوثة واحدة " فى قدرته ان تكون له نفس امكانيات قاعة كاملة مجهزة بوسائل الاعلامية قبل ذلك بخمسة وعشرين سنة .

وهكذا فان هذه الثورة بدأت تحير الحكومات المتقدمة وتحسب لها ألف حساب نظرا الى انعكاساتها على الاقتصاد والمجتمع خاصة من حيث تفاقم البطالة .

هذه هي اذن المشاكل التى ستعترض غدا المؤسسات الصناعية وهي - كما  يلوح للبعض - بين أمرين : اما أن تحجم عن المساهمة فى هذا السباق العالمى وبذلك تفقد أسواقها أو يتقلص اشعاعها وبالتالي يكثر بطالوها أو هي تتجه الى المساهمة فى هذه الثورة فتضطر الى التنقيص من العمال فتتفاقم البطالة ولكن العالم لا يمكن له ان يحجم عن التقدم العلمي لانه أمر محتوم .

هذا موضوع ثان محير لا يمكن لأهل العربية أن يهملوه أما الموضوع الثالث فيتعلق باللهجة التونسية وجاء فى خبر تناقلته الجرائد التونسية ويحكى قصة عالم الاصوات الروسي الذي درس اللهجة التونسية دراسة علمية فهو الفقيد " يورى زوفوديسكى " المؤلف لعدة دراسات عن " لهجات المغرب " و " اللغة البربرية " و " مشاكل اللغة فى المغرب " و " نماذج من الفلكلور التونسي في أمثاله وحكمه" .

ويقول هذا العالم عن اللهجة التونسية : ان نوعيتها تخول لها أن تكون لغة مستقلة بذاتها في المستقبل اذ ان الفوارق بين لغة الحديث فى المدينة أو الريف أو البادية غير كبيرة وان هذه اللغة هي واقع لا محالة .

ونحن لسنا ضد دراسة العامية التونسية او غيرها من العاميات ولا يفوتنا ان ننوه بعمل هذا العالم ولكن الاستنتاج الذي يجعله يتأكد من أن هذه اللهجة ستصبح يوما ما لغة قائمة بذاتها لا نعتقد انه ينبني على أسس علمية حقيقية . وهذا أيضا ليس غايتنا من ايراد الخبر . وانما الذى أردناه من هذه الاخبار الثلاثة هو أن نبين ما يلى :

-  أن العالم المتقدم يخوض مشاكل من نوع لا تشبه المشاكل التى تعترض طريق العالم العربي الاسلامي واننا فى كثير من الاحيان فى غفلة عما يخبئه لنا الغد من صعوبات لفرض وجودنا . لان هذه الاختراعات التى من شأنها أن تقلب الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى العالم المصنع لابد أن لها انعكاسات خطيرة علينا واذا كان هذا العالم المتقدم قادرا على التغلب عليها لانها نابعة من عبقريته فانه سيكون من الصعب علينا - اذا نحن لم ننتبه الى خطورتها فى الابان - أن نتحكم فى مصيرنا كما يجب .

- أن العالم المتقدم عند اهتمامه بقضايانا لا يهمه منها الا الوجه الذى يعينه على الانتفاع منا ويجعلنا دائما تابعين له ننظر الى الامور نظرته ونتوخى السبيل التى رسمها غير مبدعين ولا خلاقين ولا يكون الخلق ولا الابداع الا فى الاعتماد على عبقريتنا الكامنة في قوة حضارتنا والنابعة من لغتنا الفصحى الحاملة للطاقات المجمعة فى ما يزيد عن مائة مليون عربي .

- ان الطريق ما زالت وعرة وشائكة لفرض وجودنا الحضاري في العالم وهذا هو أساس القوة ، لان وحدتنا وان تمت بالصورة التى نرضاها ، لا تحل مشاكلنا ان نحن لم نثبت اقدامنا أمام العالم ونتجه اليه ولم نتقـوقـع فى قضايانا الصغيرة ولم نظفر بالحلول الجذرية لأهم الاسباب العاملة على وجودنا.

وفي الواقع فان العالم الثالث كله يكشو هذه الاوصاب وان اهم ما يواجهه من مشاكل هو البحث عن نظام الحكم الذي يتلاءم مع مقتضياته التاريخية والاقتصادية والاجتماعية وليس ما نشهده فى ايران الا صورة من هذه المأساة المتمكنة بأغلب بلدان عالمنا الثالث لان قضية نظام الحكم شدت أوربا أحقابا واحقابا وتسببت لها فى حروب وكوارث وفواجع امكن لها فى آخر الامر أن تتفق على نمط خول لها النهضة والتقدم .

ولعل من أوكد الامور بالنسبة للعالم العربى والاسلامي خاصة أن يتدبر امره فى هذا المجال لانه مفتاح الاستقرار والطمأنينة والحرية والكرامة التى بها تتفتح القرائح وتظهر العبقريات وتبنى الحضارات وبغيرها لا يكون ما نصبو اليه ونتمناه الا ضربا من الحلم والخيال .

اشترك في نشرتنا البريدية